عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

قصة صاحبنا

آراء

استيقظ صاحبنا من نومه في صباح يوم ما وقرّر ألا يذهب إلى العمل. وبعد أن أمضى يومه في التسكع عاد إلى البيت ونام واستيقظ ثاني يوم وقرّر ألا يعود إلى العمل. لم يعطِ سبباً معيناً لكنه لام هذا وذاك.

مرت الأيام وتوقف راتبه بعد تغيبه عن العمل. وصلته الفواتير الشهرية فأخذ يسددها من جيوب الأصدقاء. مرت خمسة أشهر وطالبه مالك مسكنه بدفع الإيجار، فذهب إلى صديق وأخذ المبلغ بداعي أنه لا يعمل وسدده لصاحب المسكن.

مرت سنة وبزغت في ذهنه فكرة عمل تجاري فطرحها على صديق مستثمر فأعجبت الأخير، وأخذا يضعان خطة عمل. وعندما وصلا مرحلة التنفيذ، طلب من المستثمر أن يمول رحلته إلى دولة أخرى بها مصنع بإمكانه صنع المنتج ونال ما أراد.

عاد إلى مسكنه، فوجد فواتير الإيجار، فأخذها إلى صديقه المستثمر في العمل التجاري المحتمل، وطلب منه تسديد الفواتير حتى يتمكن من تطوير الفكرة والذريعة أن الفكرة ناجحة جداً لو طبقت وصاحبنا لا يستطيع التفكير بشكل صحيح وفاتورة المسكن تؤرقه. فكان له ما أراد.

بعد ستة أشهر، أي عامين منذ تركه عمله، طلب صاحبنا مبلغين، الأول لإضافة تعديلات على المنتج والثاني لإيجاره. دفع المستثمر المسكين المبلغين لصاحبنا لكنه قال له هذه المرة الأخيرة ولن تحصل على شيء لأن المشروع لم يتقدم قيد أنملة.

شعر صاحبنا بالامتعاض وذهب عند صديق آخر وفي وشكا له الحال وطلب منه أن يقنع المستثمر ويشرح له أهمية استمرار تدفق المال حتى ترى الفكرة النور. ذهب الوفي لإقناع المستثمر الذي أغلق الباب بشكل كامل واتهم صاحبنا بالاستغلال.

عاد الوفي بخفي حنين إلى صاحبنا فأعطاه الأخير فواتير متراكمة لإيجار مسكنه، وقال له سدد أرجوك وإلا سأطرد. فدفع! مضت سنوات والوفي يدفع إيجار المسكن، وأما صاحبنا الذي يتمتع بمؤهلات يرفض كل فرصة عمل تأتيه. يأكل ويشرب عند صديق طيب ويخرج للتنزه مع الوفي الذي يدفع الإيجار وطوى فكرة العمل التجاري ووضعها في درجه.

بعد ستة أعوام من قرار صاحبنا ترك عمله، قرر الوفي التوقف عن دفع الإيجار وأبلغ صاحبنا بضرورة تدبير أموره أو الخروج من المنزل. لجأ صاحبنا إلى الطيب، فأبلغه الأخير أنه لا يستطيع الدفع لكنه سيفتح بيته لصاحبنا لو احتاج سكناً.

انفرجت أسارير صاحبنا وسلم مسكنه وانتقل عند الطيب ساكناً آكلاً شارباً. مر عقد كامل منذ تركه العمل، وصاحبنا يلوم البعض ويطري على الطيب الذي آواه ويرفض كل فرصة عمل.

لماذا افترض المستثمر والوفي والطيب أن حساب صاحبنا خالٍ من الأموال؟ ولماذا قبلوا استغلاله فترة طويلة؟ وما أدراهم إن كان يدير عملاً من وراء ظهورهم ويكدس الأموال في مكان ما؟

أحياناً تطغى العاطفة علينا فتعمي أبصارنا عن أمور كثيرة وتثقل كاهلنا بأمور فوق طاقتنا تعيق تحقيق مصالحنا، وحتى لو كنا مقتدرين، فلماذا الإنفاق على من لا يستحق؟

• لماذا افترض المستثمر والوفي والطيب أن حساب صاحبنا خالٍ من الأموال؟ ولماذا قبلوا استغلاله فترة طويلة؟ وما أدراهم إن كان يدير عملاً من وراء ظهورهم ويكدس الأموال في مكان ما؟

المصدر: الإمارات اليوم