قصر الحصن… شاهد على التاريخ وبوابة المستقبل

آراء

أهل الذلايل والعتاق الضمّر

هذا حصنهم ثابتات ركونه

والله لولا فعلهم ماعمّر

كم لحيةٍ راحت فدا مـن دونه

كلمات معبّرة من قصيدة أهل الذلايل للشاعر جمعة الغويص، تعود بنا إلى الماضي، وترسم لنا صورة جليّة عن حياة الأجداد في هذا المكان الذي يشهد على تاريخ دولة، وحضارة شعب، شق طريقه إلى رحاب المستقبل بجهد أبنائه، وعقول شبابه، وحكمة نسائه.

تعلمنا من مدرسة الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ضرورة المحافظة على تراثنا الثقافي للأجيال القادمة، فمهما عشنا من حداثة وتطور وتقدم، فإن ذلك ليس سبباً يجعلنا نتخلى عن تاريخنا وعاداتنا وتراثنا النابض بالحياة الذي بناه أجدادنا بدمائهم وعرقهم طوال عقود من الزمن.

بهذه الروح والرؤية شهدنا افتتاح قصر الحصن بعد إعادة ترميمه وتجديده، أول مبنى في جزيرة أبوظبي، يسرد حكاية البدايات، ويروي قصة كفاح الإنسان على هذه الأرض، وكيف واجه ضنك العيش.. تشعر وأنت تسير في قصر الحصن بأصالة الحياة التي كانت سائدة من خلال المقتنيات المعروضة والقصص المكتوبة على الجدران. سيبقى قصر الحصن الهوية التي شكلت تاريخ أبوظبي، فمنه انطلقت شرارة النهضة مع توقيع أول امتياز للتنقيب عن النفط، ومن مجلسه تشكلت نواة الحياة السياسية، واتضحت ملامح دولة الإمارات بعد استضافة اجتماعات القبائل والأعيان، ومن غرفه نستلهم الحكمة التي كانت تتمتع بها الشيخة سلامة بنت بطي، رحمها الله، في حل المشاكل المجتمعية وتلبية الاحتياجات اليومية للناس.

ومع افتتاح قصر الحصن، نشهد أيضاً تدشين منصات ثقافية وتاريخية أخرى هي؛ «المجلس الاستشاري الوطني» و«المجمع الثقافي» و«بيت الحرفيين»، لكل من هذه الصروح مكانته الخاصة، وتاريخه العريق، فالمجمع الثقافي على سبيل المثال أسهم في تكريس موقع الإمارات في قلب المشهد الثقافي العربي، ولعب دوراً محورياً في تشكيل وعي المجتمع المحلي، واليوم يعود المجمع الثقافي إلى سابق عهده، منبراً للإبداع، وحاضناً للفن، ووجهةً للإلهام والتبادل الفكري، ومنصةً تجمع الفنانين والمبدعين.

وكما حافظ الشيخ زايد على التراث الثقافي في قصر الحصن، من واجبنا أيضاً أن نحافظ على إرث زايد، ونعرف العالم أجمع على فكره، ورؤيته وفلسفته الحياتية، من خلال شراكات بدأناها بإطلاق متحف «زايد- غاندي» الرقمي، أول متحف مشترك بين الإمارات والهند، يؤرخ لزعيمين عالميين، شكلا هوية شعبيهما، وأحدثا ثورة حقيقية في التفكير الإنساني.

تراثنا الثقافي هو الروح الذي ينبض بأصالة تاريخنا، والقوة التي تعزز فخر شبابنا بهويتهم الوطنية وإرثهم العريق، وترسخ استدامته للأجيال القادمة، لنحيي محطات مضيئة من حضارتنا، ونعرّف الأبناء على جهود الآباء الذين تمكنوا من مجابهة التحديات، ووضعوا بنيان دولة عصرية حديثة، تتمتع بماضٍ عريق، وحاضر مشرق، وتتطلع نحو صنع مستقبل أفضل بسواعد شبابها.

نقلا عن “الاتحاد”