قليل من التدبر

آراء

خاص لـ هات بوست: 

يحكى أن “داعش”، لا وجه الله لها خيراً، لم تقتل المسيحيين في المناطق التي أقامت فيها دولتها قبل سنوات، في سوريا والعراق، بل خيرتهم بين دفع الجزية أو الرحيل، ومن ثم القتل إن رفضوا أحد الحلين، فيما قتل شاب داعشي أمه المسلمة بتهمة الارتداد كونها دعته للهرب وترك داعش، كذلك تحدثت حينها الأخبار عن قتل تارك الصلاة، ورجم الزانية حتى الموت، وقتل المثلي بإلقائه من علٍ، والجرائم متنوعة وكثيرة، نحن في غنى عن ذكرها وتذكرها.

وفيما تعالت وما زالت أصوات الاستنكار من الحكومات ومعظم الهيئات الدينية لتلك الأفعال، ورغم الدعوات للقضاء على هكذا حركات تفتعل الفظائع باسم الإسلام، إلا أننا على ما يبدو عالقون في المبادىء ذاتها.

وإذ جاءت الرسالة المحمدية لتخلص الملل المختلفة من الشدة، وترفع عن الناس الإصر والأغلال، وتتوج الرحمة كعنوان للإسلام، أصر الفقه عبر العصور استقاء الأحكام من الشرائع السابقة، ضارباً عرض الحائط بكل ما حمله التنزيل الحكيم من رأفة بالعباد ورحمة للعالمين، أنى كانوا، وللأسف اعتمدت أغلب التشريعات على هذا الفقه، حتى لو لم تطبقه بحذافيره.

والقارىء لكتاب الله لا يخفى عليه ألّا قتل للمرتد ولا لتارك الصلاة، ولا رجم للزاني أو الزانية ولا قتل للمثلي أو المثلية، وأن الشريعة فيه حدودية وليست حدية، ومع ذلك فإن حدودها العليا لا تصل لما جادت به الشرائع المنسوبة للإسلام.

كذلك يرى القارىء للتنزيل الحكيم ألا سبي ولا قتل للأسرى ولا تعذيبهم، وإنما {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء}فإما تمنوا عليهم وتطلقوا سراحهم، أو تحتفظوا بهم ريثما يجري التبادل حين تضع الحرب أوزارها، مع التشجيع على المعاملة الحسنة، فالأبرار هم من {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} بغض النظر عن دين هذا الأسير بالطبع، مما يعطينا فكرة عن مدى سمو هذه الرسالة التي جاءت بما احتاجت الإنسانية قرون لتصل إليه.

ويصف كتاب الله الرسول محمد (ص) بأنه {لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، ويطلب منا نحن المسلمين المؤمنين، تبجيل مقام النبوة والصلاة على النبي ومودة قرابته، لا أن نتقول عليه وعلى نسائه بما لا يليق، بل الحكمة تقتضي ألا نقبل أي ما يسيء له، أينما ورد، حتى لو كان ضمن حديث دوّن بعد مئتي سنة من وفاة الرسول على أحسن تقدير، وهو (ص) أهم بالنسبة لنا من أي راوٍ أو جامع حديث، ومن غير المنطقي أن ننسب له فتوى “إرضاع الكبير” أو ما يشابهها.

ويفترض أننا كمسلمين متفقون على أن الإسلام جاء ليكسر الأصنام جميعها، فنحن نعبد الله وحده، لا إله إلا هو، ونؤمن بأنبيائه ورسله كما أمرنا الله عز وجل، أما الصحابة والسلف الصالح فنجلهم ونحترمهم، لكن دونما قدسية، فهم قدموا مشكورين ما لديهم وفق ظروف مجتمعاتهم، لكن ما قالوه وما فعلوه ليس مقدساً، ولا رجال دين في الإسلام، فلا وساطة بين الإنسان وربه.

لكن الواقع يقول أنه ليست داعش وحدها من يرفض هذا الكلام، إنما هيئات كثيرة سواها، وإلا لماذا حكم الأستاذ “أحمد عبده ماهر” بالسجن خمسن سنوات؟ فهل لهذه الهيئات أن تعتمد أي إسلام تمثل؟ وهل لنا أن نعرف لماذا إذاً تتبرأون من داعش فهي لم تنفذ إلا ما تعتبرونه أنتم هو الإسلام وتكفرون من يقول غير ذلك؟

وكما يبدو فالمسألة ليست في قضية الأستاذ “ماهر” فقط، وإنما في نهج عام علينا أن نمتلك الجرأة للإفصاح عنه، يحاول محاباة التراث كما هو على حساب دين الله، فالإسلام كرسالة رحمة إنسانية عالمية خاتمة، جدير بأن يظهر على حقيقته مثلما جاء في التنزيل الحكيم، ونحن مسؤولون باعتبارنا حملة لغته، أن نمنح التكريم حقه، ونكشف للأجيال وللعالم، ولأنفسنا أولاً، روعة هذا الدين الذي لن يقبل الله غيره، حيث حرية الإنسان هي كلمة الله العليا، وهي الأمانة التي حملها ليصبح بموجبها خليفة، ومن ثم يحاسب على أعماله في الآخرة.

هل لنا أن نقرأ كتاب الله بتدبر وتعقل، ثم ننطلق منه قبل الحكم على الآخرين؟