قينان الغامدي: أنا ليبرالي.. وأردد كل صباح «أنا عندي حنين»

مقابلات

بدا الكاتب قينان الغامدي متفائلاً بزوال الإرهاب قريباً، والانتصار عليه، ويرى أن وزارة الداخلية استطاعت أن تكبح جماحه، كما أن الشعب السعودي أصبح أكثر وعياً بخطورته، ويجتهد في رفضه علناً، كما أشار إلى أنه في العقد السادس من العمر تضاءلت اهتماماته الشخصية، ولكن الاهتمام بالوطن وهمومه أمسى شغله الشاغل، مشدداً على أن الوطن تخطّى المآزق، فإليكم نص الحوار:

• أبا عبدالله أين أنت الآن؟

•• منذ زمن طويل وأنا في الطريق.

• هل الطريق إلى البيت أجمل من البيت كما قال درويش؟

•• أعتقد أن (درويش) ينطلق في حكمه أو حكمته من مفهوم القرب من الناس، في الطريق تجد من تتحدث معه وتفضفض بهمومك إليه، في البيت ربما تنكفئ أو تصمت أو تؤثر العزلة القاتلة أحياناً.

• ما الذي يشغل بالك في هذه اللحظة؟

•• بصدق أفكر في هذه الفوضى في شوارعنا، وأحفز ذهني للانتباه، فالشوارع تحولت إلى ميدان صراع واستفزاز واستثارة تخرجك عن طورك، ولعلمك ليس هناك فرق بين ما يحدث في شوارعنا وما يحدث في الشارع السياسي العربي.

•متى آثرت الانكفاء؟

•• مطلقاً لم أنكفئ، تعرفني أنا شخصية اجتماعية وعلاقاتي واسعة مع النخب بكافة انتماءاتها ومع الأقارب والأصدقاء خارج إطار النخبة، وربما لم أعد أكتب لكني لم أنقطع عن زملاء الهم العام ورفاق الكلمة.

•ألا تشعر بالفقد كونك لم تعد تكتب؟

•• القراءة يمكن أن تملأ الفراغ الناتج عن عدم الكتابة، وتعوّض شيئاً من الشعور بالحرمان، إلا أن الكتابة اليومية في الصحف لا يعوضها بالكامل أي شيء آخر، بالكتابة تحرك المجتمع وتتحرك من خلال ردود الفعل، الكتابة مشروع حياة، والقراءة إحياء.

• كنت تحثنا -نحن تلاميذك- على التوثيق، يبدو أنك في مواقع التواصل لا توثق؟

•• هناك فرق بين الرأي الذي يخولك أن تكتب ما تشاء، وبين المعلومة؛ المعلومة تحتاج إلى مصدر موثق، أما رأيك فاكتبه كما تشاء، وردد «رأيي وأنا حر فيه».

• أيهما طاغٍ عليك الهم العام أم الهموم الخاصة؟

•• همومي الشخصية تضاءلت وأنا في العقد السادس، يشغلني الوطن بكل معطياته ومكوناته، أتألم له حيناً وأفرح له أحياناً، وأتفاعل سريعاً مع كل ما هو مظنة خدمة لهذا الكيان الكبير، نحن في حرب إعادة شرعية في الجنوب، وحروب ليست بعيدة في شمالنا وإن كنا لسنا طرفاً فيها، الوضع الاقتصادي، ومحاولة النهوض والخروج من عنق الزجاجة، أحس بكل المشكلات واستشعر الأمل ونحن نتهيأ للتحول والشروع في النهوض الآمن.

• لم يعد الإرهاب والتطرف يثيرك -فيما يبدو- مثل ما كان سابقاً.

•• صحيح ولكن لأسباب ومعطيات موضوعية، منها نجاح وزارة الداخلية في كبح جماح الإرهاب، ونجاحات الدولة في تصحيحها الكبير للخطاب المتطرف ولقناعة شرائح عديدة في المجتمع بالاعتدال، وعندي طمأنينة أن الإرهاب سينتهي قريباً، والتطرف تدريجياً سيضمحل لأن الناس تريد أن تعيش يا علي. ولم يعد فيه وقت لمماحكات وادعاءات وتبني لغة ليست لغتنا ولا منهج ليس منهجنا، نحن شعب مسالم منتمٍ لأرضه ودولته السعودية ونبحث عن الستر والعافية، «وش لنا وش للخط المعلق كما يقول شيباننا في الباحة».

• هل تجاوزت القلق من التطرف؟

•• إلى أبعد مدى تتصوره، الدولة تبنت منهج تصحيح واجتثاث الفكر المتطرف، والداخلية ميدانياً كشفت الخلايا واستبقتها في أوكارها ورؤية المملكة تحمل من المبشرات ما يبعث على عدم القلق، والمجتمع استيقظ على شناعة وبشاعة التطرف ونصاعة الاعتدال، اليوم نحن شعب وحكومة مع الوسطية والاعتدال.

• كيف نجحت في التخلي عن هواية مجالدة الخصوم؟

•• الخصوم لم تعد لديهم قضية، فالنظام بالمرصاد لكل من يخرج عن النص، واليوم تويتر يعج بآلاف يجالدون ضعف ما جالدنا والخصوم يتضاءلون وينحسرون، والناس كفرت بالطرح البائس ممن غدو في مواقع التواصل مادة للتندر والتسلية.

• ماذا تحمل من رمضان الماضي؟

•• بركة الوقت أحن إليها، رمضان اليوم يا الرفيق مزدحم، وإيقاعه متسارع، وبين زحمة شوارع وضيق أنفس، لا بد أن تستعيد الماضي الجميل ولو من باب تعزية وتسلية الروح. الحنين في داخلي للحفاظ على الإنسان، لكني لست ماضوياً ولا أتمنى ما ذهب أن يعود.

• كيفك مع الثوابت والمتغيرات؟

•• أنا مع المتغيرات، لا ثوابت عندي إلا القِيَم.

• لو كنت على رصيف ومر قطار هل تركب؟

•• أول من يركب لأن البقاء على الرصيف ربما يحرمك إلى الأبد من الانتقال.

• حتى إن لم تعرف الوجهة؟

•• ليس مهماً، الحياة رحلة وتنقل ومغامرة، وأنا من عشاق الترحال.

• بماذا ترد على من يصفك بالليبرالي؟

•• نعم أنا وطني حر في حدود قيم الإسلام، وهنا لا تعارض بين الليبرالية والإسلام، كوني أؤمن بحرية الفرد في ظل قوانين ذات مرجعية إسلامية، والليبرالية والإسلام يمجدان الحرية المسؤولة، ولكني أتحدى معظم من يرددون هذا التصنيف أن يفسروا لي معنى الليبرالية. هؤلاء جعلوا من المصطلح شتيمة يشهرونها في وجه من يعجزون عن الحوار معه.

• دولتنا مدنية أم دينية؟

•• مدنية بنظام إسلامي؛ كون المدنية وعاء يمكن أن تضع فيه من الأنظمة ما تشاء. ومنذ التقاء محمد بن سعود بمحمد بن عبدالوهاب وكل منهما له اختصاصه.

• ما برنامجك في رمضان؟

•• لا يختلف كثيراً عما قبله عدا في مواعيد الأكل، أقرأ، وأداوم في مكتبي، وألتقي الأصدقاء.

• كنت وضعت لنفسك برنامجاً علاجياً للتخلي عن بعض العادات وتنزيل الوزن أين وصلت؟

•• أنجح فيه تارة وأخفق تارات، أنت هنا محكوم بمعطيات لابد من مراعاتها ولكني أحاول قدر المستطاع أن أحافظ على الصحة بصفة خاصة.

•هل أنت متمرد؟

•• كل من لديه أسئلة تتوالد يومياً يتمرد وإن على نفسه وقناعته، ليكسر القوالب، ويرفض الأنساق خصوصا ما يحاول البعض فرضه عليك، وهذه ضريبة المعرفة؛ شرط ألا تتحول إلى عدواني.

• ماذا عن المثقفين لدينا؟

•• يحتاجون إلى تصالح مع الذات، وإلا سيقعون في الاكتئاب والأمراض النفسية.

• هل تعرضت للاكتئاب وراجعت طبيبا نفسانيا؟

•• نعم ولكني تعافيت سريعاً، والطبيب النفساني ضرورة شأن بقية الأطباء.

•ماذا استفدت من مراجعة الطبيب النفساني؟

•• نجحت في تحقيق الكثير من الهدوء، وحجمت القلق في حدوده الدنيا، وتحولت إلى كائن تأملي بصورة كبيرة.

• ما الفرق بين التيار التقليدي وبين التيار الحداثي؟

•• التقليديون منظمون، والمثقفون ليسوا منظمين، وبين بعضهم وبعضهم صراع وعراك وخلاف دائم وحساسية مفرطة، مع الأسف لا أعلم كيف استمال التيار التقليدي بعض المثقفين لينضوا تجحت لوائهم ويرددوا مقولاتهم ويدافعوا عن قناعاتهم المعادية للفطرة وسوية المجتمعات.

•من يقود قطار التنوير اليوم في المملكة.

•• الدولة أعزها الله.

• ما انطباعك بعد لقاء وزير الثقافة والإعلام في أدبي جدة؟

•• انطباع جيد، الرجل أقر بأهمية الثقافة، وأكد على احترامه للأدباء والكتاب والمبدعين وهذا منطلق تعليق آمال عراض على معاليه، نتمنى أن يعالج أخطاء وتراكمات الماضي، ويشرع في فتح نوافذ جديدة يتنفس من خلالها المثقفون حرية وإبداعاً كما وعد.

•ماذا تطلب منه؟

•• تسريع تفعيل دور هيئة الثقافة مع استقلاليتها الكاملة وإن مرحلياً، وتعديل السياسة الإعلامية التي لم تتغير من 50 عاماً.

•عندما يستبد بك الشوق لزاويتك صباح الوطن ماذا تقو ل؟

•• أغني لها مع فيروز «أنا عندي حنين» ولكني باعرف لمين.

المصدر: عكاظ