سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

كفاك موتا في عالم الأحياء

آراء

لماذا تكتب دائما ضد القوة؟ ماذا تتوقع من أمة مهزومة أن تفعل؟ أن تمضي في الاستسلام؟ ألم تلاحظ جنابك الفرق؟ أنا لا أكتب ضد القوة، بل ضد العنف. ولا أكتب ضد حماية النفس بل ضد الاعتداء. ولست أريد أن يمضي أبنائي أعمارهم كما أمضيتها أنا، محنيي الرؤوس، كل ما أريد وما أطمح إليه، شعب بكرامة ودولة ذات سيادة. لا أقبل أن تهان دولة مثل مصر في سيناء بعدما حررتها من الاحتلال الإسرائيلي وأبعدت من الذاكرة صورة أرييل شارون يتقدم جنوده فوق رمالها. أريد دولا عربية مثل سويسرا أو السويد، فيها أكبر قوى برية وجوية، لكن لحماية حيادها لا لتهديد جيرانها الضعفاء ولا لاحتلال أراضيهم ولا لإعلانها محافظات تابعة بلغة همجية هولاكوية متعالية.

القول إنني أبشر ضد القوة سوء فهم وسوء نية. أنا أعاني من كوني مواطنا في بلد ضعيف يستقوي عليه العدو والأخ وسائر الإخوان وأبناء الأعمام والمخولين وجيرانهم ورفاقهم. كنت أتمنى دولة لا تحتل ولا تضطهد ولا يعيش شعبها مثلا «الهبيين»، على كتفه كيس فيه ثيابه وهو أيضا وسادته، فلا أحد يعرف موعد الهجرة التالية. لو كان العرب أقوياء لما فقدنا فلسطين ولا عدنا ففقدنا كرامتنا في 1967، من سيناء إلى القدس مرورا بالجولان.

لا تسئ فهم نيلسون مانديلا. لم ينتصر بالضعف بل بالقوة. لو لم تهزم القوات الكوبية القوات العنصرية في جنوب أفريقيا لما انهار النظام وشعر بالضعف. لكن مانديلا أدرك أن الاستمرار في العنف خراب على أهله أولا. الحرية ليست فقط في التحرر من النير. لا يكفي أن يسقط النير عن كتفيك لكي ترفع رأسك. بل يجب أن تكون صحتك جيدة وحياتك جيدة ومعنوياتك جيدة ومن حولك يعيشون في كفاية.

اعتصامات الميادين لا ترفع رأسك، بل تهدر وقتك، وتضيع وقت الناس، وتفلس المصانع، وتلوث الأنفس بآثار البطالة، وتوهم الناس أن الثرثرة بطولة، وأن الشارع هو المنزل والمدرسة والجامعة. هذا هو الأفيون الذي يغرقونك به والنووي الذي يرشون به حياتك ومستقبلك.

كل هذه الأفيونات جربتها الشعوب من قبلك. هذه الصين التي هي اليوم ثاني الدول، وغدا أولها، كانت مثلك. مرة مخدرة بالخشخاش، ومرة بالثورة الثقافية وساديات ماو تسي تونغ. اختر النماذج العاملة. قم إلى عملك. كفى موتا في عالم الأحياء.

المصدر: الشرق الأوسط