ياسر حارب
ياسر حارب
كاتب إماراتي

كيف تُفَطّرُ خليجياً؟

آراء

بقلم: ياسر حارب

عندما رفع المصريون شعار «ارحل» في ثورة الخامس والعشرين من يناير لم يقصدوا بذلك رحيل مبارك ونظامه فقط، بل كانوا يطمحون إلى رحيل الفقر والبطالة والفساد وكل الآلام التي سببها لهم النظام السابق على مدى ثلاثة عقود.

ولكن مصائب مبارك وآثامه لن ترحل خلفه بمجرد مغادرته السلطة، فما دُمّر في ثلاثين عاماً قد يحتاج إلى أعوام مماثلة لكي يُعاد بناؤه، حتى وإن بدت ملامح تعافٍ على وجْنَة الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس القادمة.

وهو ما نأمله، فستبقى الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية، أي المكونات الرئيسية لأي أمة، تحتاج إلى جهود مضنية حتى يصطلح حالها.

إن مَن يرى حال الولايات المتحدة بعد جورج بوش يرثي لحال أوباما الذي أتى في إحدى أصعب الفترات الرئاسية في تاريخ أميركا الحديث، ولكن من يطلع على الحالة المصرية العامة، يأسى على من سيأتي رئيسا للبلاد أكثر من أسفه على أوباما، فإذا استطاعت الولايات المتحدة أن تنجو من انهيار اقتصادي خلال العام القادم فإن ذلك سيُعزى للمنظومة المعرفية فيها القائمة على البحث والتطوير والابتكار، ولكن أين لمصر هذه المقومات؟

فعلى رغم مساوئ عبد الناصر، إلا أنه يحسب له الفضل في محاربة الأمية وخاصة في الأرياف خلال الخمسينات والستينات، ثم، وبسبب إهمال نظام مبارك للتعليم ولباقي مقومات الدولة، بدأت نسبة الأميين بالارتفاع منذ الثمانينات لتقترب اليوم من 40% حسب إحصائيات اليونيسكو، ووصل معدل الفقر إلى 70% تقريباً، وبلغ إجمالي الدين العام 90% من إجمالي الناتج المحلي، حسب أرقام المجلس العسكري.

وفي كل دولة طافت أو ستطوف بها رياح الربيع العربي نجد أن أوضاعها التنموية تحت المتوسط العالمي، فنسبة السكان القاطنون تحت خط الفقر في الجزائر تبلغ 23%، وفي اليمن 45% ونسبة البطالة فيها 35%، وبلغت نسبة البطالة في العراق 18%، ولتوضيح أهمية هذه الأرقام أكثر، فإن نسبة البطالة في بنغلاديش تبلغ 5% حسب إحصائيات (كتاب سي آي إيه للحقائق)، أما النمو الاقتصادي في لبنان فهو في ذيل القائمة العربية، والوضع السياسي في سوريا متجه إلى الهاوية.

لا أحب ذكر الأرقام كثيراً، ولكنني اضطررت لفعل ذلك هنا حتى أقرب الصورة إلى القارئ حول الأوضاع التنموية في بعض الدول العربية التي كان لها دور كبير في صياغة توجهات الأمة وقوْلَبَة هويتها الثقافية يوما ما، ثم تراجعت اليوم بسبب أنظمتها القمعية، وربما، بسبب دوران عجلة الحضارة التي لا تدوم على حال. وأتساءل هنا:

هل آن الأوان لكي تقود دول الخليج عملية التنمية الإنسانية والتغيرات الحضارية على مستوى الوطن العربي؟ لقد أثبتت بعض القيادات الخليجية منذ الثمانينات وحتى اليوم أنها مهتمة بتسخير النفط للارتقاء بشعوبها، وأثبتت بعض القيادات الأخرى أنانية مجحفة، نراها في تردي البنى التحتية وفي ضعف الاستثمار في التعليم، وفي انتشار الفساد الحكومي.

وفي التسفيه بحقوق الإنسان، ولكن الملاحظ أن الجيل الخليجي الشاب قد بلور تطلعاته بشكل عملي وطموح متجاوزاً القيود الحكومية، فحرص على نيل شهادات عالية واكتساب مهارات جديدة، ووجدناه مؤخراً يحرص على الاطلاع والقراءة والمشاركة في قضايا الأمة والتعاطي معها بإيجابية، وإيصالها إلى العالم بواقعية ودون تلفيق.

أما على صعيد الحكومات، فلقد أصبحت الدول الخليجية هي الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما يخص إما دعم أو محاولة تفكيك الثورات العربية، بل وأصبحت تشارك بقواتها المسلحة في ليبيا والعراق وأفغانستان، وأصبح الإعلام الخليجي هو الإعلام الأكثر تأثيراً على الساحة العربية، فالقنوات الخليجية (الإخبارية والترفيهية) هي الأكثر مشاهدة والأكثر إنتاجاً، وصارت الصحف الخليجية أكثر (قومية) من الصحف المصرية واللبنانية التي انكفأت على شؤونها الداخلية.

على الصعيدين الاجتماعي والثقافي، نجد أن النخب الخليجية، الدينية والثقافية، قد صارت هي الأشهر على الساحة، فإذا نظرنا إلى شبكات التواصل الاجتماعي وجدنا الخليجيين مكتسحين، وفي رمضان كان الدعاة والمفكرون الخليجيون هم المسيطرون على أوقات الذروة.

وعلى الصعيد الثقافي والفني فإننا نلحظ حركة إنتاج أدبي غير مسبوقة في دول الخليج صاحبها بروز أسماء روائيين وكتاب شباب جدد، وظهرت في الخليج أيضاً جوائز أدبية وثقافية على مستوى عالمي، وبات في الخليج أسماء كبار مقتني التحف والمعروضات الفنية على مستوى العالم العربي.

قبل أيام كتب أحدهم على تويتر: «هناك مشروع صفوي، ومشروع أميركي، ومشروع إسرائيلي في المنطقة، فلماذا لا يكون هناك مشروع خليجي» فرد عليه آخر: «لدينا مشروع إفطار صائم».

ما ينقصنا في الخليج هو إيجاد حراك اجتماعي وثقافي بين أبناء المنطقة وليس في داخل القُطْر الواحد فقط، وأكاد أرى ذلك ممكنا كلما تواصلت مع مختلف شرائح المجتمع الخليجي على تويتر وفيسبوك، وعندما يسألني أحدهم عن سبب كتابتي في عدة صحف خليجية، أقول له بأن ما يحدث في السعودية اليوم يؤثر في الكويت.

وعندما ينجح كِتاب في الإمارات، فإن صداه يبلغ البحرين وقطر. لقد ظل الخليج لسنوات طويلة صائماً عن المشاركة الفعالة في شؤون الوطن العربي، ومن الإجحاف الا يفطر اليوم في ظل وجود الإمكانيات الاقتصادية الهائلة، والوعي الشبابي الذي يستطيع، بكل سلم وهدوء، أن يوجد نسقاً فكرياً قيادياً جديداً، غير منفصل عن السياسة، وغير متّبعٍ لها أيضاً.

ليس بالضرورة أن نوحد العُمْلة لنكون كتلة واحدة، ولنبدأ بتوحيد الرؤية والرغبة في التطوير.

نشرت هذه المادة في جريدة “البيان” الإماراتية بتاريخ 3 سبتمبر 2011