كيف سقطوا؟

آراء

ذات مرة تحدث والد أحد الذين سقطوا في هاوية الإرهاب، وقال «تصورت أي شيء، إلا أن يقع ابني الغر، أصغر وأهدى إخوانه وأكثرهم طاعة وطيبة بين براثن الإرهاب، ويتسلل خلسة إلى خارج الدولة ليلتحق بتنظيم إرهابي ويقاتل بين صفوفه».

حالة من حالات محدودة تنقلها لنا وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى، ولا نعرف بها سوى بعد وقوع أمثال هذا الشاب في قبضة العدالة، وتدفعنا للبحث عن إجابة لسؤال يطرق الأذهان، كيف سقطوا، وهم بيننا؟.

وتتركز الأنظار في المقام الأول باتجاه الأسرة والبيئة المحيطة، الأسر المستقرة تتحمل مسؤولية متابعة الأبناء وحمايتهم ليس فقط من رفاق السوء الذين لم يعودوا فقط الذين يزينون له الانحراف باتجاه الرذائل والمخدرات على طريق السقوط في هاوية الإدمان والضياع. وإنما أولئك الذين يتخفون باسم الدين، ويقدمون أنفسهم كنصحاء آمنين ثم يبدأون بعملية غسيل الدماغ للصبي الغر، وتشويه كل ما هو جميل أمامه، وطنه الذي ينتمي إليه، وكان له الحضن والصدر الحنون، قيادته ونظام الحكم في بلاده، اللذان أغدقا عليه بكل سخاء وكرم، ووفرا له حياة كريمة رغدة، في بيئة من الرفاهية والأمن والاستقرار.

وحتى لا تكثر اللقاءات المثيرة للريبة يحيلونه إلى الشبكة العنكبوتية، حيث الفضاء المفتوح والمواقع والحسابات المروجة للفكر المتطرف الهدام، وبعد أن يتمكنوا من فريستهم، وتعبئة عقله الخاوي بفكرهم السقيم، يزينون له التجنيد والانضمام والقتال لحسابهم، وإن تعذر عليه الوصول إلى أوكارهم، كان التشجيع والإغراء بتنفيذ أعمالهم الجبانة داخل مجتمعه وبين أقرب الناس إليه.

لقد أحاطت الدولة الشباب بالرعاية الكاملة، ووفرت طرق العلم والتأهيل حتى ينهلوا منه ويكونون مواطنين منتجين وصالحين لخدمة أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم. وما تحقق لهذه الفئة العمرية على مختلف المستويات والمجالات لم يتحقق لأقرانهم في الدولة الكبرى المتقدمة، ومع هذا هناك من يسقط في براثن الانحراف والفكر الضال بسبب من يخالطهم من المتحدرين لأسر مفككة تعتبر نفسها محرومة، وتفرز مرضى ناقمين على المجتمع ومن فيه. ومن يتتبع ويدقق في هذه الحالات المحدودة التي ظهرت بيننا سيجد طرف خيط البداية حول كيفية السقوط، ونصنع منه خيطاً متيناً يضاف للجهد الكبير الذي تقوم به الدولة لتحصين المجتمع من التطرف والإرهاب. حفظ الله الإمارات من الفتن ما ظهر منها وبطن.

المصدر: الاتحاد