كُنْ على دراية !

آراء

خاص لـ هات بوست:

كانت جدتي سلمى رحمها الله، تصف الناس عادة بجملة افتتاحية أو جملتين شهيرتين ، ” فلان عندُه سالفة ” و “فلان ما عنده سالفة” وبعدها تطبق جدتي قبضتها من الأحكام الاستباقية وتكمل انطباعاتها الأولية التي 90% منها تصيب .

كبر وعينا وتفتح، وانخرطنا في عوالم الإعلام الذي يطرح كل يوم أديمهُ الجديد ويختبر فينا قدرات جديدة ومفاجئة،واكتشفنا أنه حتى تدافع عن فكرة أنت تحتاج ذخيرة من اللغة، مع كثير من المعلومات المتخصصة، على حبتين من الكاريزما، مع كمشة تقنيات في الأداء، مع معرفة “ متى تطلع بنبرة الصوت ومتى تعطيهم حنون الصوت، مثلا قبل عشر أعوام لم أكن أعرف أن حين تبتسم وأنت تتحدث، ستتغير تماما نبرة صوتك لتذوب البسمة في جدية الكلمة وتعطيها قوة وعذوبة .. وكي تتأكد من هذا جرب الآن أن تلفظ كلمة “دراية” بصوتك العادي وبعدها جرب لفظها وأنت تبتسم !

يقود العالم اليوم ساسة جدد، ساسة في حقل التكنولوجيا وآخرون في عالم الموضة، وغيرهم في عالم صناعة التعاطف الفيروسي، ومجموعة مهمة من قادة العالم من ملاك العلامات الفكرية العالمية وبضعة حكام يصنعون القضايا الرائجة ” التريندي توبيكس” وبينهم جميعا قادة السياسة وقادة الإعلام ..

جميعهم كي يصلوا دفة التأثير، لا بد أن عبروا من “درب التغيير”، تغيير أنماط تواصلهم واستراتيجياتهم في الحديث والتعبير من سلوك فردي أساسي إلى سلوك المتحدث النجم، أو المتحدث المستقل أو المتحدث المؤثر ،،

فمهما كانت نجاحاتك عالمية ولديك شرعية وقضية، أنت تحتاج دراية عميقة في عوالم صناعة الحديث الجماهيري، الحديث الذي توظفه لقضيتك، وتستخدمه لخدمة مشروعك، الحديث الذكي الذي يختصر عثرات السابقين ويتدارك اجتهادات السائلين، ومفاجآت الصحفيين، وتعليقات العابرين !

قمة الدراية، أن ندرك جميعنا أن التطوير والتدريب هو أسلوب حياة، وهو سر أهل الدراية الذين يدركون أن كل من ظن أنه علم هو فعلا جّهِل، وأن هذه المعرفة المتراكمة والعصرية تساهم في خلق فرص جديدة للأفراد على إختلاف تخصصاتهم ومبتغاهم !

حين نذكر كيف خاطب الشيخ محمد بن زايد حكام الإمارات الذين جاؤوا لتعزيته في وفاة الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله ومبايعته رئيسا جديد،حديثه المسترسل الذكي مرر رسائل مهمة بجمل سلسة، مشفوعة بنبرة الصوت التي لا يمكن تصور نبرة صوت أخرى تستطيع أن تكون أفضل من هذه النبرة لحمل هذا الخطاب القصير والمؤثر والذي لاقى صدى شعبي وعربي كبير وتداولته عدة مواقع عالمية ..

في الأردن وفي عز أزمة كورونا، خرج وزير المالية حينها محمد العسعس وحين سأله المذيع عامر الرجوب في برنامج جماهيري مباشر، عن تكلفة كورونا على اقتصاد الأردن في أولى أيامها، قال الوزير الشاب بصوت خفيض : “كلفتها على الاقتصاد الأردني 56 شخصا والباقي تفاصيل ” ! وحينها من خطابه الشهير تحول مادة رائجة في المنصات ومازالت جملة ” والباقي تفاصيل” نشطة في الأردن، والوزير يحظى شعبيا بمكانة يمكن القول عنها جيدة !

قوة الخطاب من قوة الرسالة وقوة القضية، ولم يعد ممكنا تقبل أنماط خطابة تقليدية ، بعيدة عن المرونة والديناميكية، فمناهج التأهيل الإعلامي العالمية حين يقدمها نجوم لهم مكانتهم في هذا العالم مع مراجعة لأشهر الأخطاء التي تحدث في الخطابات والمؤتمرات الصحفية وفي واجهة فوهات بنادق الإعلام الجديد الذي لن يتوانى عن إختبار قدراتك الذهنية وحصافتك المهنية ولن يوفر فيك قيد جملة يصطادك فيها وربما ينهي مسيرتك المهنية سواء كانت نجم منصات اجتماعية ، أو حتى شيف طبخات شهية أو حتى مدافع عن المناخ وعندك قضية، أو سياسي وناشط وتستحق أن يكون عندك مكانة مرموقة ولديك كل الأهلية ..

الحل دوما أن تكون على دراية .. حتى تكون المعرفة لك الحماية ،وحتى تتحول لمحترف وليس حديثك مجرد هواية ..

جعلنا الله وأياكم من أهل الدراية ..