علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

لماذا أتلف الطلبة مرافق مدرستهم؟!

آراء

حسناً فعل معالي حسين الحمادي وزير التربية والتعليم، عندما أصدر تعليماته بتشكيل لجنة لدراسة الحالة الاجتماعية والنفسية لطلبة مقطع فيديو إتلاف الصف المدرسي، للوقوف على الأسباب التي دفعتهم لهذه السلوكيات السلبية، والخارجة على كل أصول التربية الأخلاقية التي يجب أن يُنشّأ عليها الأبناء، والتي من المفترض أن يستمدوها من البيوت التي خرجوا منها، قبل أن يتعلموها في المدارس التي أرسلهم ذووهم إليها لينهلوا العلوم والأخلاق منها، كي تتحقق معادلة «التربية والتعليم» الأساسية، التي يحملها اسم الوزارة. لذلك، فإننا نأمل ألا تقتصر الدراسة على الطلبة الذين قاموا بهذا الفعل المشين فقط، ونرجو أن تمتد إلى البيوت التي تربوا فيها، والأسر التي أنتجت لنا صغاراً يتصفون بكل هذه العدوانية التي شاهدناها في مقطع الفيديو، وهذه الرغبة الجامحة في تخريب الصفّ الذي يدرسون فيه، وتحطيم الطاولات والكراسي، والقذف بها في الهواء، كأنهم في مشهد تمثيلي عبثي خارج عن سيطرة الجميع، بمن فيهم مخرج المشهد، إذا كان ثمة مخرج له بينهم.

كما نقترح أيضاً أن تشترك وزارة تنمية المجتمع في هذه الدراسة، لأن مسؤولية الأسرة منوطة بها، كما جاء في تصريح معالي حصة بوحميد وزيرة تنمية المجتمع، بمناسبة إطلاق السياسة الوطنية للأسرة، عندما قالت إن قرار مجلس الوزراء بإطلاق السياسة الوطنية للأسرة، هو بمثابة هدية من قيادتنا الرشيدة إلى مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة. ومع هذه السياسة الوطنية المتكاملة للأسرة، يشعر كل أم وأب وطفل في الإمارات، بأن مستقبل أسرته بخير، ويعتز كل شاب وشابة بأنه ينتمي إلى وطن جعلت حكومته من سعادة الأسرة أولوية رئيسة في خططه المستقبلية. وأكدت أن السياسة الوطنية للأسرة، تشكل عاملاً رئيساً في تجسيد أحد أبرز محاور الأجندة الوطنية في رؤية الإمارات 2021، والمتمثل في مجتمع متلاحم، يعتز بهويته الوطنية. وقالت: «لقد نشأنا في دولة الإمارات، على مبدأ أن الأسرة عماد المجتمع، ومقياس تقدم الدول، وإحدى الركائز الأساسية للتنمية الاجتماعية، فالتأثير الأكبر والأعمق في نمو الأجيال الجديدة، سيبقى للأسرة، مهما تقدم العصر واختلفت وسائل التواصل بين البشر».

تأثير الأسرة هذا الذي تحدثت عنه معالي الوزيرة، هو الذي افتقدناه في مجموعة الطلبة الصغار الذين رأيناهم في مقطع الفيديو يحطمون الطاولات، ويقذف بعضهم بالكراسي في الهواء، محاولاً تحطيم الأسقف، وهم مبتهجون بما يفعلون، بل إنهم يصورونه لينشروه بين أقرانهم، وكأنهم يقومون بعمل بطولي نادر، وهو فعلاً عمل نادر، لكنه ليس بطولياً بأي شكل من الأشكال، ولا تحت أي بند من بنود التربية السليمة والأخلاق الحميدة. الأمر الذي يدل على أن البيوت التي خرجوا منها لم تستطع أن تنمي فيهم روح المواطنة الصالحة، والمحافظة على المال العام، ولم تستطع أن تزرع فيهم حب المدرسة التي وضعتهم فيها. وإن كان هذا لا يعفي المدرسة أيضاً من المسؤولية، لأنها لم تستطع أن تكتشف فيهم هذا الكره العميق للمكان الذي يتعلمون فيه، وهذه الميول العدوانية التي تمكنت منهم، وهم في هذه السن الصغيرة، حيث يمكن الغرس كي يكون الحصاد نافعاً ومفيداً، لا ضاراً ومدمراً كما شاهدنا في مقطع الفيديو الصادم، الذي يدعو إلى الأسف والأسى والدهشة.

ليس كافياً أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتطبيق لائحة سلوك المتعلمين على هؤلاء الطلبة، وليس كافياً أن تلزم أولياء أمورهم بدفع نفقات إصلاح ما أتلفوه، وفقاً لبنود اللائحة، فالعقاب وحده لن يكون رادعاً لهؤلاء الطلبة صغار السن، لأنهم لا يدركون فداحة ما أقدموا عليه، وربما زادتهم العقوبة عناداً وشراسة وعدوانية، كرهاً للمدرسة والمجتمع، بل يجب علاجهم نفسيا، وإصلاح ما انحرف داخلهم من سلوك، وإعادتهم إلى جادة السلوكيات السليمة وأخلاق المواطنة الصحيحة. كما أن إلزام أولياء أمورهم بدفع نفقات الإصلاح، كما جاء في بيان وزارة التربية والتعليم، هو أقل ما يجب أن تفعله الوزارة، لكننا نقترح أن يتم إلزامهم بتقديم الخدمة الاجتماعية داخل المدرسة التي حطم أبناؤهم مرافقها، كي يعرفوا حجم ما تبذله الوزارة من جهود في تعليم أبنائهم، ومقدار ما تعانيه المدرسة في سبيل إعدادهم للحياة إعداداً سليماً وجيداً، في الوقت الذي يتقاعسون هم فيه عن أداء أدوارهم في بيوتهم، لتكون النتيجة ما شاهدناه من تصرفات لم تجرح عيوننا فقط، وإنما جرحت نفوسنا وقلوبنا، وسببت لرؤوسنا صداعاً من الصعب التخلص منه، قبل أن نتخلص من هذه الممارسات التي شاهدناها تصدر من أطفال صغار، لا يليق بهم أن يتصرفوا حيال مدرستهم على هذا النحو.

نحن لا ندعي أننا جيل نادر لا يتكرر، ولكننا نذكر كيف كنا نعشق مدارسنا، وكيف كنا نقوم بتزيين جدرانها بصحف الحائط، ونزين صفوفنا بلوحات الوسائل التي كنا نسهر الليالي لتجهيزها، رغم محدودية إمكاناتنا وقتها، ونعجب كيف كان الصغار الذين شاهدناهم في مقطع الفيديو يشتمون مدرستهم بألفاظ نابية، ويتلفون محتويات صفهم بمتعة غريبة، ولا يقيمون اعتباراً لعلم دولتهم الذي ظهر على جدار الفصل في خلفية الصورة، كأنهم يقولون إن رمز هذا الوطن لا يعني لهم شيئاً.

نتمنى على وزارة التربية والتعليم، أن تنشر نتيجة الدراسة التي أمر بها معالي الوزير، حتى لو كان فيها ما يحمّل المدرسة بعض المسؤولية، ليس بغرض التشهير بالطلبة وذويهم، أو إدانة المدرسة، وإنما كي نفهم ما جرى، ونطّلع على خلفياته فنعالجها.

المصدر: البيان