ياسر حارب
ياسر حارب
كاتب إماراتي

لماذا ذهبنا إلى اليمن؟ – بقلم: ياسر حارب

آراء

قبل وفاة السيد محمد مهدي شمس الدين – رحمه الله – الذي كان رئيساً للمجلس الشيعي الأعلى بلبنان، ألقى على ابنه، وهو على فراش الموت، مجموعة وصايا للشيعة في العالم، كانت غاية في الأهمية، جاء فيها: “أوصي أبنائي وإخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وألا يميزوا أنفسهم بأي تميز خاص، وألا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز”. ثم يقول رحمه الله :”وأوصيهم بألا ينجروا وألا يندفعوا وراء كل دعوة تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلم عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتع بها سائر الأقليات. إن هذه الدعوات كانت وما زالت شراً مطلقاً”.

لقد كان رحمه الله صاحب نظرة بعيدة؛ فقرأ الواقع السياسي في المنطقة بعناية، واستوعب محاولات إيران لتصدير الثورة الخمينية إلى العالم العربي، وتحويل فكرة “ولاية الفقيه” إلى إحدى مُسلّمات المذهب الشيعي لإحكام سيطرتها على شيعة العالم. وقد عارض هذه الفكرة الخمينية، التي لا تُعتبر أصيلة في المذهب الشيعي، علماء كبار عند الشيعة، كالسيد محمد مهدي شمس الدين، والسيد علي الأمين، والسيد هاني فحص، والسيد محسن الحكيم وابنه محمد باقر الحكيم، والسيد إياد جمال الدين وغيرهم. الملاحظ هنا أن كل هؤلاء المراجع هم من الشيعة العرب، مما يدل على استيعابهم للبعد السياسي الإثنِي لفكرة ولاية الفقيه التي تسعى إلى جعل إيران الفارسية المرجعية الشيعية الكبرى.

إذاً الفكرتان الرئيستان اللتان تسعى إيران من خلالهما إلى اجترار أمجاد الإمبراطورية الفارسية والسيطرة على المنطقة هما: ولاية الفقيه، التي ما زالت محل أخذ ورد بين علماء الشيعة. وتصدير الثورة، التي يبدو أن إيران نجحت في تحقيقها إلى حد بعيد. فإيران اليوم تحتل العراق، سياسياً ومذهبياً، خصوصاً بعد صمت مرجعية النجف عن العبث الإيراني في العراق العربي. وتحتل بطريقة مشابهة لبنان، خصوصاً بعد وفاة السيد محمد مهدي شمس الدين وتحول المجلس الشيعي الأعلى لمؤسسة صورية، وسيطرة نصر الله وحزبه على الخطاب الشيعي هناك فأصبح الحاكم بأمر إيران في لبنان، ثم تمدده في سوريا في السنوات الأخيرة، لِتُحقق إيران حلمها بتشكيل الهلال الشيعي في شمال الجزيرة العربية. المشكلة ليست في كون الهلال شيعياً، فالشيعة جزء من النسيج العربي وهم مواطنون كلٌ في بلده، ولكنها في كونه هلالاً إيرانياً يخشاه حتى علماء الشيعة العرب وعقلاؤهم.

ثم توجهت إيران إلى اليمن منذ سنوات تستميل الشيعة الزيدية إلى جانبها مستخدمة أسلوب “المظلومية” وشعارات “الأقلية الشيعية في الوسط السني” التي حذر منها السيد شمس الدين رحمه الله. وكذلك في البحرين، كانت وما زالت تحاول إثارة النعرات الطائفية مستخدمة الأسلوب نفسه لخلخلة أمن بلد عربي وصناعة فوضى غير خلّاقة فيه.

وقبل أيام توصلت إيران والدول الكبرى لاتفاق حول برنامجها النووي، وقريباً ستستعيد علاقاتها الدبلوماسية والتجارية والعسكرية مع كثير من دول العالم، وستكون أقوى من قبل دون شك. ومع انسحاب الأمريكان من المنطقة وتوجههم نحو المحيط الهادئ، ستحاول إيران أن تقوم بدور “شرطي المنطقة” وستعيث فيها فساداً.

الناظر لكل هذه الإرباكات السياسية والاجتماعية والأمنية يُدرك لماذا تحركت دول الخليج للحيلولة دون تدخل إيران في البحرين. ولماذا تحركت السعودية والإمارات عسكرياً في اليمن ضد الحوثيين الذين تحولوا إلى وكيل إيراني بحت (والكلام هنا سياسي وليس مذهبي). تَصَوَّر معي لو أن إيران سيطرت على اليمن ومضيق باب المندب، إلى جانب سيطرتها على مضيق هرمز وهلالها الطائفي في الشمال، فإنها بذلك ستشكل فكّي كماشة فارسية حول الجزيرة العربية. وقد يستغرب البعض ويقول لماذا تستخدم كلمة “فارسي وعربي” وأقولها بصراحة: إن الصراع في اليمن ليس صراعاً مذهبياً بين السنة والشيعة، بل صراع عربي فارسي بحت، وحرب مصيرية لمنع إيران من تصدير ثورتها وميليشياتها وفقيهها الوليّ إلى المنطقة. إن اليمن بالنسبة لنا في الخليج ليست كفييتنام أو كأفغانستان لأمريكا، بل هي كالبحرين وكأي قُطْر خليجي آخر، هي شأن خليجي داخلي لا يمكننا استراتيجياً أن نتخلى عنه. ووجود القوات السعودية والإماراتية هناك ليس لاستعراض قوتهما العسكرية، وليس لتجريب أسلحة جديدة كما روّج بعض المنتسبين لتيارات الإسلام الحزبي، بل للحفاظ على عروبة اليمن واستقلاله.

لكل هذا تُقدم السعودية والإمارات تضحيات في اليمن كل يوم، وشهداء أبرار علّمونا أن التضحية لا تكون في داخل الوطن فقط، بل في كل مكان يمكننا أن ننصر فيه إخوة لنا أو نرفع ظلما عن مظلوم. إن مع ارتفاع روح كل شهيد إلى السماء تتحرر أرض جديدة، ويجتمع شمل أسرة مكلومة، ويضاء حيّ مدمَّر، ويُرفع أذان في مسجد مُغلق، وتحيا أرض بوار.. فدماء الشهداء وحدها قادرة على تطهير الحياة من الظلم لتنعم الناس بالحرية والحق والسلام.

خاص لـ (الهتلان بوست)