محمد بن زايد: العلماء مسؤولون عن التصدي لفرق الغلو والتطرف

أخبار

شهد صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية، بعنوان «حماية المجتمع من التطرف»، في مجلس سموّه الرمضاني في قصر البطين في أبوظبي.

وحضر المحاضرة الدكتورة أمل القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي وسموّ الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، وسموّ الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، وسموّ الشيخ عمر بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، وعدد من الشيوخ والوزراء، وكبار المسؤولين وأعضاء السلك الدبلوماسي.

وقال الدكتور جمعة: أتقدم بالشكر إلى الإمارات قيادة حكيمة وشعباً كريماً، على مواقفها التاريخية المشرفة تجاه شقيقتها مصر العربية، وأؤكد أن الشيء من معدنه لا يستغرب، فهذه المواقف العربية الأصيلة الكريمة الشجاعة من الإمارات وقيادتها لا تستغرب من أهل زايد الخير، فأنتم، توارثتم هذه الصفات النبيلة والخيرية من زايد الخير، وأسأل العلي القدير أن يديم عليكم فضلكم وعزكم وما تقدمونه للإنسانية جمعاء من خير. 

وأضاف: يطيب لي أن أهنئ الإمارات بهذا الشهر الفضيل، سائلاً المولى عز وجل أن يجعله شهر أمن وأمان ويمن وبركة وصفاء للإنسانية جمعاء. 

وحدد خلال المحاضرة استراتيجية متكاملة لحماية المجتمع من التطرف مؤكدا أن الفكر المتطرف يشكل خطراً داهماً على الدين والأوطان والإنسانية، وهذه الجماعات المتطرفة التي تنتسب إلى الإسلام ظلما وبهتانا، تذبح وتقتل تحت راية الإسلام، نقول لها إن الإسلام والقرآن الكريم بريئان منها لأنها تسيء إلى أوطاننا وديننا ومستقبلنا. 

وأضاف: لو قلت لأي شخص إن ديناً في تاريخ البشرية يجيز ذبح البشر والتنكيل بهم سيقول لا نريد هذا الدين، فهذه الجماعات المتطرفة لا تؤمن بالأوطان، وإنما تؤمن بالتنظيمات التي تنتمي لها، ولا وفاء لهذه الجماعات، والإرهاب يأكل من يصنعه ومن يدعمه ومن يموله، لأنه لا خلاق لهم ولا وطن. 

وتساءل جمعة: هل المطلوب تفكيك الجماعات الإرهابية أم تفكيك الفكر المتطرف؟ وأجاب: المطلوب وبحزم تفكيك الجماعات المتطرفة والفكر المتطرف معاً، والأهم تفكيك الفكر المتطرف لأن أي دولة تقضي على جماعة متطرفة هنا أو هناك، يمكن أن تظهر فيما بعد جماعة أخرى أعتى وأشد، وبالتالي الأهم هو تفكيك الفكر المتطرف. وإذا صححنا الفكر وأنشأنا جيلاً واعياً تكون النتائج افضل، لأن الجماعات المتطرفة تركز على النشء بدءاً من دور الحضانات والمدارس.

وقال: علينا تحصين الشباب، بالآتي: تجفيف منابع التطرف وغلق منافذه، بمنع غير المؤهلين وغير المتخصصين من القيام بالعمل الدعوي أو الثقافي، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وأشار إلى أن معظم ما أصاب منطقتنا من تشدد ناتج من خروج الفئات غير المؤهلة لساحات الفتوى فضلّوا وأضلّوا. 

وأضاف: وكذلك التنبه من توظيف الجماعات المتطرفة السياسي للدين، والمتاجرة به واتخاذه مطية لتحقيق مصالحها، التي تهتم بمظهر التدين الشكلي وتركز على التدين السياسي لتحقيق مصالحها، ومن هنا يجب منع المتطرفين والمتشددين من الصعود إلى المنابر وإعطاء الدروس لأنها قضية وطن ودين، ومواجهتها واجب ديني ووطني، لأنها تشوه الوطن والحضارة الإسلامية، وعلى المؤسسات الدينية الدعوية والمؤسسات التعليمية أن تتنبه إلى الذين يحملون فكراً متشدداً وألا توكل إليهم المهام الدعوية والتعليمية، فكل من ينتمي إلى جماعات متطرفة أو يحمل أفكاراً متطرفة يجب أن يبعد عن التكوين الثقافي، وهي قضية وطن ودين وليست قضية أمنية، والدين لا بدّ من وطن يحميه، فقضايا الوطن في قضايا لب الدين. 

وأوضح أن العنصر الثاني من المحاضرة هو دور العلماء والمثقفين، حيث إنه من واجب العلماء والمثقفين أن يبينوا للبشرية القضايا الصعبة ومنها التكفير والجهاد والخلافة ونظام الحكم والجزية، فلا يجوز الحكم على إنسان ما بتكفيره إلا بحكم قضائي. والعلماء فرقوا بين التكفير المعين وغير المعين. أما بالنسبة للجهاد ففي مؤتمر إسلامي سابق حضره أكثر من 200 عالم من مختلف دول العالم، أكدوا انه ليس من حق الأفراد ولا الجماعات ولا الأحزاب والتنظيمات إعلان حالة الحرب والسلم، ومن له حق إعلان الجهاد هو من أناط به الدستور إدارة البلاد، والجهاد في الإسلام لا يكون اعتداء أبداً وإنما رد العدوان على دولنا. 

وأضاف: بالنسبة للجزية يقولون إن حكوماتنا لا تحصِّل الجزية من غير المسلمين، نقول هنا انه لم يثبت في تاريخ الإسلام أن الجزية فرضت من جانب واحد على جانب آخر، وإنما هي عقد اتفاق بين جانبين، وعندما كان غير المسلمين لا يؤدون واجباتهم في الدولة الإسلامية كانوا يؤدون الجزية، أما وإن غير المسلمين في الدول الإسلامية من أبنائها يشاركون في الجيش والشرطة ويؤدون واجباتهم الوظيفية وغيرها في المجتمع فإن شرط إلزامهم الجزية قد زال. 

وتطرق إلى دخول الأجانب إلى بلاد المسلمين قائلاً إن كل من دخل بلداً من بلاد الإسلام سائحاً أو مستثمراً بتأشيرة أو وفق النظم والقوانين المرعية اصبح له عهد أمان بالحفاظ عليه، ومن واجب الجميع ان يحسنوا إليهم وأن يظهروا لهم المظهر الحضاري. 

وقال: بالنسبة لنظام الخلافة ونظام الحكم نؤكد هنا أن الإسلام لم يفرض على المسلمين أو أتباعه نظاما أو قالبا جامدا للحكم يصبّ فيه صباً يسير عليه الناس وإنما وضع أسسا عامة منها إقامة العدل بين الناس، فكل حكم يضمن تحقيق العدل ويمنع الفساد ويعمل على توفير افضل سبل الحياة وتحقيق مصالح الناس، ثم يمكن الناس من إقامة شعائر دينهم وكل حكم أدى إلى ذلك فهو حكم عادل، والعبرة في المبنى والمعنى وليس بالمسميات، فالقضية ليست في المسمى، والأسماء والمسميات لا تغير الواقع، والإسلام لم يضع نظاما ثابتا جامدا يجب السير عليه، واستقرار البلد ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فأي عاقل يعترض على ذلك؟ 

وأوضح الدكتور جمعة أن العنصر الثالث من المحاضرة هو كيف نحصن النشء والشباب من الفكر المتطرف، مشيرا إلى انه في فترات ما فهمت بعض الأنظمة خطأ أن مواجهة التطرف تقتضي تجفيف منابع التدين، وهذا إحساس خطأ، والأصل هو تعليم جيل الشباب ويجب تعريف النشء بحرمة الدماء، فلا إكراه في الدين، ولا يوجد في الإسلام قتل على معتقد فقط، ولم يقتل الإسلام شخصا واحدا لكفر أو لمعتقد معين، ومن حاول أن يحمل الناس على دين واحد مخالف لديننا الحنيف. 

وأكد أننا لسنا بحاجة إلى تجديد الخطاب الديني فقط، وإنما إلى تجديد المناهج التعليمية والخطاب الثقافي والإعلامي، لأن معظم ما نلقاه ناتج عن ضيق وعدم تجديد الخطاب الديني والثقافي والإعلامي. 

وتطرق إلى موضوع العائدين من «داعش» والتنظيمات الإرهابية قائلاً: نؤكد أن ما يغرسه هذا التنظيم من أفكار في عقولهم، بأن النعيم المكتوب في الآخرة وفي الدنيا كما يزعمون هو خداع، حيث إن الشاب المنتمي إلى هذه الجماعة المتطرفة اذا فكر أن يعود إلى صوابه ووطنه، كان جزاؤه الذبح والتنكيل من قبلهم. ونقول للشباب اذا كان شخص يدعوك إلى الرحمة والتسامح والعمل والإنتاجية وحب الوطن، فهذا يدعوك إلى الدين الصحيح، أما إذا كان يدعوك إلى الفساد والقتل والتخريب فهذا غير صحيح، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحب الفساد والقتل. 

وأكد أن ديننا دين البناء والتعمير وحب الخير، وعندما كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان قال «ولقد كرمنا بني آدم»، وعندما بعث محمدا عليه الصلاة والسلام قال «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». 

وأضاف: إن ديننا يدعو إلى البناء وندعو جميعا إلى نبذ جميع أنواع العنف والتطرف والتمييز العنصري، ونؤكد العلاقات الإنسانية بين البشر دون تمييز بين الدين والعرق.

وأوضح الوزير في معرض رده على أسئلة الحضور، أن ديننا دين وسطي لا إفراط ولا تفريط، ونؤكد أننا بالقدر والقوة نفسيهما اللذين نواجه بهما التشدد، نواجه التسيّب. 

ونصح للشباب أن يأخذوا العلم من العلماء وأهل العلم، والتعلم من أهل العلم، وعلى المؤسسات الدينية أن توفر مواد مشوّقة وجذابة لفئة الشباب، وأن تنسق هذه المؤسسات بما فيها وزارات الأوقاف ومراكز الإفتاء فيما بينها.

المصدر: الخليج