ريم الكمالي
ريم الكمالي
كاتبة في صحيفة البيان

مساجد الغد

آراء

استعرض الأستاذ كامل يوسف حسين في جلسة مهمة بمركز جمال بن حويرب للدراسات بجميرا قبل أيام، موسوعته الضخمة الخاصة بدور العبادة «موسوعة مساجد الإمارات»، وهو اشتغال عميق لمساجد الدولة الفريدة في معمارها والتي ضمت 6527 مسجداً، فمن أهميتها أن طالبت مكتبة الإسكندرية بعشر نسخ منها، وكذلك مؤسسات عربية كبرى أخرى.

كامل يوسف حسين مترجم مصري شهير له ترجمات كبرى في الأدب الروسي والأمريكي والياباني وترجمات مهمة لملاحم ومؤلفات بحثية تاريخية عدة، فهو باحث دقيق ومترجم ثقة لا يتكرر كثيراً في هذا الزمن.

طرح في الجلسة سؤالاً مهماً: كيف يجب أن تكون مساجد المستقبل في الإمارات؟ وكيف اختلف عليه الباحثون حين كتب مقالاً يذكر فيه مساجد الغرب التي ترفض الذهب والمجوهرات، وتميل إلى الوضوح والبساطة بعد أن انعتقت من عناصر التعقيد.. هذه الملامح لمساجد الغد كان يعني بها مساجد الأحياء السكنية والأسواق، ولم يعني بها مساجد الدولة الكبرى لأنها بطبيعة الحال لن تتكرر، فكما نعلم أن لكل دولة إسلامية مسجداً كبيراً، يسمى مسجد الدولة، ولمساجد هذه الدول الكبرى رسائل كبرى تأتي بحجم مسجد الدولة وزخرفته وطرازه المعماري ومكان تشييده الذي يأخذ عادة في ارتفاع أو وضوح معين.. وقد يتضح ذلك في جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي بوصفه أنموذجاً فنياً بارزاً، أراد المؤسس الراحل من خلاله إرسال رسالته الخاصة للكون بأنه من هذه البقعة عاش مع شعبه آمناً بهذا الدين، وبأنهم من أمة مسلمة وموحدة رغم ما بين الأمة من عناصر فرقة، وأن كل جزء من هذا الجامع يعبر عن تيار وعن اتجاه وعن وجود.

وإن عدنا إلى ماضي القاهرة فهناك مسجد للسياسي المحنك محمد علي باشا، حين قام بتشييد مسجد الدولة في أعلى القلعة، وكأنه أراد من خلاله توجيه رسالة للسلطان العثماني بعد انفصاله عن إمبراطوريته، بأنه لا خصومة بينهما ولا صراع، والدليل بناؤه المسجد بطراز عثماني، وكذلك مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء والقائم أمام أمواج الأطلسي بزخرفة تُعنى بهوية المغرب المعمارية المميزة، وبالتالي لا تتكرر مساجد الدولة كتكرار مساجد المناطق السكنية والطرقات، التي نريد لها سوى شرطين: بساطة الطراز وقوة البناء، فمن الجسامة إدخال كل تلك الزخارف المكلفة من أجل رسالة عائلية أو منزلة وإبراز مكانة مالية، والغريب ابتعاد هؤلاء عن تقديم المعمار المحلي لتطويره، متخذين الطراز المعماري للمماليك والعثمانيين والفاطميين، ليمتد إلى اليوم، وذريعتهم أن مواد البناء القديمة باتت نادرة وباهظة أمام المتوفر، وبرأي الأستاذ كامل أنها حجة، فبإمكانهم استبدالها بتصنيع مادة شبيهة بما سبق، لتبقى «موسوعة مساجد الإمارات» وبعدسة البارع وليد قدورة، تستحق الاقتناء لما فيها من جهد خلاق يبني رؤى جديدة.

المصدر: البيان