مستقبل المياه في المنطقة

آراء

الماء هو الحياة؛ وعلى مر العصور، كان توافر المياه ضرورياً لنمو المدن والحضارات وازدهارها. 

يعيش اليوم نحو ملياري إنسان في بلدان تعاني من ندرة موارد المياه. من جهة أخرى، فإن الاتجاهات العالمية كزيادة الهجرة من الريف إلى المدن والنمو السكاني، وتغير المناخ، والاحتباس الحراري، تضاعف الطلب على مواردنا المائية باستمرار. وتشير التوقعات إلى أنه بحلول العام 2050، سيواجه 40 بالمائة من سكان العالم، أي نحو 5 مليارات شخص، عجزاً مزمناً أو متكرراً في توافر المياه العذبة.

وعلى مستوى دول الخليج، تفاقمت العوامل الجغرافية مثل انخفاض معدل هطول الأمطار والتربة المالحة إضافة إلى القدرة المحدودة على حفظ المياه بسبب تزايد معدل استهلاك المياه لكل فرد، والنمو السكاني المتزايد. ونظراً لقلة موارد المياه العذبة، بدأت دول الخليج تعمل على تحلية المياه لتوفير أكثر من 70 بالمائة من المياه الصالحة للشرب في المنطقة.

كان الوالد الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات طيب الله ثراه يرى ببصيرته أهمية المياه ودورها في حياة الناس. ولمواجهة التحدي المتزايد لتأمين موارد المياه، استثمرت الإمارات العربية المتحدة، استناداً إلى رؤية الشيخ زايد وفي ظل قيادته، في قطاع إنتاج المياه والكهرباء المستقل، الذي ينتج المياه والكهرباء جنباً إلى جنب. وعلى مر العقود الثلاثة الماضية، تبنت الإمارات العربية المتحدة وبعض دول مجلس التعاون الخليجيّ برامج واسعة النطاق لتحلية المياه باستخدام المحطات الحرارية. لكن التغيرات التي يشهدها السوق تتطلب تطوير هذه التقنيات لتصبح أكثر كفاءة حتى تستمر في سد احتياجاتنا من الطاقة.

كما نعلم، فإن ارتفاع الطلب الموسمي على المياه في فصل الصيف بدول الخليج يؤدي إلى زيادة إنتاج الطاقة، وبالتالي يكون إنتاج المياه بتقنية المحطات الحرارية باهظ التكلفة ومتدني الكفاءة. يستأثر قطاع المياه بأربعة بالمائة من استهلاك الكهرباء، ليس في منطقتنا فحسب وإنما على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2040. وهذا يعني أن الفصل بين توليد الكهرباء والمياه في عملية التحلية من شأنه زيادة الكفاءة التشغيلية وتوفير الطاقة، بالإضافة إلى الإسهام في تخفيض تكاليف هائلة.

تواجه الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج عموماً أزمة المياه التي تلوح في الأفق من خلال حزمة من الخطط الجريئة لإدارة موارد المياه. وسيدرك العالم كيف أن اعتماد الكفاءة والابتكار هو منهج رائد لا بد منه في مستقبل صناعة المياه، فالكفاءة والابتكار هما عاملان جوهريان سيعودان بالخير على المنطقة، بل وعلى العالم بأسره، إذا تم تحقيقهما على الوجه الصحيح.

إدارة الموارد المائية

في إطار تركيز الإمارات العربية المتحدة المستمر على الكفاءة، أعلنت دولة الإمارات عن استراتيجية شاملة لإدارة الموارد المائية عام 2017 تشمل جميع عناصر سلسلة توريد المياه للعقدين التاليين، مع التركيز بوجه خاص على إدارة الموارد المائية. كذلك أعلنت المملكة العربية السعودية عن برنامج “قطرة” الوطني في وقت مبكر من هذا العام، والذي يستهدف ترشيد استهلاك المياه بمقدار 24 بالمائة بحلول عام 2020 و43 بالمائة بحلول عام 2030. وتُقيّم المملكة في الوقت نفسه عمليات فنية وتقنية لإدارة مشروعات المياه وتقليل إهدار المياه في شبكاتها.

وسوف تتطلب سياسات دعم الإدارة الفعَّالة لموارد المياه والمحافظة عليها استراتيجيات مبتكرة، كتلك التي تقودها اللجنة العليا بشأن قطاع الماء والكهرباء في أبوظبي برئاسة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، كما ستتطلب استعداد المواطنين لتغيير سلوكيات استهلاك المياه. وكلنا نعلم أن هذه ليست بالمهمة السهلة، لكنها ليست بالمستحيلة كذلك.

منهجٌ قائم على التطور التقني

يُعد التناضح العكسي (reverse osmosis) أكثر التقنيات المتطورة التي تبشّر بالخير في مجال تحلية المياه؛ حيث يتيح زيادة الإنتاج الموفِّر للطاقة، مُكللاً مساعي الفصل بين الطاقة والمياه. وقد اكتسبت تقنية الأغشية أهمية كبيرة على مستوى العالم نظراً لما تتميز به من كفاءة في التكلفة، والاستدامة، والجودة.

وقد أولت المنطقة اهتماماً خاصاً لهذه التقنية؛ ففي عام 2015، استكملت شركة أبوظبي الوطنية للطاقة “طاقة” توسعاتها في محطة التناضح العكسي في الفجيرة (الفجيرة 1) والتي جعلت من المحطة واحدة من أضخم مرافق تحلية المياه بالتناضح العكسي في الشرق الأوسط. كما افتتحت المملكة العربية السعودية مؤخراً إحدى أكبر محطات التناضح العكسي في العالم، في مجمع “الشعيبة”، وهناك مشاريع أخرى ستبصر النور في القريب العاجل.

إن الإمارات العربية المتحدة، التي تعد أحد أكثر بلدان المنطقة ندرةُ في موارد المياه المتجددة المتاحة، هي أكبر المستفيدين من إيجاد حلول مبتكرة. وبفضل اقتصاد دولة الإمارات المتنامي القائم على المعرفة، والنهج الابتكاري الشامل التي تتبعه جميع الدوائر الحكومية، ومنظومتها التقنية الريادية، تعد دولة الإمارات بمثابة مختبر مثالي لتجربة التقنيات الحديثة التي يحتمل أن يكون لها أثر بارز على قطاع المياه.

تشهد تقنيات التحلية بالتناضح العكسي مزيداً من التطور، وهناك مؤسسات في دولة الإمارات العربية المتحدة تستغل بالفعل موارد غير تقليدية للطاقة، مثل الطاقة الشمسية، لابتكار حلول موفرة للطاقة وبتكلفة أقل. وقد أطلقت الإمارات في عام 2013 دراسةً تجريبيةً حول تقنيات تحلية المياه بالطاقة المتجددة في “غنتوت”، ووجدت أن استخدام الطاقة الشمسية في تقنية التناضح العكسي قادرٌ على توفير استهلاك الطاقة بنسبة تربو على 75 بالمائة مقارنةً بطرق التحلية بالطاقة الحرارية. كما تجري الإمارات اختبارات لتقنية تعتمد على امتصاص الطحالب للأملاح من المياه. وفي حالة ثبوت فعاليتها، ستكون الإمارات أول دولة تستخدم هذه التقنية المتطورة. وهناك تقنيات أخرى، مثل أغشية الجرافين المثقَّبة، القادرة على إحداث تحول في هذا القطاع الصناعي من حيث توفير التكلفة والكفاءة، لكن ذلك لن يحدث إلا باعتمادها على نطاق واسع.

ومما يدعو للتفاؤل بشأن مستقبل المياه أن شركات إنتاج الطاقة والمياه في المنطقة، ومن بينها شركة طاقة، هي في وضع يؤهلها لاختبار هذه التقنيات واستخدامها.

أخيراً وليس آخراً، أعتقد أن توفير مصادر آمنة ومستدامة للمياه النظيفة ربما يكون واحداً من أكبر التحديات التي تواجهنا في وقتنا الحاضر. ونظراً لما يواجهه نحو خمسة مليارات إنسان من خطر ندرة المياه بحلول عام 2050، فإن هناك ضرورة ملحّة لتطوير حلول يمكن الاعتماد عليها في الحصول على المياه. ولذلك، نتوقع اعتماد هذه التقنيات على نطاقات أوسع وأعمق عبر بلدان المنطقة خلال السنوات القادمة. ورغم صعوبة تحديد القيمة التي ستضيفها هذه التقنيات إلى حياتنا، فإننا على يقين بأن تبني هذه التقنيات سيخدم هذه المجتمعات بنحو أفضل. ومن ثم، تبدو السنوات القليلة القادمة مبشرةً بالخير فيما يخص إدارة موارد المياه وقطاع المياه بالكامل رغم كل ما نواجهه من تحديات.

إن الماء عنصر جوهري وجزء أساسي من مهمتنا في شركة “طاقة” (ADX: TAQA) (ISIN: AEA002401015) . ونحن على يقين من أننا نمتلك الرؤية الواثقة والإمكانات التقنية التي تؤهلنا لمواجهة تحديات المياه؛ بل إننا نفخر بما نقوم به من دور في هذا الصدد.

* بقلم سعيد مبارك الهاجري، رئيس مجلس إدارة “طاقة”

المصدر: الاتحاد