د.سلطان أحمد الجابر
د.سلطان أحمد الجابر
وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

«مصفوفة لندن» ترسخ مكانة الإمارات في قطاع الطاقة

آراء

يحفل تاريخ الإمارات بالأمثلة والشواهد التي تدل على مثابرة وعزمِ وهمِّةِ أهلها، وقدرتهم العالية وإصرارهم على تخطي الصعاب والتغلب عليها، إذ يأتي ذلك نتيجةَ سياسات وقرارات مدروسة وحكيمة من القيادة الرشيدة.

ومنذ القدم، علّمنا الأجداد المثابرة على التقدم والعمل لإيجاد حلول لشتى التحديات، وكانت هذه العزيمة الصلبة والإرادة القوية والإخلاص في العمل، ولاتزال، هي أحد أهم أسرار نجاح الإمارات ومنبع قوتنا لننهض بحياتنا إلى آفاقٍ أسمى ونبني مستقبلاً زاهراً لأجيالنا القادمة. وأصبحت التنمية المستدامة إحدى أهم دعائم الاقتصاد والوسيلة المثلى لمواصلة مسيرة أجدادنا وضمان مستقبل أبنائنا من خلال الإدارة الحكيمة للموارد، وفي هذا الصدد اتخذت القيادة الرشيدة قراراً استراتيجياً بإيجاد مزيج متنوع من المصادر يشمل، إلى جانب الطاقة التقليدية، كلاً من الطاقة النووية والمتجددة، بما يسهم في تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية المستدامة والحد من تداعيات تغير المناخ.

وتماشياً مع هذه الرؤية، بدأت «مصدر» منذ عام ‬2006 جهودها لتطوير مشروعات الطاقة المتجددة على نطاق واسع، بهدف تنويع مزيج الطاقة ودعم نمو القطاع على المستويين المحلي والعالمي.

وبعد افتتاح «شمس‬1»، التي تعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة تعمل من خلال وحدة توليد واحدة في العالم، نتوقف اليوم لتسليط الضوء على حدث جديد أسهم في تعزيز مكانة الإمارات في قطاع الطاقة، وهو تدشين «مصفوفة لندن»، أكبر محطة لطاقة الرياح البحرية في العالم، إذ شاركت «مصدر» بفاعلية وتميز في تطوير المشروع الذي يقع على بعد نحو ‬20 كيلومتراً قبالة سواحل مقاطعتي «كينت» و«إيسكس» في المملكة المتحدة.

ولهذا المشروع تأثيرات إيجابية ومهمة تتوزع على محاور عدة، منها تنويع مصادر الطاقة، بناء كوادر وطنية لقيادة هذا المجال في المستقبل، إرساء مكانة قيادية للإمارات في مجال الطاقة المتجددة، وضمان قدرتنا التنافسية على الصعيد العالمي؛ وجاء قرار الاستثمار في «مصفوفة لندن» بعد إجراء دراسة مفصلة شملت جميع الجوانب الفنية والاقتصادية للمشروع، إذ توفر المملكة المتحدة إطاراً تنظيمياً مشجعاً وداعماً لنمو قطاع الطاقة المتجددة، كما أنها تتمتع بموقع جغرافي ممتاز تتوافر فيه الرياح البحرية القوية على مدار العام بما يضمن مستويات عالية من القدرة الإنتاجية.

ومع انضمام «مصدر» إلى تحالف الشركات المطورة للمشروع، قادت «مصدر» المفاوضات مع الحكومة البريطانية للحصول على شهادة الالتزام بالطاقة المتجددة، وهي عبارة عن نظام الدعم الذي توفره المملكة المتحدة لمنتجي الكهرباء على نطاق واسع، وبفضل الدور النشط للدولة في قطاع الطاقة المتجددة، والعلاقات الوطيدة التي تربطنا مع المسؤولين في المملكة المتحدة، نجحت هذه المفاوضات وتوصلنا إلى النتيجة المنشودة التي تضمن النجاح لـ«مصفوفة لندن».

وأوفدت «مصدر» مجموعة من الكوادر الإماراتية الشابة للعمل في مختلف مراحل المشروع، لاكتساب الخبرة والمعرفة والاستفادة منها في مشروعاتنا المستقبلية، سواء في الإمارات أو في مختلف أنحاء العالم، للعمل على تطوير هذا القطاع الناشئ وبناء اقتصادٍ متنوع لا يعتمد فقط على الموارد الطبيعية بل على المعرفة، لتصبح هذه الكوادر من أهم قادة القطاع في العالم.

ويعد إكمال المشروع في الوقت المحدد إنجازاً متميزاً بمختلف المقاييس، لاسيّما الإنشائية والهندسية، فقد واجهنا الكثير من التحديات المرتبطة بالموقع في مراحل الإنشاء، مثل الطقس العاصف والتيارات القوية المصاحبة للمدِّ والجزر، وما تؤدي إليه من تحرك الرمال وتفاوت عمق البحر، الذي يصل في بعض مواقع المشروع إلى ‬25 متراً، هذا إضافةً إلى ضمان عمل سلاسل الإمدادات اللوجستية من دون انقطاع في هذه الظروف الصعبة.

وتطلب التصدي لهذه التحديات الاستفادة من أحدث التقنيات الجديدة وابتكار حلول ذكية، وتمكنّا مع شركائنا من تركيب التوربينات التي يصل ارتفاع العمود الأساسي لكل منها إلى ‬87 متراً، تضاف إليها ذراع التوربين ليصل الارتفاع الإجمالي إلى نحو ‬150 متراً، وتم مد كابلات بطول يزيد على ‬400 كيلومتر لربط التوربينات مع المحطات الفرعية، ثم مع شبكة الكهرباء في منطقة لندن الكبرى، وبفضل الإتقان والبراعة والتركيز على التفاصيل، أصبحت «مصفوفة لندن» تحفة هندسية في مجال محطات طاقة الرياح البحرية.

ويؤكد هذا المشروع الجدوى الاقتصادية لمشروعات الطاقة المتجددة على نطاق المرافق الخدمية واسعة النطاق، فضلاً عن أنه يسهم في تعزيز حصة الطاقة المتجددة ضمن المزيج العالمي لمصادر الطاقة، حيث تسعى «مصدر» من خلال مشاركتها في «مصفوفة لندن» إلى أن تكون مزوداً عالمياً للخبرة والمعرفة في مجال الطاقة المتجددة.

وسواء كانت مشروعاتنا كبيرة من حيث الطاقة الإنتاجية مثل ‬100 ميغاواط لمشروع «شمس ‬1»، أو أقل من ذلك مثل ‬15 ميغاواط لمحطة الشيخ زايد للطاقة الشمسية في موريتانيا؛ فإن القاسم المشترك بينها جميعاً هو أنها تحقق آثاراً كبيرة ومهمة من حيث تعزيز انتشار حلول الطاقة النظيفة، وتزداد أهمية هذا الأثر في البلدان والمجتمعات النامية، التي تستفيد بشكل كبير من كل كيلوواط جديد تتم إضافته إلى قدرتها الإنتاجية.

وبكل تأكيد، ستستمر مسيرة التقدم والبناء التي تشهدها الإمارات في شتى المجالات بخطى ثابتة، لاسيما مجال الطاقة، لنحافظ على مركزنا المتقدم للسنوات المقبلة وضمان مستقبل أجيالنا الصاعدة، ولنبقى من أهم اللاعبين الفاعلين في اقتصادات الطاقة على مستوى العالم.

المصدر: الإمارات اليوم