مقاومة التغريب

آراء

في رمضان في منتصف النهار توقفت عند إشارة المرور الحمراء، كان الشارع هادئاً، وعدد السيارات قليلاً، فوجئت لا أحد احترم إشارة المرور ولم تؤثر فيهم حرمة الشهر. اتضح لي بعد تأمل أن الناس لم تربط بين الصيام وبين الحياة الحديثة، لم تتوسع أخلاق الصيام لتشمل كل شيء، في رأسه قائمة يمتنع عن اقترافها أثناء الصيام. نفس القائمة التي صنفها الفقهاء منذ ألف عام، تلاحظ هذا من أسئلة الناس الموجهة للفقهاء، هل شرب الدخان يفطر هل استنشاق العطر يفطر هل أخذ إبرة الدواء مع الوريد يفطر؟ تتكرر هذه الأسئلة سنوياً دون انقطاع. لم أسمع في كل ما سمعته من أسئلة أو أجوبة شيئاً يتصل بالأخلاق والحياة اليومية. مرة حضرت مضاربة في نهار رمضان عند بائع سنبوسة، مضاربة على أتفه الأشياء، الصيام شيء والحياة شيء آخر تماماً. بلغة أخرى لا علاقة للبعض بين الدين وبين الحياة الحديثة، عندما يمارسون الشعائر الدينية ينتقلون من زمن إلى زمن، ما يفطر أو يؤثر على صيامك أقر في العصور القديمة ولم يجد عليه شيء جديد، مخالفة قطع الإشارة لا تدخل في المنظومة الأخلاقية للدين، يقطع الإشارة في رمضان وفي غير رمضان لأنه لا يجد في المسألة ما يتصل بالدين.

أصبح إنساننا يتحرك كجهاز الكمبيوتر، يتبع الأوامر المبرمجة في عقله، لا يستنتج لا يأخذ النهي كمسألة أخلاقية وإنما بشكل حرفي، السواك على سبيل المثال هو دعك الأسنان بقطعة من شجر الأراك، لا ينظر إلى كلمة سواك من أبعادها المختلفة، الصحي والاجتماعي، لا يسعى إلى تطويرها إلى نظام حياة، هكذا قيل له فنفذ، يعطي نفسه كجهاز تتم تعبئته بالأوامر والنواهي الجامدة، يصبح النظام الأخلاقي اليومي لا قيمة له، لن يحاسب عليه، قطع الإشارة التحرش نسخ البرامج (القرصنة) إلخ لا مكان لها في ضميره، لا يردعه عنها رادع داخلي، لا يستعيب أو ينكر على من يقترفها، يعيش عالمين مختلفين، يستمد نظامه الأخلاقي من عالم ويعيش في عالم مختلف لا أخلاق فيه، في هذا العالم الذي يعيش فيه يلتزم فيه بالقوة، خوف من عقاب جسدي، ستلاحظ هذا عندما يسافر خارج المملكة، يقود سيارته بكل احترام لقوانين المرور ويتخلى عن هذا الاحترام عندما يعود إلى بلده، في الخارج سيعاقب وهنا يظن أنه لن يعاقب، بعضهم لا يكتفي بمخالفة النظام وإنما يعمد إلى المخالفة بتقصد، يتحين الفرص لمخالفة النظام، كشكل من أشكال الرفض في مواجهة العصر، مواجهة التغريب.

المصدر: الرياض