علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

مقترحات لمواجهة إيران..مقترحات لمواجهة إيران..

آراء

يحدث لبس عند البعض في أن دعم الحريات والحقوق قد يصب في صالح الخصوم السياسيين، وأعني تحديدا إيران الخصم الرئيسي اللدود للسعودية ودول الخليج، وهذا اللبس إما عن حسن نية أو بسبب التشويش على الأفكار المطروحة وخلط القضايا مع بعضها، وهو أمر غير مفيد لأحد ولا يخدم قضايانا على الإطلاق، بل يدخلنا في متاهات جدلية وخلافية لا طائل منها، ويعمق السطحية في القضايا ويزيد من الجهل فيها، لذا لا بد من التأكيد على مسألة بات من الضروري التأكيد عليها في خضم التناحر الفكري القائم، إن دعم الحريات والإصلاح السياسي ومناصرة المظلومين والنقد القاسي أحيانا بغرض تعزيز مكانة الدولة وتقويتها لا بغرض هدمها أو الإساءة لها، والدولة هي كافة مكونات هذا الوطن الذي ننتمي إليه، في السعودية والبحرين والكويت وقطر والإمارات وعمان، بما فيها الحكومات التي يجب أن تحظى بنصيب الأسد من النقد كونها تتولى الإدارة بشكل منفرد، ولأنها ترتكب الأخطاء. إيران ليست دولة صديقة ولا عدوة تشكل الخطر الأكبر على دولنا، بل تقع في منطقة وسطى بين التوصيفين المتشددين في النظرة إليها، سياسيا هي دولة كبرى في الإقليم تسعى للحفاظ على مصالحها بأي شكل، ولما خرجت إيران الثورة منهكة من الحرب العراقية الإيرانية، وبات واضحا أنها لا طاقة لها على حرب أخرى تستنزف قدرتها العسكرية والاقتصادية، قررت أن تذهب لبيوت الجيران المفتوحة حتى لا تستقبل الزوار لديها، عملت باكرا في سوريا ولبنان وأوجدت قاعدتها المتقدمة والقوية في مواجهة إسرائيل، وشاءت الصدفة الأميركية والعربية أن تقدم لها العراق على طبق من ذهب، وما زلت أذكر ابتسامة أحمدي نجاد الموغلة في اللؤم لما قابلته في طهران وسألته كيف تقول إننا نقف مع الدول الإسلامية فيما تحالفتم مع «الشيطان الأكبر» في غزو العراق وأفغانستان؟ أجاب ساخرا: صدام وطالبان كانوا أعداءنا، فماذا تتوقع أن نفعل! لا أريد الخوض طويلا في تحديد ماهية إيران، ولكن سأنطلق من فرضية رسمية وشعبية مفادها أن إيران هي العدو، بيان وزارة الداخلية السعودية حول أحداث العوامية وتصريحات رسمية قبلها أشارت بوضوح لهذه المسألة، ونحن قطعا لسنا في الضفة الإيرانية كما يحلو للبعض تصوير الأمر بسذاجة مفرطة، نحن مع بلداننا في مواجهة إيران دون أدنى نقاش، ونستشعر خطر إيران بعد الغزو الأميركي للعراق، لكن علينا النقاش في كيفية مواجهة إيران وليست مواجهة مواطنينا الشيعة في الدول الخليجية، الخلط الحاصل شعبيا خطير، ومسؤولية الدولة الانتباه للأمر وعدم التعامل معه بشكل سطحي، وهنا تبرز أسئلة كثيرة. كم مركز أبحاث ودراسات متخصصا بالشؤون الإيرانية لدينا؟ كم من الأكاديميين السعوديين أو الخليجيين تخصص بالشأن السياسي أو الاجتماعي الإيراني؟ كم من الباحثين السعوديين والخليجيين لدينا يتحدثون الفارسية من باب معرفة الخصم؟ كم صحافيا سعوديا وخليجيا تخصص بالشأن الإيراني ومتابعته ومعرفة تفاصيله؟ وهذا لا يشمل كُتّاب الرأي التعبويين الذين يستلون أقلامهم لمهاجمة إيران بمناسبة ودون مناسبة وبشكل سطحي، هل يستطيع رؤساء التحرير الأفاضل طرح ثلاثة أسماء مرشحة لخلافة المرشد ومعرفة آلية العملية وخلفياتها، أين أقسام الدراسات الفارسية في جامعاتنا وماذا تفعل إن وجدت؟ ما علاقتنا الرسمية وغير الرسمية بالقوى والمكونات السياسية والاجتماعية والدينية في إيران، مثلما هي إيران حاضرة في العراق والكويت وعمان والبحرين ولبنان وسوريا ومصر وموريتانيا والسودان والمغرب وجزر القمر؟!

هناك مسألة شائكة ومعقدة في مواجهة إيران، فهي دولة شيعية يحكمها رجال الدين، ونحن لدينا في دول الخليج السنية أقليات شيعية بعضها مرجعيته الدينية للمرشد الأعلى في إيران، والبعض الآخر لا يمكنه على الإطلاق مهما كانت خصومته ونقديته أن ينظر بعداء تام لهذه الدولة، كيف وغيره من السنة الإسلاميين لا يفعلون ذلك! زد على ذلك التعامل المجحف الذي يتعرضون له على الصعيدين الرسمي والشعبي في بلدانهم، والتشكيك الدائم بولائهم وانتمائهم واتهامهم بأنهم مجرد خلايا نائمة، والآن لا نتحدث عن دولة المواطنة والمساواة والعدل كقيمة وضرورة، بل نتحدث من منطق المصلحة في المواجهة مع إيران وعدم السماح لها بالتغلغل والتأثير على مصالحنا واستقرارنا. هذا الملف لا بد من إعادة التفكير فيه بشكل جدي، ونحن بين خيارين لا ثالث لهما، دفع الشيعة العرب ليكونوا قاعدة متقدمة لإيران رغما عنهم، أو القيام بعملية معاكسة تماما لهذا التوجه، والاستفادة من أمرين مهمين، توظيف معرفة بعض الشيعة العرب الجيدة بإيران بحكم المعيشة هناك لأغراض التحصيل الديني، وإحداث انقلاب نموذجي في تعامل الدولة مع الأقليات المذهبية يحرج إيران ويفصل عاطفيا بينها وبين من تعول عليهم في المنطقة، ولا أريد هنا ترديد عبارات رومانسية عن وطنية الشيعة العرب وانتمائهم لبلدانهم، سيكون الخيار بين وطن يقدم لك كافة الامتيازات ويتعامل معك كمواطن متساوٍ مع الآخرين، ودولة تستثمر انتماءك المذهبي سياسيا وتراك أداة بيدها، ويعرف المتابعون حالة الشيعة العرب في إيران والاضطهاد الكبير الذي يتعرضون له! الاستراتيجيات تقوم على المعرفة والتخطيط طويل المدى، وعلى تعزيز نقاط القوة لديك وتقليلها لدى الخصم، وهي خلطة تمزج بين الفكر والسياسة والإعلام والمخابرات والقدرات العسكرية، وهذا كله متاح ويمكن تفعيله لو توافرت الإرادة، أما ما يحدث اليوم في دولنا فلا علاقة له بهذا التوصيف على الإطلاق، لغة التخوين والشتائم لا تبني أوطانا.

العرب القطرية 2012