«العلا» السعودية.. عروس الجبال ترنو بثقة إلى المستقبل

منوعات

بأقدام ثابتة في التاريخ وعيون متطلّعة إلى المستقبل؛ تسير محافظة العلا السعودية أو «عروس الجبال والآثار»، كما يطلق عليها، بخطوات واثقة نحو التحول إلى مركز حضاري وسياحي في المنطقة، جامعةً بين الماضي والحاضر في مزيج فريد.

واستقطبت العلا، التي تحتضن مهرجان شتاء طنطورة، خلال الفترة الماضية، آلاف الزوار الذين توافدوا من مختلف أنحاء العالم، لاكتشاف ما تمتلكه المنطقة من كنوز مازالت تختبئ في زوايا المكان، وهي كنوز تتنوع بين الأماكن التاريخية والطبيعية والسياحية. وتعد محافظة العلا، التي تضم آثاراً تعود إلى أكثر من 300 سنة قبل الميلاد، أكبر تجمع لآثار حضارات قديمة مثل المعينية، والديدانية، والنبطية، واللحيانية، نظراً لموقعها على طريق البخور والتوابل الذي ربط جنوبيّ الجزيرة العربية بشماليّها وبالمراكز الحضارية في بلاد الرافدين والشام ومصر.

مدائن صالح

تضم العلا العديد من المواقع الأثرية، من أشهرها مدائن صالح، التي كانت تسمى قديماً بمدينة الحجر، وهي من المواقع العريقة، وتضم المدائن المقابر الضخمة المنحوتة في الصخور، وهي آخر الآثار المتبقية من مدن الأنباط. ومن أبرز المدافن قصر الفريد الذي يتميز بدقة نحته وجماله، وسمّي بذلك لانفراده بكتلة صخرية مستقلة، ولوجود عمودين نبطيين بوسط الجزء السفلي من الواجهة، بالإضافة إلى الأعمدة الجانبية. وأيضاً قصر الصانع المستوحى من الطراز النبطي للقبور. أما قصر البنت، فعبارة عن كتلة صخرية ضخمة تضم ما يقرب من 29 مدفناً محفوراً في الجبل، وتمتلك أهمية تاريخية، إذ تبرز أن المرأة قديماً كانت لها سلطة أن تقوم بحفر مدفن لها ولعائلتها. كما تحمل هذه المدافن على واجهتها لافتات مدوّناً عليها اسم صاحب المقبرة والأشخاص المسموح لهم بالدفن فيها، وكذلك اللعنات التي يمكن أن تصيب الغرباء الذين يدفنون في المقبرة، وتزيّن الواجهة رسوم مختلفة. وكان الأنباط يعتمدون نظام دفن موتاهم، خصوصاً من أصحاب المكانة المميزة اجتماعياً واقتصادياً، في الجبال والمناطق المرتفعة ظناً منهم أنهم بذلك يقرّبون الميت من دخول الجنة، كما كان يتم دفن عائلة صاحب المقبرة بأكملها معه. ومن المواقع الأثرية التي تضمها «الحجر»، كذلك «الديوان» التي تقع على مرتفعات جبل أثلب، وتمثل جزءاً من المنطقة الدينية التي أنشأها أهل المنطقة لمعتقداتهم، وهو أشبه بمحراب يقع بين مرتفعين جبليين، ويضم مجلساً يقع داخل تجويف صخري، ويقابله منبر، ويقال إن المجلس كان يجتمع فيه الحاكم وعِليّة القوم للتباحث في أمور الدين والدنيا، وصنع المنبر بطريقة مدروسة؛ بحيث يصل صوت من يقف عليه إلى كل أرجاء المجلس بوضوح، بينما تنتشر المحاريب والنقوش على جانبي المكان. ويفضي الممر بين الجبلين إلى منطقة تخزين المياه، وتتكون من حوض كبير تتجمع فيه مياه الأمطار من خلال قنوات حفرت في الجبل، وتعكس مهارة الأنباط في هندسة المياه، ونظم تجميعها وتخزينها، وقد وجدت في الحجر أكثر من 150 بئراً.

دادان والعكمة

يعد موقع الخريبة من أهم المحطات الأثرية في العلا، إذ يضم آثار مملكة دادان القديمة، وهي عبارة عن تلال تمثل أطلالاً من المباني الحجرية، بالإضافة إلى حوض حجري دائري يطلق عليه محلياً «محلب الناقة»، ولكن لم تثبت الدراسات أن له علاقة بناقة صالح عليه السلام، ويضم الموقع مجموعة من المقابر المنحوتة، وأبرزها مقابر الأسود التي تميزت بوجود نحت لحيوانات أشبه ما تكون للأسود.

بينما تعد منطقة العكمة بمثابة المكتبة التي دوّن فيها تاريخ مملكة لحيان وحضارتها وعلاقاتها الخارجية، بما تتضمنه المنطقة من نقوش منتشرة على الواجهات الصخرية في الموقع.

وتتميز المنطقة بصخرة جبل الفيل التي تقع على بعد سبعة كيلومترات إلى جهة الشرق من محافظة العلا، وهي صخرة ضخمة يبلغ ارتفاعها عن الأرض 50 متراً، تتميّز بشكلها الفريد الذي يشبه الفيل. ومن المواقع الأثرية الإسلامية في العلا، سكة حديد الحجاز التي أنشأها السلطان عبدالحميد لربط دمشق بالمدينة المنورة والأراضي الحجازية لخدمة الحجاج، واستغرق تنفيذ المشروع ثماني سنوات، إذ بدأ في 1900 ووصل أول قطار إلى المدينة المنورة في 1908، ويضم الموقع الأثري قطاراً من تلك القطارات، ومتحفاً يروي قصة إنشاء سكة الحديد حتى توقفها وتدمير أجزاء منها، والمعدات التي كانت تستخدم وقتها.

تقليد يجمع أهل المدينة

يمثل مهرجان شتاء طنطورة الذي أقيم في محافظة العلا، خلال الفترة من 20 ديسمبر الماضي إلى التاسع من فبراير الجاري، أهم وأطول المهرجانات الترفيهية في المنطقة. واستمد المهرجان اسمه من الطنطورة، وهي ساعة شمسية على شكل بناء هرمي، اعتمد عليها أهالي مدينة العلا القديمة منذ قديم الزمان للتعرف الى دخول موسم الزراعة، وكذلك تغيّر فصول السنة، خصوصاً مربعانية فصل الشتاء، حيث أقصر يوم وأطول ليلة في السنة. وترتفع الطنطورة على أسطح أحد الأبنية وسط بلدة العلا الأثرية كجزء أصيل من البناء، كما كان أهالي المدينة يعتمدون عليها قبل مئات السنين للتعرف الى الوقت خلال اليوم، واعتاد الأهالي التجمّع عندها للاحتفال بموسم الزراعة وبدخول فصل الشتاء، والذي يعود معه مجدداً النشاط في الحقول. وهكذا أصبح الحدث تقليداً سنوياً يجمع أهل المدينة للاحتفال بعودتهم إلى حقولهم، وفرصة للابتهاج وتبادل التهاني، ولذلك جاء مهرجان شتاء طنطورة ليحيي هذه الاحتفالات وسط حضور سياحي يجمع زواراً من مختلف أنحاء العالم من خلال العديد من الفعاليات والأنشطة، إلى جانب الحفلات الغنائية التي جمعت نجوماً عالميين وعرباً، مثل آندريا بوتشلي وياني ومحمد عبده وعمر خيرت وماجدة الرومي وكاظم الساهر، وغيرهم.

«مرايا» وسط الطبيعة

احتضن مبنى «مرايا» حفلات «شتاء طنطورة» في محافظة العلا السعودية. وصُمّم على شكل مكعب ضخم مغطى بالمرايا من جهاته الأربع، ليعكس روعة الطبيعة المجردة والبسيطة من حوله، وفضول الإنسان عبر التاريخ لاستكشاف الطبيعة من حوله.

1908

العام الذي وصل فيه أول قطار إلى المدينة المنوّرة عبر سكة حديد الحجاز.

المصدر: الإمارات اليوم