«الملك آرثر: أسطورة السيف» نسخة عصرية تُفقد الرواية جوهرها

منوعات

هل تستطيع التقنيات الحديثة واللمسة «المودرن» التدخل بنجاح في أعمال أسطورية وتاريخية علقت في أذهان الناس وتكررت على الشاشة بأشكال تقليدية، دون أن تشوهها؟ إذا نظرت للسؤال بعين المشاهد لفيلم «الجميلة والوحش»، فجوابك سيكون بالإيجاب بلا شك، أما إذا نظرت إليه بعين المشاهد لفيلم «الملك آرثر: أسطورة السيف» الذي يعرض حالياً في الصالات، فجوابك سيذهب في الاتجاه المعاكس فوراً، وتذيّله بقائمة من المبررات، يسهل سردها. 

من الأساطير التي توارثها الناس باعتبارها إحدى القصص القديمة مجهولة المصدر الحقيقي، قصة «الملك آرثر»، التي التحمت مع الوقت بالتاريخ، وصارت جزءاً من الروايات المحكية عن بريطانيا. حسبها البعض قصة حقيقية عن ملك طيب القلب حكم بريطانيا وقُتل على يد أخيه، فورث ابنه العرش ليكسر الكثير من التقاليد ويزيل الفوارق الطبقية بين العرش وسكان القصر من جهة، وعامة الشعب من جهة ثانية، وهو أول من أمر بصنع طاولة طعام مستديرة، كي يجلس الجميع إليها بالتساوي، لا فرق بين ملك ووزير وتاجر أو عامل. لكن الحكاية ليست بهذه البساطة، ففيها من الخيال ما يجعلها غير قابلة للتصديق، وفيها من السحر ما يجعل صناع السينما يقبلون عليها لتقديمها بأشكال مختلفة، وفي كل مرة يسلطون الضوء على إحدى الشخصيات أكثر من غيرها كنوع من التغيير.

من الطبيعي أن تتشوق لمشاهدة فيلم من نوعية «الملك آرثر: أسطورة السيف»، فهو يعيد سرد حكاية خيالية جميلة، فيها الكثير من التشويق، المغامرات، السحر، والصراع الأزلي بين الخير والشر. لكن الفيلم الذي أخرجه البريطاني جي ريتشي، وشارك مع مؤلفه جوبي هارولد في كتابة السيناريو، يسرق منك المتعة ويضعك أمام عمل «بدائي»، البطولة فيه للتقنيات، التي لجأ إليها ريتشي بشكل مبالغ فيه، فأفقد الفيلم رونقه، وأفرغ القصة من أجمل معانيها ومشاهدها ولمساتها الإنسانية.

منذ البداية تشعر بأن المخرج مشغول جداً بحركة الكاميرا وتنقلاتها السريعة، والجري في المشاهد والتقطيع، وكأنه دخل في تحدٍ ومنافسة أراد أن يثبت فيها قدراته الخارقة. يدخلك في معركة بين فيلة ضخمة وأبراج من نار وشخصيات آلية غريبة من جهة، وجيش الملك أوثر الذي يؤدي دوره النجم إريك بانا، حيث يكشف عن شجاعة كبيرة، وعن طيبة فائقة. ينتصر في المعركة، لكن شقيقه فورتيجرن (جود لو) يكمل المؤامرة من أجل الاستيلاء على العرش، ويقتل أوثر. وحده الطفل آرثر ينجو من هذه المعركة، حيث يهرب في قارب صغير بالنهر، ويعيش كطفل متشرد يتيم الأبوين، وينمو ليكشف عن ذكاء خارق ويتحصن بمهارات قتالية عالية. ينتقل المخرج بالمراحل العمرية لآرثر بمشاهد متسارعة، لنرى آرثر شاباً قوياً، زعيماً لا يهاب شيئاً. الدور يليق بالممثل البريطاني تشارلي هانام، المعروف أكثر في عالم الدراما التلفزيونية.

الأسطورة تقول إن آرثر يبقى جاهلاً لنسبه وأصوله، إلى أن «يناديه السيف إكسكاليبر»، العالق في صخرة ويعجز كل الرجال عن انتزاعه. السيف ليس عادياً، بل هو يحمل تعويذة الساحر المشهور «ميرلن» وكان للملك أوثر، ولن يتمكن من امتلاكه سوى ابنه آرثر. لذا يفرض فورتيجرن على جميع الرجال محاولة اقتلاع السيف ليأخذه هو، فيتحكم في المملكة ويستكمل بناء برج الشر.

يصل الدور إلى آرثر، وهو لا يعلم قصة السيف، فينتزعه أمام ذهول الجميع، وتنقلب حياته ليجد نفسه في مواجهة مع عمه، وعليه حماية العرش وكل الشعب من شر فورتيجرن. كان من الممكن أن يلعب المخرج على الإبهار قدر ما يشاء، لأن قماشة الأسطورة تحتمل الكثير من الخيال، وبإمكان السينما الثلاثية والرباعية أن تمنحها أبعاداً جميلة تجعل الجمهور يتفاعل مع الفيلم بقوة ويتأثر بأحداثه. لكن ريتشي انشغل بأشياء أخرى، وبقي يلهث هو وكاميراته طوال الفيلم دون أن نفهم السبب.

لم يمنح المخرج أبطاله فرصة التألق في التمثيل، بل لم نر تمثيلاً حقيقياً وانفعالات ومشاهد عاطفية تحرك في نفوسنا أي شيء كي نذرف دمعة أو نخاف على شخصية. بطله الأول كان الكاميرا، وقد حمّلها كل أعباء الإثارة والحركة والتشويق، فجاءت بعض المشاهد بمنتهى السذاجة، وكأن الجمهور لا يعرف الفرق بين من يركض والكاميرا تلحق به، وبين ممثل يجلس على عربة التصوير، كل ما يفعله أنه يدعي الهروب والجري في حين أنه جامد لا يتحرك، والكاميرا مسلطة عليه، بينما العربة هي التي تمشي بسرعة. هذه الحركة كررها المخرج عدة مرات أثناء هروب آرثر ورفاقه في الأزقة وبين البيوت، وأعتقد أنها من أسوأ ما يمكن أن يقدمه مخرج في زمننا هذا.

ماذا يبقى في ذهنك من «أسطورة السيف» تلك؟ وجه البطل تشارلي هانام وعضلاته، وبعض الطرافة واللقطات الكوميدية المضحكة. أما الجوهر، فهو مفقود، والرواية التي حاكها في كتاب قبل أن ينقلها للسينما، جوبي هارولد ودايفيد دوبكن، هي نسخة عصرية من «الملك آرثر»، لا تشبه كثيراً الرواية القديمة والجميلة التي كتبها تي إتش وايت عام 1958 والتي عرضت في مسرحية استعراضية بعنوان «كاملوت» عام 1960، وحولتها شركة والت ديزني إلى فيلم كرتوني رائع بعنوان «السيف في الحجر» عام 1963 للمخرج والفجانج ريذرمان، وقد نال الفيلم جائزة أوسكار لأفضل موسيقى. رهان «ورنر بروس» على هذا الفيلم الجديد، خاسر ولا مجال لمقارنته بما قدمته شركات إنتاج أخرى من بينها ديزني، والتي تعاقدت مع المخرج جي ريتشي ليعيد تقديم فيلم «علاء الدين» (ألادن) بنسخة جديدة، فهل يتلاعب بها ويفقدها رونقها أيضاً؟

ديفيد بيكهام ممثلاً

يتفاجأ المشاهد حين يرى أمامه نجم كرة القدم العالمي ديفيد بيكهام، يرتدي زي جندي محارب، في مشهد قصير يتحدث خلاله بضع كلمات مع الشاب آرثر أثناء تقدمه لانتزاع السيف من مكانه. لأول مرة يطل بيكهام ممثلاً، وهو يبدو جيداً رغم قصر الدور، عدا عن أن تعابير وجهه توحي بأنه قادر على التعمق أكثر في المهنة. وربما يكون هذا الظهور بالون اختبار، يجس نبض الجمهور من خلاله، ويختبر نفسه في السينما دون إحراج ودون المجازفة ببطولة قد تترك أثراً سلبياً في حال فشلها على سمعته ونجوميته.

التكرار ليس عيباً

في عالم السينما الغربية، ليس عيباً أن تعيد تقديم فيلم سبقك إليه ربما عشرات المخرجين والمنتجين، ولا أن تعيد نفس الشركة إنتاج وعرض أحد أعمالها الناجحة عدة مرات، وفي كل مرة يحمل العمل توقيع مخرج جديد ومع فريق عمل مختلف تماماً. وليس عيباً أيضاً أن تنتقل الأساطير والخرافات من جيل إلى جيل، وتتحول إلى كتب وروايات ومنها إلى أفلام كرتونية وأفلام طويلة، ويتنافس كبار النجوم على تقديمها كل بطريقته. وهناك، لا أحد يستهجن أو يعترض أو يتفاجأ، من عرض فيلمين عن «الملك آرثر» وسيفه المشهور «إكسكاليبر»، بفارق زمني بسيط- أقل من شهر-، أحدهما «الملك آرثر: أسطورة السيف» «ورنر بروس» والثاني «الملك آرثر: ارتفاع السيف» للمخرج أنطوني سميث الذي شارك في كتابته مع فيكتور ماير.

خيال وكائنات غريبة

يتيح الخيال العلمي أمام صناع الأفلام فرص تقديم أفكار جديدة، وابتكار نماذج وكائنات غير موجودة في الواقع، ولا يمكننا رؤيتها أو مصادفتها في حياتنا. ويذهب «الملك آرثر: أسطورة السيف» إلى الإكثار من تلك الشخصيات والكائنات، من فيل ضخم يحركه من داخله الساحر موردريد، وثعبان ضخم جداً، يتحرك بأمر من الساحرة التي أتت خصيصاً من أجل مساعدة آرثر في معركته ضد عمه، (تؤدي دورها أستريد بيرجس فريزبي). ويدخل آرثر في اختبار صعب في غابة حيث يواجه وحوشاً كثيرة وكائنات عجيبة. كلها مشاهد شاهدنا مثلها وتعود عليها الأطفال في أفلام الخيال العلمي مثل «هاري بوتر» و«ألعاب الجوع» وغيرها.

المصدر: الخليج