بروس ويليس.. نجم فصيح بدأ بالتأتأة

منوعات

الإرهابيون الذين سيطروا على بناية من ناطحات سحاب لوس أنجلوس واحتجزوا رهائن في أحد أدوارها ، خططوا ووضعوا في حسبانهم كل طارئ ومعضلة. لكنهم أخفقوا في أمر واحد لم يحسبوه: ماذا لو كان ذلك الشرطي الآتي من نيويورك لكي يقابل زوجته موجوداً في المبنى ذاته وقت سيطر الإرهابيون عليه وهو مسلح وخطر؟‬ ثم ماذا لو أن هذا الشرطي النيويوركي كان اسمه بروس ويليس؟ هكذا تمضي أحداث فيلم «داي هارد» سنة 1988. الفيلم الذي حمل هذا الممثل الجديد الآتي من استديوهات التلفزيون أولاً إلى الشهرة المطبقة. «داي هارد» لم يكن فيلمه الأول بل سبقه من العام 1980 أربعة أفلام أخرى، أحدها (وهو «غروب») كان من بطولته، لكن النجاح الكبير ورد في هذا الفيلم الخامس من بين أفلامه ال 95 فيلماً، بما في ذلك الفيلمان اللذان يصوّرهما .

ولد بروس ويليس في بلدة اسمها إيدار أوبرستين في التاسع عشر من مارس/‏‏‏آذار سنة 1955. الأم ألمانية تدعى مارلين والأب الأمريكي ديفيد ويليسون كان جندياً وبقي في ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بين القوات الأمريكية التي بقيت مع قوات الحلفاء في ذلك البلد. عندما وصل الأب إلى سن التقاعد تم تسريحه فعاد وعائلته إلى الولايات المتحدة سنة 1957.

كانت لدى بروس، أو برونو، كما كان رفاق المدرسة يسمّونه، مشكلة تحول دون شعوره بالانتماء إلى محيطه براحة. هذه المشكلة هي التأتأة التي عاناها منذ أن كان صغيراً وحتى شبابه. وهو يعترف لنا: «نعم كانت هذه مشكلتي التي كثيراً ما شعرت بالخجل منها وبعض الأطباء لم يساعدوني في الشعور بالطمأنينة عندما قالوا لوالدتي حين استشارتهم: هذه مشكلة الكثير من الناس ولا حل لها»، والكلام لا يزال لبروس ويليس، «شعرت بالاكتئاب وقبلت الواقع بصعوبة. لم يكن أمامي أي حل آخر».

الحل طرق باب ويليس وهو في الخامسة عشرة ، حيث بدأ يشعر بأنه يريد أن يمثل والمفاجأة التي أذهلته وجعلته يدرك أن التمثيل هو ما يريد لباقي حياته، أنه عندما كان يقف أمام جمهور من الطلاب ليمثل في مسرح المدرسة كانت التأتأة تختفي. التعثر ينتهي والثقة بالنفس ترتفع: «أسعدني ذلك كثيراً. أدركت أن التمثيل هو سبيلي للخلاص من هذه المشكلة، وأنني لا أريد أن أصبح أي شيء آخر. أردت فقط أن أصبح ممثلاً».

التمثيل في مسارح المدرسة أو الكلية لا يقود إلى خارجها بالضرورة، وبروس وجد نفسه بحاجة لأن يعمل، وقد أصبح في الثامنة عشرة فالتحق بعدة أشغال مختلفة من بينها رجل أمن يحرس المكاتب. لكنه لم يكن راضياً.

هنا قرر أن يواصل طموحه الأول ويعمل على استكمال هوايته في التمثيل. لم تكن لديه أفكار مسبقة ولا خطّة مضمونة، بل رغبة شديدة دفعته لترك كل شيء والانتقال إلى مدينة نيويورك بحثاً عن عمل كممثل.

المدينة ذاتها كانت استقبلت العديد من الممثلين الطموحين. والجميع عانى البدايات الصعبة وويليس لم يكن استثناءً. اشتغل في أحد المطاعم نهاراً وفي إحدى الحانات ليلاً، وكلما أدرك أن هناك فرصة سانحة سارع لمعاينتها. واحدة من هذه الفرص كانت تمثيل مسرحية «السماء والأرض» سنة 1977.

في‫ نيويورك تأتي المسرحيات على نوعين: إما مسارح برودواي الكبيرة والشهيرة، أو مسارح صغيرة قلما يُلقى عليها الضوء، و«السماء والأرض» كانت من نصيب النوع الثاني ليجد بروس نفسه حبيس هذا المنوال لسنتين متواليتين. يقول بعدما طلب «سندويتشات» من مطعم الفندق الذي التقينا فيه:‬ «في البداية قلت لنفسي حسناً سأصبر ويجب عليّ أن أكون راضياً، إنني في نهاية المطاف أقوم بالتمثيل، ولو على خشبة مسرح صغير. هذا في السنة الأولى. في الثانية كنت ما زلت مكاني من دون أي تقدم، وبدأت أخشى أن أبقى كذلك إلى أن اعتزل التمثيل وأترك نيويورك تماماً». ‬

في 1980 كان المنتج جورج باباس والمخرج برايان هاتون يسعيان لاستكمال مجموعة الممثلين الذين سيظهرون في أدوار ثانوية في فيلم من بطولة فرانك سيناترا عنوانه «الخطيئة المميتة الأولى». ‬الخبر وصل إلى ويليس فتقدم إلى المنتج عارضاً نفسه. وتم اختياره بالفعل. قد تعيره الاهتمام الآن إذا شاهدت ذلك الفيلم في مناسبة ما لأنه بات معروفاً، لكن في ذلك الحين لم يكن سوى وجه عابر نراه يدخل مطعماً ثم يغادره، وفي لقطة أخرى هو أحد الأشخاص الذي يمشون في الشارع.

بعد عامين نراه في فيلم من بطولة بول نيومان عنوانه «الحكم» جالساً في قاعة المحكمة. لا أكثر من ذلك ولا أقل. لكن شيئاً كان يتم طبخه على صعيد البرامج التلفزيونية، إذ أخذ بروس يستلم، عبر وكيل أعمال، عروضاً للتمثيل في برامج وأفلام تلفزيونية. بدأ ذلك سنة 1985 بحلقة من البرنامج الشهير «منطقة الغسق» (Twilight Zone) وامتدت بعد عامين لتشمل فيلماً عنوانه «عودة برونو» وهو الاسم الذي كان يُنادى به وهو صغير.

في سنة 1984 أصبح وجهاً ملازماً في حلقات بوليسية مشهورة اسمها «ميامي فايس» وبعد ذلك وجدناه يشارك الممثلة سيبيل شيبارد بطولة حلقات «مونلايتينج» الذي امتد نجاحها حتى نهاية 1989 أي بعد عام من من بطولته لفيلمين هما «غروب» و«داي هارد».

سألته عن «منلايتينج» وذكرياته فقال: “المسلسل كان له عنوان جاذب وحبكة تقوم على تحريين امرأة ورجل ومكتوب بحس كوميدي رغم أن حبكاته كانت دوماً جادّة”.

أما كيف آل هذا البرنامج الناجح إليه، فالحكاية لا تخلو من فعل الصدفة.

سمع بروس بأن هناك تجارب تمثيل يقوم بها صانعو فيلم مادونا المقبل وعنوانه «سوزان مطلوبة بإصرار»، وهو إحدى محاولات مادونا المبكرة للمزاوجة بين الغناء والتمثيل. طار من نيويورك إلى لوس أنجلوس وتقدم باختبار للدور، لكنه لم يثر الإعجاب لأن الشخصية التي لعبها لاحقاً إيدن كوين، تختلف عما قام به. لكن أحدهم أخبره بأن هناك امتحاناً آخر لبطولة حلقات مسلسلة باسم «مونلايتينج» ستقوم به محطة ABC. ويليس كان سيغادر لوس أنجلوس عائداً إلى نيويورك في اليوم التالي، لكنه أجل سفره يوماً واحداً وذهب للاختبار وفاز بالدور ليعود بعد يومين إلى نيويورك وقد فاز بعقد عمل.

الاختيارات الصحيحة

لم يكن ذلك بالأمر السهل لكن بروس ويليس لم يعرف مقدار صعوبته إلا لاحقاً عندما أخبره أحد الذين أجروا الامتحان: «مبروك، لقد فزت على 3000 مرشح آخر».

المفاجأة الكبيرة الأخرى لا تقل غرابة، عندما انبرى بروس ويليس لبطولة «داي هارد» لم يكن الممثل الذي بادرت شركة الإنتاج (فوكس) باختياره أولاً. بل كانت قد عرضت هذا الدور على سلفستر ستالون وأرنولد شوارتزنيجر. وكلاهما رفض الدور. بروس كان ثالث الممثلين الذين تلقوا الدعوة وأول من وافق عليها.

نجاح «داي هارد» قاد ويليس لترك العمل التلفزيوني على نحو شبه كامل والالتفات إلى العمل في السينما. كما نجح في تجربة كوميدية مبكرة عنوانها «أنظر من يتكلم» وفي تجربة عاطفية عنوانها «في الريف»، لكنه عاد فحقق النجاح الكبير في جزء ثانٍ من «داي هارد» سنة 1990.‬

ما بين ذلك التاريخ وموعد إطلاق الجزء الثالث سنة 1995 ظهر ويليس فيما لا يقل عن 14 فيلماً أرادت الاستفادة من شعبيته، لكن النجاح لم يكن حليفها جميعاً، فسقط له «شعلة الفضائل» و«آخر كشاف» و«لون الليل»، لكنه حافظ على اسم لامع لا ريب عبر «هدسون هوك» و«الموت يصبح هي» و«نورث» و«بالب فيكشن»:‬

«ما هو أصعب من الوصول إلى ما تعتبره نقطة النجاح هو البقاء ناجحاً. هذا ليس مضموناً وأحياناً يكون السبب في الاستمرار الناجح حسن اختيارك من جهة، وجودة المشاريع ذاتها. ولا يستطيع الممثل أن يستمر من دون أحد هذين السببين».‬

مشوار بروس ويليس استمر مستقراً وناجحاً خلال النصف الثاني من التسعينات بفضل خمسة أفلام متعاقبة هي «آخر رجل واقف» (1996) و«العنصر الخامس» (1997) و«الضبع» (1997) و«أرماجادون» (1998) و«الحاسة السادسة» (1999) الذي كان أنجح هذه الأفلام. خلال ذلك عاد إلى «داي هارد» للمرة الثالثة والرابعة والخامسة، وهناك جزء جديد على الطريق.‬

بروس لم يتوقف عن العمل أو يركن إلى الهدوء، وما زال نشطاً حتى اليوم. الفارق هو أنه يعرف متى يختار دور بطولة (كما حدث في «كوب أوت» ومتى يختار دوراً مسانداً (كما في «حمر» و«المستهلكون 2»). في كلتا الحالتين يملك لليوم حضوراً محبباً لدى هواة السينما يتجدد تلقائياً. صحيح أن فترة الشباب ومنجزاتها القدرية مضت، لكن ما يدركه ويحتاج إليه اليوم، كما بالأمس، هو حسن الاختيار.‬

المصدر: الخليج