رمضان شهر لكل المصريين

منوعات

إذا سرت في أي من شوارع مصر، خلال شهر رمضان، لا يمكنك أن تلحظ الفارق بين مسلم ومسيحي، فخلال النهار يبدو على الجميع آثار الصيام، والسير بخطوات مسرعة لإدراك موعد الإفطار، وفي الليل تبدأ مظاهر الاحتفال والطقوس الرمضانية المتميزة، فتفتح المقاهي أبوابها لليالي السمر التي يجتمع فيها المصريون بغض النظر عن الديانة، ويتقاسم الجميع الخبز والبهجة على الطريقة المصرية الفريدة التي تتجسد في مشاركة الأقباط في أجواء رمضان مشاركة كاملة، وليس فقط في الطقوس والمظاهر الاحتفالية.

من بين مظاهر رمضانية كثيرة، يمتد عمرها إلى عهد الدولة الفاطمية، هي تولي الأطفال مهمة وضع الزينات الرمضانية والفوانيس في الشارع الذي يسكنونه، قبل رمضان بأيام قليلة، يتجوّل أطفال الحي، ويطرقون أبواب السكان، للحصول على بعض النقود لشراء الزينة، وهم هنا لا يفرّقون بين جار مسيحي ومسلم، فالجميع يشارك بما تسمح به إمكاناته المادية، وبعدها يضطر الأطفال إلى الدخول إلى الكثير من شقق الحي، ليعلّقوا الزينات ومدها من شباك إلى آخر، ليبدو المشهد والزينات تغطي سماء الحي القريبة، وكأنها خيوط من النور، ورابط وجداني يجمع بين سكان الحي بغض النظر عن دينهم، فأحد خيوط الزينات يبدأ من شباك «عم محمد» وتنتهي عند شباك «عم جرجس».

يقول كمال زاخر، المفكر القبطي، إن البعد الاجتماعي أكثر عمقاً من البعد الديني في شهر رمضان، لأنه يغيّر شكل اليوم المصري، من خلال تغيير نمط المعيشة، وهذا ينعكس على كل النشاط في المجتمع المصري، ولأن الأقباط جزء من نمط الحياة اليومية، فمن الطبيعي أن يتأثروا بهذا التغيير سواء في عملهم أو في جميع تفاصيل حياتهم، فالمصريون حوّلوا جميع المناسبات الدينية والاجتماعية إلى مناسبات للأكل، بالإضافة إلى أنه في الستينات من القرن الماضي، كانت المأكولات المرتبطة برمضان مثل الياميش غير متاحة إلا خلال هذا الشهر بسبب حظر استيرادها، وقد تربينا كأطفال على مظاهر وطقوس رمضان، مثل الفانوس والأغاني، والعائلات المسيحية تحرص على الذهاب إلى الأماكن التي تبرز فيها مظاهر الاحتفال والمشاركة، كالحسين والسيدة زينب، فكل هذه السلوكات والطقوس ظلت طوال سنوات بمثابة ضمانة حقيقية لثقافة المحبة ومواجهة التطرف.

ويتابع زاخر: «طوال حضارة مصر الضاربة في جذور التاريخ، ينجح المصريون دائماً في تمصير كل شيء، وتوزيع الطقوس والفرحة على الجميع بغض النظر عن الديانة، ولدينا قدرة خاصة كمصريين على تمصير الاحتفالات الدينية والرسمية، وإذا سرت في الشوارع في رمضان لن تستطيع أن تفرّق بين مسلم وقبطي، فالجميع يحتفلون ويتشاركون نفس الطقوس».

ويصف جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، رمضان بأنه شهر قومي وليس دينياً، ويقول: «تعودت منذ سنوات أن أتناول الإفطار أنا وعائلتي في أول يوم رمضان في منزل صديق عمري وهو مسلم، وطوال رمضان الوجبة الوحيدة التي أتناولها أنا وزوجتي هي وجبة الإفطار، وأقضي معظم أيام وليالي رمضان في تلبية دعوات الإفطار والسحور، بعضها مناسبات عامة من قوى سياسية وأحزاب ونقابات، وبعضها من أصدقاء، وتربيت وأنا طفل على طقوس رمضان، فكنا نغني: وحوي يا وحوي، ونحمل الفوانيس، ولم نكن نأكل إلا وقت الإفطار».

ويقول رمسيس النجار المحامي، إن أجواء رمضان توحد الشعب المصري بغض النظر عن الديانة، فعندما يكون هناك ميعاد محدد للإفطار، حيث يجلس جميع المصريين إلى مائدة الطعام، حتى لو كان كل في منزله، فهذا نوع من التوحد والتواصل الوجداني، ومنذ أكثر من 25 عاماً أحرص على إقامة مأدبة إفطار لزملائي المحامين.

أن تكون العائلة المسيحية الوحيدة في العمارة، أمر لا يعفي من المسؤوليات الرمضانية الاحتفالية، بل يشكل امتيازاً خاصاً، هكذا يبدو الأمر بالنسبة لسعاد إلياس، ربة منزل، التي تقول: «الاستعدادات لشهر رمضان تبدأ قبل بدايته بنحو أسبوع، حيث نجمع من سكان العمارة مبلغًا ماليًا لشراء الزينة والأضواء الملونة والفانوس الكبير الذي سنعلقه، وأحياناً نحتفظ بهذا الفانوس من العام الماضي، وعادة ما أحتفظ به في شقتي على الرغم من أننا الأسرة المسيحية الوحيدة في العمارة».

وتضيف: «يجتمع أبنائي مع أبناء الجيران لتعليق الزينة والفانوس والأضواء، ثم ننزل للسوق لشراء المكسرات وغيرها، ومع أول أيام الشهر تبدأ جاراتي في إرسال أطباق الحلويات الشرقية المميزة من كنافة وقطايف، حيث تطلق الجارات عبارات للدعابة، فيقولون إن أم إسحاق مطبخها يحتوي على حلويات رمضان أكثر من أي مطبخ، وهذه الدعابة حقيقية، حيث إن أكثر من 20 أسرة ترسل لنا أطباق حلويات مختلفة بشكل شبه يومي، كذلك أحرص على شراء وإعداد الأطباق المميزة لأبنائي مثل قمر الدين والتمر باللبن».

وتمتلك إلياس الكثير من الذكريات الرمضانية، تمتد إلى أيام طفولتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وتعود بذاكرتها إلى الوراء مبتسمة «نشأت في قرية صغيرة بمحافظة الفيوم، قبل أن أتزوج وأنتقل إلى القاهرة، وكان الصديق الأقرب لوالدي هو عم محمود، الذي كان شريكه أيضاً في الجرار الزراعي، وكان والدي يقضي معظم يومه مع عم محمود، ويتناول الإفطار في منزله بشكل شبه يومي».

يحرص عزت ناجح على الذهاب إلى العمل مبكراً في رمضان، لتعويض تأخر زملائه المسلمين، وهو واجب يومي لا يمكنه أن يغفله، ويضيف: «أحرص على الذهاب للعمل قبل زملائي المسلمين، ولا أتناول أي طعام أمامهم في نهار رمضان حرصاً على مشاعرهم».

ويقول أمير عبد المسيح- 35 سنة- إن أحد أهم طقوسه الرمضانية تناول الإفطار في منزل صديقه المسلم الذي يسمى أمير أيضاً، ويضيف «الإفطار مع عائلة صديقي أمير له طابع مميز، فبجانب الجو العائلي المترابط، فإننا نكمل اليوم في السهر حتى الصباح في أي مكان يقدم عروضاً فنية، كما أننا نقضي معظم رمضان بصحبة أصدقاء كثيرين مسلمين ومسيحيين، فنتناول الإفطار في إحدى موائد الرحمن، ونذهب في سهرات عديدة منها بعض الأماكن التي تقدّم التواشيح الدينية».

المصدر: الخليج