د.سلطان أحمد الجابر
د.سلطان أحمد الجابر
وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

من ندرة المياه إلى ضمان أمنها

آراء

في اليوم العالمي للمياه، الذي صادف 22 مارس الماضي، حثَّ الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» المجتمع الدولي على التضافر وتوحيد الجهود لمعالجة التحديات الملحة التي تواجه العالم في مجال المياه. وتوقع تقرير الأمم المتحدة حول المياه حصول عجز بنسبة 40% في الإمدادات بحلول عام 2030 ما لم يبادر المجتمع الدولي إلى تطوير آليات جديدة لإدارة المياه. وباعتبار أن الإمارات العربية المتحدة تقع في واحدة من أكثر مناطق العالم جفافاً، يعدّ الأمن المائي بالنسبة لنا ضرورة استراتيجية تتطلب تضافر الجهود. وبفضل الرؤية الاستراتيجية لقيادتنا الرشيدة، تم وضع هدف طموح للحد من بصمتنا المائية بنسبة 20% بحلول عام 2030، فضلاً عن تكثيف العمل مع المجتمع الدولي من أجل إيجاد الحلول الملائمة لضمان أمن المياه.

ويمثل المنتدى العالمي السابع للمياه الذي سينعقد الأسبوع المقبل في كوريا الجنوبية، منصةً حيوية لتوحيد الجهود الرامية إلى مواجهة تحديات الحصول على المياه النظيفة. ويقدم هذا المنتدى فرصة ملائمة لتسخير خبراتنا الجماعية لإيجاد مصادر موثوقة للمياه، بصفتها أهم الموارد، وأكثرها ندرةً.

وبالنسبة لنا، كانت ندرة المياه واقعاً حقيقياً اختبره شعب الإمارات منذ فجر التاريخ، حيث كان أجدادنا يعتمدون على الآبار والواحات لتلبية احتياجاتهم من المياه. واليوم، حتى بوجود الاقتصاد القوي والبنية التحتية الحديثة، لا تزال الحاجة للمياه في مقدمة أولويات قيادتنا الرشيدة باعتبارها مورداً حيوياً وضرورة ملحةً، فقد أكّد سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أهمية المياه بقوله: «إن المياه تشكل أهمية كبرى تفوق أهمية النفط». وتأتي مشاركة دولة الإمارات في المنتدى العالمي للمياه بوفدٍ كبير يرأسه سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، رئيس ديوان صاحب السمو ولي عهد أبوظبي، لتعكس الأهمية الكبيرة التي توليها الدولة لضمان أمن المياه، حيث يضم الوفد ممثلين عن مختلف الجهات المعنية بالمياه في الدولة.

إن الأمم المتحدة تعرّفُ ندرة المياه بأنها الحالة التي يحصل فيها الفرد الواحد على أقل من 1000 متر مكعب سنوياً، بينما تبلغ حصة الفرد من المياه الطبيعية في دولة الإمارات ما يقرب من نصف هذه القيمة. وبفضل تحلية المياه، يعدّ استهلاكنا من بين المعدلات الأعلى في العالم. كما يتعرض مخزون المياه الجوفية في الدولة للاستنزاف بوتيرة متسارعة، فمقابل استهلاك 25 لتراً، يعود لتر واحد من الماء إلى احتياطيات المياه الجوفية. وبسبب هذه الظروف، نحن عازمون على الانتقال من ندرة المياه إلى ضمان الأمن المائي من خلال مزيج من الإجراءات التي تجمع ما بين أفضل ممارسات الحفاظ على المياه، والحلول التقنية المبتكرة، والسياسات الناجحة، والتعاون مع المجتمع الدولي.

وتبذل دولة الإمارات جهوداً كبيرة في هذا المجال، ففي عام 2010، تناولت الاستراتيجية الوطنية للحفاظ على المياه ضرورة الإدارة المستدامة لجميع الموارد المائية في الدولة. وتسلطّ الاستراتيجية الوطنية للابتكار، التي تم الإعلان عنها مؤخراً، الضوء على المياه باعتبارها واحدةً من المجالات الرئيسة السبعة التي تركز عليها الاستراتيجية. وتشمل التدابير التي بدأت دولة الإمارات تطبيقها بهذا الصدد إصدار أولى معايير البناء الإلزامية على مستوى الشرق الأوسط، بهدف تخفيف استهلاك المياه والطاقة بنسبة أكثر من 33%، كما تم تطبيق أول معايير على مستوى المنطقة لكفاءة الأجهزة الكهربائية المنزلية. وما يزيد من أهمية هذه الإجراءات هو أنها تتعامل مع موضوع المياه ضمن إطارٍ أوسع من الترابط الحتمي بينها وبين الطاقة، وذلك وفق منهجية شاملة تتيح مواجهة مختلف تحديات الاستدامة.

ونتيجة لهذه الجهود، ازداد الاهتمام بالكميات الكبيرة من الطاقة اللازمة لإنتاج المياه وتنقيتها ونقلها وتوزيعها ومعالجتها، وأيضاً بكميات المياه اللازمة لإنتاج الطاقة. وتعتبر التحلية أهم مصدر للمياه العذبة في دولة الإمارات، حيث نحصل على 40% من احتياجات المياه تقريباً عبر التحلية. لكن هذه العملية تستهلك الكثير من الطاقة، وتعتمد على توافر موارد الطاقة الثمينة التي تتمتع بها الدولة، والتي يجب علينا الحفاظ عليها، وإطالة أمد استثمارها. وبهدف التصدي لهذه التحديات، تم إطلاق برنامج «مصدر» التجريبي لتحلية المياه، من خلال مفهوم جديد يركز على الترابط بين المياه والطاقة واستدامة كل منهما، حيث يهدف هذا البرنامج إلى تطوير تقنيات تعمل بالطاقة المتجددة، وتتسم بكفاءة كبيرة في استخدامها. وتعدّ دولة الإمارات في مقدمة الدول التي تُعنى بالأبحاث في مجال تقنيات معالجة نقص المياه الجوفية، وعلى سبيل المثال، تم إطلاق برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة 2015، حيث يقدم هذا البرنامج، الذي يديره المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل، مِنحاً بقيمة تصل إلى 5 ملايين دولار، لتشجيع المؤسسات وفرق البحث والعلماء على البحث عن وسائل جديدة لزيادة هطول الأمطار ليس في دولة الإمارات فحسب بل في المناطق القاحلة وشبه القاحلة في جميع أنحاء العالم أيضاً.

إن زيادة الطلب على موارد المياه تأتي نتيجة مجموعة من العوامل، بما فيها النمو السريع للاقتصاد العالمي، وزيادة عدد السكان، وندرة الموارد الطبيعية، وتداعيات تغير المناخ. وبالاعتماد على الابتكار والتفكير الإيجابي، يمكننا إيجاد حلول ناجحة وعمليّة من خلال مجموعة من الإجراءات التي تشمل إدارة الطلب، والحفاظ على الموارد المتوافرة، وتطوير التقنيات، وتعزيز كفاءة الإنتاج والاستخدام.

وفيما نتطلع إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى خلال المشاركة في المنتدى العالمي للمياه، فإننا سنقوم أيضاً بتسليط الضوء على جهود ومبادرات دولة الإمارات في مجال الأمن المائي، والحفاظ على الثروة المائية، وتحسين طرق إدارتها، لتوفير مصادر مستدامة للمياه على المدى البعيد.

ومع انقضاء الأهداف الإنمائية التي وضعتها الأمم المتحدة لهذه الألفية، والسعي إلى تحديد أهداف التنمية المستدامة لما بعد عام 2015، لدينا الآن فرصة مهمة لوضع أهداف جديدة، تشمل إيجاد حلول لتحديات المياه. ولكن لا يمكن لأي بلدٍ القيام بذلك لوحده، فهذه مسؤولية مشتركة، وعلينا توحيد الجهود لضمان أمن المياه لأجيال المستقبل. ويعدّ المنتدى العالمي للمياه منصة حيوية، تحفز على العمل لتحقيق هذا الهدف، واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على أثمن مواردنا، وأكثرها ندرةً.

المصدر: الاتحاد

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=84197