مَن منّا لم تغدقه اللغة وتغرقه؟

آراء

للغة بحر يبدو كالسماء الزرقاء، صافياً، هادئاً، ولكنه في الأعماق تكمن خطورته، حيث إن هذه اللغة ماكرة، هذه اللغة داهية، هذه اللغة عميقة إلى درجة الغموض في غزارة مفرداتها والتي كالأمواج تخطف لب المبحرين، وتسلب عقول العشاق.عندما يكونون في ذروة التداخل مع الكيان اللغوي، عندما يكونون في أقصى حالات النشوة اللغوية، عندما تكون اللغة في قمة اشتعالها في ضمير النص الإبداعي، وفي تلافيف المشاعر الملتهبة وجداً وهياماً، فيا معشر العشاق كونوا في اللغة وليس خارجها، لتكون هي الحامل لأوجاعكم وهمومكم، في قلب الحياة، في ثنايا الحلم البشري لتكون اللغة هي الليل المضاء بمصابيح الفرح، تكون اللغة وشوشة الشراشف ساعة انسدال الرمش على الرمش، ودخول المقل في حومة الأبدية.

منذ أن نطقت القريحة البشرية بالجملة الأولى من أنا؟ سجّرت البحار، ومادت الأرض، ومارت الجبال، وحمي وطيس الأسئلة ليصبح الإنسان هو علامة الاستفهام الكبرى التي تؤرق منام الإنسان نفسه.

واليوم إذ نفتح عيوننا على العالم ونتأمل الصورة، نرى ما يشبه الحلم حيث اللغة في حضرة مركز اللغة العربية أصبحت حقلاً مزروعاً بعناقيد مفردات تشكلت من خطوات، يحثها طموح إدارة وعت منذ البدء بأن للغة وقع سنابك الخيل في حال الجموح نحو جاليات الهموم.

اليوم يقف مركز اللغة العربية عند منتصف طريق فيه تصدح مآذن وأجراس، كلها تدعو، ترفع للوجود سطوة، وللسماء حظوة، وللعالم صحوة، ولا غفوة في حضرة اللغة، لأنها الموسيقى التي تعزف لحن خلود أمة، ولأنها القيثارة التي اختارها المركز كي تكون شعار المرحلة ونحن في بلد ديدنه سلام النفس، وحلم العقل، وسدة القلب.

نحن في وطن ناموسنا في البدء، وفي النهاية هي لغتنا، وهي بطاقة هويتنا ونحن نعانق النجمة، ونسرج صهوة الغيمة ونمضي في الزمان حقباً، ترفع حقباً، ومراحل تصطف كأنها حبات مسبحة لساجد متعبد.

هكذا نحن وهذا ما يصبو إليه مركز اللغة العربية، لأجل تشذيب أوارق الشجرة وترتيب أغصانها، لتكون في العالمين هي الدرة، وهي الجوهر المكين في قلب العالم.

هكذا نتصور مركز اللغة العربية في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، والذي بزغ في حياتنا كطلوع الشمس، كبريق النجمة، كتألق الأقمار في الليالي الصاخبة بغناء العشاق، وشدو الطير، ودندنة الأشجار وهي تتلو لحن الخلود.

هكذا نشعر ونحن نتابع الحركة الثقافية التي يدير دفتها رجال عاهدوا الله أن يكونوا جنوداً لهذا المكان وهو الأقدس في حياة الشعوب، وهو الرافعة التي تستند على كاهلها الحضارات.

نشعر بالفخر ونحن نقرأ التفاصيل في برامج ونشاط المركز، ونتأمل المشهد فنجده زاهياً كما هي الإمارات دوماً وفي مختلف المجالات. وشكراً لعشاق الوطن والعمل الجاد.

المصدر: الاتحاد