جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

نحن من نضفي قيمة للأشياء

آراء

بقايا القهوة في الفنجان شكلت خطوطاً غريبة، بدت لي كأنها صورة لحيوان مفترس.

قلت لصاحبي: هل ترى صورة الحيوان المفترس في قعر الفنجان؟

قال لي: لا أرى شيئاً!

ما الذي حدث؟

الخطوط العشوائية كانت بلا معنى، وأنا أسقطت عليها انطباعاتي وصوراً ذهنية سابقة لحيوان مفترس من الذاكرة، كنت أراه واضحاً بين الخطوط العشوائية. وكان صاحبي يبحث عنه. والسؤال الآن لماذا لم نرَ كلانا نفس الصورة والتعابير في قعر الفنجان؟

• الحياة لا تنتظر أحداً، ولا تعبأ بأحد أيضاً، كانت قبلنا وسوف تستمر بعدنا، كم حاولنا أن نبطئ من سرعتها بإضفاء معان وقيمة للأشياء من حولنا، ليتها ولعلها تلتفت لنا، كم حاولنا أن نثبت ملكيتنا للأشياء، ولكن الحياة بعد أن نفنى، في النهاية هي التي ترثنا وترث أشياءنا.

وعندما حاولت أن أشرح له بتتبع الخطوط، بدأ يتفاعل وينقل انطباعاته وإحساسه، ويُكَوِّنُ صورة ذهنية قريبة.

لقد اختلفنا في الرؤية، رغم أننا نشاهد الصورة عينها. لا يوجد تشابه في رؤية المشهد، فكلانا يرى الأشياء من منطلق مختلف، ويحكم عليها أيضاً من منظور آخر. الزمان والمكان مؤثران في رؤيتنا، وكذلك انطباعاتنا وأحاسيسنا وتراكم المشاهد في حياتنا. ما أراه وأفسّره ليس بالضرورة ما تراه أنت؛ رغم أننا ننظر ونرى المشهد عينه.

وعلى هذا النسق هناك أشياء كثيرة في حياتنا، نحن من نضيف إليها ألواناً ورائحة، نحن الذين نعطيها معنى وقيمة وأحياناً ملكية!

الصحة لا تقدر بثمن في أوقات المرض، وتختلف قيمتها في وقت العافية! قصر الحياة يجعلنا نمشي مسرعين.

الحياة لا تنتظر أحداً، ولا تعبأ بأحد أيضاً، كانت قبلنا وسوف تستمر بعدنا، كم حاولنا أن نبطئ من سرعتها بإضفاء معان وقيمة للأشياء من حولنا، ليتها ولعلها تلتفت لنا، كم حاولنا أن نثبت ملكيتنا للأشياء، ولكن الحياة بعد أن نفنى، في النهاية هي التي ترثنا وترث أشياءنا.

دائماً الإنسان يرى الأشياء كما يريدها وليس كما هي، الإنسان يملك ذاكرة قصيرة بل مثقوبة، يضفي معاني وقيمة، ويصدق نفسه، ويعتقد أنها هي الحقيقة. هناك مصالح وغايات وراء إضافة هذه المعاني والقيم، وما نراه ذا قيمة وأهمية، يراه آخرون من غير أهمية أو قيمة، مع أنه المنتج عينه.

يقول صاحبي: أكبر مشاكلنا في هذه الحياة ظننا أننا محور هذا الكون؟

قلت له: كلامك درر.

ولكنه أضاف بحماس كبير: «حتى الدرر ليس لها قيمة بذاتها، وإنما نحن من نعطيها قيمة ومعنى».

قلت له: لا تتحمس كثيراً، خلق المعاني الجميلة والقيمة ضروري لاستمرارية الحياة، لكن لا تنس أنك خلقتها، فلا تضفي قدسية على شيء صنعته بيدك.

قال لي: ربما سيأتي بعدي من سوف يقدسه!

قلت له: لا تعليق.

المصدر: صحيفة الإمارات اليوم