محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

نخبة الأزمة وأزمة النخبة

آراء

الوضع الذي يمر به المجتمع هذه الأيام يعتبر تجربة جديدة يمر بها أغلب أفراده لأول مرة… فعلى مدى أربعة عقود كان الانسجام والتلاحم والاتفاق هو سمة علاقة أبناء الإمارات، لم يفرقهم شيء ولم يكدر صفو حياتهم أحد منهم، إلى أن ظهرت فئة من الواضح وجود علامة استفهام كبيرة على نشاطها ووجودها. وبعيداً عن إصدار الاتهامات والأحكام -فهناك جهات تتكفل بذلك- فما يراه المواطن العادي هو أن الوضع الحالي غريب بالنسبة إليه.

محاولة إرباك للمجتمع، وهذا ليس بالغريب ولا المستغرب ولا المفاجئ، فلم يحدث وجرب الإماراتيون هزات قوية تضع المجتمع أمام واقع صادم، ففي مجتمع الإمارات الصغير والمتماسك عندما تموت أسرة في حادث سير أو حريق منزل تجد الحزن يعم كل الإمارات فما بالنا بقضية تمس البلد واستقراره ومستقبله؟ لذا فإن الحالة هذه غير مستغربة وكان الناس بحاجة إلى من يطمئنهم ومن يدعمهم ومن يوضح لهم الأمور ويساعدهم على اتخاذ الموقف السليم تجاه الوطن وأبناء الوطن.. 

فانتظروا النخبة، فظهر البعض منها وغاب البعض الآخر.

النخبة هم المثقفون والأكاديميون وكبار المسؤولين في الدولة ورجال الدين والكتاب والشعراء وهم الأدباء والفنانون وحتى رجال الأعمال من أصحاب الرأي والحل والعقد… كل هؤلاء وغيرهم ممن لهم تأثير في المجتمع ويفترض أن يقولوا كلمتهم ويوضحوا موقفهم تجاه الأحداث بما يرضي ضميرهم طبعاً. واختفاء النخبة وقبولها بالأزمة التي وجدت نفسها فيها يؤدي إلى ظهور مجموعات وأفراد تقوم بلعب دور “نخبة الأزمة” فيكون التوفيق نصيب بعضهم للموضوعية التي يتحلون بها والإخفاق نصيب البعض الآخر للمبالغة والمزايدة بل والتهور، وهذه ليست مشكلة هؤلاء وإنما مشكلة النخبة التي اختارت الاختفاء إلى أن تتضح الأمور وتنتهي لتقول “كلمتها” حين إذن!

يبدو أنه لا يكفي أن يكون الشخص متعلماً وقارئاً أو حتى مثقفاً حتى يكون صاحب موقف، بل يحتاج أكثر من ذلك… يحتاج إلى رؤية واضحة وقدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح… 
يجب أن تكون للنخبة كلمة في الأوقات الحساسة وفي الأزمات وفي المواقف الكبيرة، فهذا هو وقت الكلام وليس الصمت. و”الصمت في زمن الكلام أسوأ من الكلام في زمن الصمت”، فلا شيء يبرر صمت من يجب عليه الكلام.

العبارة الشهيرة تقول إن “السكوت علامة الرضا”، لكن واقع الحال يقول غير ذلك، فأحيانا يكون “السكوت علامة الصدمة”، أو يكون “السكوت علامة الذهول”، أو يكون “السكوت علامة الخوف”، أو يكون “السكوت علامة الاعتراض” أيضاً.

البعض يرى أن أزمة النخبة حقيقية وحيرتهم تبدو مبررة واختيارهم موقف المتفرج والمترقب تبدو منطقية، لأنهم لا يعرفون أشياء كثيرة والرؤية غير واضحة ولأنهم يفتقدون معلومات يحتاجونها. لذا لا يريدون أن يلاموا أو يلتفت إليهم أحد أو حتى يسألهم. 
كل هذه الأمور تبدو واضحة ومنطقية، لكن مشكلة النخبة أنها دائماً مطالبة بأن يكون لها موقف واضح ومطالبة بما هو غير مطلوب من غيرها لذا فإن سقف التوقعات منها عال، وإذا انخفض أصاب الناس إحباط منها.

أما المواطنون فتباينت ردود أفعالهم بين من هو بعيد عن الأزمة ولا تهمه، وبين من يتفرج بصمت، ومن يتحمس ويدافع، ومن يريد أن يخرج لينتقم، ومن هو متردد فيوم يدافع عن الأشخاص ويوم آخر يهاجمهم…وهكذا الشباب فهم لا يلامون على تذبذب مواقفهم تجاه ما يحدث، فبين من يرى أن هذه إجراءات قاسية وبين من يتحمس لذلك ويرى أن من حق الوطن الحفاظ عليه. وبين من هو متردد بين هذا الرأي وذاك، ففي الصباح تجده ضد ما يحدث وفي الليل معه وتراه اليوم حزيناً لما يحدث وبالأمس كان سعيداً ومنتشياً. وفي ظل هذا الوضع تعتبر هذه المواقف طبيعية ومتوقعة من المواطنين وربما أكثر، خصوصاً عندما يكون موقف النخبة المعلن غير محسوم وغير واضح ولا ثابت.

وفي وقت الأزمات يتأخر بعض الرجال والنساء من النخبة في إعلان مواقفهم، أو يبدو رأيهم في الأزمة التي تمر بهم، ولا أعتقد أنه يغيب عن ‫هؤلاء أنهم بهذا الموقف يزيدون من ربكة الشباب وحيرتهم وبالتالي يجعلونهم يتخذون قراراتهم بأنفسهم. فالبعض ممن كانوا يعتبرون قادة رأي وأصحاب مواقف، وقفوا صامتين أمام الأحداث الأخيرة في حين أنه كان يفترض أن يكونوا أكثر الناس وضوحاً، مهما كان موقفهم “مع” أو “ضد”‬.

دائماًهناك خيط رفيع بين ما نعرفه وما لا نعرفه، هناك شعرة تفصل بين الحقيقة والخداع… لكن دائماً هناك ثوابت راسخة لا تغيب عنها الشمس ولا يتوه عنها ذو عقل وبصيرة.

المنطقة العربية باسرها تمر بتغييرات جذرية… والنخبة في كل الدول أصبحت على المحك، خصوصاً أن الأمور في بعض الأحيان تكون متداخلة وأحياناً أخرى تكون القرارات والتوجهات غير واضحة، وتكون المعلومات غير كافية.

والإشكالية الأخرى أن مسألة القياس على الحالات السابقة لا تكون صحيحة دائماً فبعض التفاصيل تختلف من دولة إلى أخرى وكذلك بعض المعطيات تختلف من مكان لآخر ومن وقت لآخر… الأمر الذي يجعل مسألة اتخاذ قرار أو موقف مشابه لموقف سابق وناجح من قبل غير مضمون أن يتكرر مرة أخرى، لذا تتحمل النخبة عبئاً أكبر.

المصدر: جريدة الإتحاد