سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

نزاع إضافي

آراء

يقول وزير خارجية فرنسوا ميتران، أوبير فيدرين، إن العالم قد أخفق بعد نحو قرن على قيام الأمم المتحدة في إنشاء شيء يسمى بـ«الأسرة الدولية»، فما نحن إلا في بابل مستدامة، كما يرى المفكر والدبلوماسي الفرنسي. ما من شيء يسير كما ينبغي، لا الوحدة الأوروبية، ولا التعاون الدولي. وأما الولايات المتحدة التي تغطرست حول العالم في ربع القرن الماضي، فإنها قد أحدثت بانكفائها، اختلالاً كالذي أحدثته في تدخلاتها.

يركز فيدرين على حالة الوهن المنتشر في أوروبا، ولذلك، لا يتنبه إلى نقاط التفجّر الأخرى. ليس في العالم العربي، حيث الانفجار الكبير يتسع بلا توقّف، وإنما الآن أيضًا في جنوب القوقاز، حيث تشتعل من جديد الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، مهددة بالامتداد إلى سائر المنطقة. ولا يخفى على أحد أن الصراع في ناغورني قره باغ، أو قره باغ العليا، إنما هو أيضًا صراع بالواسطة بين روسيا وتركيا، اللتين تتصارعان، بالواسطة أيضًا، فوق الحلبة السورية. وكانت الجبهة هناك قد هدأت بعد الانفجار أواخر الثمانينات حول المنطقة المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان، وأدّى آنذاك إلى مقتل 20.000 شخص، وتشريد أكثر من مليون. فقط بعدها، في عام 1994، وقّع البلدان اتفاق هدنة – وليس معاهدة سلام. ومنذ 1994 إلى الآن زاد طبعًا تسلّح الدولتين على نحو مخيف. والمتغير الآخر هو زيادة الالتزامات الروسية نحو البلدين معًا. وثمة من يعتقد أن الانعكاسات والتدخلات العسكرية قد تمتد هذه المرة إلى جورجيا وإيران وشمال القوقاز، وأن خطوط أنابيب الغاز والنفط الممتدة إلى بحر قزوين قد تتضرر هي أيضًا.

وتعود جذور النزاع إلى أن أكثرية أرمينية تسكن في جبال قره باغ، التي كانت جزءًا من أذربيجان السوفياتية. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي طالب الأرمن بضم المقاطعة إلى أرمينيا، وأدّى ذلك إلى حرب شاملة انتهت باحتفاظ الأرمن بالسيطرة على المنطقة.

طوال فترة الهدوء الماضية اعتقد العالم أن في الإمكان تجاهل النزاع وتركه يستوي بهدوء، مثلما حدث للنزاع القبرصي على وجه الضبط. لكن الانفجار الأخير أظهر من الأحقاد والعداوات المتبادلة، ما يوحي بأن الشبه بين النموذجين بعيد جدًا. وفي قبرص يعيش كل من الأتراك واليونانيين في مناطق منفصلة تمامًا. أما في ناغورني العليا وجوارها فإن الأذربيجانيين والأرمن يتداخلون على نحو شديد التعقيد. وينحى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان باللائمة على فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، التي كلفت التوسط في النزاع بين الفريقين لأنها لم تستطع الوصول إلى أي نتيجة خلال 20 عامًا. وفي غضون ذلك، استمرت روسيا أيضًا في بيع السلاح إلى الدولتين رغم دورها كوسيط. ولا أحد يعرف إلى أين سيتّجه النزاع من هنا: إلى التوسع أو العودة إلى خطة السلام التي وضعت قبل عشر سنين؟ كما أن لا أحد يعرف إذا كان بوتين وإردوغان سوف يوسعان دائرة المبارزة، أو يجدان في ذلك بابًا إلى تخفيف التوتر.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط