نفسية المعلم..

آراء

يعود المعلم اليوم إلى مدرسته بعد إجازة طويلة نسبياً، ويتهيأ لموسم دراسي جديد، ويشارك إدارة المدرسة في تفاصيل التحضير لاستقبال الطلاب الأسبوع المقبل، ويبدأ إعداد أوراقه، ووسائله، وجدوله اليومي، واكتمال نصابه، وهكذا اعتاد من عام إلى آخر، من دون أن يشعر أن هناك شيئاً مختلفاً، أو يستحق التغيير على مستوى الممارسة الوظيفية، إلاّ من استجد عليه من زملائه المدرسين المنقولين أو المعينين حديثاً، أو ربما قائد جديد للمدرسة، ولكن البيئة المدرسية هي على حالها غالباً.

الحالة النفسية للمعلم أو المعلمة مهمة جداً، ومثل ما نحضّر للعام الدراسي علينا أن نحضّر تلك النفسية التي تتحمّل اليوم فوق طاقتها، ونعيد إليها هيبتها ومكانتها، ليس داخل المدرسة فقط وإنما في المجتمع، ونتعامل معه كمربٍ، وموجه، وقدوة، وإنسان مؤهل لمهمة إعداد الأجيال، كذلك هذه النفسية بحاجة إلى من يرعاها، ويأخذ بيدها، ويلبي احتياجاتها، ويمنحها امتيازات مختلفة تنطلق معها نحو الرضا، والقبول، والتجديد الذي لا ينقطع فكراً وممارسة.

مشكلة المعلم أنه موظف يمارس مهنة، فلا الوظيفة قدّمت له ما يريد في الجانب المادي، ولا المهنة منحته قيمة إضافية على مستوى المادة، وبالتالي أصبح كما هو موظف يأخذ أجره مثل أي معلم آخر يرى فيه أقل منه جهداً وتميزاً ويكون تقييمه مثل غيره، ويمارس في الوقت نفسه مهنة يعاني منها نفسياً؛ فهو قادر أن يبدع ولكنه يرى أن العائد المعنوي لا يكفي من دون تحسّن العائد المادي، وبالتالي يُحبط، وتعود له حالته النفسية مجدداً.

الحل مع هذه النفسية هو أن يتحول المعلم من موظف إلى ممارس مهني، وهذا التحول بدأت فيه وزارة التعليم من خلال برنامج الخصخصة، ولجانه الإشرافية، وإعلان 2000 مدرسة مستقلة للتخصيص الأولي تشكّل حوالي 7% من إجمالي عدد المدارس التي تزيد على 35 ألف مدرسة، مع إنشاء شركة للموارد البشرية لخصخصة الوظائف التعليمية، ولكن هذا التحول المهم جداً كانت تنقصه الكثير من الشفافية والوضوح، وهو ما جعله يتأخر أكثر من اللازم، بل زاد غموضه تعقيدات أكبر على نفسية المعلم الذي لم يجد إجابات كافية ووافية عن كل تلك التفاصيل.

وزارة التعليم جزء من برنامج الخصخصة العام للحكومة، وعليها أن تمضي في مشروعها الطموح نحو الخصخصة مع بقاء مجانية التعليم، وتعمم التجربة مباشرة بلا نسب مرحلية، وتنقل المعلمين والمعلمات إلى عقود العمل السنوي، وفق تقييم يعتمد على مؤشرات معلنة، ويعيد المنافسة إلى حيز الوجود داخل البيئة المدرسية، ويمنح معها الامتيازات المالية قبل المعنوية؛ لأن هذه اللحظة التاريخية من التعليم في المملكة سنجد فيها المعلم الذي يستحق أن يبقى لينافس ويبدع، وتعود له نفسيته المتجددة مع كل صباح.

المصدر: الرياض