نقص فيتامين «د».. داء صامت يغذيه غياب المـسوحات الوطنية

منوعات

أعد الملف: عماد عبدالحميد، مصطفى خليفة، عصام الدين عوض

على الرغم من أن دولة الإمارات تتميز بطقس مشمس معظم أيام السنة وبأشعة شمس وفيرة، إلا أن جميع المؤشرات تدل على أن هناك نقصاً كبيراً بنسبة فيتامين «د» لدى معظم السكان، وما يترتب على ذلك من مخاطر صحية مرتبطة بتصلب الشرايين والسكري، ونمو العظام والأسنان ونقص المناعة الذاتية وسرطانات الثدي والجلد والقولون والتهاب المفاصل وزيادة السمنة والعديد من الأمراض الأخرى.

وفيما يتعلق بنسب الإصابة بنقص فيتامين «د»، في الدولة، لا توجد أرقام دقيقة، نتيجة أن المسوحات الوطنية المرجعية في هذا الجانب غائبة سوى بعض المسوحات التي يتم إجراؤها بين فترة وأخرى من قبل بعض الجهات الصحية، والتي كان آخرها في عام 2017 من قبل هيئة الصحة في دبي والتي خلصت إلى أن نسبة الإصابة تصل إلى نحو 85%، كما أن حجم الإنفاق على أدوية فيتامين «د» يمكن أن يعتبر مؤشراً لوجود مشكلة حقيقية بالرغم أيضاً من عدم وجود أرقام دقيقة، حيث أن متخصصين في قطاع الصيدلة في الدولة قدّروا حجم الصرف على فيتامين «د» على مستوى الدولة بما لا يقل عن 10 ملايين درهم سنوياً.

وفي هذا الإطار، قال أطباء إن نقص فيتامين د في الدولة يعتبر «وباء صامتاً»، حيث إن أعراضه في الغالب تكون خفية وتستغرق سنوات للظهور، مؤكدين أهمية تغطية تكاليف فحص فيتامين «د» بالتأمين الصحي داخل الدولة، لما يمثله ذلك من أهمية قصوى لتجنب الإصابة بالعديد من الأمراض أو تطورها خاصة الأمراض المزمنة وبعض الأورام، مشيرين إلى ضرورة وضع خطط استراتيجية للكشف المبكر عن المرض لدى جميع الفئات العمرية.

مشكلة عالمية

وقال الدكتور أنور الحمادي، استشاري ورئيس شعبة الإمارات للأمراض الجلدية: «بغض النظر عن الأرقام والنسب، لدينا نقص في فيتامين (د)، الذي تحول إلى مشكلة عالمية، وقد تكون بالفعل لدينا أكثر من الدول الأخرى لأسباب عدة منها قلة التعرض للشمس، حيث يمضي الرجال معظم أوقاتهم في المكتب من الثامنة صباحاً حتى الثانية والنصف ظهراً وهي الفترة المفيدة لأشعة الشمس، في حين تمضي السيدات معظم الوقت في المنزل من دون التعرض لأشعة الشمس، إضافة إلى الابتعاد عن الطعام الغني بفيتامين (د) والاعتماد على الوجبات السريعة».

هشاشة عظام

بدوره أكد الدكتور بلال اليافاوي، استشاري ورئيس قسم العظام في هيئة الصحة بدبي، أن نقص فيتامين «د» لسنوات طويلة يسبب هشاشة عظام، ويصبح معها الشخص عرضة للكسور مجرد تعرضه لأي ضربة حتى لو كانت بسيطة لأن نقص الفيتامين يعد من الأسباب الرئيسية لهشاشة العظام.

وأضاف أن نقص فيتامين «د» يترك مضاعفات على الكبار والصغار وحتى حديثي الولادة، لأنه مسؤول عن امتصاص الكالسيوم من الأمعاء إلى الجسم، وبالتالي فإن نقص هذا الفيتامين يسبب نقص عنصر الكالسيوم في العظام ويتسبب في كثير من الأمراض عند الأطفال منها تقوس الأرجل وتأخر التسنين كما تكون الأسنان عرضة للتسوس المبكر، كما يسبب لدى الكبار مرض لين العظام.

وأوضح أن زيادة فيتامين «د» في الجسم تؤدي إلى تراكمه في الدم ويسبب زيادة مفرطة في الكالسيوم وتصلباً بل تكلس الشرايين وضعفاً في العضلات وشعوراً بالتعب، لافتاً إلى أن مرض هشاشة العظام يعد من الأمراض الصامتة الأكثر شيوعاً في العالم، ويتسبب في ضعف العظام تدريجياً حتى يسهل كسرها بأبسط المسببات المعروفة مثل السقوط.

وذكر أن الكثافة العظمية تصل عند الإنسان إلى ذروتها بين عمر 25 و30، وبعد ذلك يبدأ يخسر ما مقداره أربعة بالألف من قوة عظامه كل سنة، ولكنّ السيدة بعد انقطاع الطمث فإن فقدانها للكتلة العظمية يكون أكبر بكثير عن الرجل، حيث تصل نسبة الفقدان عندها إلى 3% كل سنة، ومعظم النساء لا يتمتعن في سن اليأس بحياة صحية تسمح لهن بتعويض ما فقدنه من الكثافة العظمية.

حملات صحية

بدورها أوضحت وفاء عايش، خبيرة التغذية، أن ارتفاع معدل انتشار نقص فيتامين «د» في الدولة، لا سيما عند النساء والأطفال، يتطلب التشخيص المبكر، واتخاذ الإجراءات المناسبة من خلال تنظيم حملات صحية عامة، لتثقيف الجمهور ومطالبة المنظمات الصحية والدوائية والغذائية بضرورة استخدام مكملات الفيتامين وتدعيم الأغذية بهذه المادة الهامة لمكافحة هذا النقص، وبالتالي لا بد للجهات الصحية من وضع استراتيجيات جديدة تكفل مكافحة هذا المرض عبر إضافة فيتامين «د» في المنتجات الغذائية المختلفة التي يمكن لكل الفئات العمرية استهلاكها في الحياة اليومية.

وتابعت أن الإمارات تحتاج برنامجاً شبيهاً لبرنامج تدعيم الحليب في ثلاثينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي أدى إلى القضاء على الكساح هناك، وكذلك قبل عقدين عندما كانت المملكة المتحدة تواجه نقص فيتامين «د» والكساح ونجحت في التغلب ذلك من خلال تدعيم الأغذية بمكملات فيتامين د.

وأشارت إلى ضرورة اتباع برنامج غذائي غني بالكالسيوم وفيتامين «د»، حيث يعد الكالسيوم من أكثر المعادن المكونة للكثافة العظمية ويمكن الحصول عليها من الأجبان، والحليب، والألبان، والنباتات الخضراء والبقوليات، بينما فيتامين «د» يشارك في تمعدن العظام بواسطة دوره في تنظيم مستويات الكالسيوم والفسفور في الدم وترسيبه في العظام، ومصادره بعد أشعة الشمس هي زيت السمك والحليب وصفار البيض والخضار.

مرض شائع

بدوره أكد الدكتور محمد أحمد فتحي، أخصائي القلب ومدرس أمراض القلب بجامعة الخليج الطبية في عجمان، أن نقص فيتامين (د) يعد شائعاً في المنطقة العربية نتيجة لعدم التعرض لأشعة الشمس، كما أنه مهم في تكوين العظام، وهي أنسجة حية جزء منها بروتينات وأخرى كالسيوم والذي يحافظ على قوة العظام.

وتابع: «نقص فيتامين (د) يقلل من الكالسيوم ويسبب لين العظام وتقوس الأرجل لدى الأطفال وهشاشة العظام لكبار السن، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي له في الدم 30 نانوغراماً، كما أن أكثر المراجعات لعيادة القلب بمستشفى ثومبي بعجمان من النساء والذين يشكين من آلام حادة في المفاصل وارتفاع ضغط الدم مصابات بنقص شديد في فيتامين (د)، كما أن نسبة الإصابة به عند النساء ضعف عدد حالات الرجال».

هرمون نشط

من جهتها أكدت الدكتورة جيلان محمد صادق، أخصائية طب العائلة بمستشفى ميد كير للنساء والأطفال، أن فيتامين (د) وهو ما يسمى فيتامين أشعة الشمس عبارة عن هرمون نشط ينتج عن الكولسترول عندما يتعرض لأشعة الشمس، لذلك لابد أن تكون الشمس مشرقة ويتم تعرض أكبر قدر من جلد الإنسان للأشعة وبدون واقٍ منها أو يكون من وراء حاجز زجاجي، ناصحة بضرورة الحصول عليه من المكملات الغذائية أو من الأطعمة حتى يحصل الجسم على احتياجاته، ومنها زيت الأسماك وزيت الكبد والأسماك الدهنية مثل السلمون.

ولفتت إلى أن فيتامين (د) يساعد على امتصاص الكالسيوم والفسفور في الجهاز الهضمي، كما له تأثير على المناعة والحماية من السرطان.

وذكرت أن نقص فيتامين (د) وباء صامت وأعراضه عادة تكون خفية وتستغرق سنوات حتى تظهر، مبينة أن بعض الدراسات أثبتت أن لفيتامين (د) تأثيراً كبيراً على أمراض القلب بمختلف أنواعه، ومرض السكر بنوعيه 1 و2، كما أنه في بعض الدراسات وجد أن الأطفال الذين يعانون من السكر ومصابون بنقص فيتامين (د) يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض السرطان، كما أن نقصه يؤدي إلى الإصابة بالخرف وتقليل متوسط العمر المتوقع، إلى جانب ضعف القوة البدنية في الأطراف العلوية والسفلية، كما يؤثر على الصحة النفسية والعقلية.

ونوّهت بأن هناك ما يُسمى تسمم فيتامين (د) في الدم، وهو نادر وأبرز أعراضه حدوث ارتباك، وقلة تركيز، ونعاس، واكتئاب، وقيء، وألم في البطن، وإمساك وارتفاع ضغط الدم، لذلك عند الشعور بتلك الأعراض يجب مراجعة الطبيب للتأكد من نسبة فيتامين (د).

المراهقون الأكثر تأثراً

وأجرت دائرة الصحة في أبوظبي دراسة حول نقص فيتامين «د» بين سكان أبوظبي من خلال برنامج «وقاية»، وأظهرت النتائج أن أكثر من 70% من المواطنين يعانون من نقص فيتامين «د»، وأن نسبة كبيرة من الفئة العمرية من 18 إلى 26 عاماً يعانون من نقص الفيتامين والنسبة تزداد في النساء، أما الفئة العمرية من 50 ـ 70 سنة فتعاني بشكل أقل من نقص فيتامين «د» مقارنة بالفئات العمرية الأخرى.

وفي دراسة أخرى، شارك فيها أكثر من 30 ألف مواطن بدولة الإمارات من جميع الفئات العمرية، وجدت أن المراهقين هم الأكثر تأثراً بنقص فيتامين «د»، فيما أظهرت دراسات سابقة أن 86% من سكان الدولة يعانون من نقص فيتامين «د» ما يتطلب التركيز والاهتمام على هذه المشكلة الصحية وإيجاد الحلول لها.

أعراض

وقال الدكتور ياسين الشحات، المدير الطبي في مستشفى «برجيل»، إن فيتامين «د» هو مركب حيوي بالنسبة للجسم وعنصر غذائي أساسي، فجسم الإنسان لا ينتج هذه العناصر بشكل كافٍ، حيث يفرز الجسم الفيتامين بشكل طبيعي عندما يتعرض لأشعة الشمس أو من خلال استهلاك الفيتامينات بأسلوب طبيعي أو عبر الغذاء مثل الأسماك، لافتاً إلى أن أحد الأعراض الواضحة والمهمة هي آلام العظام وضعف العضلات، وقد يؤدي نقص الفيتامين إلى كساح الأطفال وفقدان كثافة العظام ما قد يسبب هشاشة العظام أو كسوراً لدى البالغين.

وذكر أن نتائج الدراسات المحلية التي أجريت في الدولة تطابقت مع نتائج الأبحاث العالمية عن علاقة نقض فيتامين (د) بأمراض المناعة الذاتية مثل الروماتويد والذئبة الحمراء وغيرها، وأن علاج هذه الأمراض يجب أن يكون مقروناً بعلاج نقص الفيتامين.

وتابع: «استخلصت دراسة أمريكية حول طب الشيخوخة أن الأشخاص المتقدمين في العمر والذين يعانون من انخفاض في مستوى فيتامين (د) هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب».

مكمّلات غذائية

من جهته، أشار الدكتور عصام الدين نور الدين، أستاذ الكيمياء الحيوية الإكلينيكية بكلية الطب بجامعة أم القري في المملكة العربية السعودية، إلى أن الزيادة في تناول المكملات الغذائية المحتوية على فيتامين (د) تؤثر سلباً على امتصاص الفيتامينات الأخرى مثل فيتامين (ك وأ) وفق دراسات وبحوث طبية مؤكدة.

ولفت إلى أنه أجرى دراسة موسّعة حول معدل نقص فيتامين (د) على الأشخاص الطبيعيين في مكة المكرمة شملت 888 فرداً من جميع الفئات العمرية وأظهرت النتائج أن 84% منهم كان لديهم نقص في الفيتامين، وتم تفسير ذلك أن المعيار الأوروبي الذي يقاس به فيتامين (د) يجب أن نعتبره نحن كأطباء في الشرق الأوسط بمثابة «خزان» يلجأ إليه الجسم عندما لا يتعرض لأشعة الشمس كما هو الحال في المجتمعات الغربية، والعكس صحيح في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن أشعة الشمس متوفرة 11 ساعة يومياً فلا يحتاج الفرد في هذه المنطقة إلى تخزين هذا الفيتامين.

وتابع: «يجب مراقبة الأشخاص المعرضين للإصابة بنقص الفيتامين بشكل دائم وإعطاؤهم جرعات إضافية من الفيتامين، ومن قبل كان الأطباء يتجهون للمعالجة عبر استخدام Calcitriol و alphacalcidol ولكن مع تطور العلوم الجديدة، أصبح من المعروف أن فيتامين «د2» «د3» أفضل لأنهما أكثر أماناً وأقل تكلفةً، كما أنه يجب تناول جرعات أكثر من فيتامين «د» تتراوح بين 2000 إلى 4000 وحدة من فيتامين «د3» يومياً».

وأضاف: «للمحافظة على مستوى فيتامين «د» في الجسم، يجب أن يقوم الشخص بعمل فحص دوري كما يفعل مريض السكر تماماً، وإذا كان الشخص من الذين يعانون من آلام مزمنة، فننصح بزيارة الطبيب لمعاينة مستوى فيتامين «د» لديه، ولابد من الإشارة إلى شيء مهم وهو أنّ فيتامين «د» عنصر مهم جداً من أجل صحة أفضل، وأن الأشعة فوق البنفسجية B هي المصدر الرئيسي لفيتامين «د» لجميع الناس على وجه الكرة الأرضية، إضافةً إلى ذلك، فهو يلعب دوراً حيوياً في تقوية العظام ونموها».

وبيّن أن المصادر الغذائية لفيتامين «د» نادرة ولا تفي بتزويد الجسم بالجرعات والكميات المناسبة للجسم إلا في حالة تناول كميات كبيرة من الأسماك في النظام الغذائي.

توحيد القياسات

وقالت الدكتورة إيمان حسين، استشاري أمراض الروماتيزم في مركز الرعاية الصحية متعددة التخصصات: «لا يزال مرض هشاشة العظام واحداً من اضطرابات التمثيل الغذائي الأكثر شيوعاً لدى الرجال والنساء على حد سواء».

ولفتت إلى أهمية توحيد قياسات التحاليل الطبية المتعلقة بقياس فيتامين (د)، حيث يوجد العديد من الوحدات القياسية داخل الدولة والتي يتم الاعتماد عليها في المختبرات، ولكن عند قراءتها من قبل الأطباء قد يخطأ البعض في قراءتها.

وقد أوضحت إحدى الدراسات الحديثة أن إعطاء جرعة كبيرة واحدة من فيتامين د للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1-36 شهراً ممن أدخلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج من الالتهاب الرئوي، مع إعطاء المضادات الحيوية، يقلل بالفعل من نكس الالتهاب الرئوي بين الأطفال الذين يعيشون في إحدى المناطق التي تعاني من عوز كبير في فيتامين د.

سجل

تشير الدلائل إلى أن الإصابة بنقص فيتامين «د» تتسبب في الكثير من المشاكل المرضية، وأن علاجه يساعد كثيراً في الوقاية من الإصابة بهذه الأمراض بل وعلاجها.

وشدد أطباء متخصصون على أهمية تشجيع كافة فئات المجتمع بقياس مستوى فيتامين «د»، خصوصاً عند الأشخاص المعرضين للإصابة بنقص مستواه في الدم، كما دعوا إلى إنشاء سجل وطني لمستوى فيتامين (د) عند مختلف المراحل العمرية.

وأكدوا ضرورة إجراء دراسات تطبيقية مقارنة على المدى البعيد لدراسة أهمية وأبعاد مشكلة نقص فيتامين «د» بالدولة ومدى تأثيره على التسبب ببعض الأمراض وكذلك دوره في علاجها، وإجراء البحوث والدراسات العلمية والتوسع فيها لتوفير المعلومات اللازمة عن الأمراض بما فيها نقص الفيتامين وأمراض العظام وغيرها، ما يسهم في وضع البرامج والاستراتيجيات المستقبلية.

دراسات

شدد أطباء متخصصون على ضرورة تكثيف طرق ووسائل الكشف المبكر عن نقص فيتامين (د) لدى جميع الفئات العمرية، مؤكدين تزايد معدلات الإصابة بالمرض داخل الدولة بصورة خطيرة. وأشاروا إلى أهمية تغطية تكاليف فحص فيتامين (د) بالتأمين الصحي داخل الدولة.

وتؤكد بعض الدراسات أهمية تطبيق الوسائل المتاحة التي تؤدي لرفع منسوب فيتامين «د» لدى أفراد المجتمع، مثل إضافته للأطعمة والمياه والمشروبات، وكذلك توفير الأدوية التي تحتوي على الفيتامين بكافة تركيزها. وطبقاً لمجلس فيتامين (د) فإن تناول 5 آلاف وحدة يومية من مكملات الفيتامين يمثل نسبة ممتازة لاحتياجات الشخص من الفيتامين.

الرضَّع

أكدت منظمة الصحة العالمية أن الرضَّع يولدون بمخزونات قليلة من فيتامين «د» ويعتمدون على لبن الأم وأشعة الشمس والمكمِّلات كمصادر للفيتامين خلال الأشهر القليلة الأولى من العمر، ولما كان محتوى لبن الأم من فيتامين «د» يتوقف على حالة الأم فيما يتعلق بفيتامين د الذي تكون مستوياته منخفضة في كثير من الأحيان، ولما كان التعرض لأشعة الشمس قد يقتصر على الرضَّع الذين يعيشون في خطوط العرض العليا أو الذين يعرضون لها لأسباب ثقافية أو أسباب أخرى، فإن الرضَّع معرضون بصفة خاصة للإصابة بعوز فيتامين «د»، ويمكن أن يؤدي عوز الفيتامين لدى الرضَّع إلى تشوه العظام والنوبات وصعوبة التنفس.

وتشير دراسات إلى أن مكمِّلات فيتامين «د» قد تكون فعالة في الوقاية من الرخد «كساح الأطفال» لاسيما في حالة الرضع والأطفال الذين قد يكونون أكثر تعرضاً نظراً لقلة تعرضهم للشمس أو لكونهم من أصحاب الجلود الداكنة، ولكن يلزم إجراء المزيد من البحث قبل إصدار توصيات محددة.

أطعمة

تحتوي الأسماك الدهنية مثل السلمون والتونة والسردين وزيت كبد سمك «القد» على كميات كبيرة من فيتامين (د)، ويتكون معظم فيتامين (د) في الجلد بعد التعرض للأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس.

وتعتبر الأغذية التي تم إغناؤها، مثل الحبوب والجبن والحليب، مصدراً مهماً للحصول على فيتامين (د) في بعض البلدان، رغم أن تلك المواد تحتوي على كميات تتفاوت تفاوتاً كبيراً من فيتامين (د)، ويسهم النظام الغذائي بمقدار 10-20% فقط من مخزونات فيتامين (د) لدى البالغين، ويغلب كثيراً أن تنخفض تلك النسبة لدى الأطفال وأثناء أشهر الشتاء، عندما يقل تكوُّن فيتامين (د) بصورة طبيعية نظراً لقلة عدد الساعات التعرض لضوء الشمس، ولصغر زاوية الإشعاع الشمسي، ولقلة تعرض الجلد له.

ويُعْتَقَد أن فيتامين (د) يلعب دوراً مهماً في تنظيم عمل النظام المناعي، ويمكن له أن يقي أيضاً من حدوث العدوى، ومن السرطان، ومن الأمراض القلبية الوعائية، ومن الاضطرابات المناعية الذاتية مثل السكري من النمط 1.

50% من مرضى القلب مصابون

أكد الدكتور عارف النورياني المدير التنفيذي لمستشفى القاسمي رئيس مركز جراحة القلب والقسطرة أن نسبة الإصابة بنقص فيتامين (د) في منطقة الشرق الأوسط تتراوح ما بين 30 – 50 % وأن معظم الأشخاص لا يعلمون بإصابتهم، كما أن بعض الدول تبلغ نسبة الإصابة فيها 80 %، لافتاً إلى أن 50 % من مراجعي مركز جراحة القلب بالمستشفى مصابون بالداء، وهو رقم غير دقيق لأن هناك مرضى لا يتم فحص فيتامين (د) لهم، كما أن الأبحاث تجرى منذ أكثر من 30 عاماً لتقصي المرض والتي بينت أن اهم أسبابه عدم التعرض لأشعة الشمس وعدم ممارسة الرياضة البدنية وسوء التغذية.

وأضاف النورياني أن بعض الدراسات أثبتت أن نقص الفيتامين له علاقة بمرض تصلب الشرايين ومرض السكري، كما أن له ارتباطاً بارتفاع ضغط الدم والجلطات الحادة، وفي حالاته الحادة يؤدي إلى الاكتئاب، مبيناً أن نقص الفيتامين يؤدي إلى هشاشة العظام عند كبار السن نتيجة لعدم الحركة وتعرضهم لأشعة الشمس، كما يؤدي إلى إعوجاج العظام لدى الأطفال، إضافة إلى تأثيره على الأسنان، وبطء التحصيل الدراسي بالنسبة للطلبة، لافتاً إلى أن هناك الكثير من الأشخاص لديهم نقص في فيتامين (د) ولكن لا يعرفون بهذه الإصابة.

وذكر انه لا بد من الفحص الدوري لكل الأشخاص للتأكد من مدى إصابتهم بنقص الفيتامين، لأن التدخل المبكر يقلل من المضاعفات، خصوصاً بالنسبة للأطفال، منوهاً إلى ضرورة التعرض لأشعة الشمس صباحاً للوقاية من المرض، كما أن التعرض لأشعة الشمس أفضل من تناول مكملات الفيتامين، كما يجب ممارسة الرياضة البدنية بصورة مستمرة ودورية ما بين ساعة وساعة ونصف وهي كفيلة بالحد منه.

تأثير مباشر في ضعف التحصيل الدراسي

قال الدكتور محمد أحمد فتحي، أخصائي القلب ومدرس أمراض القلب بجامعة الخليج الطبية في عجمان، إن نسب الإصابة بنقص فيتامين د في الدولة كبيرة جداً، كما أن جميع الأعمار معرضين للإصابة به، والذي له علاقة بضعف التحصيل الدراسي لدى الطلبة، كما أن النقص الشديد يؤدي إلى الاكتئاب.

وأضاف أن نقص فيتامين (د) يؤثر على القلب لأن له علاقة بالتمثيل الغذائي للكالسيوم، كما يؤدي إلى هبوط الدورة الدموية واضطراب في حركة القلب، كما أنه من 20 حالة تراجع عيادة القلب يوجد 10 حالات مصابة بنقص الفيتامين، وهو مرض مكتسب.

ولفت الدكتور محمد أحمد فتحي إلى أن أبرز أسباب الوقاية منه التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية والتي تحوي نوعين (A) و(B)، الأول ضار بالصحة والثاني جيد وهو متوافر في الفترات الصباحية، إضافة إلى تناول الوجبات الغنية بالفيتامين، مشيراً إلى أن العلاج يتمثل في جرعات محددة من الحقن حسب حالة المريض، ففي حالات الأطفال الذين لديهم نقص 15 % والسيدات الحوامل كذلك يتم أخذ كبسولات 50 ألف وحدة في الأسبوع سواء مجتمعة أم مفرقة على أيام الأسبوع، وأقل من 30 نانوغرام يتم تناول جرعة 10 آلاف وحدة أسبوعية.

الأطفال المولودون في الشتاء أكثر عرضة للإصابة بالمرض

قال الدكتور ياسين الشحات، المدير الطبي في مستشفى «برجيل»، إن هناك دراسة أكدت أن تدهور شبكية العين لدى مرضى السكري تتأثر كثيراً بنقص مستوى فيتامين (د) في الدم، وأن علاج هذا المرض لا يكتمل إلا بعلاج نقص الفيتامين، لافتاً إلى أن هذه الدراسة ستحتاج لأبحاث أخرى مكملة لتأكيدها والاستفادة منها وتطبيقها.

وأكد أنه ثبت علمياً ارتباط نقص فيتامين (د) في الجسم بعدد من أمراض السرطان خاصة سرطانات القولون والمستقيم والكبد، فيما أشارت دراسات أخرى إلى أن نقص فيتامين (د) لدى الأطفال والرضع يؤثر على صحة الأطفال في مرحلة النمو، فيما أكدت دراسة حديثة أن الأطفال الذين يُولدون في فصل الشتاء أكثر عرضة للإصابة بمرض نقص فيتامين (د) من أقرانهم ممن يولدون في فصل الصيف.

وأوضح أن من بين الأبحاث الجديدة، دراسة أجريت بمدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي أشارت إلى أن هناك أمراضاً كثيرة منها أمراض نفسية لا تفيد فيها الأدوية والعلاجات طالما أن المريض يعاني من نقص فيتامين (د)، مشيراً إلى أن الدراسات جارية لمعرفة مدى علاقة توافر الفيتامين في علاج الأمراض النفسية والعصبية.

ضرورة توحيد معايير القياس الخاصة بالفحص في الدولة

شدد أطباء متخصصون على ضروة توحيد معايير القياس الخاصة بفحص فيتامين (د) داخل الدولة، ووضع الخطط الاستراتيجية اللازمة للكشف المبكر والعلاج.

وأكدوا أهمية تكثيف حملات التوعية والتثقيف حول مخاطر مرض نقص فيتامين (د) على صحة الأفراد، ورفع الوعي العام بأهمية الحصول على الفيتامين سواء من خلال التعرض لأشعة الشمس أو من خلال المكملات الغذائية المتوافرة في أسواق الدولة.

وأشاروا إلى أن فيتامين (د) يلعب دوراً مهماً في أيض العظام من خلال تنظيم توازن استتباب الكالسيوم والفوسفات، وقد يلعب أيضاً دوراً مهماً في تنظيم الجهاز المناعي، مؤكدين أن الجسم ينتج فيتامين (د) أثناء تعرّضه لأشعة الشمس، ولكنه يوجد أيضاً في الأسماك الزيتية والبيض ومنتجات الأغذية المغنّاة.

ولفت الأطباء إلى وجود ارتباط شديد بين عوز فيتامين (د) في الأطفال وخطر تعرضهم للإصابة بالعدوى الحادة في المسالك التنفسية السفلية، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى أن نسبة 42% من الأطفال الذي أدخلوا المستشفيات لإصابتهم بالالتهاب الرئوي لديهم عوز وخيم في فيتامين (د).

توصيات

أهمية تغطية تكاليف فحص فيتامين «د» بالتأمين الصحي داخل الدولة.

وضع خطط استراتيجية للكشف المبكر عن المرض لدى جميع الفئات العمرية.

تنظيم حملات صحية لتثقيف وتوعية الجمهور بمخاطر نقص فيتامين «د» على الصحة.

اتباع نظام غذائي غني بفيتامين «د» والابتعاد عن الوجبات السريعة.

عدم أخذ جرعات زائدة على حاجة الجسم من فيتامين «د»، إذ يسبب ذلك الإصابة بالتسمم.

التعرض لأشعة الشمس أو تناول المكملات الغذائية التي تحتوي على فيتامين «د».

المصدر: البيان