ريم الكمالي
ريم الكمالي
كاتبة في صحيفة البيان

نقطة

آراء

ماذا لو لم تكن ثمة نقطة بعد آخر جملة في رواية طويلة؟

 سؤال طفولي توارد إلى ذهني بعد قراءات متنوعة، فالنقطة ختامية، تُنهي الحكاية لتسكت الجميع، ورغم أن الروائي ألبرتو مانغويل يقول:

«النقطة تُنهي آلامنا» لكنني أراها دائرة صغيرة مظلمة تقف بعد جملة طويلة قد غرقنا في تفاصيلها، تمنينا حينها أن نستمر في ذلك الغرق اللذيذ، لكن السيدة نقطة تتسيد فجأة لتحسم كل شيء، حينها ننفصل عن زمن الرواية ومكانها الذي كان، لتصبح النقطة قمعية في حكاياتنا، تأخذنا بحضورها الكريم والناعم نحو الصمت قائلة: ها قد أغلقتُ باب الرواية، لقد جلست لترسخ مكانها بعد آلاف المفردات، وتتشبث دون حراك فتتلاشى أصواتنا الحائرة حيث لا عودة إلى ما كنا فيه، نستفيق حينها كقراء، بعد أن كنا نعتقد أن الروائي لم يعد قادرًا على إكمال روايته التي أخذت تنهي نفسها، وأنه شعر بالإنهاك فاستعان بالنقطة لحفظ ما تبقى من معنى.

كل علامات الترقيم تأخذ أدوارها وتتكرر، تتعجب وتستفهم، تتناثر الفواصل بين الجمل وتربطها ببعض، نسيج واحد، علامات تتعاون ولا تنقسم بين كل ما يقال، إلا أن الجميع يأبى أن يقف بعد الجملة الأخيرة في الكتاب، سوى تلك النقطة، لا أحد غيرها يتربع على عرش النهاية. يا لهذه الحبة الصغيرة التي يصبح الجميع في حضرتها أبكماً، نقطة تأبى أن ترفعنا أو تضمنا، بل أنها ومن عمق سوادها تكسر خيالنا الصوري، وتنسل من سيرتها الملتبسة لتضع نفسها – أحيانًا – بعد جملة لم تختم نفسها كما يجب، بل تحتاج تفسيرًا وتوضيحًا، تأتي لتقمع الشرح وتقعد بأدب جم ومصطنع، وتكف الجملة دون أن تتم معناها، لتبيت غامضة أو خاملة.

نقطة مخترعة، ومن اخترعها سوانا؟ ابتدعناها لتبقى صالحة في حضورها، والواقع أنها بدأت تتحكم بنا، وبقيت في وظيفتها حادة، حيث لا تصريح لنا إن لم نضعها، فأصبح دورها القاطع والحاد ينهي جميع الدروس وللأبد، ليحاول بعض الرواة أن يتحذلق ويدع روايته بنهاية مفتوحة كي يحرك التأويلات حوله، ولكن لا مفر لتحضر النقطة المراقِبة لنهاياتنا التي نكتبها نحن وتحددها هي، والتي لا تهمها الميادين بقدر النهاية.

حاول آخرون أن يخدعوا النقطة بوضع نقاط أخرى بعدها، نقطة بعد نقطة… طابور منقط وتصبح المفردات لا نهاية لها، حينها نعتقد بأننا وبتقاليدنا الراسخة في الكتابة استطعنا أن نقمع النقطة التي تمنعنا من ممارسة جنون الاستمرار في تأويلات ما بعد النهاية، حينئذ تفتح النقطة بحضورها ودون قصد منها نوافذ الخيال، فيا لها من قوة ساذجة!.

المصدر: البيان