نموذج إعلامى يُحتذى

آراء

سألتنى صحفية في استطلاعات نهاية 2022، عن أفضل مُحاوِر، وأفضل برنامج فكرى ثقافى؟ فكرت لوهلة، وقلت: محدودة للغاية البرامج الثقافية الجادة، رصينة الأداء، قد توجد بعض البرامج التي تشتبك مع قضايانا الفكرية الموروثة والمعاصرة بالفعل، لكنها عادة ما تميل للصخب، لوضْع المتلقى في مواجهات صارخة بين الرأى والرأى الآخَر، وإثارة الرأى العام، والصدام بين طرفَين لإشعال الحرائق والاستعراضات.

وعلى عكس هذه الصورة تمامًا، يقدِّم د. سليمان الهتلان نموذجًا متفرِّدًا في برنامج «حديث العرب»، اسكاى نيوز عربية، مثقَّف عقلانى هادئ، صاحب رؤية، يَشعُر المتلقى في حواره أنه أمام إعلامى بدرجة مفكر.

تمكَّن د. الهتلان من حشْد أعلامِ التنوير والعقلانية في حلقات برنامجه، حرص بكل الدأب والإصرار على المواجهة، استضاف أغلب العقول التي تقف ضد التيارات الرجعية المتسلِّفة، في حوار جادٍ، هدفه الأفكار لا الضجيج، يطرح معهم أكثر الأفكار عقلانية، وتطلُّعًا إلى المستقبل.

يقدم برنامجه دفقاتِ حياة لأفكارهم، وتفسيراتهم واجتهاداتهم الفكرية، حين تُطرَح على المشهد العام، ضمن ثقافة الصورة والفضائيات، وهو ما يُزِيد من حضور وقوة تلك الأفكار، ويُخرِجها من بين صفحات الكتب للفضائيات.

بقاء «حديث العرب»- طيلة هذه السنوات واستمراره، بالرغم من التهديدات التي وُجِّهت للمُحاوِر- دليلٌ على قوَّته وتحدِّيه الراسخ للرجعية، وإيمانه بمشروع فكرى يَستند إلى العقل والاعتدال، ينبذ التطرف وإقصاء الآخَر، يؤمن بالقدرات الفردية، كما يرى في التنمية حمايةً حقيقية من التطرف.

سليمان الهتلان شخصية قوية، تؤمن بالليبرالية والعقلانية والتسامح، وإمكانية تعديل الواقع بالفكر، والقطيعة مع كل الخطابات التي تُجمِّدنا، وتجعلنا ندور في نفْس فَلك قضايانا التي لا نتجاوزها.

كما لا تترك إثارتها كل حين إلا مزيدًا من الفُرقة والتشرذم. يسأل د. الهتلان، ليَهَبَ الفرصة كاملة لضيفه أن يَعرِض أفكاره، ونتائج أبحاثه، وتأمُّله للمشهد الثقافى فكريًّا وفنيًّا وعلميًّا في مجالات متنوعة، كما يحرص على أن يكون ضيوفه من كل البلدان العربية.

وهو حاصل على الدكتوراة في الإعلام والدراسات الثقافية من جامعة جورج تاون، وزمالة نيمان للصحافة من هارفارد بأمريكا، كما قدَّم عددًا مهِمًّا من البرامج، مثل «حديث الخليج» ثم «حديث العرب».

وكان رئيسًا لمنتدى فوربس للقيادات التنفيذية بالشرق الأوسط، ورئيس تحرير مجلة فوربس أيضا. وله مجموعة من الكتب مثل: «تجارب ملهمة»، «أين تفجِّر نفْسَك هذا المساء»، «أبطال فوق العادة»، «الشارع يا فخامة الرئيس».

كما أنه كاتب مقال من العيار المميَّز الحيوى، يشتبك مع القضايا الثقافية والاجتماعية والإعلامية منطلقا من رؤية عميقة، فتطرَح مقالاتُه بدائل، وتواجِه مقولاتٍ سائدةً، فتفنِّدها وتحلِّلها، وتقترح حلولًا للعديد من القضايا المُثارة في منطقة الخليج والدول العربية، كما يمتلك ذهنية منهجية منظَّمة، تضفى على مقالاتِه بهاء المنطق وسلاسة الطرح وانسيابه.

هذا مع امتلاكه لتراكيب لغوية متفردة، وتشبيهات لافتة، تلتقط المعانى، وترصد تفاصيلها الدقيقة، فيكتسب مقاله المصداقية، والمتعة، وجرأة تجاوز الراكد، فيبقى في وعى قارئه، لتميُّز فكره ولغته.

المصدر: المصري اليوم