“هات بوست” ينشر القصص القصيرة الفائزة بالمركز الأول بمسابقة دار كُتاب للنشر

منوعات

ننشر القصص القصيرة الفائزة بالمركز الأول في المسابقة الأدبية التي أطلقتها “دار كُتاب للنشر” برعاية موقعنا ” هات بوست”عن “العزلة المنزلية” حيث فازت قصة د. أماني فؤاد (لم تكن هنا في يوم ما) وكذلك قصة عائشة الحوسني (العزلة المنزلية) بالمركز الأول.

————————-

لم تكن هنا في يوم ما..

د. أماني فؤاد *

تمنت أن تُدفن في أرض طفولتها، في حضن التلال البيضاء التي أمام البحر، أو أن يلقوا بجسدها فيه، كانت تعرف أن أمنياتها لن تلقى استجابة، فأسرتها لن تحقق ما أرادته، رغبتها أهون لديهم من تنازلهم عن موروثهم الديني أو أعرافهم، وبالرغم من ذلك كررته مراراً.

منذ سنوات زرعت شجرة ليمون في طرف حديقة البيت، كانت قد أسرَّت إلى ابنها أنها تفضل الانسحاب دون لفت للأنظار، لكنها لا تريد الابتعاد حين تغادر، أوصته بدفنها تحت شجرة الليمون لا المدفن الذي في الصحراء، على أطراف وجودهم فضلت النهاية.

منذ زمن أدركت أن الحياة لن تأسَى على أحد، فالأرض تدور والأقدام تلاحقها دون توقف،لا أحد يكترثب من يغادر إلا نادراً، قد نستحضر بعض الحنين أو الفقد، ثم تُشغل المقاعد ذاتها سريعا.

كل حين تفتح الحياة أبوابها، فنخرج منها أفرادا أوجماعات، ويدخل آخرون، في هدوء أو صخب يستوي الأمر، في حسم ننتهي ولا نعود أبداً كما كنا، فكرت كثيرا أنها ربما أصبحت طائراً، ولذا كانت هوايتها دائما تأمل الأجنحة.

ضحكت في مرارة حين شعرت بأعراض المرض رغم العزلة، خشيت أن يتسرب شيء منها لحبات الليمون التي قد يلتقطها أحد، حيث لا مجال لأمنياتها في ظل احتمال هذا الخطر ارتضت رغماً عنها أن يودعوها في الصحراء حال النهاية.

حين بدأت أنفاسها في الاختناق مرت أمامها أطياف من سكنوا قلبها ذات يوم، أولئك الذين جعلوا لسنوات عمرها طعم الحنين، وقت تحشرجت أنفاسها تماما، كتبت لابنها في الورقة التي وجدتها بجوارها أن يودعها في اللامكان، كأنها لم تكن هنا في يوم ما.

*كاتبة وأكاديمية مصرية

————————————————————————————————————

العزلة المنزلية

عايشة الحوسني*

لم أعد أشكو سرعان تحرُّكَ عقاربَ ساعتي ولا سرعان أيامي. بات كل شيء بطيئاً.. لا أشعر أن الكلمات تسعفني لكي أصِف هذا البطء. أصبحتُ أنزع ساعتي من يدي لكيلا يُقلقني الوقت أبداً. حتى رؤية هاتفي بات يُزعجني.. فاضطررت لتركه، بدافع تجنب الأخبار التي تشتت طمأنينتي. تفرغتُ لنفسي كثيراً، عدت لكي أرافق كتُبي التي هجرتها طويلاً، متعذرةً أنني لا أملِك مزيداً من الوقت لقراءتها. أقضي ساعاتٍ وساعاتٍ دافنةً رأسي بين أرْفُف الكتبِ.. وأحياناً أستمرُّ حتى بزوغ الفجرِ. ثم أعود حاملةً “رأسي” من غُمرة الكتبِ وغبرتها. رأسي الذي أردته أن يمتلأ بما في هذه الأوراق بدلاً عما يحدث في الخارج. لكن في الحقيقة هناك شيئاً ما علَق في ذهني.. شيئاً لا يمكنني أن أتخطّاه أبداً خلال هذه الفترة، وهو أخي…

شقيقي الذي لم يبلغ سن الرشد بعْد. فهو صغيرنا الذي وُلد مصاباً بهذه العزلة منذ طفولته. العزلة المنزلية التي لم ولن تكن جيدةً لمرضى التوحّد. تُؤرَق أمي حين تراه يلهث لهذه الفترة، لأنه لأول مرة يشعر أن هذه الأيام تمثّله وأن هذا العالم يشابهه. لكنني أُدرك أن ما يحدث الآن، سيزيده عزلةً ووحدةً وبُعداً في الأيامِ اللاحقة. فكلما أطلت النظر إليه كلما يؤلمني قلبي وأُجبر بالكتابة. وهذا ما فعلته العزلة فيني.. فقد أصبحتُ أُكتب لكم بإفراط! أكثر من أي وقتٍ مضى.

*كاتبة إماراتية