مها سليمان الوابل
مها سليمان الوابل
إعلامية سعودية

“وجدة” هيفاء المنصور

آراء

مفارقة عجيبة أن أشاهد فيلم المخرجة السعودية هيفاء المنصور “وجدة”، عن حلم فتاة سعودية صغيرة في أن تمتلك دراجة وأنا أسكن وأعيش في هولندا بلد 13 مليون دراجة هوائية، حيث الكثير من المفارقات والاختلاف بين الثقافة العربية السعودية والثقافة الغربية الهولندية، وإن كانت ليست مجال الحديث هنا.

تدور أحداث الفيلم حول الممثلة السعودية الصغيرة “وعد” التى تسعى إلى تحقيق حلمها وامتلاك دراجة وتسعى جاهدة لامتلاكها.. كتَبَت وأخرجت الفيلم المخرجة السعودية هيفاء المنصور.. وإن كانت وجدة في نهاية الفيلم، قد امتلكت الدراجة، فإن مشهد قيادتها دراجتها في الشارع الضيق متجهة إلى الطريق السريع في نهاية الفيلم عندما كانت على مفرق طرق، إشارة ورمز واضح إلى أن المرأة السعودية ستتجه إلى طرق أقوى وأصعب، وتواجة كثيراً من التحديات حتى تحصل على حقوقها، وهذا ماهو دائر الآن على الساحة السعودية، لكنه قد يزادد ويكبر مع الجيل القادم.

المخرجة السينمائية السعودية المتميزة هيفاء المنصور ـ والتي حظى فيلمها وجدة على قبول منقطع النظير في كل دور العرض السينمائي ـ.. وهو الفيلم الذي مُثل وصُور في أحياء الرياض بتصريح وموافقة من الحكومة.. وقد سنحت لي الفرصة وشاهدته هنا في لاهاي بهولندا وكانت فرصة أن أرى وأسمع ردود الأفعال الأجنبية وصدى الفيلم لديهم.

إن فيلم وجدة يحمل رسائل مهمة وكثيرة تخص المرأة السعودية ووضعها الاجتماعي والاقتصادي، إذ تطرق إلى كثير مما تتعرض له المرأة من ضغوط؛ أهمها الضغوط النفسية، حيث تصاب بالإحباط والاكتئاب، فهي تصارع من أجل حياة أفضل، في ظل وضع يؤمُن ويكرس فكرة أنها جنس غير كامل الأهلية. ومن أهم هذه الرسائل كيف يتسلط الرجل الأجنبي ويستغل حاجة المرأة إلى خدماته.. وقد اعتمدت أحداث الفيلم على تسليط المخرجة الضوء على كل ذلك، لكن بطريقة غير مباشرة، إيماناً منها بأن الفيلم يجب ألا يحمل التصريح والتجريح، فكان فيلما قيما يستحق المشاهدة والمتابعة ومن ثم استحق الجوائز.

لكن ماذا كانت تريد أن تقوله المخرجة في جملة الفيلم، وما الهدف منه؟

لا شك أن هيفاء المنصور مواطنة سعودية كغيرها الكثيرات اللاتي لديهن أمل لايُحد وطموح كبير. إن وضع المرأة في المملكة يمر بمرحلة كبيرة من التغيير، وتتسارع الأحداث نحو التطوير، وهذا مانسمعه من خلال أحاديثها من وكالات الاخبار العالمية العربية والأجنبية، وهاهو الفيلم يُعرض، بينما المرأة تحقق انتصارات في السعودية، ومنها دخول 30 سيدة مجلس الشورى من أصل 150 عضو، وهي نسبة 20%، وتعد نسبة كبيرة جدا، قياساً إلى باقي البرلمانات العالمية، وبالرغم من أن نسبة التمثيل ـ هنا ـ جيدة جداً، وبالرغم من أن لغة الأرقام هي الفاصل في كثير من الأمور، حتى إنها اللغة التى يفضلها الكثيرون، لأنها تعبر عن حقائق، لكن المرأة في السعودية ترغب في قرارات تمنحها حقوقاً تضمن معها تحسن وضعها في ظل الفهم الخاطئ للدين وكثير من العادات والتقاليد البالية والعرف الذي يسيطر على سير كثير من القضايا المتعلقة بها.. حتى إن المرأة من باب المُسلَّمات تشارك في ظلم نفسها وظلم بنات جنسها.

وعودة إلى فيلم وجدة، الذي خرج من أحياء الرياض، يصور حياة عائلة تواجه المرأة فيها مخاوف كثيرة نتيجة عدم حصولها على كثير من الحقوق، فكانت تجد في الرجل الأمان بالرغم من غيابه عن البيت بسبب العمل، فتظل هي الأب والأم، وتجاهد من أجل الاستمرار في العمل، رغم المصاعب الكثيرة، وتفكر في الأفضل، فهي تشم رائحة الغدر، حيث يفكر زوجها بالزوجة الثانية بسبب عدم قدرتها على إنجاب المزيد من الأطفال بالرغم من محبتها له.

الجو المدرسي النسائي، يدور حول طالبات تُفرض عليهن أنظمة صارمة، ابتداء من زي مدرسي يشعرك بالكآبة، سواء في تصميمه أم في لونه، إذ فرضت هذه الألوان والتصاميم على الزي المدرسي، والقائمة تطول في النقد الموجة لـ”التربية والتعليم”، وانتهاء بالجو المغلق الذي تمارس به إدارة المدرسة والمعلمات التسلط والقسوة في كثير من الأحيان على الطالبات من خلال السلطة المركبة، تبدأ من داخل المنزل ومن ثم خارج المدرسة، ليكون جو المدرسة هو الملاذ لكثيرات ممن يمارسن أدوار التسلط والقسوة من خلال إدارتهن العشوائية لصروح العلم اعتقاداً منهن أنهن يقمن بدور التربية والتعليم.

“العيب والحرام والمنع”، جميعها تمارس على المرأة دون الرجل منذ الطفولة، “ووجدة” بتمردها الجميل ـ إذا عددنا ماقامت به تمردا ـ نموذج واحد لمئات الآلاف ممن هن في عمرها ومن جيلها، لديهن الأفكار والأحلام والطموحات ذاتها.

يتجاهل المسؤولون في وزارة التربية والتعليم، أن العالم قد فُتح على مصرعيه أمام الأجيال الجديدة، وحين يمارسون الأساليب التى تستخدم قبل مايزيد عن ثلاثين عاماً، تلك التى كنا نواجهها في المدارس الحكومية، فإنهم يجب أن يعوا ويستوعبوا حقيقة أن الزمن تغير، وأن الجيل تغير، وأننا بحاجة إلى طرق أكثر إنسانية وآدمية في التعامل مع طلاب المدارس، ويجب أن تكون هناك رقابة صارمة على طرق التربية التي يمارسها كثير من المعلمين والمعلمات.

هيفاء المنصور.. تحرك المياه الراكدة من خلال مشاهد هي من قلب الحقيقة، وكأنك في يوم دراسي حقيقي، أو في منزل سعودي هو واحد من مليون بيت سعودي، حيث يكون الهدف اتقان المشهد من قبل الممثلين، لكنه لنا تجسيد ونقل حقيقي لكل الأحداث بكافه تفاصيلها اليومية.

نرفع أيدينا لنحيي المخرجة، وفريق العمل على فيلم يعد ـ في رأيي ـ بداية انطلاق السينما السعودية التى نأمل من خلالها معالجة كثير من القضايا التى تختبي خلف الجدران.

في الختام أقول: أخرجوا ماخلف الجدران ..ناقشوا بكل شفافية، والأهم أوجدوا العلاج.

المصدر: الوطن أون لاين