د. محمد العسومي
د. محمد العسومي
كاتب إماراتي

6 أغسطس.. زايد.. قناة السويس

آراء

في تاريخ الأمم أيام لا تنسى ولا يمكن مسحها من أذهان الأجيال المتعاقبة، سواء المؤلم منها كهزيمة حرب 5 يونيو العربية الإسرائيلية أو أحداث 11 سبتمبر في نيويورك، أو المفرح منها الذي حمل معه الخير والتقدم، كتولي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في 6 أغسطس من عام 1966، والذي بفضله تكونت دولة الإمارات ليقود بعدها حركة تنموية وعمرانية لا مثيل لها في المنطقة.

ومن حسن الطالع أن يصادف هذا اليوم من العام الجاري افتتاح قناة السويس الجديدة في 6 أغسطس لتشكل إنجازاً اقتصادياً واستراتيجياً ليس لمصر وحدها، وإنما للبلدان العربية، وبالأخص تلك التي وقفت مع مصر في هذا المشروع الحيوي وقدمت كل أشكال الدعم المادي والمعنوي، كالإمارات والسعودية والكويت والبحرين.

والمشروع الجديد الذي سيفتتح اليوم بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي والعديد من قادة العالم، سيضيف الكثير للاقتصاد المصري الذي تضرر كثيراً بأحداث السنوات الخمس الماضية وبفترة سوء الإدارة الاقتصادية للرئيس السابق محمد مرسي وبأعمال الإرهاب المتواصلة لمجموعة «داعش» الإرهابية وحزب «الإخوان المسلمين».

وفي مقابل 50 باخرة تجارية، وغير تجارية، تعبر القناة القديمة يومياً تقريباً وفرت لمصر دخلاً سنوياً بأكثر من 5,3 مليار دولار في العام الماضي 2014، فإن القناة الجديدة ستضاعف القدرة الاستيعابية إلى الضعف ليصل عدد البواخر العابرة للقناة إلى 100 باخرة يومياً، وبالتالي مضاعفة الدخل السنوي إلى 11 مليار دولار، حيث سيعتمد ذلك على حجم نمو التجارة الدولية، إلا أن هذه القدرة ستصل إلى هذا المستوى دون شك في السنوات القادمة.

وفي الوقت نفسه ستوفر القناة الجديدة آلاف فرص العمل للمصريين وسيعوض الدخل الإضافي جزءاً من الخسائر التي نجمت عن تدهور القطاع السياحي ذي الأهمية الحيوية للاقتصاد المصري، والذي لم يتعافَ تماماً حتى الآن بسبب عمليات التخريب والهجمات الإرهابية في سيناء وغيرها من المناطق السياحية المصرية.

وإضافة إلى ذلك، فإن افتتاح هذا المشروع الكبير وبهذا الحضور الدولي الممثل بأعلى المستويات يشكل دعماً معنوياً مهماً لحث المستثمرين ورؤوس الأموال المحلية والأجنبية على الاستثمار في مصر التي تعزز استقرارها تدريجياً وتحقق معدلات نمو جيدة لتنضم هذه الاستثمارات إلى الاستثمارات الخليجية التي تدفقت على مصر في السنتين الماضيتين، مما يعني أن السياسة الاقتصادية لحكومة الرئيس السيسي تسير في الاتجاه الصحيح.

ويشير ذلك أيضاً إلى أهمية التحالف بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي الذي تمخّض عن إنجاز مشاريع عديدة ومهمة للاقتصاد المصري سينجم عنها تحقيق معدلات نمو مرتفعة وتوفير ملايين الوظائف وتحسين مستويات المعيشة، وذلك على العكس من تمويل عمليات التخريب الاقتصادي التي تمارسها بعض الدول، كإيران في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان من خلال تمويل منظمات طائفية أدت إلى تدمير اقتصادات هذه البلدان وإرجاعها سنوات طويلة إلى الوراء.

ومثلما شكل 6 أغسطس من عام 1966 بداية تاريخية لتأسيس دولة حديثة ومتقدمة اقتصادياً قاد مؤسسها تجربة تنموية ثرية أضحت نموذجاً للاقتصادات النامية الأخرى، فإن 6 أغسطس من عام 2015 سيشكل انطلاقة قوية للاقتصاد المصري، شبيهة بتلك الانطلاقة التي شهدتها مصر عند افتتاح القناة الأولى قبل نحو 150 عاماً.

والحقيقة أن العالم العربي أضحى بحاجة لأكثر من 6 أغسطس سواء ببروز قادة حريصين على تنمية بلدانهم وتوفير حياة كريمة لمواطنيهم أو بتنفيذ برامج تنموية حيوية ومؤثرة تساهم في التغلب على مخلفات التخريب وتوفير فرص العمل وتضع الاقتصادات العربية من جديد على طريق التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.

المصدر: الاتحاد