عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

صنعاء المحتلة والرئيس المحاصر

الثلاثاء ١٧ فبراير ٢٠١٥

رغم الإجماع النادر في مجلس الأمن حول اليمن، برفض استيلاء ميليشيات تنظيم الحوثيين على الحكم، فإنه لا توجد رغبة في التخلي عن خيار المصالحة الذي يدور به ممثل الأمم المتحدة جمال بنعمر، والتحول إلى الخيار العسكري. وهناك أكثر من سبب لتحاشي المواجهة العسكرية والاكتفاء بالحل السياسي. السبب الأول أنه يمكن من خلال استخدام القوة الخارجية إضعاف ميليشيات الحوثيين وإنهاكهم في كل المدن والمواقع التي يتمركزون فيها، لكن لن يكون كافيا لتفعيل الشرعية المتمثلة في الحكومة الانتقالية، ولا حتى في انتخاب بديلة لها، بل سيتسبب ذلك في تقوية الجناح المتآمر الثاني، وهو فريق الرئيس المعزول علي عبد الله صالح الذي لا يزال يلعب دورا تخريبيا، والمفارقة أنه يطالب برفض الحوثيين، بعد أن مكّنهم من احتلال العاصمة، وتتويجه رئيسا، لأنه القوة الوحيدة في صنعاء. وبالتالي فالخيار العسكري قد يطرد الحوثيين، لكنه لن يحرر العاصمة. والسبب الثاني أن لا أحد يريد تحويل اليمن إلى أفغانستان أخرى، بالاستعانة بقوات خارجية لحسم النزاعات الحزبية والقبلية، فهذا طريق طويل ووعر، والنجاح فيه غير مضمون. والسبب الآخر، أن خيارات الحل السياسي لا تزال قائمة رغم إخفاقات الوسيط الأممي، ورغم نكث الحوثيين بوعودهم. ماذا لو أن لعبة الوقت التي يمارسها الغزاة الحوثيون مكنتهم من الاستيلاء الفعلي على مفاصل الدولة الرئيسية، هل يمكن قلعهم خاصة بعد استبعاد الحل العسكري…

الإيرانيون والحنين إلى زمن الشاه

الأحد ١٥ فبراير ٢٠١٥

منذ عام 1980 والإيرانيون في كل سنة يحتفلون بذكرى ثورة الخميني، لكن مع مرور كل سنة يزداد عدد الكافرين بالثورة والمؤمنين بأنها كانت أعظم نكسة تاريخية في حياة إيران. عاما بعد عام، والمزيد من السياسيين والمثقفين، الذين كانوا جزءا من الثورة، أو ساندوها، يعيدون تقييم التجربة ضمن عودة الوعي التي تصاحب عادة الثورات أو التغييرات الفاشلة. وفي هذه الأيام، حيث تحتفل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمرور 36 عاما على إسقاط الشاه، انضمت شخصية إيرانية إلى مجموعة المتراجعين، وهو محسن سازكارا، أحد الذين شاركوا في تأسيس الحرس الثوري، الذي كان، ولا يزال، نخبة القوة العسكرية للثورة، والأكثر سلطة واطلاعا. يتحدث بحسرة، بأنه لو عاد به الزمن لما شارك في الثورة، وأن إسقاط نظام الشاه كان خطأ نتيجته مكلفة للشعب الإيراني. ومعظم المتراجعين، مثله، متقاعدون، ليسوا طلاب مناصب، ولا طرفا في النزاع السياسي، بل بحكم العمر يتأملون المشهد ويقيمونه من تجربتهم، ومن المحصلة التي آلت إلى ما آلت إليه إيران اليوم. ولا شك بأن أي مؤرخ منصف سيجد في حكم الشاه كثيرا من الخلل والإخفاقات، لكنه أيضا جعل من إيران، حتى سقوطه في السبعينات، أكثر دول منطقة الشرق الأوسط تطورا ونجاحا، مقارنة بالخليج ومصر وتركيا وباكستان. جعل بلاده قوة صناعية وعسكرية، ومركزا علميا متفوقا، وكانت دول المنطقة تنظر إلى طهران على أنها النموذج…

عشر سنوات على اغتياله الحريري

الخميس ١٢ فبراير ٢٠١٥

لو سألنا اليوم الرئيس السوري بشار الأسد، ماذا لو عاد به الزمن إلى الوراء، هل كان سيرتكب جريمة اغتيال رفيق الحريري، أو يشارك فيها؟ في مثل هذه الأيام، وقبل عشر سنوات، قُتل الحريري. كانت جريمة سياسية هزت المنطقة، وعلامة تاريخية فارقة. قلبت المعادلات، وسالت بعدها، وبسببها، أنهار من الدماء، ولا تزال تصبغ تراب لبنان وسوريا. لا أدري ما رأي الرئيس السوري، لكن صولجانه وحكمه تغيرا كثيرا، فهل كان اغتيال الحريري مجرد نزوة شاب صعد على كرسي الحكم، يرفض أن يسمع كلمة «لا» من أحد، أم أنه مشروع إيراني سوري مع حزب الله، قرروا فيه التخلص من الزعامات المنافسة ولجم الخصوم؟ لا أستطيع أن أجزم إن كانت نزوة أم مشروع هيمنة، لولا أن سلسلة الاغتيالات التي تلت قتل الحريري توحي بأن الأسد، مع حزب الله، كانا يعملان ضمن مشروع لتصفية المعسكر الآخر، وربما حكم لبنان. إلا أنه في المسألة اللبنانية، تبقى الفئوية والطائفية والقوى المتصارعة، غير قابلة للترويض التام، ومتقلبة الولاءات والتحالفات. ولم تزد التصفيات الدموية، للقيادات السياسية والأمنية والإعلامية، اللبنانيين، إلا تمسكا بمواقفهم، ودفعتهم للمزيد من التخندق، وخاصة ما عرف لاحقا بمعسكر 14 آذار. أعود إلى السؤال، عنوان الزاوية، هل كان سيفعلها الأسد لو قرأ المستقبل؟ طبعا لا ندري دواخله، إنما ما سمعناه في مقابلته الأخيرة مع الـ«بي بي سي»،…

أم العلل!

الأربعاء ١١ فبراير ٢٠١٥

في القمة الحكومية التي تعقد في مدينة دبي، واستقطبت نجوم السياسة وعلماء الإدارة من كل مكان، كان للتعليم حظ بالحديث عنه، وقرأت بعض ما قيل، وما اعترف به عدد من المتحدثين أنه سبب الأزمات، وفي الوقت نفسه إصلاحه هو مفتاح التطور الحقيقي للإنسان العربي. والتعليم الرديء، أسوأ من الأمية، لأنه يوهم بالقدرة وهو عاجز، ويصبح مصدرا لنشر الأمراض الاجتماعية، بما فيها العنف والتطرف، وسوء الممارسة، وتجهيل بيئة العائلة والحي والمدينة. ومعظم ما نلقمه للطلاب اليوم تعليم رديء، والنتيجة مخرجات تجدونها أمامكم تمشي على أقدامها، وبالملايين من الناس. وقد لا يكون الفارق بين التعليم الجيد والتعليم الرديء كبيرا، مجرد قرارات حكومية، أما الجهد والتكلفة فهما نفسهما، والنتائج مفجعة على كل المستويات. ولأن التعليم عندنا رديء، ليس غريبا أن لدينا أكثر إصابات لحوادث السيارات، وأكثر مرضى بالسكر، وأكثر تبذير للأموال، وأكثر خدم في المنازل، وأكثر هضم لحقوق النساء والخدم، وأكثر انتشار لخرافات السحر والشعوذة، وأكثر دعم للرز والطحين والإبل والبنزين، وأكثر رغبة في الهروب للخارج، وأكثر عدد من المهاجرين، وأكبر بطالة مقنعة، وأضعف قدرات عسكرية، وأقل مداخيل للفرد، والقائمة أطول من هذه الزاوية. ولا أظن أن هناك من يجهل المشكلة الحضارية في المنطقة العربية، وهي التعليم الرديء «أم العلل»، مع هذا فإن القلة من الحكومات تحاول أن تفعل الكثير لإحداث ثورة لتغيير…

هل تُسلَّم ساجدة بعد إعدام اليابانيين!

الثلاثاء ٠٣ فبراير ٢٠١٥

كان اليابانيون مستعدين لدفع مبلغ كبير لتنظيم داعش من أجل إطلاق سراح مواطنيهما اللذين خطفا في سوريا لولا الضغوط الدولية، فقام التنظيم بذبح الاثنين بنفس الطريقة الهمجية التي أعدم بها مخطوفين سابقين؛ أولهم الصحافي الأميركي جيمس فولي بعد أن رفضت الحكومة الأميركية أن تفديه. وإقدام «داعش» على ذبح الرهينتين اليابانيتين وضع الحكومة الأردنية في موقف صعب بعد أن أبدت استعدادها للمساومة وإطلاق سراح الإرهابية ساجدة الريشاوي لقاء الإفراج عن الطيار الأردني المعتقل معاذ الكساسبة. إنما قد يقول الأردنيون، طالما لم يشمل الاتفاق مع «داعش» دفع الأموال فإن التبادل شرط مقبول يحدث بين الأطراف المتحاربة، إضافة إلى أن المرأة المسجونة ليست بذات أهمية للتنظيم، وهدفه من وراء إطلاق سراحها الدعاية لانتصاراته. المشكلة هي في فديات الأموال التي تمكن الإرهابيين من شراء الأسلحة وإدارة مناطقهم التي يسيطرون عليها. وقد أثارت عمليات دفع أموال ضخمة للجماعات الإرهابية في سوريا الشكوك الدولية، تقدر بأكثر من 120 مليون دولار، بأنها ذهبت لتمويل عمليات الجماعات المتطرفة المسلحة دون أن يلحق الممولين أي لوم، أو تهم، بدعم الإرهاب. وبسبب تزايد وساطات دفع الفدى تدخل الأميركيون ضدها، وربما لهذا السبب جمد الوسطاء مهمتهم إطلاق سراح ما تبقى من العسكريين اللبنانيين الذين خطفوا من عرسال الحدودية اللبنانية السورية، حيث خطف «داعش» و«جبهة النصرة» 35 عسكريا لبنانيا من قوى الأمن…

الجيش الحر: أربعة أم ستون ألفا؟

الإثنين ٠٢ فبراير ٢٠١٥

هذا السؤال «المحتار» عن حجم قوة المعارضة السورية المنضوية تحت علم الجيش الحر يبين مدى الغموض الذي يكتنف الوضع، وسهولة الدعاية على الجانبين، فالنظام السوري يروج بأن المعارضة تفتتت وقضي عليها، والطرف الآخر أعلن أمس أنه يعيد ترتيب وضع 60 ألف مقاتل ينتمون للجيش الحر. والمؤكد أن الدعم الغربي تناقص، حيث ذكرت صحيفة «وول ستريت» أن الدعم الأميركي العسكري للمعارضة السورية تراجع، ولم تعد تعطي سوى 16 رصاصة فقط لكل مقاتل. ووزارة الخارجية الأميركية قالت: «قمنا بتسليم ما تقرب قيمته من 2.7 مليون دولار من الإمدادات للمعارضة المعتدلة، شاحنات ماء، ومعاول زراعية ومولدات كهرباء، وبطانيات، وأكثر من 17 ألف سلة غذاء». رغم هذا الشح، فإن الجيش الحر، والمعارضة المعتدلة السورية عامة تستحق التقدير لصمودها رغم تناقص الدعم لها، ورغم التضييق عليها حيث لم يعد مسموحا لها بالتحرك كثيرا في الشمال السوري. فقد أصبحت هدفا دائما لتنظيم جبهة النصرة المتطرف، وفوق هذا قامت تركيا أيضا بالتضييق على الجيش الحر وقياداته، ربما نتيجة الضغوط الخارجية. ورغم الضيق والتضييق فإن الجيش الحر يكاد يبسط نفوذه بشكل شبه كامل على جنوب سوريا، في درعا وما جاورها، مع أن معظمهم لم يتسلم رواتبه منذ أشهر. ويقول اللواء سليم إدريس، وزير الدفاع في حكومة المعارضة، إنهم بدأوا في توحيد الفصائل والفيالق، وتشكيل جيش موحد يضم 60…

هل من سياسة خارجية سعودية جديدة؟

الخميس ٢٩ يناير ٢٠١٥

لم يظهر بعد ما يدل على أن المملكة العربية السعودية تنوي السير في سياسة مختلفة، جزئيا أو كليا، في علاقاتها وتعاملاتها حيال الشؤون الخارجية. والمألوف أن السياسة السعودية ثابتة، لكن العالم من حولها تغير كثيرا، وبالتالي ليس من الضروري أن تبقى سياسة الدولة كما هي، خاصة بوجود رأس جديد للقيادة. فالملك، فعليا، هو صاحب القرار الأخير. ومع هذا، ومن معرفتنا المتراكمة، أستبعد أن نشهد تغيرات دراماتيكية حيال القضايا الرئيسية، لأسباب ترتبط بطبيعة صناعة القرار داخل الدولة، والأهم لأنها ترتبط بمصالحها العُليا. والسعودية لا تشبه قط نظاما فرديا، مثل نظام معمر القذافي في ليبيا، أو صدام حسين في العراق، أو علي عبد الله صالح في اليمن، أو مثله في المنطقة، تلك الأنظمة يقررها شخص واحد وفق رغبته الشخصية. أما في الرياض فتوجد مؤسسة حكم، ولها تقاليد في اتخاذ القرار. الملك هو رأس الدولة، وصاحب القرار الأخير، إلا أن صناعة القرار تأخذ طريقا طويلا، ويسهم فيه أكثر من جهة حكومية. وأشهرها قرار الملك فهد، رحمه الله، بالدخول في الحرب من أجل تحرير الكويت، واستدعاء القوات الأميركية، كان قراره، لكنه لم يتخذه إلا بعد مراجعات واستشارات مع وزارات، وكبار أفراد الأسرة، وبعد أن حصل على تعهدات مكتوبة ألزمت الجانب الأميركي بحق الملك أن يطلب خروجهم متى ما شاء من الأراضي السعودية. مثلها، تتخذ…

السعودية حسمت القلق

السبت ٢٤ يناير ٢٠١٥

كانت بيانات ترتيب بيت الحكم السعودي التي أذيعت أمس، أهم ما سمعه السعوديون منذ مطلع هذا القرن؛ لأنها جاءت في وقت مضطرب للمنطقة، وفي زمن يهمهم أن تحسم العائلة المالكة مسارها، وتبين خط المستقبل، فقد توفي وليان للعهد من قبل، ولأول مرة تم استحداث نظام يحدد ولي ولي العهد. الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، كان كبيرا وشعبيا، وخَلَفه سلمان بن عبد العزيز ملكا، كان ظله وشريكه، وكان مشاركا في الحكم، ومن أعمدة الدولة الرئيسية لنصف قرن تقريبا. السعودية بين إعلان الوفاة وإعلان الملك الجديد، لم تعش دقيقة فراغ، ولم تترك الناس طويلا تنتظر الإجابة عن الأسئلة المهمة. بعد إعلان الوفاة، جرى انتقال سريع من ملك إلى ملك، وفي الصباح عُين ولي عهده، وولي ولي عهده، وصارت الدولة مؤمّنة بحكم محسوم لسنين مقبلة. الملك سلمان حسم الأسئلة المعلّقة حول مستقبل الأسرة المالكة، ومستقبل المملكة، ونقلها إلى عهد جديد. وليس صحيحا ما يظن البعض، أن «الملك» وظيفة تأتي فقط بالتوريث، بل هي كفاءة مطلوبة، وشخصية لها مواصفاتها، وهذا سر شعبية الملك عبد الله، رحمه الله، وهذا سبب اختيار الملك سلمان ليكون الملك السابع للمملكة العربية السعودية وخادما للحرمين الشريفين. عرفناه، لعقود، الأمير سلمان أكثر الأمراء تواصلا مع الناس، مع العلماء، مع القبائل، ووجهاء المناطق، ورموز المجتمع المدني، ويعود المرضى، ويشارك…

انتقادات اليمنيين لبنعمر

الجمعة ٢٣ يناير ٢٠١٥

سيل الانتقادات الذي يوجه إلى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره، ومبعوثه الخاص، جمال بنعمر، في غير محله. ومعظم هذه الانتقادات يصدر عن فريقين؛ غاضبين من عجز الحكومة الحالية، وانقلابيين ضد بنعمر. فالغاضبون يلومون المستشار الدولي لأنه عاجز عن حماية النظام السياسي اليمني الجديد الذي شارك في بنائه، وعاجز عن تنفيذ ما تم التوقيع عليه برعاية الأمم المتحدة نفسها. ومع أنهم محقون في غضبهم إلا أن بنعمر، وخلفه منظمة الأمم المتحدة، لا يستطيع، ولا يملك القوة العسكرية على صيانة الاتفاق، أو ضمان تنفيذه. أهميته تكمن في تمثيله الأمم المتحدة، ومهاراته التفاوضية. والحق يقال: إنه المبعوث الوحيد الذي حقق نتائج كبيرة، في وقت عجز المبعوثون الآخرون حيث القضايا الساخنة. وقد حصل اليمنيون، من خلال بنعمر، على دعم استثنائي من مجلس الأمن لم نر له مثيلا في بقية المناطق المضطربة، مثل سوريا وليبيا، وبإجماع شبه نادر في تاريخ الأمم المتحدة. وقد استصدر بنعمر، من خلال رحلاته المكوكية بين صنعاء ونيويورك، على قرارات دولية مهمة بما فيها ملاحقة قيادات الحوثيين والرئيس المعزول علي عبد الله صالح، وصارت أموالهم مجمدة، وأصبحوا ممنوعين من السفر. وهي قرارات مؤذية جعلت الرئيس المعزول صالح يستجدي الرئيس اليمني الانتقالي رفعها عنه وعن حزبه. ولولا دخول الأمم المتحدة على خط الأزمة منذ بدايتها في عام 2011 كانت الأمور قد…

استيلاء صالح والحوثيين على الحكم

الأربعاء ٢١ يناير ٢٠١٥

إسقاط الحكومة اليمنية الشرعية، والمدعومة من مجلس الأمن، كان أمرا متوقعا منذ دخول المتمردين العاصمة قبل 3 أشهر. فقد سبق أن احتلوا صنعاء والآن استولوا على الحكم. سيهيمنون عليها رغما عن الرفض اليمني والدولي، لكن الحال لن تستقر لهم من دون العودة إلى الاتفاق الأول. قراصنة الحكم هم الحوثيون والرئيس المعزول علي عبد الله صالح. الأولى جماعة دينية، وميليشيا سياسيا موالية لإيران، وشريكهم صالح، قائد انتهت صلاحيته، تم إقصاؤه بثورة شعبية ونخبوية واسعة. ما حدث البارحة تكرار لسيناريو اقتحام صنعاء في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما دخلتها الميليشيات الحوثية، وساندتها قيادات عسكرية وأمنية محسوبة على معسكر الرئيس المعزول. لم تقع مواجهات لأن صنعاء، خلال الأسابيع الـ15 الماضية، كانت شبه محتلة، وتركوا الرئيس عبده ربه منصور هادي محاصرا في قصره، والبارحة عمليا أطبق الانقلابيون على القلاع الأخيرة، بعد أن فشلوا في إقناع الرئيس بتسليمهم الحكم طواعية. الأنباء مقلقة وإن لم تكن فيها مفاجآت، والأحداث التالية أيضا، رغم غموضها، ستكون احتمالاتها متوقعة. فالمعزول صالح، الذي يمتطي الحصان الحوثي، ويستخدمه سلاحا وواجهة سياسية، سيحاول فرض قيادات عسكرية وسياسية محسوبة عليه لتقود المرحلة الانتقالية، فيما يقوم هو بترتيب نظام سياسي جديد يعيده مباشرة، أو غير مباشرة، لإدارة البلاد، تحت لافتات انتخابية مزورة. والاحتمال الآخر، أن الحوثيين، الذين يطمحون لإحياء الإمامة وتنصيب عبد الملك الحوثي…

كيف صرنا نصفق لإسرائيل؟

الثلاثاء ٢٠ يناير ٢٠١٥

هللت العديد من الأصوات للضربة الإسرائيلية المفاجئة التي قضت أول من أمس على 6 من رجال حزب الله، وقتلت جنرالا في الحرس الثوري الإيراني، كانوا موجودين سرا، لأمر ما، في القنيطرة السورية. تهليل يعبر عن الغضب والنقمة والتشفي، قيل صراحة على ألسنة وعلى حسابات التواصل الاجتماعي، لمسناه حتى من متعاطفي الجماعات الإسلامية. هذا التحول الكبير سببه بشاعة أفعال حزب الله، باستهدافها خصومها في لبنان، وولوغها في دم آلاف السوريين. التحول من الإعجاب بحزب الله إلى كراهيته حدث في أقل من عقد واحد. فقد كان هؤلاء أنفسهم من يناصر الحزب في لبنان سابقا، ويتبنى مشروعه السياسي والعسكري. وقد بدأ الغضب بعد أن احتلت ميليشيات الحزب بيروت الغربية، في «أحداث أيار»، بعد 3 سنوات من تورط الحزب في اغتيال الزعيم السني رفيق الحريري. سقط حزب الله، ومعه إيران، من المقام الرفيع والاحترام، الذي طالما احتله باسم الإسلام ولبنان وفلسطين. ثم جاء السقوط الكبير في أعقاب اصطفافه الطائفي الصريح في سوريا، بانخراط أبناء حزب الله في الحرب القذرة هناك، التي قتل فيها أكثر من ربع مليون إنسان، في أكبر جريمة في تاريخ المنطقة. وستكون هناك المزيد من الإرهاصات للتورط الإيراني في سوريا. ولا شك أنه إن وقعت مجددا مواجهة بين إسرائيل وحزب الله، أو مع إيران، فإن الكثيرين من العرب سيبتهلون داعين بهزيمة…

ما سر حب الروس للأسد؟!

السبت ١٧ يناير ٢٠١٥

لا نعلم تفسيرات تشرح لنا موقف روسيا حيال الأزمة السورية منذ بدايتها قبل نحو أربع سنوات، حيث لا توجد هناك معاهدات دفاع مشترك، ولا يمثل النظام السوري قيمة استراتيجية لموسكو في الصراع الإقليمي، وبالتأكيد ليس مؤثرا في التوازنات الدولية، وليست فوق أراضيه معابر مائية، ولا في بطنه مصادر للطاقة، ولا أسواق استهلاكية. كما أن الطرف الآخر، أي المعارضة، لم تعادِ روسيا، بل جربت، وحاولت، تجسير العلاقة معها، رغم المدد الحربي الضخم الذي أوقف نظام دمشق على قدميه بعد انتكاساته العسكرية. إذا لم تكن هناك مصالح كبيرة، ولا قيمة استراتيجية، ولا صفقات عسكرية أو مالية، فما سر هذه السياسة الروسية المتشبثة بنظام مهترئ، لا مستقبل له؟ خلال السنتين الماضيتين سألت العديد من المهتمين، والنشطين، في الميدان السياسي، على أمل أن أجد مبررا يساعدني على فهم العقل الروسي، ولم يعطني أحد تفسيرا مقنعا يعلل مستوى التزام موسكو الضخم بدمشق الأسد. قيل لي، إنها علاقة ضمن العلاقة مع إيران، لكن هذه تجعلها مسألة ثانوية. وقيل لي إنها محاولة لاستخدام الأزمة السورية للتفاوض مع الغرب، لكن الغرب غير مهتم بمن سيحكم دمشق غدا. وقيل حب الكرملين للأسد بسبب ميناء طرطوس، القاعدة المتوسطية الوحيدة للبحرية الروسية، لكني أعرف أن المعارضة السورية وعدت باحترام الاتفاقية والسماح لهم بالميناء. وقيل إن الروس يحلبون سوريا ماديا، وهذا مخالف…