د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

المناسبات الوطنية والإنجازات العظيمة

السبت ٠١ ديسمبر ٢٠١٨

كلما تجددت المناسبات الوطنية العظيمة تجددت آمال عظيمة في الأمة الإماراتية رئيساً وحكومة وشعباً في أن تستمر هذه المناسبات ليتجدد معها العطاء والرخاء والتقدم الحضاري في مختلف الميادين، وهي الآمال التي ينشدها شيوخنا الأكارم، فقد آلَوا على نفوسهم ألا يكونوا وشعبهم أقل من الرقم 1. ويأتي هذا العام الـ47 من عمر الدولة مليئاً بإنجازات عظيمة ليس أكبرها الوصول إلى المريخ، بل من أكبرها هذا الحب المتبادل بين الشعب الوفي وقيادته الحكيمة الحميمة، ما أتاح للتقدم الحضاري والإنساني أن يسابق الزمن، فإذا كانت الإنجازات تحتاج عادةً عشرات العقود من الزمن؛ فإنها في الإمارات تطوي العقود بفضل الله تعالى وفضل الهمة العالية التي لا تعرف المستحيل ولا تتوقف عند الممكن، فتحقق التقدم التكنولوجي صناعة وتقنية، والسياسي تأثيراً، والإنساني عطاءً، والمعرفي تمكيناً، والأمني ثباتاً، والعدلي انضباطاً ومساواة.. وغير ذلك مما تفاخر الأمم الراقية ببعضه فضلاً عن كله. إن الاحتفال السابع والأربعين لدولة الإمارات لم يعد فلكلورياً تستعرض فيه القوة العسكرية والفنون الشعبية - على أهميتهما - بل احتفال بالإنجازات العظيمة التي أرسى قواعد انطلاقها مؤسس الدولة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وهي الإنجازات التي أشار إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله ورعاه، بقوله: «نحتفل هذا العام بأوائل الإمارات بشكل مختلف.. سنحتفل بمشاريع…

السيرة العطرة والشمائل الزاكية

السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٨

يُعنى المسلمون في شهر ربيع الأول بمذاكرة السيرة العطرة والشمائل الفاخرة لسيد الوجود وأشرف كل مولود سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه؛ وذلك بمناسبة ذكرى مولده الشريف في هذا الشهر الكريم؛ لأن التاريخ يفرض نفسه على الحدث أياً كان، كما يشير لذلك قول الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾، أي أيام نِعمه ونِقمه، وليس هناك حدث عرفته البشرية والكون كله أجلّ من حدث ولادة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه سيد ولد آدم، ولأنه أفضل الرسل، وكتابه أفضل الكتب، وهو الكتاب الوحيد الذي تولى الله تعالى حفظه بنفسه، وجعله معجزة باقية لنبيه عليه الصلاة والسلام، وشريعته أفضل الشرائع وخاتمتها، وأمته أفضل الأمم كما أخبرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من الفضائل التي لا تتناهى، فكان لا بد للمسلمين أن تكون لهم عناية كافية بسيرة نبيهم المصطفى عليه الصلاة والسلام من حيث نسبُه وولادته وما أظهر الله تعالى من الآيات عندها، ومن حيث نشأتُه وبعثته ورسالته، ومن حيث شمائُله وخصائصه وفضائله ومعجزاته، ومن حيث منزلتُه عند الله تعالى وعند خلقه، ومنزلته في الجنة وما قبلها من المقام المحمود والحوض المورود وغير ذلك، وكل هذه من الأمور التي لا ينبغي للمسلم أن يكون في غفلة عنها؛ لأن الغفلة عن ذلك تعني عدم…

الأقصى قبلة المسلمين الأولى وإليه تُشد رحالهم

الجمعة ١٩ يناير ٢٠١٨

سيظل المسجد الأقصى بكل أبعاده الجغرافية همَّ المسلمين الأول في مسيرة حياتهم العُمُرية، فهم يعلمون أنه قبلتهم الأولى، ومسرى نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنه ثاني مسجدين بنيا على وجه الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين عاماً كما ورد، وإليه تشد رحالهم تعبداً لله تعالى، وترسماً لخطى نبيهم والأنبياء من قبله، عليهم الصلاة والسلام، وهم أهل الديانة الوارثة لديانات الإسلام السابقة، فهم الذين حافظوا على نقاوة دين الله فبقي الدين خالصاً لله وحده، بعيداً عن الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل، فمهما طغى فيه الغاصبون والظالمون فإن ذلك لن يؤثر على وضعه الإسلامي وحق أهله المرابطين فيه وفي ما حوله من الأرض المباركة، وحق المسلمين أجمعين فيه. وكان حرِيًّا بالدول العظمى كأميركا على وجه الخصوص أن تكون حامية للعدالة وراعية لمصالح الشعوب، لا أن تكون غارقة في وحَل الظلم والطغيان، فإن هذا وإن كان مقيتاً من الضعيف، فإنه من القوي أشد مقتاً. إن المسلمين أجمعين كما عبروا في مؤتمر نصرة القدس الذي انعقد يومي 17 و18 يناير الجاري والذي نظمه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين بالقاهرة، سيظلون أصحاب حق وحقيقة للأراضي المقدسة، ولن يفرطوا بقِيد أنملة من ذلك؛ لأنه جزء من تكوينهم الديني والعقدي، ولأنهم أولى الناس بنصر المظلومين والوقوف في وجه الظالم، فالمسجد الأقصى هو مسجد وليس كنيساً وليس مكاناً لهيكل…

الثاني عشر من ربيع الأول

الجمعة ٠١ ديسمبر ٢٠١٧

تتجدد ذكريات الأحداث العظام بتجدد الزمان وتكرر الأيام والليالي، فما من زمن إلا فيه حدث عظيم، قد يكون ذلكم الحدث معلوماً بالدقة تواتراً، وقد يكون ظنياً، والحدث العظيم المشهور بين الناس في هذا التاريخ هو بروز سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الوجود وعالم الشهود، فإن الشهرة التي طبّقت الدنيا المستندة إلى كثير من الروايات تغني عن دقة تاريخه تواتراً، إذ معرفته على سبيل الدقة ليس أمراً تعبدياً، لكون المحتفى به فيه ليس نفس الزمان بل الحدث ذاته وهو ولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإذا كان المسلمون يرون أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم هي أُسُّ إيمانهم؛ فإنهم قد يعبرون عن هذه المحبة بالاحتفاء المشهور بينهم قديماً وحديثاً، بقراءة سيرته، واستذكار شمائله، والصلاة والسلام عليه، وذكر شيء من الثناء عليه نثراً وشعراً، من باب الشيء بالشيء يذكر. ومثل ذلك أمر محمود بحد ذاته سواء كان في ربيع الأول أو في غيره، فإن المسلم متعبد بمعرفة رسول الله صلى عليه وسلم والتحلي بشمائله، أما السيرة فلأنها جزء من السنة المطهرة، وأما الشمائل فلأنها محل الأسوة، وأما الصلاة والسلام عليه فإن ذلك من أفضل القرب وأعظم الطاعات، ونحن متعبدون بالإكثار منها ولو أن تفنى الأوقات كلها في ذلك، وأما المديح شعراً ونثراً فذلك مما كان يحبه صلى الله…

رحمة الشريعة

الجمعة ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧

الشريعة الإسلامية التي جاء بها رسول السلام، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك عليه، هي شريعة رحمة وهداية ونور ورعاية، عبّر عنها من شرعها وبعث بها سيد خلقه بقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، بأسلوب الحصر والقصر اللذين هما أبلغ صيغ البلاغة العربية، فهو قصر موصوف على صفة، وانحصار الموصوف، صلى الله عليه وسلم، بهذه الصفة وهي الرحمة، فكانت الرسالة رحمة في تشريعها وهديها وهدايتها لا تخرج عن ذلك قيد أنملة. وقد عبر النبي، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك بقوله: «يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «وإنما بُعثت رحمة». فكان شرعه كله رحمة، سواء في أسلوب الدعوة أو وضع العقائد أو تشريع العبادات أو المعاملات أو الحدود أو السلم أو الحرب، في تفصيل يطول ذكره ولا ينتهي حصره. فكانت دعوته رحمة؛ لأنها جاءت لتخليص الناس من عبادة الأوثان والأصنام والأهواء، لعبادة المعبود بحق سبحانه وتعالى، وهو الله جل ذكره، الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع، كما تعاقبت على ذلك الرسل وجاءت به الشرائع السابقة. فكانت دعوته على بصيرة ونور وهداية، ولين وتلطف. وكذلكم كانت العقائد لم يكن فيها ما تعيا العقول بفهمه، بل إيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فهو إقرار بكلمة التوحيد،…

دور الفتوى في استقرار المجتمعات

الجمعة ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧

ذلكم هو عنوان مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، الذي عقد في القاهرة في 17-19 من الشهر الجاري، برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وتنظيم دار الإفتاء المصرية. وقد كان مؤتمراً عالمياً في مشاركيه، وعلمياً في مواضيعه، ومنهجياً في أطروحاته، وبناءً في مناقشاته ومداخلاته، وقد كان الحاضرون المتخصصون في الإفتاء والفكر الإسلامي على كلمة سواء في رؤيتهم لخطر الإفتاء المتطرف، الذي يتخذ من شواذ الأقوال منهجاً لإثارة الفوضى في ربوع البلدان، دليل ذلك الواقع العملي الذي نتج من فتاوى الطائشين، ومن ليسوا من الإفتاء في سبيل، فكانت جنايتهم على الدين والمجتمعات كبيرة وخطيرة، ذاق ويلاتها شعوب المنطقة والعالم، وقد كان الجميع في عافية. فمن ذا الذي يوقف ذلكم النزيف الدامي لشعوب المنطقة، ويعيد للإسلام وسطيته ورحمته وشموله غير أولي الرشاد والسداد من العلماء الربانيين الذين غُذوا بسماحة الإسلام وأخلاقه العظيمة ومصادره المنيرة. إن ذلك هو واجبهم الذي تُعلق عليه الآمال وتنشده الشعوب، وقد اجتمعت رؤاهم في هذا المؤتمر على توصيات وقرارات من الأهمية بمكان لو أنها فُعِّلت - وسيكون إن شاء الله تعالى - من خلال منسوبي الأمانة العامة للإفتاء في العالم الإسلامي وغيره. إن الإفتاء مطلب كل مسلم حيث يرجع إلى علمائه المهديين الذين يُبيِّنون شرع الله كما شرع، وليس برؤى النظريات الحزبية أو الأفكار الواردة ذات الأيديولوجيات…

المُعلِّم والتعليم

الجمعة ١٣ أكتوبر ٢٠١٧

يحتفل العالم بيوم المعلم احتفال تكريم وتقدير لمن ينشِّئُ الأجيال، ويبني المستقبل، ويجعل الإنسان بالمستوى اللائق بتكريم الله تعالى له، فقد كان العلم مناط تكريمه، وسبب تميزه في الأرض المستخلَف فيها، حتى على الملائكة الأكرمين، فالعالَم يعرف هذا، ويعرف أن تقدم الشعوب والدول رهن بيد المعلم، لأن الإنسان خلق وهو لا يعلم شيئاً، فجعل فيه خالقه سبحانه خاصية تعلم المعارف المختلفة، لذلك أمره بأن يتعلم بصيغة «اعلموا» و«اعلم» ونظائرهما في المعنى، ليعرف الإنسان بعلمه ما له وما عليه، وما وظيفته في هذه الحياة، فإن الله تعالى لم يخلقه عبثاً، بل لحكمة أرادها خفيت على الملائكة الكرام. وقد أودع الله تعالى بعض أسرار كونه في معارف معيَّنة، دعا الناس إلى كسبها والاستزادة منها، وأنهم مهما بلغوا من العلم والمعارف فإنها تعتبر نزراً يسيراً بجانب ما يخفى عليهم، والذين يرشدون إلى تلك المعارف هم العلماء المعلمون الذين يفتحون أسرار العلوم للناس جيلاً بعد جيل. وقد وصلت المعارف اليوم إلى حال لم يكن مثلها في السابق، من حيث الاستكشاف وتحقيق نتائج باهرة ظاهرة، جعلت العقلاء يخرون للأذقان سجداً لله تعالى على عظيم خلقه، وبديع صنعه، وتسخير كونه لعباده. والمعلم هو مفتاح كل خير، وباب كل رُقِيٍّ، فحُق له أن يكون في المحل اللائق بين تلاميذه وجميع مجتمعه، وقد نوَّهت الشريعة الإسلامية بمكانته تنويهاً…

وظيفة العشر

الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠١٧

هلّت علينا عشر ذي الحجة العظيمة عند الله تعالى، والكثيرة البركة، لما فيها من خير وفير، وأجر كبير، يشترك فيه الحجاج والقاطنون، فهذه مِنَّة كبيرة على الموفقين من العباد، وقد نبه الله تعالى عباده لفضلها بأن أقسم بها تفخيماً لشأنها، وإشادة بذكرها، فقال سبحانه: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾، والفجر هو فجر كل يوم، حيث ينشق عن نور النهار ليصحو العباد من سباتهم، ويقبلوا على ربهم، وينتشروا في أرضه، والعشر هي عشر ذي الحجة، والشفع هو يوم العيد، والوتر يوم عرفة. • سُئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الأضاحي فقال: «سنّة أبيكم إبراهيم عليه السلام»، قالوا: ما لنا فيها من الأجر؟ قال: «بكل قطرة حسنة». وبيّن سبحانه أن هذه الأيام أيام ذكر وشكر لله تعالى، فقال جل شأنه: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾. كل ذلك ليجتهد العباد باستغلالها بما ينفعهم فيما خلقوا لأجله من الإيمان به وعبادته سبحانه، وقد يسر لهم اغتنامها بأن جعل سائر الأعمال الصالحة محبوبة لله تعالى، وأنها أفضل من أي عبادة في سائر العام، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله،…

عام 2018.. عام زايد الخير

الجمعة ١١ أغسطس ٢٠١٧

يرتبط اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بالخير، فلا يلقب إلا بزايد الخير؛ لكثرة ما كان يحرص على فعله من الخير، وهذا أسلوب عربي شهير، فليس ادعاء ولا تقولاً عليه، وكما قالوا: الناس أكيسُ من أن يحمَدوا رجلاً ... حتى يروا عنده آثار إحسانِ فقد أجرى الله تعالى ألسنة الخلق بالثناء عليه، وهم شهداء الله في الأرض، فمن أثنوا عليه خيراً وجبت له الجنة، كما صح في الحديث. وقد أراد ابنه البار وخليفته المبارك صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة - أمد الله في عمره بلطف وعافية - أراد أن يزيد أباه خلوداً بالذكر، ووفرة بالأجر، بجعل العام المقبل 2018 عام زايد الخير، كما كان قد جعل هذا العام 2017 عام الخير، ليكون الخير صفة راسخة في شعب الإمارات، كما كان صفة ثابتة في المغفور له بإذن الله الشيخ زايد. وبناءً على هذا التوجه فإن الخير سيتفعَّل بالبرامج المتنوعة، وليس فقط بالعطاء - مع أهميته وكثرة فائدته وكبير نفعه - بل أن تكون هناك أنشطة خيرية أخرى باسم صاحب العام، وذلك بمختلف وجوه الخير. فلنجعل من عام زايد للخير ما يلي: 1- عاماً للتعليم الخيري: أساسياً ومتوسطاً وثانوياً وجامعياً ودراسات عليا، وذلك للإسهام في تعليم الناس الذين لديهم قدرات فكرية يمكن أن تسهم كثيراً في…

الرزق الحلال

الجمعة ٢١ يوليو ٢٠١٧

يعرِّف العلماء الرزق بأنه «ما ينتفع به» أياً كان مصدره، حلالاً كان أم حراماً، كما قال اللَّقاني في جوهرته: فيرزق الله الحلالَ فاعلما ويرزق المكروه والمحرَّما وقال: والرزق عند القوم ما به انتُفع وقيل لا، بل ما ملك وما تُّبع أي اتبع به وجه الحق في الكسب، وهذا قول ضعيف، ولذلك عبر عنه بـ«قيل». وهو من مباحث العقائد، لأن مما يجب على المرء اعتقاده في الله تعالى أنه سبحانه الرزاق ذو القوة المتين، وأنه متكفل برزق عباده ومخلوقاته؛ لأن ذلك من مقتضيات ربوبيته سبحانه، فيعطيه البار والفاجر، والمسلم والكافر، على حد سواء، كما قال سبحانه وتعالى في حواره مع نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، أي ومن كفر فأرزقه كذلك. وحقيقة الرزق أنه ما تقوم بها حياة الخليقة من ضروريات وحاجيات وكماليات، أي ما يستهلكه المرء دون ما كان زائداً عن حاجته، مما يكسب ويدخر وينتفع به الكاسب، فإنه قد يكون رزق غيره وهو لا يشعر. كما قال بعضهم: صنع من الله يعطي ذا بحيلة ذا هذا يصيد وهذا يأكل السمكا وقد تكفل الله تعالى به لخليقته كما قال سبحانه: {وَمَا…

الشباب والسلم والتنمية في عالم متضامن

الجمعة ١٤ يوليو ٢٠١٧

الشباب والسلم والتنمية في عالم متضامن هو محور الدورة الرابعة والأربعين لوزراء خارجية الدول الإسلامية، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، التي انعقدت في أبيدجان بساحل العاج في 10-11 من يوليو، وهو أهم موضوع تجعله المنظمة كبرنامج عمل للدول الإسلامية، وهو مهم لكل الدول المشاركة، كما دلت عليه كلمات رؤساء الوفود المشاركة، حيث عبّر كل منهم عن مدى أهميته لبلده، والخطوات التي يتخذها بلده حيال قضايا الشباب تعليماً وتوظيفاً وتيسيراً للأعمال، وتحقيق أماني الشباب الرياضية والفكرية والحضارية وغيرها، وذكروا من أعداد الشباب العاطل الجاهل البائس ما يثير الاستغراب، وكلٌ كان يغني على ليلاه، وليلى ترى أنها لم تسمع فلم تطرب كما قالت الحكمة الأدبية:وكلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكحقاً إن الشباب هم العدد والعدة المتوقد ذكاءً وحيوية، يرى أنه بعيد عن الطرح النظري فلا ينفعه التغني بهمومه، فهو يعيش البؤس والبطالة والجهل والضلالة، ولذلك هو يخرج ثائراً قاطعاً ناهباً سارقاً. إن الشباب هو الدولة والتنمية والحضارة والقوة والمستقبل وكل شيء، ولكنه لم يُعطَ شيئاً يذكر إلا أماني، وكما قال زهير: فلا يغرك ما منّت وما وعدت إن الأمانيّ والأحلام تضليل إن حق الشباب على دولهم كبير وكثير، حقهم أن يتعلموا حتى لا يبقى منهم جاهل، فأين المدارس الكافية والراقية؟ وأين المعاهد المتخصصة القوية والمتعددة؟ وأين الأماكن المخصصة لهم في…

الإلحاد في الحرم

الجمعة ٣٠ يونيو ٢٠١٧

تتكرر سيناريوهات الإلحاد في الحرم من لدن أبرهة الأشرم إلى «دواعش» العصر، مروراً بالقرامطة والجهيمانيين والصفويين، وفي كل حالة يرينا الله تعالى من عذابه الأليم في أولئك المجرمين ما يزيد القلب إيماناً ويقيناً بأن للبيت رباً يحميه، وأن الركّع السجود هم في حماية الله ولطفه، مهما اتخذ الله منهم شهداء، فإن العاقبة تكون للمتقين. ومما يزيد ذلك جلاءً أن لطف الله بحرمه الآمن كان كبيراً في الإلحاد الأخير، وذلك بالنظر إلى الخطب الجسيم الذي كان سيحدث لو نجح الملحدون في تنفيذ مخططهم الإجرامي في شارع أو ساحة محيطة، فضلاً عن التوغل إلى المسجد الحرام أو صحن الطواف، مع تلك الزحمة البالغة الذروة، فإن نسج العنكبوت هو الذي أفسد عليهم خططهم الخطيرة {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}. عناية الله أغنت عن مضاعفةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأُطمِ ويتساءل عامة الناس - مسلمهم وكافرهم - فضلاً عن عقلائهم، عن مأرب الملحدين في استهداف حرم الله وهم يعلمون أن الرب سبحانه بالمرصاد لمن ألحد في حرمه؟ والجواب لعله خافٍ على كثير من المتسائلين؛ ولعلّي أسعفهم بطرفٍ منه؛ وهو أن استهداف حرم الله يعبّر عن مكنون صدورهم البغيض من العداوة لله ورسوله والمؤمنين، فها هي ألسنتهم تنفث غيضاً، تهديداً ووعيداً للمؤمنين، وما تخفي صدورهم…