عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

العراق الثابت.. هم الطارئون!

السبت ٢٤ فبراير ٢٠١٨

في كل تلك الرسائل التي وصلتني تعليقاً على مقال البارحة «طعم العراق»، لمست جرح العراق غائراً ينزف من قلوب كل العرب، فأيقنت أن الذين يراهنون على أن أبناء العرب - المعطرة أرواحهم وذاكرتهم برائحة العراق وبشعره وأصوات مطربيه وبتمره ومياه دجلة فيه - سينسون العراق ويرمون به على قارعة التاريخ بعد أن ملوا منه، وقد وصل حاله إلى ما وصل إليه، محدثو التاريخ هؤلاء، عليهم أن يراجعوا حساباتهم ورهاناتهم لأنها بنيت لذاكرة غير الذاكرة العربية ولذهنية غير الذهنية العربية! كتب لي طبيب عراقي مقيم في دبي يقول: «.. مقالتك «طعم العراق» أثارت الأشجان والحنين للوطن الذي أصبح مستباحاً تعيث فيه الميليشيات والمتآمرون فساداً، لقد كنت أحد الذين يتمنون رؤية عراق حر وديمقراطي، ولكن منذ بدأ الحصار في تسعينيات القرن الماضي وراح ضحيته مئات الآلاف من أطفال العراق، عرفت أي نوع من الديمقراطية يريدونها لوطني، واليوم ونحن نحتفي بعام زايد، طيب الله ثراه، لا بد من أن نتذكر ما فعله هذا الرجل العظيم لأطفال العراق في سنوات الحصار عندما أطلق حملة «مريم» ومولها لإنقاذ الأطفال من الحصار الظالم». زايد الإنسان، الأب، الزعيم، الرمز، لا تزال جهوده لتجنيب العراق مآلات الحرب الوحشية محفورة في الذاكرة، كما لا تزال ذاكرة العراقيين ملأى بمواقفه الجليلة رغم تباعد الزمن! إن الروح العربية الوفية المحبة دائمة…

الناجحون جوازاً..لماذا؟!!

السبت ١٧ فبراير ٢٠١٨

عندما كانت الدراسة ومناهج التعليم أكثر بساطة وأقل تعقيداً، وكانت المدارس أقل والجامعات لا تزيد على اثنتين ربما، وعندما كان الطلاب أقل كثافة في المدارس، والمعلمون أغلبهم من الإخوة والأخوات العرب القادمين من بلاد كنا نحلم بزيارتها كمصر والعراق وفلسطين والأردن وسوريا، ومن مدن كانت ملء السمع والبصر يومها كالقاهرة وبغداد ودمشق وغيرها، في سنوات السبعينيات والثمانينيات تلك، كان معظم الطلاب منتظمين في دراستهم، شغوفين بالدراسة ومتفانين في التعلم وغالباً ما يجتازون سنواتهم الدراسية بجهودهم الخالصة ودون رسوب يذكر! كان «المدرس الخصوصي» و«الطالب الذي لا يحسب حساباً لأحد»، و«التلميذ الكسلان» أو «التلميذة التي تنجح بالمجاملة»، ظواهر غير شائعة في المدارس، وعندما بدأت وزارة التربية تعلن نتائج الثانوية العامة في التلفزيون، كان الناجحون والناجحات هم الغالبية، كما كانت عبارة «المدرسة التي لم ينجح فيها أحد» تثير عاصفة من الضحك بين الناس، بينما عملية قراءة الأسماء تستغرق النهار بأكمله، ما يؤدي إلى إراحة المذيع أو المذيعة بفواصل غنائية كانت أشهرها أغنية عبدالحليم حافظ «الناجح يرفع إيده»، فكان الناجحون يملؤون طرقات الأحياء بالصخب، بينما الأمهات يوزعن المشروبات الغازية على الجيران! وعندما بدأت عاصفة التغيرات والتحولات التي طالت المدن والناس والعادات والاهتمامات، كان للتربية والتعليم النصيب الأكبر، تراجع اهتمام الطلاب بالدراسة، وبدأت ظواهر العنف المدرسي والتسرب باتجاه الوظائف البسيطة، والعزوف والهروب والشغب، وارتفعت معدلات…

زايد الملهم

الإثنين ١٢ فبراير ٢٠١٨

نحن مجتمع تكون من امتزاج البحر والصحراء، ففي البحر تمتد جذورنا وفي الصحراء لنا ظلال وآثار خطو لا خطى ومسير لا يمحوه الزمن، في الماضي كان كل شيء قليلاً وصعباً وكنا نعيش كفاف يومنا لكننا كنا نكافح العراقيل لنبقى ولتستمر المسيرة، لكل أمة تاريخ، هذا تاريخنا القريب أما على البعيد فنحن نتمدد في تاريخ الجزيرة والشرق كله وفي تاريخ العرب ودولة الحضارة الإسلامية العظيمة، نحن جزء من هذا التاريخ، نعتز به ونعرف على وجه الدقة مقدار وحجم صلتنا به، فلكل أمة تاريخ، نعود للتاريخ لنتعلّم، والأهم لنبتكر المستقبل كما قال الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان في كلمته الملهمة أمام القمة العالمية للحكومات. مع ذلك فالعودة للجذور، والافتخار بها ليست نكوصاً ولا تراجعاً ولا قلة حيلة، ولكن لأن من لا ماضي له لا مستقبل له، المستقبل يجد أساساته القوية في وعي الإنسان بماضيه وانتمائه الإنساني العميق، نحن جزء من تاريخ عريق وهذا التاريخ جزء من عمر الحضارة الإنسانية وإرثها الضخم. يقول التاريخ كما رواه الشيخ سيف إنه في عام 1974 استقبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عدداً من رواد الفضاء قبل مهمة فضائية لهم، ثم عاد واستقبلهم بعد عامين بعد نجاح مهمتهم، وبعد أكثر من 40 عاماً، ها هي الإمارات تمتلك مشروعها للوصول إلى المريخ،…

اعتذر بصوت قلبك

الأربعاء ٠٧ فبراير ٢٠١٨

في الحياة ونحن نمضي في طرقاتها، نتعرف بكثيرين، نصطدم ببعضهم، نحب، نعجب، نصادق، نرافق، نتأثر، نتوقف أمام الوجوه والإشارات، نتحدث كثيراً، لنعرف بعضنا، لنقترب أكثر، فنتفاهم ونتفق منذ الجملة الأولى، أو قد يحدث العكس، فقد نتصادم، نسيء فهم بعضنا فنختلف ثم تتفرق بنا السبل، المهم أن سلوكنا الشخصي ونحن نتعرف ونتحدث أو نستمع لبعضنا ونتحاور لا ينبئ عن مقدار الثقافة التي نملك فقط. لكنه يكشف نوع شخصياتنا وبناءاتنا النفسية بشكل كبير، هل نحن مرنون إزاء اختلاف الآخر عنا ومعنا، هل نتقبل هذا الاختلاف بصدر رحب، هل نعتبره تحدياً شخصياً لنا، هل لدينا استعداد للإنصات بحكمة وتفهم أم أننا نسقط سريعاً في العصبية والغضب، فتكون النتيجة أن نتسرع في الفهم، ونتسرع في تكوين رأينا فيما سمعناه، وبالتالي نتسرع في طريقة الرد، والنتيجة تكوين حكم متسرع حتماً، لا يقود إلا إلى طريق مسدود؟ الحوار مساحة رحبة للتقارب والتفاهم إذا احتكم إلى الهدوء والتفهم، فالاختلاف - وهو حق مشروع تماماً - يمكن أن يتم بهدوء وحكمة، الحوار كذلك مساحة متاحة أمام الجميع بالقدر نفسه، نحن من يوسّع أفقها ليفيد منها، أو يضيقها حتى لا يبقى فيها متسع للحكمة، فإذا انعدمت الحكمة كثرت الأخطاء، وعندها نقع تحت طائلة الندم، ونكون مضطرين إلى التراجع والبحث عن مخارج وترديد الأسف والاعتذارات. أنت تعتذر لأن الاعتذار سلوك…

حبّاً في الكتب والكتّاب!

السبت ٠٣ فبراير ٢٠١٨

وقعت بين يدي رواية أُكرهتُ على قراءتها لأسباب لا داعي لذكرها، الفائدة الوحيدة التي خرجت بها بعد قراءة 222 صفحة هي مجموع صفحات الرواية، أن ثقة البعض بأنفسهم إلى حد الغرور يمكن أن تسول لهم ارتكاب أية حماقة في حق الآخرين انطلاقاً من ثقتهم بعبقريتهم، كأن يتصدوا للكتابة الإبداعية وهم لا يملكون مقوماتها، أو يدعوا العلم بأمور التحليل السياسي والاقتصادي وهم لم يدرسوا هذه العلوم ولم يتخصصوا فيها، أو لمهام وقضايا أخرى لا علاقة لهم بها سوى أن الحظ أو الفرص قد منحت لهم في غفلة من الزمن فاقتحموا الميدان وتصدروا المشهد! إننا بمجرد أن نفتح التلفاز على أية محطة أو نتجول بين أرفف الكتب، أو نتابع البرامج الإخبارية وغير الإخبارية التي تعج بمن يسمونهم المحللين والخبراء ورجال الدين، أو نتابع مواقع التواصل ونتاجات عالم الأدب والفن، سنصطدم بهؤلاء المدعين، الذين لا ندري من أين لهم كل هذه الثقة بالنفس ليواجهوا الجماهير بكل تلك السخافات التي يبتدعونها، أمر واحد يضمن لهؤلاء الاستمرار، جهل الناس الذين يتابعونهم أو لا مبالاة المجتمعات التي لا تبدي أي موقف تجاه التفاهة أو يتحاشى الناس فيها أمر إبداء الرأي خشية ردات فعل غير مرغوبة! أعود لتلك الرواية الركيكة التي جعلتني أقتنع بأنه لا يزال هناك كثير من التفاهات لم يغادر رؤوس البعض، وأنهم بسبب افتقاد…

هل هناك صناعة نشر في الإمارات؟

الأربعاء ٣١ يناير ٢٠١٨

السؤال حول صناعة النشر في دولة الإمارات لا ينكر الواقع ولا يصفه، لا يؤكده بالمطلق ولا ينفيه، لأن هناك حركة نشر وهناك دور نشر وجمعية ناشرين تقوم بجهود كبيرة لتشق طريقها بين تجمعات وروابط ونقابات صناعة النشر المهنية والمحترفة في العالم العربي على وجه الخصوص. ومما لا ينكره أحد أنه وخلال السنوات العشر الأخيرة أنتجت هذه الدور ومؤسسات الثقافة إجمالاً عدداً لا بأس به من الكتب وأضاءت على أسماء مختلفة من الكتاب الإماراتيين الشباب، الذين يجدون اليوم فرصاً أكثر تنوعاً وغنى لإخراج إبداعاتهم وكتبهم بسهولة وتشجيع قلما يحظى بهما كتّاب ناشئون في مجتمعات أخرى. لذلك فإن السؤال لا ينكر واقعاً قائماً، لأن الواقع يعبر عن نفسه بهذه العلامات أو الظواهر التي أشرنا إليها، ويبقى السؤال قائماً ليساعد في تفكيك الواقع والإضاءة على تفاصيله كلها، الإيجابي منها والسلبي، المشجعات والمعوقات، التحديات جنباً إلى جنب مع المبادرات الداعمة والمحرضة على التغيير نحو واقع أفضل وأكثر قدرة على توطيد دعائم صناعة نشر قوية ومرضية ومساهمة فعلياً في حركة النمو والتنمية والتغيير في مجتمع يطمح دائماً إلى تطوير كل القطاعات والمجالات التي تهم حركته ومصالح أفراده وتضعه في دائرة التميز والقوة. لذلك كان منتدى أبوظبي للنشر، الذي تنظمه دائرة السياحة والثقافة، مبادرة تستحق التوقف والتقدير لما يمكن أن ينتج عنه من تسليط الضوء على…

حديث سوسن الشاعر!

الإثنين ٢٩ يناير ٢٠١٨

تسبب الحديث عن ظاهرة الاغتراب الأخلاقي والتغيرات القيمية عند البحرينيين الذي تناولته الإعلامية البحرينية سوسن الشاعر، في برنامجها التلفزيوني «على مسؤوليتي»، في نقمة مجتمعية قادت إلى مهاجمتها من قِبل الكثيرين، بل رفْع قضايا ضدها، معتبرين حديثها إهانة قومية ضد كل البحرينيين! بدايةً، لا بد من تقديم تحية مستحقة لجمعية الصحفيين البحرينية لوقوفها إلى جانب السيدة سوسن عملاً بمبدأ حرية التعبير، بالنسبة إلى الحلقة المذكورة فقد استمعت أكثر من مرة لكل كلمة قالتها سوسن بخصوص ما طرأ من تغيرات على سلوكيات وقناعات مجتمع وأجيال اليوم في البحرين مقارنة بما كان سائداً ومعروفاً في كل مجتمعات الخليج، ولقد تكفلت بذكر أمثلة من صميم الواقع الذي نراه ونعايشه كل يوم ونتذمر منه وننتقده، لكننا نسلّم بعجزنا عن تغييره، كما نكره أن نناقشه علناً، خوفاً من أي اتهام بالعجز أو التقصير! إن ما تعانيه أعداد كبيرة من الأجيال الصغيرة في معظم دول الخليج لا يخفى على أحد، وهو ما تطرقت إليه الزميلة، كالسهر أمام السوشال ميديا والألعاب الإلكترونية، والاعتماد في التغذية على الوجبات السريعة، وتخلي معظم الأمهات عن واجبات التربية لمصلحة الخادمات، وضعف اللغة العربية بوصفها لغة حديث وتعامل، وضعف شخصية الصغار بسبب كل ذلك، والتفكك الأسري، والتباعد الاجتماعي، وغياب مفهوم الجيرة وعلاقات الجوار... إلخ! فأين الخطأ وأين التجاوز في حديث سوسن الشاعر؟ أليس…

«اللطف» غير المطلوب أحياناً

الأحد ٢١ يناير ٢٠١٨

يقول علماء التربية والسلوك الاجتماعي، إن الإنسان الذي ينشأ في أسرة يتحاشى أفرادها بشكل دائم إبداء آرائهم المتعارضة أمام والديهم أو إخوتهم الكبار، باعتبار أن هذا السلوك يعبر عن تربية رفيعة واحترام مطلوب التقيد به بين أفراد الأسرة. هذا الشخص غالباً ما يجد صعوبة كبيرة في إيجاد مكان لائق له وسط الجماعات المختلفة التي سينتمي لها لاحقاً حين سيخرج من الأسرة إلى جماعات أكبر وأكثر استقلالية، كأصدقاء الجامعة وزملاء العمل، والجماعات المهنية التي سينضم لها وأصدقاء النادي وغير ذلك. فسيظل على الدوام متمسكاً بمنهج اللطف وعدم التعبير عن رأيه الحقيقي خشية الوقوع في الصدام وخسارة علاقاته الطيبة!للمسألة وجهة نظر أخرى، فالطفل الذي يربيه أهله على ألا يتحدث في وجود الكبار، ثم لا يبدي أي حركة أو التبرم أمام والده، انطلاقاً من أن ذلك غير لائق وغير مسموح به دينياً واجتماعياً، يفقد حس احترامه لذاته ورأيه وابتداء يفتقد مهارة تكوين رأي أو وجهة نظر تجاه أي أمر. ومن ثم طريقة عرض أو التعبير عن هذا الرأي بشكل صحيح، أو على الأقل التمسك بحقه في التعبير عن رأيه أياً كان ذلك الرأي! إن الأسرة هي المعلم الأول في ما يخص الحقوق، فالأمهات والآباء تحديداً لا يعلموننا على طريقة الكتب والمعلمين ولكنهم يمنحوننا فرصة ممارسة دروسنا بشكل يومي وتطبيقي من خلالهم، لذلك سيكون…

في عام زايد..الإمارات كما أرادها

الجمعة ١٩ يناير ٢٠١٨

مضى على تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، ست وأربعون عاماً، منذ اليوم الذي رفع فيه الآباء المؤسسون لدولة الاتحاد علم دولة الإمارات من مبنى الاتحاد الكائن في نهاية شارع الضيافة في إمارة دبي. ست وأربعون عاماً مضت على تلك اللحظة التاريخية الخالدة والفاصلة التي وقف فيها معالي أحمد السويدي مستشار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأول وزير خارجية في تاريخ الدولة، ليقرأ البيان الرسمي لإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة عربية مستقلة ذات سيادة. ومنذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة الراهنة، وهذه الدولة تواصل التزامها بنهجها العروبي الثابت وبالتزامها تجاه الجميع، بيتاً للجميع، ويداً لكل الإخوة، وقلباً باتساع العالم، وإرادة سياسية حقيقية لتجسير الفجوة والانتصار على كل العراقيل والصعوبات، عبر مشاريع تنمية ونمو مستدام ومتصل ومدروس، وعبر إصرار على الانفتاح على العالم بكل أعراقه وثقافاته. واليوم فإن النتائج ليست مطمئنة فقط وليست مرضية فقط، ولكنها تكاد تلامس الإعجاز واللامعقول. نحن نحتفل هذه السنة 2018 بعام زايد، وزايد رمز يعيش فينا كل يوم، في أبنائه من بعده، وفي منجزنا الإنساني المشهود، في مدننا وإماراتنا، في أسماء أبنائنا، في كتبنا، في كل مكان هنا وهناك وعلى امتداد الإمارات. ولن نكون مبالغين إذا قلنا بأنه ينام قرير العين مطمئناً إلى ما حققه الإماراتيون على امتداد العالم. لقد وصل أبناء…

المشكلة ليست في التقاعد

الأربعاء ١٧ يناير ٢٠١٨

أنت متقاعد من وظيفتك، مضى عليك حتى الآن عدة سنوات، تلك ليست كارثة أو أزمة مطلقاً، كما أنك لا تعاني من مشكلة أو مرض ما، هذا واقع مر ويمر وسيمر به ملايين البشر في كل مكان، فالجميع في كل مكان يعملون حتى سن معينة، يشتغلون بأقصى طاقتهم الجسدية والذهنية، إلى أن تأتي تلك اللحظة التي يقول لهم فيها القانون أو يقولون هم لأنفسهم: لقد حان وقت التوقف، وجاء وقت الراحة والاستمتاع بما تبقى لي من العمر. هناك من يتقاعد باكراً جداً، لأنه وجد فرصاً أفضل وأكثر فائدة وملاءمة له، وهناك من يؤجل هذه الخطوة حتى آخر دقيقة، يعتمد ذلك على الخطط البديلة التي يمتلكها كل إنسان لمرحلة ما بعد التقاعد، والأنشطة المتوافرة في مجتمعه أو في الحي الذي يعيش فيه والتي ستملأ وقت الوظيفة السابقة، بحيث لن يشعر أبداً أنه انتقل من كونه موظفاً إلى شخص يعيش الوقت تحت ضغط الفراغ القاتل. إن وجود خطط وأنشطة بديلة ستحول سنوات التقاعد إلى سنوات منتجة أيضاً! وبهذا فقط يتحول التقاعد إلى مرحلة جديدة في حياة الإنسان لا إلى مشكلة حقيقية وضاغطة جداً قد تقود صاحبها إلى الاكتئاب أو الصمت والانسحاب والشعور باللاجدوى من أي شيء في الحياة. نقترح على الجهات المختصة بالمعاشات والمتقاعدين أو بالشؤون الاجتماعية أن تنشئ مكاتب استشارية تقدم نصائح…

وفاء للذاكرة والمعالم القديمة

السبت ١٣ يناير ٢٠١٨

تابعت حواراً بين عدد من الشباب حول إزالة بعض المعالم القديمة التي مضى عليها سنوات طويلة في بعض مدن الدولة لأغراض التجديد والتطوير، كبعض المنازل القديمة، أو المعالم الرمزية في بعض الطرقات أو الأماكن العامة أو «دوارات» الشوارع الكبيرة، أو مداخل بعض الإمارات، فقد تحتاج بعض المناطق إلى إجراء تغييرات ضرورية فيما يتعلق بتجميل أو تطوير المدينة، أو توسعة بنية الطرق وتغيير اتجاهاتها، أو تحويل الدوارات إلى تقاطعات وهكذا، حيث هناك حاجة ماسة للتغيير في مدننا التي تتغير بشكل دائم، بفعل احتياجات النمو والتنمية والتطوير. ترى الجهات المختصة بأمور التطوير أن إزالة القديم وإحلال الجديد أمر لا بد منه، لكن أهالي المدينة لديهم رأي مختلف فيما يخص إزالة أي جزء من مدينتهم التي اعتادوا على كل تفاصيلها. حيث يصابون بردة فعل أشبه بالحزن أو الحنين لتلك المعالم، مع العلم أن بقاء تفاصيل أي مدينة أو منطقة كما هي، أو كما رأيناها مذ كنا أطفالاً أمر يبدو مستحيلاً حتى في تلك المدن العريقة التي استكملت تطورها واستقرت منذ زمن، ذلك أن التغيير هو القانون الثابت الذي لا يمكن مقاومته أو الوقوف في وجهه، فحيثما كان البشر وحيثما وجدت حركتهم وتكاثرهم ورغبتهم في التطور فإن التغيير يظل صاحب الكلمة الأقوى! إن كل بناء، أو معلم أثري أو سياحي أو حتى تجميلي، وكل…

نحن والبحر..جيران!

الأربعاء ١٠ يناير ٢٠١٨

في طفولتنا وسنيّ مراهقتنا الغضّة نتذكّر جميعاً أن خيارات اللهو ومتع قضاء الوقت كانت محدودة حين نصنفها بحسب معايير واقعنا الحالي، فبحسب هذه الأيام يمكنك أن تمضي وقتاً ممتعاً حتى وأنت في سريرك منذ أن تصحو من نومك صباحاً، وحتى تعود لسريرك في أي ساعة من ساعات الليل، أما إذا خرجت من بيتك فالخيارات أكثر من أن تعد. في المقابل كان علينا كأطفال وحتى بعد أن تجاوزنا الطفولة أن نصحو باكراً، لأن طلوع الشمس وأنت نائم كارثة بالنسبة لوالدتك التي أفاقت باكراً على صوت أذان الفجر، وعليك أن تصحو وإلا..!! لا تظن أن هناك ما ينتظرك إذا صحوت، فلا شيء في انتظارك فعلاً، إنها هي ذاتها تفاصيل الأمس التي غفوت وأنت تعدها متبرماً، الأزقة، الرفاق الغارقون في عشق اللعب والتسكع، البحر بنوارسه وقواقعه، وأصوات النساء، وروائح الطعام الذي بعد الغداء، ومدرسة القرآن التي ستذهب إليها عصراً، لا شيء آخر، لكنك أنت من عليه أن يجد شيئاً ما بين تفاصيل هذا المشهد اليومي المتكرر والرتيب، شيئاً من اللهو والعبث لتمضية نهار طويل بلا مدرسة، إذا كنت لم تُسجل في المدرسة بعد! كنا نصحو من النوم، نفتح الأبواب الخشبية لأفنية البيوت الصغيرة المتراصة، وننطلق إلى البحر، كسهام غادرت على عجل قوس محارب نزق، كان البحر ملهاتنا، والمتواطئ أبداً مع طفولتنا، يوفر لنا…