عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

وكأنه لم ينجح أحد!

الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٧

نعم، نتائج امتحانات الطلاب التي أعلنها الدكتور علي النعيمي منذ عدة أيام على الهواء مباشرة، كانت صادمة وإن لم تكن جديدة، فكثيرون في حقل التعليم يعلمون أن أوضاع ومستويات الطلاب آخذة في التدهور لأسباب مختلفة، الدكتور النعيمي قال الحقيقة بوضوح: 15 % نسبة النجاح، أي أن 85 % من مجموع الطلاب راسبون! هذا يذكر بأمرين: الأول بتلك النتائج التي كنا نسمعها تذاع في نتائج امتحانات الثانوية العامة في منتصف الثمانينيات، المدرسة الفلانية »لم ينجح أحد«، والفرق أن عدد التلاميذ في تلك المدرسة النائية غالباً ما لا يتجاوز أربعة أو خمسة طلاب في معظم الأحيان، وهي نتيجة قد تبدو مقبولة ومبررة قياساً بتلك الأيام البعيدة، لكنها غير مقبولة أبداً، بعد كل هذا التطور الذي أصاب جميع بنى المجتمع ومجالاته في دولة الإمارات، وبعد كل ما نراه ونلمسه من اهتمام القيادة ورعايتها لبرامج وخطط وتوجهات مؤسسة التعليم الأولى في المجتمع: وزارة التربية والتعليم. الأمر الثاني الذي تحيلنا إليه هذه النتيجة هو ذلك التقرير الذي صدر في الثمانينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، إبان عهد الرئيس الراحل رونالد ريغان، ذلك التقرير الشهير الموسوم بـ»أمة في خطر«، وقد جاء التقرير نتيجة عمل لجنة شكلها مكتب الرئيس مباشرة وتضم خبراء ومعلمين وطلاباً وأولياء أمور وعلماء تربية وسلوك وغيرهم، جابت مدارس الولايات المتحدة وأجرت…

خلايا الإرهاب النائمة!

الخميس ٠٥ يناير ٢٠١٧

التعليقات التي تجرأ أصحابها وجاهروا بكتابتها على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاً على حادثة القتل المرعبة التي ارتكبها أحد المجرمين المصابين بانفصام حاد في شخصيتهم وذهنهم الإنساني، تشير وبشكل لا يقبل النقاش إلى وجود أمثال هذا المجرم فيما بيننا، إنهم الخلايا النائمة للإرهاب الحقيقي، فمن يشمت في الضحية ويبرر فعلة القتل، ومن يضع نفسه مكان الخالق فيحلل القتل باعتباره قضاء عادلاً لمجموعة من مرتادي الملاهي الليلية. ومن لا يتناول القاتل بكلمة، لكنه يصب كل حقده وأمراض نفسه على أبرياء لا ذنب لهم، فهذا ليس مجرد شخص متطرف دينياً أو متزمت، إن أمثال هؤلاء في الحقيقة ليسوا سوى خمائر جاهزة لقتلة لا مانع لديهم أن يحملوا الرشاش نفسه ويدخلوا أي مسجد وأي كنيسة أو ملهى أو مطعم أو مقهى، ليفرغوا الرصاص في صدور أشخاص أبرياء لم يرتكبوا شيئاً سوى مسعاهم الإنساني البسيط والمشروع للبحث عن البهجة بصحبة أحبتهم وذويهم! إن ذلك الذي كتب تعليقاً على خبر اقتحام ملهى اسطنبول يقول فيه «هذا جزاء الله العادل لمن ترك إقامة شعائر الإسلام وذهب ليقلد الكفار»، ومن كتب «كيف يسمح الآباء لبناتهم أن يرتدن أماكن الفسق»، ومن كتب غير ذلك وأكثر من ذلك، ألا يستحي من نفسه؟ ألا يخجل من إنسانيته؟ ألم يفكر لدقيقة واحدة في هذا الدين العظيم الذي ينتمي إليه، والذي يحرم قتل…

بعض العرب وإيران.. هذا التعاطف لماذا؟

الجمعة ٠٩ ديسمبر ٢٠١٦

غريب أمر بعض المثقفين العرب، الذين نراهم بمناسبة وبغير مناسبة يوجهون سهامهم المسمومة تجاه دول الخليج.. وهو أمر لا يقتصر على التشكيك في الإنجازات والمشاريع والمبادرات الضخمة التي تنفذها دول المنطقة، وإنما أيضاً في اتخاذ موقف عدائي تجاه دول الخليج عندما يتعلق الأمر بإيران وسياساتها التخريبية في المنطقة. وما يزيد الأمر غرابة أن هذا الموقف العدائي يأتي على الرغم من أننا نعد كخليجيين شعوباً شديدة التعاطف مع إخواننا العرب، ولدول الخليج أيادٍ بيضاء على كل الدول العربية انطلاقاً من الالتزام المطلق بواجب الشقيق تجاه شقيقه، لذلك ففي كل مكان تظله سماء عربية لا يمكن لأحد أن يفتقد مشاريع البنى الأساسية هذه من مساكن ومستشفيات ومدارس.. الخ. كما أن هذا الموقف العدائي الذي يتخذه بعض المثقفين العرب ونشطاء مواقع التواصل من دول الخليج يقابله تأييد لمواقف إيران وسياساتها، بالرغم من انحياز هذه السياسات باتجاه المشروع التخريبي والتوسعي في المنطقة وعلى حساب جيرانها، حيث يصفها المثقفون المتعاطفون معها دوماً في خطاباتهم بأنها «الدولة الجارة المسلمة». والسؤال هو كيف لمثقف عربي ملتزم بقضايا أمته وفي هذه الفترة المفصلية من عمر الأمة، أن يدافع عن مشروع إيران التوسعي الواضح والجلي؟ كيف يمكن خلط المسارات والدفع بحجج عاطفية وغير حقيقية لصالح إيران لمجرد أن بوقها الدعائي يهاجم سياسات دول غربية؟ وكيف يتناسى هؤلاء أن الخليج…

التعايش على أرض الإمارات

الجمعة ٠٢ ديسمبر ٢٠١٦

أن يعيش الجميع على أرض واحدة محكومين بإنسانيتهم وتحت ظل قانون واحد يحمي حقوقهم، في نفس الوقت الذي يكونون فيه محتمين بثقافاتهم الخاصة دون أن يطلب منهم أحد باللين أو بالغلظة أن يتخلوا عن ما يميزهم ويحمي هويتهم، شريطة أن يحترموا ثقافة وقوانين ومصالح هذه الأرض التي يتحركون عليها، وهذا الوطن الذي يعيشون فيه، فذلك يعني أنهم يعيشون ما يسميه القانون وعلم الاجتماع حالة التعايش المجتمعي أو الاجتماعي في أقصى تجلياته على أرض الواقع، وهذا تحديداً ما يتلمسه كل زائر ومقيم على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة. التعايش المجتمعي بسلام يستلزم أول ما يستلزم ثقافة اجتماعية وتربوية يؤمن بها الجميع، المواطنون قبل المقيمين، عرباً كانوا أو غير عرب، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن لا يؤمن بحقوق الآخرين ومن لا يعترف بأهمية التسامح والتعايش لا يمكنه أن يقبل بالاختلاف أو أن يقبل بالعيش مع أشخاص مختلفين معه في العقيدة أو المذهب أو العرق أو المستوى المادي، أو في الانتماء والأفكار.. إلخ، لأن من يرفض الاختلاف يصادر الحقيقة والحق لنفسه، فيلغي ويقصي كل ما ومن عداه، لأنه يرى أنه صاحب الحق والآخرين على ضلال، وهو صاحب الفضيلة والدين الصحيح والآخرون أشرار وفي النار ... وهكذا ! هذا الفكر الإقصائي الإلغائي كان قد حكم أوروبا بأكملها ذات زمن فسالت بسببه أنهار من…

الذئاب لا تهرول عبثاً

السبت ٢٢ أكتوبر ٢٠١٦

مع كل منعطف جديد أو حدث كبير تخوضه أو تستعد له المنطقة، تشتغل مواقع التواصل ووسائل الإعلام المختلفة بتدفق غريب ومريب للأخبار والتعليقات حول الحدث، ثم سرعان ما تكبر الدائرة لينحرف الأمر من مجرد نقاش وتبادل الآراء متحولاً إلى حرب كلامية طاحنة يتبادل فيها الجميع التهم والشتائم والكلام البذيء والطعن في الدين والمذهب و... الخ ! وبرغم وجود أصوات حكيمة متزنة، وتمتلك قدراً عالياً من وضوح الرؤية والفهم الحقيقي لكل ما يحدث، إلا أن الغلبة عادة لا تكون للعقلاء، إنما تكون من نصيب الأكثرية أو من يطلق عليهم الأغلبية، الذين يحتكمون للعواطف ويتحركون بفعل مؤثرات خفية، ومؤثرين لا يظهرون في الصورة أبداً أو على السطح لكنهم ينشطون خلف الستائر لأن هذه هي مهمتهم ! إن أغلب ما نتابعه من أخبار وصور وتقارير فورية ومباشرة من مكان الحدث، ليس سوى دليل عملي وواقعي على اختلال ميزان التفوق الإعلامي بيننا وبين الغرب وتحديداً الولايات المتحدة، هذا الاختلال الذي رسخ ما يسمى بمبدأ (التدفق الحر للأخبار) والذي عملت الولايات المتحدة المستحيل لتحوله من مجرد مطالبة بحق الحصول على المعلومة، إلى واقع هيمنت من خلاله على سوق الإعلام العالمي وسوق المعلومات ووسائل النقل والمواصلات والتواصل، بمعنى آخر الهيمنة على عقول وإعلام دول العالم الثالث ! لقد ورد في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عام 1945،…

الصغار وتهديدات التحرش

الإثنين ٠٣ أكتوبر ٢٠١٦

بعد انتهاء يوم دراسي طويل، خرج بعض التلاميذ خارج فناء المدرسة بانتظار سيارات أولياء أمورهم، وبعد مضي بعض الوقت يتناقص عدد المنتظرين فلا يتبقى سوى طالب أو طالبين، يظلان وقوفاً يتلفتان يميناً وشمالاً بانتظار سيارة الوالد، هذا أيضاً يحصل أمام مدارس البنات، وهو ما كان يحصل دائماً منذ سنوات طويلة جداً، وغالباً ما يحدث أن يتأخر أحد أولياء الأمور بينما يظل الطالب أو الطالبة خارجاً، نهباً للخوف والقلق والتوتر، وعرضة لمخاطر غير متوقعة لكنها قد تحدث! المشهد السابق ورد في فيلم توعية قصير من سلسلة (يوميات فطن) التي تعدها وتساهم بها الإدارة العامة للتعليم بمنطقة الإحساء السعودية، لنشر الوعي السلوكي والثقافي والأخلاقي بين طلاب المدارس، وهو برنامج معدّ ومنفّذ بشكل احترافي وتربوي ممتاز، يلبي احتياجات الطلاب ويسد ثغرة كبيرة في فجوة التربية السلوكية التي تغفل عنها الأسرة أو المدرسة أحياناً فيما يخص تأهيل وتنبيه الطلاب لكثير من التهديدات الطارئة، كالتعامل مع تقنيات الاتصالات، والتحرش الجنسي، والتعامل مع الإعلام، والانسياق وراء دعوات الغرباء.. إلخ! والمشهد نفسه يحدث في الواقع بشكل يومي أمام بوابات مئات المدارس في كل مكان، بعض المدارس اتخذت إجراءات حماية، فمنعت الطالبات والطلاب من الوقوف خارج أسوارها منعاً لتعرضهم لأية مخاطر، وبعضها أوقفت مناوبين للتأكد من خروج آخر طالب وطالبة بأمان إلى بيوتهم، بينما مدارس أخرى لا يزال…

ثلاثية المستقبل في الإمارات

الأحد ٠٢ أكتوبر ٢٠١٦

ثلاثية المستقبل، الشباب، القراءة، التي توليها الدولة اهتماماً فائقاً، بما نراه جميعاً ونتابعه عبر استراتيجية الدولة بشأن استشراف المستقبل، وإعلاء دور ومكانة الشباب كعناصر صانعة للمستقبل، وتشكيل وزارات للشباب والسعادة، وتعيين وزراء شباب، وتنظيم مؤتمرات وجلسات نقاش وعصف ذهني تناقش قضاياهم ورؤاهم، ووسائل تمكينهم في كل أماكن العمل في مجتمعهم ليصبح الانتماء والمواطنة سلوكاً عملياً حقيقياً وليس مجرد شعارات كما هي في دول كثيرة. إن هذه المهرجانات والمؤتمرات والقرارات الرسمية بشأن إعلاء قيمة القراءة كثقافة وكممارسة عامة لجميع فئات المجتمع، لا تتم من باب الأنشطة الاجتماعية أو الدعائية، ولكن من قبيل شرح سياسات الحكومة أمام جميع أفراد المجتمع لدعمها وتبنيها والمساهمة في تنفيذها. هكذا يتحقق شكل مهم من أشكال المشاركة السياسية للمواطنين في استراتيجيات وسياسات الحكومة، بعيداً عن الفوقية أو تضييق نطاق المشاركة وحصرها في عدد محدود من النخب السياسية! إن ثلاثية استشراف المستقبل - تمكين الشباب - تكريس قيمة القراءة، هي واحدة من أكثر الاستراتيجيات تكاملاً وذكاء وملاءمة لأوطاننا العربية التي لا بد لها - مهما كلف الأمر - أن تصمد في وجه مشروع الفوضى الذي يراد له أن يغمر المنطقة ويغرقها في الحروب والدمار، وتعبر هذا النفق وتخرج منه بسلام، إلى أيام أفضل ومستقبل خال من الحروب والتشريد والدمار. هذا المستقبل الذي نتمناه لن يتحقق بالأمنيات، ولن يكون…

أنصار الفوضى في المنطقة!

الأربعاء ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦

لا أدري كيف نقع في الفخ نفسه كل مرة وبالطريقة نفسها وأساليب الاحتيال التي تنصب لنا كفخاخ مسمومة في كل اتجاه، شاشات التلفزيون، جلسات الثرثرة، مواقع التواصل، صفحات الجرايد والمجلات، أبواق الإشاعات، وغير ذلك من الماكينات الضخمة التي تصنع الشائعات وتضبط معاييرها على مقاس الذهنية العربية، ثم تطلقها كميكروب سريع الانتشار في أوساطنا عن طريق مروجي الإشاعات الذين يعملون بلا تفكر ولا تأمل ولا تفكير ضد أوطانهم للأسف! هناك دول وأجهزة استخبارات ومؤسسات تعمل ليل نهار لتقويض أمن المنطقة كلها، غير مكتفية بما حصل من دمار وتشريد وحرائق في بعض الأقطار، هناك دول عربية تعتبر أهدافاً كبرى بالنسبة لأعداء المنطقة ولأصحاب مشروع الفوضى، أهدافاً توظف كل الوسائل والأساليب والأشخاص لضربها وإضعافها وتقويض أمنها الداخلي، مصر واحدة من أكبر تلك الأهداف، والمملكة العربية السعودية التي تصطف وراءها دول الخليج بكل ثقلها الاقتصادي والديني والسكاني. ولأن هذه الدول تعتبر أهدافاً مركزية واستراتيجية في مشروع الفوضى فإن ضربها مستمر، بتقوية أعدائها في الداخل والخارج، بترويج الإشاعات ضد سياستها وسياحتها واقتصادها ومنتجاتها الزراعية، بنشر الرسائل والأخبار الكاذبة والمسمومة عن أي شيء يحدث فيها، وقد يحدث في أي مكان آخر دون أي إشارة أو ذكر، وبملء مواقع التواصل بجيوش من مناصري مشروع الفوضى يبثون كل ما هو سلبي ومسيء لتلحق هذه الدول بسوريا والعراق وليبيا!…

حكاية حاج تايلندي!

السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١٦

هذه الحكاية واقعية استمعت لتفاصيلها من سائق سيارة أجرة تايلندي مسلم، شاء القدر أن أستقل سيارته، وأنا عائدة لمقر إقامتي، كان الطريق لا تتعدى مسافته عشرة كيلومترات، يمكن أن تقطعها السيارة في عشر دقائق لا أكثر، إلا أن ازدحام المدينة الدائم سمّرنا في التاكسي أكثر من ساعة ونصف الساعة بالتمام والكمال! عندما حيّانا بـ(السلام عليكم)، سأله أخي هل أنت مسلم؟ ضحك بلطف، كان رجلاً طاعناً في السن، أشار إلى المصحف الذي كان يثبته أمامه، وآية الكرسي التي يثبتها في سقف السيارة، ثم قال «أنا حاج.. ذهبت للحج الحمد لله»، كان سعيداً كطفل وهو يقول ذلك، سألنا: أنتم من أين جئتم؟ هكذا طرح سؤاله، وبمجرد أن ذكرنا له أننا من دولة الإمارات، هلل فرحاً، وأرانا علم الإمارات الذي كان يعلقه في السيارة، ولا علم آخر معه، قال: «لأهل الإمارات فضل كبير علي، وأنا أدعو لهم كل يوم، وكل صباح عندما أركب سيارتي وأرى علم الإمارات، أدعو لرجل إماراتي لن أنساه ما حييت»! بدت المحبة الواضحة في كلامه ودعواته، مثيرة لطرح الأسئلة، سألته عن سبب هذا الحب، صمت قليلاً ثم قال: «منذ خمس سنوات وقبل أن أذهب للحج، كنت كل يوم بعد صلاة العشاء أجلس طويلاً أدعو الله أن ييسر لي الذهاب للحج، لأنني فقير جداً، ومهما فعلت فلن أتمكن من تحقيق…

لماذا الإصرار على الهوية والوعي!

الثلاثاء ٠٦ سبتمبر ٢٠١٦

حين نتحدث عن قضايا المجتمع لا يعني ذلك أننا لا نرى الكم الهائل من الإنجازات التي تتم ترجمتها بشكل يومي على أرض الواقع على شكل مشاريع اقتصادية وحدائق وشبكات طرق ومنتجعات ومجمعات ومراكز ألعاب كبرى للأطفال وقوانين وغير ذلك، فالإمارات بلاد نمو وتنمية. مع ذلك فإن الإشارة إلى الأخطاء أو الظواهر التي تؤثر في حياة الإنسان لا تدل على عدم الاعتراف بالإنجازات، لكنها محاولة للوصول إلى الأفضل بأقل قدر من المعوقات والنواقص، فالرحلة طويلة والسباق ليس هيناً! وفيما يخص نظرية التربية التي تحدثنا عنها بالأمس، فليس صحيحاً ما ذهب إليه البعض من أن التطور يستدعي أن نغض الطرف عما كان عليه أهلنا في السابق، ذلك أن كل شيء تغير تماماً، الناس والمكان والأفكار والسلوكيات، وأن علينا أن نتأقلم ونتقبل ما هو موجود ككل المجتمعات!. إذا كان هذا الرأي صحيحاً، فلماذا تصر القيادة السياسية والحريصون على مستقبل أجيالها على الحفاظ على هوية البلد وعلى لغتها؟ ولماذا العمل على تكريس ثقافة المواطنة وغرس قيم الولاء والانتماء والوعي وغير ذلك؟ لماذا لا تترك نوافذ ومعابر الدولة مفتوحة على كل الرياح والعواصف تعبث بها كما تشاء، انطلاقاً من سياسة الانفتاح والعولمة؟. إن الثقافة الوطنية الخاصة والانتماء والأخلاق والدين والعادات والمعارف المختلفة وتفاصيل الحياة التي تمنح الأفراد هوية واضحة تميزهم عن الآخرين وغير ذلك، تعتبر…

المهووسون بمصالحهم!

الأحد ٠٤ سبتمبر ٢٠١٦

في واحد من المشاهد التي لا تنسى والتي حفل بها فيلم (زوجة رجل مهم) للراحل أحمد زكي، حيث يجلس الرجل المهم على أحد كراسي المقهى لا أحد بصحبته، فجأة يقتحم طاولته رجل من رواد المقهى، يجابهه بتحدٍ واضح كمن يصفي معه حساباً قديماً، مستغلاً أن الرجل لم يعد مهماً بعد أن أحيل الى التقاعد! كانت كل كلمة في حوار ذلك المشهد مدروسة وفي مكانها تماماً، ومعبرة عن فكر وتوجهات مرحلة وسياسة كاملة، وكذلك أداء أحمد زكي وسائر لغة جسده، هذا ما يسمى السينما الحقيقية، وما يزيد من احترافية الفيلم قدرة صناعه على طرح إشكالية عربية سياسية واجتماعية في غاية الخطورة سادت وما زالت في كل المراحل والأزمنة التاريخية! إنها إشكالية المسؤول المهووس بفكرة تضخيم ذاته واستغلال منصبه، فالكل عنده سيئون ويشكلون خطراً على المجتمع، وعلى الدولة أن تعاملهم على أنهم متهمون حتى تثبت براءتهم، إنها كذلك إشكالية ادعاء خدمة المجتمع بارتكاب كل التجاوزات، انطلاقاً من أن المجتمع في حالة حرب مع قوى خفية تجيز لأجهزتها كل التجاوزات على الحريات والحقوق والأفراد، وطبعاً بلا أدنى رحمة ولا أي فرصة لنقاش! في عقيدة الديكتاتور فإن النقاش لا محل له من الإعراب مع كائن من كان، التهم جاهزة والظلم والتعسف ليس سوى طرق لحماية المجتمع من العملاء والخونة، ولهذا السبب فقد الرجل وظيفته…

حينما نمرض ماذا يعترينا؟

الأربعاء ٣١ أغسطس ٢٠١٦

ماذا يحدث لنا حينما نمرض؟ حينما نسقط في قاع اللاحول واللاقوة، حين نصبح أضعف من أن نحرك أجسادنا أو أيدينا لنهش ذبابة تقف على وجهنا؟ ما الذي يتغير في نظامنا الجسدي والنفسي حين يطول بنا المرض ولا يلوح أي ضوء في النفق؟ كلنا سقط في حالة المرض القصوى، أو حالة انعدام القدرة على فعل أي شيء مهما كان صغيراً، فما الذي يخطر ببال الإنسان في هذه اللحظة؟ ما الذي يتغير فيه وما الذي يعتريه؟ إن شعور الامتنان لأصغر النعم المتاحة وأكبرها، هو ما يظل ناهضاً أمام أعيننا وفي قلوبنا طوال لحظات المرض، يظل الإنسان في حالة مقارنة بين ما كان فيه وما أصبح عليه، وفي حالة تفكير عميق في كون الإنسان كائناً شديد الهشاشة يمكن أن ينكسر سريعاً كمصباح زجاجي، وأن كل ما هو عليه من قوة وبأس وصحة وعنفوان يمكن أن يتبدل في طرفة عين، لينشغل الدماغ في ورطته الأزلية: طرح المزيد من الأسئلة المعذبة! لماذا حدث لي ذلك؟ كيف؟ وهل أعود لما كنت عليه ووو؟ يعلمنا المرض خصلة الامتنان لنعمة الصحة والعائلة والأصحاب ومتعة الوقت. يعلمنا المرض النظر إلى كل شخص وكل شيء بمنظور القيمة لا بمنظور الشكل أو العلاقة الظاهرة، فليس كل إنسان قريب منك في لحظات العافية سيكون كذلك في لحظات المرض، أنت تحتاج عائلتك وأصحابك…