غسان شربل
غسان شربل
رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط

التحالف و«داعش» والثمن

الإثنين ٠١ سبتمبر ٢٠١٤

موقف باراك أوباما شديد الوضوح. لن يرسل الجنود الأميركيين ليقاتلوا في الفلوجة أو الرقة. الجيش الأميركي ليس قوة للإيجار. الرئيس غير راغب وغير قادر أيضاً. لن يحرر المحافظات السنية العراقية من «داعش» لتستأنف إيران الإمساك بالقرار في بغداد. لن يسترجع المحافظات السورية من «داعش» لتعود مجدداً إلى قبضة النظام السوري. المساهمة في اقتلاع «داعش» مشروطة بتغييرات فعلية في المسرح الذي شهد إطلالتها وتمددها. يخاطب أوباما أهل المنطقة بما معناه هذه مشكلتكم أولاً وأنتم أول ضحاياها. لسنا على استعداد للقتال نيابة عنكم. سندافع عن مصالحنا لكننا لن نتطوع لدفع الأثمان الباهظة. نحن نساعدكم وندعمكم. وقبل ذلك عليكم اتخاذ قرارات واضحة مهما كانت صعبة أو مكلفة. يذهب أوباما أبعد في التفاصيل. ولد «داعش» في المناطق السنية. لمكافحته لا بد من دور نشط لأبناء البيئة نفسها. السني المعتدل يجب أن يحارب السني المتطرف. شيء يشبه فكرة الصحوات العراقية مع اختلاف الظروف. الحكومات في مسرح القتال يجب أن تكون حكومات جامعة. أي أن تكون جزءاً من الحل لا من المشكلة. لا يساعد في المعركة استقدام ميليشيات شيعية لتحرير مدن سنية من «داعش». الجيوش التي ستشارك يجب ألا تكون متهمة بأنها من لون واحد أو أنها تقاتل لتكريس هيمنة مكون على مكون آخر. إشراك الجيوش المتهمة سيُعطي التنظيم فرصة الحصول على تعاطف في البيئة التي…

«الخليفة» والأعشاب السامة

الإثنين ١٨ أغسطس ٢٠١٤

في جبل سنجار أحصت الإيزيدية المذعورة أفراد عائلتها. كسرت الحصيلة قلبها. من لم يصلوا معها لن يصلوا أبداً. فرت على عجل وتوهمت أنهم فعلوا. لم يصلوا. ابناها. وابنتها. تركتهم في عهدة «داعش». والتنظيم رقيق القلب. يحز رؤوس الكفار. أو يصلبهم. أو يدفنهم أحياء. تركتهم في عهدة «الخليفة». وهو يحب دولته نظيفة. ناصعة. وليس من عادته ترك الأعشاب السامة تقيم في حديقته. بمن تستغيث الإيزيدية المذعورة؟ لن تنادي نبيل العربي لأن شركته أشهرت إفلاسها. ولن تنادي بان كي مون فهو لا يملك غير دموعه. لن تستجير بالجيش العراقي فقد تداعى أمام «داعش» وأهداه أفضل أسلحته. ولن تنادي البيشمركة فأسلحتهم أقل من حجم المعركة. لم يبق إلا جهة وحيدة. فتحت يديها وقالت: «أين أميركا؟ أين أوباما؟» . جيمس الهارب من الموصل يغطي دموعه بغضبه. قال إن الموصل أرض أجداده وأجداد أجداده. وإن جذورهم عميقة هناك. وإن عواصف كثيرة عبرت ولم تسرق منهم سقف منزلهم والحديقة الصغيرة. تساءل كيف يحق لـ»أبو هريرة الأميركي» و»أبو أحمد البلجيكي» و»أبو بلال الأسترالي» أن يقتلعوه من أرضه. غاب عن باله أن «الخليفة» يُحب الموصل خالية من الأعشاب السامة. تزعجه الأجراس. وتغضبه الأديرة. وتستفزه المخطوطات. «الخليفة» حساس وصاحب مزاج. لا يطيق طائفة الشبك. ولا الروافض. وأخطر أعدائه سني معتدل يقول إن التعدد ثروة. وإن الإسلام دين التسامح. وإن…

ما بعد «فتوحات» إيران

الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠١٤

في الاعوام الماضية، حقق الهجوم الايراني في الاقليم سلسلة نجاحات تعادل انقلاباً كاملاً. ادى الإخلال السريع بموازين القوى الى توتر اقليمي كما ادى الى تدهور صريح في العلاقات السنّية-الشيعية. وإذا تركنا خصوصية ما يحدث في اليمن جانباً يمكن اختصار النجاحات الاخرى بالآتي: - في العراق شاركت ايران في استنزاف الاحتلال الاميركي. غادرت القوات الاميركية العراق بعد شهور شهدت تراجع نفوذ اميركا السياسي في البلد الذي غزته وحررته من نظام صدام حسين. بعد الانسحاب الاميركي اصبحت ايران اللاعب الاول على المسرح العراقي. شددت في سياستها على نقطتين: الاولى إبقاء الكتلة الشيعية موحدة. والثانية الاحتفاظ بعلاقة مع الاكراد ومنع الخلاف الشيعي-الكردي من بلوغ نقطة التصادم. - قبل ذلك نجحت ايران في منع حصول انقلاب دائم في ميزان القوى اللبناني بفعل اضطرار الجيش السوري الى الانسحاب من هذا البلد إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري. تمكنت ايران من منع قوى 14 آذار من تشكيل حكومة مستقرة مؤيدة لمعسكر الاعتدال العربي ومتعاطفة مع الغرب. وأظهرت التجارب لاحقاً استحالة تشكيل حكومة في لبنان من دون الحصول على موافقة طهران. - تعاطت ايران مع الاحتجاجات في سورية بوصفها محاولة تستهدف محور الممانعة والتحالف السوري-الايراني. اتخذت قراراً قاطعاً بمنع اسقاط النظام السوري. ترجمت قرارها بتدخل «حزب الله» اللبناني والميليشيات العراقية الموالية لها في القتال الى جانب ذلك النظام.…

معركة أهل الإعتدال

الإثنين ١١ أغسطس ٢٠١٤

ما تعيشه المنطقة أخطر بكثير من حرب افغانستان. وفيتنام. والحرب العراقية - الايرانية. والانفجار اليوغوسلافي. ومذبحة رواندا. عاصفة سوداء مدمرة تضرب المنطقة. تمزق الخرائط. والحدود الدولية. تفتت الدولة المركزية. وتضيف الى وطأة الجيوش القديمة جيوشاً مذهبية صغيرة فاعلة ومتحركة. وتهجر ملايين الاشخاص. وتقتلع أقليات من جذورها. حروب أهلية عابرة للحدود. وفراغ يملأه محاربون قساة تدفقوا من الكهوف. رؤوس مقطوعة. وجثث مجهولة الهوية. ومدن مطحونة. ذباحون بلا رادع او وازع. ومستبيحون بلا رادع او وازع. لسنا في الطريق الى الكارثة. اننا نتخبط فيها. وهي تنذر بالمزيد من الضحايا. والتشرذم. والفقر. والارهاب. وممارسات الابادة. يكفي ان نتذكر مشهد العالقين في جبل سنجار هرباً من ممارسات «داعش». مشهد الطائرات الاميركية تلقي لهم الاغذية والماء كي لا يموتوا جوعاً وعطشاً. وان ذلك يجري في العراق العائم على النفط. هكذا نتحول مأساة لانفسنا. ومأساة للعالم ايضاً. نحتفل بمغادرة المحتل ثم نتوسل اليه بعد سنوات ان يسعفنا بغاراته او غالونات المياه. ذباحون ومستبيحون. خطف الظلاميون مساجد ومحافظات. خطفوا ثورات. وها هم يؤسسون لليل طويل هائل. خطف متطرفون القرار في اكثر من مكان. ساعدت شراهتهم في تمهيد الطريق للظلاميين. انه الفشل الصارخ. لمشروع بناء الدولة. للقاء في مؤسساتها وفي ظل القانون. انه فشل المدارس والجامعات وما هو أبعد. اننا في الهاوية. لكننا ايضاً على مفترق طرق. نفتح…

من الموصل إلى عرسال

الإثنين ٠٤ أغسطس ٢٠١٤

تجاوزت أصول اللياقة ووضعت الخريطة في جيبي. تمنيت أن يكون المتحدث مخطئاً. كان ذلك في بدايات صيف 2012 ولم يكن الحديث للنشر. لكنني كنت مهتماً بمعرفة وجهة نظر الرجل الذي يتيح له موقعه اللقاء بصناع القرار في العالم. قال الرجل إن المعارضة السورية قد لا تستطيع إسقاط النظام بسبب طبيعته وتحالفاته الإقليمية والدولية. وإن النظام قد لا يستطيع سحق المعارضة بسبب طبيعتها والتعاطف الإقليمي والدولي معها. يمكن حينها أن نواجه وضعاً شديد الخطورة. النظام يقيم على جزء من الأرض والمعارضة تقيم على جزء آخر والحرب مفتوحة. أعرب عن خشيته من أن تصبح كتلة سنية تضم ملايين الأفراد عرضة لإغراءات التطرف. هذا يعني قيام نوع من أفغانستان جديدة لكن هذه المرة على أرض عربية وفي قلب العالم العربي. جدد تخوفه من تفكك سوري طويل الأمد. سألت مستوضحاً. طلب إحضار خريطة ورسم عليها بقلمه. أشار إلى المناطق التي يمكن أن يحاول الأكراد الإمساك بالقرار فيها. إلى المناطق التي ستشهد تحركات الكتلة السنية. منطقة للنظام ستشهد إصراراً منه على الاحتفاظ بدمشق. سيصر أيضاً على استعادة حمص لضمان الطريق بين دمشق والساحل. رسم خطاً من حمص باتجاه البقاع اللبناني لضمان طرق مفتوحة وآمنة مع العمق الحليف في لبنان. أعرب عن تخوفه من احتكاك طائفي هناك إذا اعتبرت بلدة عرسال السنية شوكة في خاصرة الوضع…

القاتل في النفق

الجمعة ٠١ أغسطس ٢٠١٤

في غزة من الأطفال أكثر مما يجب. أكثر من القدرة على الاحتمال. وهم أطفال مجرمون. يخفون صواريخ في عيونهم. ومتفجرات تحت أظافرهم. ويحفرون الأنفاق بأصابعهم الطرية. أعرفهم عن ظهر قلب. لا يريدون كتباً للقراءة. ولا يريدون ألعاباً. لا يقبلون أقل من استعادة الأرض التي يلعب عليها أطفالنا. والمكان ضيق لا يتسع لطفلين. ليحيا أحدهما يجب أن يموت الآخر. في غزة من الأطفال اكثر مما يجب. شيء يشبه البحر. تصطاد منهم ما تصطاد ثم تكتشف أمواجاً جديدة. ينفد مخزون القذائف ولا ينفد مخزون غزة من العيون الصغيرة القاسية. لا يملك الجيش ما يكفي من الرصاص لجعل غزة عارية من الأطفال. جربنا كل أنواع الأدوية. «حملة الشتاء الساخن». «غيوم الخريف». «أمطار الصيف». «السور الواقي». «عمود السحاب». وها نحن في «الجرف الصامد». لا الكبار يخافون ولا الصغار يخافون. كأن الأجساد الصغيرة تتدفق عبر الأنفاق. كأنها تتسلق الأسوار. وتفاجئ أطفالنا. وتطالبهم بحزم الحقائب. استيقظ بنيامين نتانياهو باكراً. الوسادة رطبة. السرير مبلل. حاول إزاحة الستائر ففاجأته لزوجتها. نظر حوله فرأى اللون الأحمر يحاصره. خاف أن يكون نزف في الليل من دون أن ينتبه. ثم تذكر. هذه رائحة الدم الفلسطيني. يعرفها. لكن من وزع كل هذه الدماء في غرفته. وكيف غافل الحراس. هذا رجل عاطفي. رقيق القلب. شفاف. يحب الأطفال. يفضل بينهم الفلسطينيين. يعرف شظف العيش…

من يحارب «داعش» ؟

الإثنين ٠٧ يوليو ٢٠١٤

ليست بسيطة تلك المشاهد التي تتلاحق. شاب يخرج من العتمة ويقف في المسجد الكبير في الموصل. يخاطب الحاضرين بوصفه «الخليفة». يقول بلهجة قاطعة: «ابتُليت بأمانة ثقيلة فأعينوني عليها». فجأة ينشغل العالم بأسره بالبحث عن جذور «الخليفة إبراهيم». ليس بسيطاً ايضاً أن تسقط الموصل، ثاني المدن العراقية، في يد مئات من أبناء التنظيم. الموصل التي كانت خزان ضباط الجيش العراقي في العقود الماضية. الشق الآخر من المشهد المروع هو انهيار وحدات الجيش العراقي. القائد العسكري الذي كان يثير ذكر اسمه الرعب في النفوس ترك قواته وسلم نفسه الى عناصر البيشمركة. نقلوه الى أربيل ومنها عاد الى بغداد. بعد أربعة أيام دخل المسلحون الى مقر الفرقة الرابعة في بغداد واستولوا على ترسانة من الأسلحة. خلع جنود الجيش ثيابهم وارتدوا الدشاديش وفروا. ليس بسيطاً ابداً أن يسقط «داعش» الحدود العراقية-السورية. وأن يوسع انتشاره في محافظات كبرى في الدولتين ويستولي على حقول النفط. وأن يطالب السكان بالتوبة أو الجزية. وأن يهجر أهالي مدن وبلدات ليستولي عليها نظيفة في غيابهم ثم يفرض عليهم شروط العودة والطاعة. أثارت الإطلالة المدوية لـ «داعش» المخيلات. من أين جاء بأسلحة حديثة استخدمها قبل استيلائه على ترسانة الوحدات العراقية التي تبخرت؟ من أين جاء بالأموال الموجودة في حوزته حتى قبل استيلائه على كنز الموصل؟ وكيف تحركت مجموعات «داعش» بمثل هذه…

«إسأل سليماني»

الخميس ٠٣ يوليو ٢٠١٤

> كيف ترى الوضع الحالي في العراق؟ - أشد خطورة من ساعة الغزو في 2003. > ألا تعتقد انك تبالغ؟ - أبداً. يومها كان الأمر يتعلق بمصير ديكتاتور ونظام اليوم الأمر يتعلق ببقاء العراق موحداً او تقسيمه. > هذا الكلام مقلق؟ - الوضع خطر فعلاً. تصور اننا كنا نستعجل رحيل الاحتلال الاميركي واليوم نطلب ممن كان محتلاً ان يسارع الى إنقاذنا بالاسلحة والمستشارين والغارات الجوية. ثم اننا اكتشفنا للأسف ان النزاع بين العراقيين انفسهم أشد هولاً وعمقاً من نزاعهم مع الاحتلال. هناك حقيقة مؤلمة نتفادى الاعتراف بها وهي ان العراقيين الذين قتلوا على أيدي عراقيين اكثر بكثير ممن قتلوا على أيدي قوات الاحتلال. لا أبرئ الاحتلال أبداً وأكرهه لكن هذه هي الحقيقة. التصفيات المتبادلة والاغتيالات والمجازر الجماعية كانت من صنع أيدينا. لا يستطيع الاحتلال إرغام عراقي على قتل عراقي ان لم يكن مستعداً. التعصب المذهبي اخطر على العراق من العدوان الخارجي. > هناك من يتحدث عن نهاية العراق؟ - لا، هناك شيء من التسرع في هذا الكلام. لكن نحن على مفترق طرق. إذا أسأنا التصرف عندها قد يفتح الباب لنهاية العراق الذي نعرف. > هل يمكن انقاذ وحدة العراق؟ - ممكن لكن شرط التعامل بروحية جديدة مع السنّة والأكراد. انهم يشترطون عملياً ازاحة نوري المالكي ونهجه. سمعت من السنّة انهم…

لن يرجع كما كان

الإثنين ٢٣ يونيو ٢٠١٤

لا يستطيع العراق احتمال سيطرة «داعش» على أجزاء واسعة من أراضيه. لا تستطيع المنطقة احتمال قيام إمارة «داعشستان» على جانبي الحدود السورية - العراقية. العالم أيضاً لا يستطيع قبول قيام أفغانستان جديدة في قلب العالم العربي وفوق حقول النفط. لا بد من هزيمة «داعش». هذا ما تقوله الدول القريبة والبعيدة. ومثل هذه الهزيمة ليست مستحيلة. لكن الحل يبدأ بقراءة ما حدث. «داعش» فجر مشكلة كبرى. لكن المشكلة لا تقتصر على «داعش». لا يملك «داعش» جيوشاً جرارة. ويصعب القول إن أهالي الموصل والأنبار يتحرقون للعيش في ظل مبادئه. وواضح أن «داعش» استفاد إلى أقصى حد من الانهيار الذي ضرب العلاقات السنية - الشيعية وتفاقم بفعل الأسلوب الذي اختاره نوري المالكي لمعالجة الاحتجاجات في الأنبار. ما كان «داعش» لينجح في اكتساح المناطق التي اكتسحها لو كان المكون السني يشعر أنه شريك فعلي في إدارة البلاد. فمشاعر الإقصاء والتهميش لدى السنة كانت السلاح الأمضى الذي استخدمه التنظيم لطرد سلطة المالكي من هذه المناطق. وما كان الجيش العراقي ليصاب بالانهيار الذي ضربه لو لم تكن علاقته بالأنبار وصلاح الدين ونينوى تقوم على ما يشبه العداء المتبادل. لم يكن سراً في الفترة الأخيرة الماضية أن العملية السياسية أصيبت بانتكاسة شديدة الخطورة. ظهر ذلك جلياً في تصريحات السياسيين السنة وزعماء العشائر. لم يتوقف المالكي جدياً عند…

الهلال وتقطيع الأوصال

الإثنين ١٦ يونيو ٢٠١٤

كان ذلك قبل اندلاع الاحتجاجات في محافظة الأنبار. كنت في مهمة صحافية في احدى العواصم وعلمت بوصول مسؤول عراقي إليها. قلت أغتنم الفرصة للتعرف إليه وسماع وجهة نظره. استقبلني بلطف واضح. سألته عن الوضع في العراق فرد انه أفضل بكثير من السابق. وأن العملية السياسية مستمرة والحالة الأمنية أفضل. وأعرب عن اعتقاده أن التحسن مرشح للاستمرار وأن العراقيين سيقفون سداً منيعاً امام القوى التي يمكن أن تهدد وحدتهم والتعايش بينهم. شعرت بالانزعاج لأن متابعتي للموضوع العراقي تقودني الى استنتاجات مغايرة تماماً. أدركت أن المسؤول يستخدم لغة اللياقة والعموميات لأنه يستقبل صحافياً لم يلتقه من قبل. غلبتني الوقاحة فقلت للمسؤول إنني جئت لمعرفة الوضع على حقيقته خصوصاً أن الجلسة ليست للنشر وأنني لن أشير الى اسمه لا من قريب او بعيد لأنني ادرك حساسية موقعه. شدد الرجل على أن الكلام ليس للنشر باسمه. كررت تعهدي فانطلق على سجيته. أخرج من جيبه ورقة وراح يقرأ منها. انها جدول بتراجع عدد المسؤولين السنة في الوزارات. تحدث عن بناء القوات المسلحة على قاعدة طائفية و «تنظيف جهاز الامن من اي وجود سني فاعل». قال الرجل ما هو اخطر من ذلك: «حاولوا دفع ضابط كبير في موقع حساس في احد الأجهزة الى الاستقالة. حين رفض أرسلوا من اغتاله قبل اسبوع». كشف ان بعض منفذي الاغتيالات…

اصابة اللاعب القطري

الجمعة ٠٧ مارس ٢٠١٤

* جئت من لندن ام من بيروت؟ - من بيروت. * كيف وجدتها؟ - أفضل. تابعت جلسة انتخاب الرئيس ميشال سليمان وحضرت حفل العشاء الذي اقامه الرئيس نبيه بري على شرف الرئيس المنتخب وراعي المناسبة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. * كيف كان العشاء؟ - لطيفاً تميز بالكثير من العناقات والقُبل وتوزّع الحاضرون حول أمير قطر. * ماذا تقصد؟ - لا شيء. إنني أروي ما شاهدت. * انت صحافي ويمكنك بالتأكيد التقاط الرسائل والإشارات ومعانيها. هل تقصدون انه كان لدى اللبنانيين «اتفاق الطائف» وصار لهم اتفاق موازٍ مكمل او مقيد اسمه «اتفاق الدوحة»؟ - بين الاتفاقين تغيرت اشياء كثيرة في لبنان والمنطقة. تغيرت موازين القوى في لبنان والمنطقة. برزت قوى جديدة حية وفاعلة ولم يعد تجاهلها ممكناً. تغيرت أحجام الادوار الاقليمية. * لاحظت ان أمير قطر كان سعيداً بالتفاف المشاركين حوله؟ - انت كصحافي يجب ان يلفتك ان أمير قطر جلس وفي بيروت هذه المرة تماماً كما جلس الملك فهد بن عبدالعزيز بعد التوصل الى اتفاق الطائف. هذه ليست مصادفة. ثمة من لعب دوراً في جعلها ممكنة. * هل الغرض من الصورة الجديدة الثأر من القديمة؟ - انا لم اقل ذلك. انا قلت ان اشياء كثيرة تتغير في المنطقة. *** * اين كنت قبل مجيئك الى هنا؟…

بوتين «الرهيب»

الإثنين ٠٣ مارس ٢٠١٤

سمعنا في اليومين الماضيين ما لم نسمع مثله منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. استيقظت مخاوف روسيا واستيقظت المخاوف منها. هزت الأزمة الأوكرانية هدوء «غورباتشوف البيت الابيض». فرض الصحن الاوكراني نفسه على موائد هولاند وكامرون ومركل وبان كي مون. تسارعت المشاورات داخل الاتحاد الاوروبي وبين جنرالات حلف الاطلسي. انها ازمة كبرى وحقيقية. ازمة على ارض القارة القديمة وعلى حدود الاتحاد الروسي. تغيرت لغة التخاطب فجأة. باراك اوباما يحذر فلاديمير بوتين من «الثمن» الذي سيترتب على انتهاك سيادة اوكرانيا وتهديد وحدتها او استقرارها. تلويح غربي بمقاطعة قمة الثماني المقررة في سوتشي هذا العام وتلميحات بإخراج روسيا من هذا النادي اذا ذهبت بعيداً في استفزازاتها. الأمين العام لحلف الاطلسي يعتبر ان تحركات روسيا في اوكرانيا «تهدد السلم والأمن في أوروبا». ارتفعت اصوات تلوح بعزل روسيا اقتصادياً. ليس من الحكمة ان تمتحن قوياً على اطراف منزله. يتحول الامتحان تحدياً وجودياً. لا يستطيع القوي الفرار من مثل هذا الامتحان - «المؤامرة». لا يستطيع ان يخسر. يعتبر الامتحان مصيرياً لصورته وهيبته ومشروعه ولصورة بلاده وموقعها في محيطها والعالم. مثل هذا الامتحان يستحق المجازفة وما يمكن ان يترتب عليها. كان فلاديمير بوتين في العاشرة حين اندلعت ازمة الصواريخ الكوبية في 1962 والتي وضعت العالم على شفير مواجهة نووية. شعر جون كينيدي يومها ان بلاده لا تستطيع الخسارة قبالة…