الضحية والجلاد

الإثنين ١٦ يناير ٢٠١٢

من أظرف أشكال الكذب في الخطاب السوري الرسمي أن أغلب المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام في سورية ليست سوى “تمثيلية” تجري فصولها في مدينة تركية ضمن “المؤامرة العالمية” ضد سورية. قال محدثي السوري: لا تصدق ما تشاهده عبر الجزيرة والعربية. وأوصاني – مخلصاً – أن أشاهد قناة الدنيا السورية “فهي الوحيدة التي تنقل الواقع”! ولم أتمالك نفسي مستغرباً: يا ساتر! محدثي الطيب ليس موظفاً رسمياً في الإعلام السوري، بل إنه من ضحايا سوء الحالة السورية التي دفعته – مثل ملايين سوريين غيره – للهجرة والتشرد. آلة “التضليل” السورية تلعب على وتر “المؤامرة” التي يتلقفها السوري البسيط وأمثاله من ضحايا نظرية المؤامرة المتجذرة في العقل العربي. أقسم صاحبي أن الجيش السوري لم يطلق رصاصة واحدة ضد مواطن سوري. سألته عن مشاهد التعذيب والنحر ضد المتظاهرين السوريين، فأجاب: إنها المعارضة تعتدي على الضباط ثم ترتدي زيهم العسكري من أجل تشويه صورة الجيش والنظام. سألته: كيف عرفت؟ عاد وسأل: ألا تشاهد قناة الدنيا؟ من أشد حالات البؤس أن يدافع المظلوم عن ظالمه أو يبحث الضحية عن أعذار لجلاده. تلك الحالة لم تأت بين يوم وليلة، إنها “مشروع” أسس له ورعاه نظام القمع السوري منذ عقود وأنتج أجيالاً ربما لو سألت بعضها: من ربك؟ لأجاب: بشار! ثم هبت رياح “الربيع” فكسر الإنسان حاجز الخوف داخله…

كٌتّاب «سم.. طال عمرك»!

الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢

نحن فعلاً نكتب في زمن مختلف ولقارئ مختلف! انكسر الحاجز بين الكاتب والقارئ، بين الفنان ومعجبيه، بين المعروف وغير المعروف. هكذا أسهمت قنوات التواصل الاجتماعي في هدم جدران برلين بين الناس داخل المجتمع الواحد. إلى قريب، كان الكاتب ينثر أفكاره من علو، كأنه سيد قومه، يأمر فيطاع، يقول فتهتز الرؤوس أمامه معبرة عن استجابتها وتأييدها أو كأنها تقول: “سم .. طال عمرك”! ذلك زمن قد ولى. انتفت تلك “الفوقية” التي استمتع بها المثقف طويلاً. اليوم لم يعد بإمكانك أن تكتب من برج عاجي وتعتقد أن الناس تقرؤك ولا تناقشك، تستقبل ولا ترسل! إنهم معك، حولك، يقرؤونك ويعلقون عليك في ذات اللحظة ويختلفون صراحة معك بل ويُسفهون برأيك إن لم يرق لهم. لم يعد بوسعك أن تعزل نفسك عن الناس في مجتمعك وتكتب كما لو كنت –طال عمرك– تعطي توجيهاتك أو تصدر أوامرك! وهكذا لكي تصل اليوم للناس لابد أن تخاطبها عبر منابرها الجديدة، تلك التي تتيح التفاعل المباشر معك والاختلاف الصريح معك. تلك حقيقة. وليس لك بد من الاعتراف بها وبالتالي التعاطي معها. لعلك لم تكن –في الأيام الخوالي– معتاداً على قراءة الرأي الذي يختلف معك، وكنت تظن في نفسك ظن المعلم الذي يعطي طلابه دروساً لا تناقش أو تساءل. لكنك اليوم تخاطب جيلاً يستطيع سريعاً أن يرد عليك ويختلف…

الضحية والجلاد

الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢

من أظرف أشكال الكذب في الخطاب السوري الرسمي أن أغلب المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام في سورية ليست سوى “تمثيلية” تجري فصولها في مدينة تركية ضمن “المؤامرة العالمية” ضد سورية. قال محدثي السوري: لا تصدق ما تشاهده عبر الجزيرة والعربية. وأوصاني – مخلصاً – أن أشاهد قناة الدنيا السورية “فهي الوحيدة التي تنقل الواقع”! ولم أتمالك نفسي مستغرباً: يا ساتر! محدثي الطيب ليس موظفاً رسمياً في الإعلام السوري، بل إنه من ضحايا سوء الحالة السورية التي دفعته – مثل ملايين سوريين غيره – للهجرة والتشرد. آلة “التضليل” السورية تلعب على وتر “المؤامرة” التي يتلقفها السوري البسيط وأمثاله من ضحايا نظرية المؤامرة المتجذرة في العقل العربي. أقسم صاحبي أن الجيش السوري لم يطلق رصاصة واحدة ضد مواطن سوري. سألته عن مشاهد التعذيب والنحر ضد المتظاهرين السوريين، فأجاب: إنها المعارضة تعتدي على الضباط ثم ترتدي زيهم العسكري من أجل تشويه صورة الجيش والنظام. سألته: كيف عرفت؟ عاد وسأل: ألا تشاهد قناة الدنيا؟ من أشد حالات البؤس أن يدافع المظلوم عن ظالمه أو يبحث الضحية عن أعذار لجلاده. تلك الحالة لم تأت بين يوم وليلة، إنها “مشروع” أسس له ورعاه نظام القمع السوري منذ عقود وأنتج أجيالاً ربما لو سألت بعضها: من ربك؟ لأجاب: بشار! ثم هبت رياح “الربيع” فكسر الإنسان حاجز الخوف داخله…

من «التغريبي» إلى «التشريقي»!

الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢

في زمن “التصنيفات” التي تستخدم عادة لإلهاء الناس عن القضايا الحقيقية، أستغرب كيف لا يصنف كل معجب بثقافة الشرق بـ”التشريقي”؟، أنا أعرف “تشريقيين” حولي إعجابهم بالشرق أكثر من إعجاب “التغريبيين” بالغرب. التغريبي -حسب التصنيف- يعجب بثقافة الغرب ويسعى لتغريب المجتمع على حساب ثقافته الأصلية. فماذا عن التشريقي إذن؟ ما الفارق بين المعجب بالهامبورقر الأمريكي وآخر معجب بالسوشي الياباني؟، لماذا يدعى الأول بـ”تغريبي” ولا يدعى الثاني بـ”تشريقي”؟ وأعداد المسافرين من منطقتنا إلى بلاد الشرق قد تزيد عن أعداد المسافرين إلى الغرب. لماذا نخاف من “التغريبيين” أكثر من “التشريقيين”؟، وبما أنني من الفئة التي مرت بكل التصنيفات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فإنني أرجو من المنشغليين بتصنيف الناس أن يضيفوا إلى القائمة تصنيفا جديدا هو “تشريقي”! الحقيقة أننا نشغل أنفسنا ومن حولنا -بوعي أو بدونه- بلعبة “التصنيفات” البليدة في وقت يبحث فيه المجتمع عمن يناقش قضاياه الحقيقية. كن ما شئت، إسلامياً أو ليبرالياً أو تغريبياً أو تشريقياً ولكن لا تشغلنا بمعاركك المزيفة والناس منشغلون بقضايا التنمية وهموم البطالة وأسئلة “الميزانية”!، مجتمعاتنا اليوم صارت أكثر وعياً من تلك الدوائر التي أرادت لنفسها التقوقع في جدالات عابرة على حساب التحديات الحقيقية خصوصاً تلك التي تمس اهتمامات الناس المباشرة في التعليم والاقتصاد والإدارة. بل إن جدالات “النخبة الثقافية”، بكل تياراتها و”تصنيفاتها” تؤسس لحالة من…

تعلموا من الشباب!

السبت ١٤ يناير ٢٠١٢

جلست قبل أيام مع طلاب جامعة في دبي وتأكدت أكثر أن المعرفة لا تقاس بالأعمار وإنما بالتجارب. “جيل الإنترنت” أكثر انفتاحاً على العالم من الأجيال التي سبقته. أدوات المعرفة و”مفاتيحها” بين أيديهم. إنهم لا يحتاجون تأشيرة دخول من أجل الاطلاع على معارف الآخرين وتجاربهم. الأهم من قدرتهم على معرفة ما يحدث في العالم، من حراك اقتصادي وتقني وثقافي، إنهم اليوم قادرون على التواصل الإيجابي فيما بينهم. منظومة “قيم” جديدة تتشكل وفقاً لتجاربهم. معايير “الصح” و”الخطأ” لديهم ليست بالضرورة هي ذاتها تلك التي تحتكم لها الأجيال السابقة. الأبناء اليوم –في حالات كثيرة– هم من يُعلم الآباء ويشرح لهم متغيرات الزمن وتحولاته! أنا شديد الحرص على الالتقاء كثيراً بطلاب الجامعات ومن يصغرهم. دائماً أكتشف معهم ومن خلالهم أننا أمام أجيال مقبلة تبدو أكثر تصالحاً مع ذواتها وأكثر انفتاحاً على لغة العصر، وأقدر على التواصل مع أقرانهم من كل بقاع الأرض. أتعلم منهم أكثر مما يتعلمون مني. ومن خلالهم أستطيع قراءة بعض ملامح المستقبل. والأجيال المقبلة غالباً ستتعاطى بكثير من الأسئلة المهمة مع كثير من المفاهيم، التي نتعامل معها نحن كما لو كانت “مقدساً” لا يمكن المساس به. هذه الأجيال لن تكون أسيرة “الوصاية الأبوية” في نظرتها لنفسها وللعالم من حولها. ولهذا هي ضرورة –ملحة جداً– أن تتاح منابر التواصل والحوار المتكافئ بين…

بشار الأسد وعشيرته!

الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٢

يا سبحان الله! كأن الطغاة لا يتعظون أبداً بنهايات أقرانهم على مر التاريخ! حينما شاهدت المظاهرة التي نظمتها أجهزة الأمن السورية قبل يومين، تأييداً للرئيس بشار الأسد، رأيت نهاية القذافي تكرر نفسها في ساحة الأمويين! ألم ترتب أجهزة القذافي الأمنية مظاهرات “شعبية” لدعم القذافي، حتى قبل أيام من هروبه من طرابلس؟ المأساة في سورية أن بشار وزمرته صدقوا أن تخويف السوريين بالتعذيب والموت سيحمي “عرش” آل الأسد إلى الأبد! تناقلت منظمات حقوق الإنسان العالمية أن قرابة ستة آلاف مواطن سوري قتلوا خلال الأشهر العشرة الماضية على أيدي النظام السوري وزبانيته. لكن العارفين بخبايا النظام “الطائفي” في دمشق يتحدثون عن أضعاف تلك الأرقام عدا الآلاف في السجون ومراكز التعذيب. ونظام أدمن الكذب حتى بات -هو نفسه- يصدق أكاذيبه لن يتوانى عن القتل والتعذيب، بكل أشكال الهمجية والانتقام، طالما ظهر صوت سوري يطالب بحريته. بشار الأسد، مثل كل متغطرس سبقه، لا يمكنه تصديق أن الشعب فعلاً يريد الإصلاح، ناهيك عن المطالبة بإسقاط النظام ومحاكمة الرئيس. ولا يمكنه إدراك حقيقة أن الشعب السوري قد حسم أمره وقرر الخروج من مقبرة آل الأسد والدخول إلى العصر. هل إدمان الاستبداد يعمي البصيرة إلى ذات الدرجة التي وصل لها بشار ورفاقه؟ لو بدأت الثورات العربية الراهنة في سورية لربما فهمنا حالة الإنكار التي يعيشها اليوم نظام…

مدير جامعة الملك خالد: صح النوم!

الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢

رسائل كثيرة وصلتني تحثني على الكتابة عن جامعة الملك خالد بأبها. واحدة منها يسأل صاحبها عن مدير الجامعة: هل ما زال على رأس العمل؟ يقول: «هل تصدق أنني سأتخرج ولا أعلم إن كان مدير الجامعة حياً أم ميتاً». الذي أعرفه أن الرجل حي يرزق ونتمنى له طيلة عمر مصحوبة بالخير والصحة الجيدة. لكن السؤال المهم هو عن أحوال الجامعة وظروفها وهي من أقدم الجامعات الحديثة. أم أننا انشغلنا عن جامعة الملك خالد وأخواتها في جيزان ونجران وحايل وغيرها، بجدالنا الطويل حول جامعة الملك سعود وحضور مديرها الطاغي في مشهد الجدل السعودي؟ جامعة مثل جامعة الملك خالد مناط بها مسؤوليات «تنموية» مهمة خاصة أنها «الجامعة الأم» في الجنوب. كنا ننتظر من هذه الجامعة أدواراً مهمة تبحث في أسباب تأخر مشروعات التنمية في منطقتها وقضايا مجتمعها على أصعدة الاقتصاد والتعليم والثقافة. المنتظر من جامعات ما يسمى بــ»الأطراف» أن تسهم بكل ما يمكنها في الدفع بالتنمية لما يجعل من تلك «الأطراف» مراكز متميزة فيما تتميز به المدن والقرى حولها. أعرف جيداً أنه من غير العدل أن نتوقع من تلك الجامعات أكبر من إمكاناتها لكننا نفترض في قيادات تلك الجامعات ألا تستسلم لضعف ميزانياتها – مقارنة بالجامعات الأقدم – وألا تخضع للعقبات التي تحيط بها. دور تلك الجامعات تنموي وتنويري وهي حقاً معنية بلعب…

الكتابة الجديدة

الأربعاء ١١ يناير ٢٠١٢

هل أسهمت شبكات التواصل الاجتماعي في إثراء الساحة بنصوص أدبية جديدة لجيل جديد من الكتَّاب الشباب في العالم العربي، نصوص فيها فكر وفلسفة وحكمة؟ ما ألاحظه مؤخراً أن قنوات مثل: المدونات، وتويتر، والفيسبوك حفّزت أقلاماً شابة على الكتابة الإبداعية، وجعلت من بعضهم “نجوماً” لجيلهم في الكتابة الجديدة. منظومة الإعلام الجديد أتاحت لشباب المنطقة منابر جديدة للكتابة من دون رقيب أو “حارس بوابة” يقرر ما يجوز للنشر وما لا يجوز! مرحلة الرقيب ستندثر إلى الأبد قريباً. ثقافة النشر ـ بكل أشكالها ـ التقليدية تعيش اليوم مرحلتها الأخيرة. نحن اليوم في “سوق مفتوحة” للأفكار والحوارات والجدالات والكتابة. وهكذا يمكن أن يلفت انتباهك نص فيه إبداع وعمق وحكمة لكاتب ربما لم تقرأ اسمه من قبل. وقد تفاجأ بأن هذا النص أصبح متداولاً عبر شبكات التواصل أكثر من نصوص كثيرة لــ”أساتذة” المرحلة التقليدية. هل كتبت “أساتذة”؟، في عصر الكتابة الجديد تنتفي فكرة “الأستاذية”. لست بحاجة لمَنْ يجيز ما تكتب أو يفتح لك أبواب النشر. أنت وما تكتبه. وجمهورك اليوم لم يعد بحاجة لوسيط بينك وبينه. ولم يعد بحاجة لمَنْ يعطي النص الجديد “صك الإجازة”، فيدخل كاتب جنة الإبداع ويخرج آخر إلى “نار” الإهمال والصعلكة من أجل إثبات المقدرة الإبداعية. في جولتي اليومية في شبكات التواصل الاجتماعي، أتجول في حدائق مزهرة بكل ألوان الربيع الكتابي:…

النهضة والسؤال

الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢

العقل الكسول يميل عادة للإجابات الجاهزة. صاحبه لا يملك همة التفكير المستقل. ولا قراءة الأحداث لفهمها. هي مسألة سهلة وسريعة وغير مكلفة أن تقدم له الإجابة جاهزة. نحن في عصر السرعة. لا وقت لدينا للتفكير. "لا تفكر… نحن نفكر عنك"! نحن لا نعيش عصر الوجبة السريعة فحسب لكنّ قطاعاً واسعاً منا يعيش عصر الفكرة السريعة. اللحظة السريعة. لماذا نشغل أنفسنا ونضيّع وقتنا في قراءة كتب التاريخ والفلسفة؟ نستطيع أن نصل للإجابات الكبرى والصغرى ونحن مستلقون على كنباتنا وأمام التلفزيون. كل ما عليك أن تفعله أن تسلم عقلك وقلبك للإجابات السريعة والجاهزة والمكررة. وشخص ما، أمامك في الشاشة التي تقابلك، ينوب عنك في التفكير وفي السؤال وفي الإجابة. الإجابات العظيمة تأتي بها الأسئلة العظيمة. والإيمان العميق يأتي بعد الأسئلة العميقة. في السؤال شك. وفي الشك بحث عن إجابات. هكذا تنشأ الأفكار الكبرى. إنها تبدأ بسؤال، أو أسئلة. والنظريات الكبرى تقوم على أسئلة مهمة وملحة. طالب الدكتوراة يبني أطروحته على أسئلة أساسية لبحثه. وهكذا تصبح حياة الأمم (والأفراد) المتميزة بحثاً في أسئلة مهمة وملهمة لمزيد من الأسئلة. إن الثقافة التي تقمع الإنسان منذ صغره كلما همّ بطرح سؤال لا تنجب سوى أمة مترددة في تفكيرها وتعاملها. لا يوجد سؤال خطأ. ولا توجد إجابات قاطعة. كل الإجابات قابلة للبحث والنقاش، للخطأ والشك الأمم…

خطاب «الفضيلة» في مجتمع «الفضيحة»!

الإثنين ٠٩ يناير ٢٠١٢

من منا بلا خطيئة فليرفع يده كي ننزله منزلة الأنبياء والصالحين. هل رفع أحدكم يده؟ في حياة الإنسان غالباً لحظات ضعف وتهور وسوء تقدير. يكاد يكون مستحيلاً أن يحيا المرء من دون خطيئة. مسكين من انفضحت خطيئته في محيط منافق يسن سكاكين الشماتة والتشهير بمن ينكشف أمره. وهؤلاء الذين يفرحون بفضيحة من حولهم تناسوا أنهم ليسوا ملائكة ولا أنبياء، ولو صارحوا أنفسهم قليلاً لاستحضروا “لحظات سوداء” في مرحلة ما من حياتهم. وهنا نفرق بين "الخطيئة" التي فقط الأنبياء وحدهم معصومون منها، وبين "الجريمة" التي هي في الأصل "شذوذ" عن قيم وأخلاقيات الإنسانية. من منا نقي من خطايا عابرة، صغيرة أو كبيرة؟ ولكن ما الذي يدفع بالبعض للفرح بـ”غلطة” إنسان وبذل الجهد في الترويج لها، وما يصاحبها من إشاعات تزيد من مأساة صاحبها، ومن حوله، داخل أسرته ومجتمعه الصغير؟ أي قيم وأخلاق ومبادئ نتحدث عنها، وفينا من ينتشي فرحاً بالفضيحة ويبذل قصارى الجهد للترويج لها، وإضافة الكثير من "البهارات" عليها وحولها؟ وأي ثقافة تصنع من "الفضيحة" حديث الناس وفرصة للشماتة والتندر والسقوط من عين المجتمع، الذي تنخر في جسده -أصلاً- كل أشكال النفاق والخداع؟ نحن فعلاً نعيش "عصر الفضيحة" خاصة وقد أتاحت التقنية الحديثة للبعض صناعة "الفضيحة" أو تزويرها والترويج لها. وإنك إن رأيت مجتمعاً يحتفي بالفضيحة ويجعلها خبز يومه، فإنك…

في الاختلاف

الأحد ٠٨ يناير ٢٠١٢

في الحياة ألوان كثيرة غير الأبيض والأسود. وكذلك هي الأفكار والآراء والمدارس الفكرية. يكذب من يزعم أنه يملك الحقيقة كلها أوكاملة. وما آراؤنا وأفكارنا إلا محاولات نسعى بها لتفسير الأحداث من حولنا أو فهم معنى الحياة التي نعيشها. ولهذا ليس من العقل ولا من الحق أن نلغي الرأي الذي لا يوافق رأينا. ومهما اختلفنا في رؤيتنا للأحداث هذا لا يلغي أننا قادرون على التعايش السلمي والإنساني مع من يختلف معنا في الفكر والرأي. أستغرب من أولئك الذين يظنون أنك إن لم تكن تماماً موافقاً معهم في الرأي فأنت ضدهم أو أنك عدوهم اللدود. وكثيراً ما أستغرب من أولئك الذين ينزلقون إلى "مهاترات" أو "شتائم" في تعبيرهم الانفعالي عن اختلافهم مع أصحاب الرأي الآخر. الاختلاف شيء والشتيمة شيء آخر. الحوار شيء ومصادرة الرأي الآخر شيء مختلف. تذكر دوماً أن "الحقيقة" أحياناً فكرة غير ملموسة، كل يراها بعين مختلفة. تجاربك وثقافتك وأساليب تعليمك شكلت كثيراً من قناعاتك التي تحولت مع الوقت إلى ما يشبه الحقائق القطعية. في المقابل هناك آخرون في محيطك أو غيره شكلت قناعاتهم تجارب مختلفة عن تجاربك. أنت لا تملك الحق أن تفرض عليهم قناعاتك. وهم في المقابل لا يملكون الحق في فرض قناعاتهم عليك. تذكر أيضاً أن ما تراه اليوم صحيحا قد تكتشف غداً أنه خطأ. وفي آخر…

بين «الفالة» و»الداجة»!

السبت ٠٧ يناير ٢٠١٢

عرفت "الفئة الفالة" أولاً عن طريق الزميل مشعل القرقاوي. فبعد أن حدثني عن إعجابه بإبداعات نجمي البرنامج، عمار ومحمود، شاهدت على اليوتيوب مجموعة من الحلقات "الفالة". شاهدت نوعاً راقياً من الكوميديا المحترمة تلك التي تقدم لك رسالة هادفة بلغة عصرها. إننا مع "الفئة الفالة" أمام نموذج جديد من نجوم الكوميديا الشباب ممن يقدم الفكرة المفيدة على التهريج ويختصر لك المشهد في دقائق قصيرة تحفزك على التفكير وأنت محتفظ بابتسامة تلقائية. المثير في تجربة جيل "اليوتيوب" من نجوم الكوميديا الجدد أنهم فرضوا أنفسهم -وخطهم الفني المختلف- من دون حاجة للمؤسسات الإعلامية التقليدية، تلك التي ما زالت حامية حمى أبطال التهريج باسم الكوميديا والمسرح. انتهى عصر المسلسلات الكوميدية الطويلة تلك التي تصطنع الموقف الضاحك وتخلط بين الفن والتهريج والخالية من أية رسالة. خليجياً، ومنذ "درب الزلق" قليلاً ما رأيت أعمالاً تحترم العقل وتضفي المرح. حينما تدرك مؤسساتنا الإعلامية التقليدية أنها مضطرة أن تستقطب النجوم الجدد، فستعرف أنها أمام جيل جديد ومختلف يؤمن برسالة مختلفة للكوميديا ويقدمها بلغة تعيش عصرها. الآن وقت الاستثمار النوعي في هذا الجيل المتفوق من نجوم اليوتيوب. لابد من حاضنة استثمارية تدعم جهد الشباب من دون أن تعيق مسيرتهم وتساندهم من دون أن تحرفهم عن مسارهم. ومن يستثمر في هؤلاء النجوم فهو حتماً يستثمر في المستقبل الذي يصنعه اليوم…