جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

السعودية والحوثيون… ما لا يُدرك كله لا يُترك جله

السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤

كيف ستكون السياسة السعودية حيال اليمن الجديد بعدما حُسم الصراع فيه لمصلحة القوة الصاعدة منذ عقد من الزمن، «أنصار الله» المتحالفين مع إيران، والذين توافقنا على تسميتهم بالحوثيين نسبة إلى جدهم بدر الدين الحوثي الذي كان معلماً يوماً لأبناء أسرة آل حميد الدين بعدما لجأوا إلى المملكة واستقروا فيها بعد سقوط نظام الإمامة تماماً عام 1970 واعتراف المملكة بالجمهورية هناك، التي أصبحت هي ورؤساؤها وشيوخ قبائلها وبعض من موازنتها جزءاً من مسؤولية الحكومة السعودية التي خصصت لها مكتباً خاصاً أشرف عليه شخصياً ولي العهد السعودي الأمير سلطان حتى وفاته؟ عمدت أن أحشد في السؤال السابق معلومات تظهر مقدار التداخل والتكامل والتعارض بين السعودية واليمن، حتى ندرك أهمية التحوّل الهائل الذي حصل في اليمن الإثنين الماضي، إنها ولادة يمن جديد يضاف إلى سورية جديدة وعراق جديد بل عالم عربي جديد، ولكني سأبدأ بعيداً من إيطاليا. من 22 إلى 29 تشرين الاول (أكتوبر) 1922 شهدت إيطاليا «المسيرة نحو روما» التي قادها الديكتاتور بينيتو موسولييني، لم يكن يومها ديكتاتوراً وإنما خرج كمنقذ لإيطاليا المترنحة التي أنهكتها الحرب العظمى، ثم الإضرابات والتناحر السياسي وخطر الشيوعية الداهم، خلال تلك الأيام الخمسة انهارت روما وسقطت مؤسسات الدولة في يد ميليشيات «القمصان السود». شيء كهذا حصل في صنعاء الإثنين الماضي، فمثلما كانت إيطاليا يومها منهارة تحتاج إلى…

هل يكون «تحالف جدة» بداية لعالم عربي جديد؟

السبت ١٣ سبتمبر ٢٠١٤

عندما تقصف الطائرات الأميركية مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، وتنهار دفاعاتها، وتسود الفوضى بين مقاتليها، فتصل أنباء ذلك إلى النظام، والثوار المعتدلين، وجبهة النصرة، أطراف ثلاثة تختصر الجانب المقابل لداعش على الأرض، وكل منها يحمل رؤية «وراية» مختلفة لمستقبل سورية، فأيهم الذي سيتقدم أولاً ويعلن تحرير الرقة من داعش ويرفع رايته هناك؟ هذه المعضلة نموذج واحد لمعضلات أخرى لا بد من أن تواجه التحالف الذي يتشكل الآن تحت عنوان «القضاء على داعش»، وبالتالي يفسّر سبب الاجتماع «العربي التركي الأميركي» الذي عقد الخميس الماضي المخصص لمناقشة تشكيل تحالف الدول المعنية قبل غيرها بالقضاء على داعش، والتي اعترف الرئيس الأميركي أوباما بأنها لن تكون عملية سهلة وتحتاج إلى سنوات، كيف ذلك وهي مجرد تنظيم؟ سأستخدم نموذج الرقة السابق للدلالة على صعوبة المهمة، فليست هناك قوات أميركية على الأرض لتكمل المهمة التي بدأتها الطائرات الأميركية، فأوباما وعد شعبه بوضوح بأنه لن يرسل أي قوات برية في هذه الحرب، كما أن دول المنطقة غير متحمسة لذلك، وبالتالي لا مناص من الاعتماد على واحد من الأطراف الثلاثة المذكورة، ولكن المهم كيف تمنع الطرفين غير المفضلين من الاستفادة من انهيار داعش؟ هذا ما يستلزم التعاون الدولي الإقليمي الذي يفترض أنه شرع في وضع قواعده في اجتماع جدة، ولكن بسبب غموض أوباما على رغم كثرة تصريحاته،…

السعودية تواجه «خيارات صعبة» ثم «خيارات أصعب»

السبت ٠٦ سبتمبر ٢٠١٤

سبقت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة زميلها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى اختيار «خيارات صعبة» عنواناً لمذكراتها، فيما لو فكر أن يؤلف كتاباً يؤرخ فيه أحداث المرحلة من وجهة نظر سعودية، ليس وحده، فالجميع يواجه «خيارات صعبة»، والمشكلة أنه مع كثرة هذه الخيارات، وصعوبتها، ينتهي الجميع إلى حالة «لا قرار» بينما تستمر الأحداث تتداعى، وتتعقد أكثر، بل إن السيئ يصبح أكثر سوءاً، والمنهار ينهار أكثر، وقوى «خارج الدولة» تختار وتقرر وتمضي قدماً في ما تريد، بينما يقلّب الساسة الذين يمثلون الأنظمة القائمة خياراتهم الصعبة إلى ما لا نهاية. نظرياً، من مصلحة السعودية وإيران وبقية دول المنطقة، أن تتّحد جميعاً لمواجهة «الدولة الإسلامية - داعش» تؤازرها في ذلك الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، ولكنها فعلياً، مصالحها متباينة، وأولوياتها متعارضة، والثقة بينها مفقودة، وبالتالي فهي جميعاً أمام «خيارات صعبة» ستعطلها وتؤخر قرارها، عندما تجتمع على طاولة واحدة، وتبدأ في رسم الخطط للقضاء على «داعش». السعودية وإيران، وعلى رغم الخصام القديم بينهما، متفقتان على أن «داعش» يهدد أمنهما القومي، ولكن بينما تريد السعودية القضاء على «داعش» فإنها لا تريد أن تستفيد إيران من ذلك، فـ «داعش» نجح في كسر منظومة «الهلال الشيعي» الممتد من طهران حتى بيروت، مروراً بالعراق وسورية، بل إن ايران أصبحت عاجزة عن تموين حليفها في دمشق بالأسلحة والنفط براً…

الخلطة الأردنية – المغربية لعلاج «الربيع العربي»

السبت ٣٠ أغسطس ٢٠١٤

أيها العربي المتشائم، لا تقصر نظرك على العراق وسورية، وأنهار الدماء والكراهية والتفتت فيهما، ولا على ليبيا التي استبدلت حريتها وخلاصها من الديكتاتور بفوضى وتخبط وتقاتل بين ثوار الأمس، ولا اليمن الذي ضيّع حكمته، إنما انظر إلى الأردن والمغرب، فهناك أمل، ومساحة للإصلاح تاهت أخبارها وسط ضجيج كل ما سبق. هذان البلدان العربيان، غير النفطيين، كاد أن يصيبهما ما أصاب غيرهما من بلاد العرب خلال موجة الربيع العربي التي لم تنحسر بعد، ولكنهما استطاعا تجاوزها لا بالالتفاف على استحقاقاتها، أو تأجيلها، ولم يلجآ للقوة والبطش والأمن والمعتقلات، وإنما بتحويل الربيع وتظاهراته وغضبه إلى طاقة إيجابية، ومصالحة بين الحكم والشعب برفع راية الإصلاح وجعلها مطلباً مشتركاً يجمع الملك والمواطن. الأردن والمغرب نموذجان يمكن احتذاؤهما لمن لم يفته القطار وما زال متماسكاً. من فاته القطار هي تلك الدول التي انهارت في جرف حرب أهلية كسورية، أو توشك أن تقع فيها كاليمن وليبيا، أو تفتت كالعراق، هذه الدول ما عاد يجدي معها إصلاح، وإنما تدخّل خارجي بقدر الضرر في كل منها، وكل ما طال إهمالها كلما تفاقم حالها، وطفح ضررها على جيرانها. الدولة العربية المتماسكة هي تلك التي لا تزال بنيتها التحتية السياسية والاجتماعية سليمة، تتعرض أحياناً لهبات الربيع العربي القاسية، وأحياناً أخرى لنسماته الرقيقة كأنها تذكير للمؤمنين، ثم أنعم الله عليها بشعوب…

كيف ننتصر على شيء لا نعرف ما هو؟

السبت ٢٣ أغسطس ٢٠١٤

ها هو «داعش» يحفر قبره بنفسه، مثلما دفع كثيرين إلى قبورهم ظلماً وعدواناً وحماقة، لم يخيّب ظن أحد تابع صعوده، وتنبأ بحتمية هلاكه، فهو يحمل بذور فنائه فيه. قبل نحو عام نشرت في هذا المكان مقالة عنونتها بـ«داعش وأمير بيشاور». كان ذلك في زمن صعوده في سورية، وتنمره على من سبقه للثورة، فكان كالضيف الذي لم يدعه أحد. رويت في المقالة قصة جرت في القارة الهندية في القرن الـ18، لمقاتل شاب أصبح أميراً لبيشاور بعدما نجحت حركة إسلامية تصحيحية بتحرير المدينة من حكم «مهراجا» سيخي خلال شهرين فقط، وبعدما فرض الأمير الجديد أحكاماً متشددة على سكان المنطقة القبليين، ضاقوا به وثاروا عليه، فأعاد السيخ وجيشهم للحكم من جديد، لم يقضوا عليه وحده، بل على كامل الحركة وزعيمها الروحي أحمد شاه الشهيد. قصة كلاسيكية تتكرر، تصديقاً للحديث النبوي الشريف «ما شادّ الدين أحد إلا غلبه»، ولكن الضرر لن يتوقف عنده، وإنما سيمتد إلى كل الثورة السورية التي حلمت بدولة حرة ديموقراطية تعددية، وعلى تطلعات سنّة العراق إلى عدل ومساواة وحياة أفضل. ستخسر «السلفية الجهادية التكفيرية» مرة أخرى كل شيء بعدما استعدت كل العالم، وقهرت كل من وقع تحت يدها بما في ذلك حاضنتها السنيّة، سنشهد فرحة الموصليين عندما يزاح كربها عنهم، مثلما احتفل القندهاريون بهزيمة «طالبان» في 2001، على رغم أنها…

حاك … يحيك مؤامرة

السبت ١٦ أغسطس ٢٠١٤

«يجب أن ننتبه إلى ما يحاك لنا في الخفاء» هل تعثرت اليوم بهذه الجملة في صحيفة ما؟ لا بد من ذلك، فهي جملة مستهلكة، متداولة، باتت تتواتر على ألسنة كثير من الكتّاب، بل والمسؤولين أيضاً، فهي عذر سهل بسيط لتبرير الأخطاء، والثورات، والانهيارات المتوالية في المنطقة مع العجز عن الإصلاح، فما حصل ويحصل ما هو إلا «مؤامرة، حيكت خيوطها بليل»، ولكن ماذا لو لم تكن هناك مؤامرة وأن المشكلة حقيقية، وأننا نعالجها بالدواء الخطأ؟ حينها ستتفاقم لتعود من جديد أكبر وأضخم وأعصى على العلاج. ثلاث قضايا في محيطنا، تكاد حقيقتها تضيع وسط روايات المؤامرة المتعددة، الربيع العربي، وداعش والحوثيون، فأين الحقيقة حيال كل منها؟ الربيع العربي، استحقاق تاريخي، كان لا بد أن يحصل، فهو نتيجة تراكم أخطاء وفشل أنظمة، يستطيع مؤرخ أن يعيد جذور الفشل إلى التأسيس الخاطئ لمعظم الدول العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وإذا اختلف المؤرخون هناك، فهم لن يختلفوا لو عاودوا إلى ما بعد ذلك، لزمن الانقلابات العسكرية، وسيطرة عقيد وبكباشي متحمس بتحصيل علمي متواضع على مقاليد السلطة، ألغوا الطبقة السياسية المتعلمة التي سبقتهم، اتهموها بالفساد والاستبداد فغرقوا من بعدهم في فساد واستبداد أكبر، مع قلة خبرة وسوء إدارة، فتراجع الاقتصاد، وساء التعليم، وانتشر الظلم، تشكّلت طبقة حاكمة تحتكر السلطة والمال، فكان من الضروري أن يغضب الشعب.…

لماذا غضب الملك عبدالله من العلماء؟

السبت ٠٩ أغسطس ٢٠١٤

لو انتصر فيصل الدويش وسلطان بن بجاد وضيدان بن حثلين ومن خلفهم بضعة آلاف من «الإخوان» المتعصبين على مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود في معركة السبلة عام 1929 لكانت لدينا «داعش» مبكرة، ولكن ما كان لها أن تعمر مثلما عمرت وازدهرت الدولة السعودية الحالية، فمثل هذه الحركات المنغلقة والمتعصبة تحمل بذور فنائها في داخلها. استحضرت هذه القصة واختصرتها، بينما كنت أتأمل وجه الملك عبدالله الغاضب مساء الجمعة قبل الماضية، وهو يتحدث بلهجة غير مسبوقة إلى علماء الدين، ويعاتبهم بقسوة أنهم لم ينشطوا في الدفاع عن الدين وهو يعتدى عليه في مقتل من «داعش» والتطرف. قبل نحو 80 عاماً وفي مواجهة «الإخوان» (وهم غير الإخوان المسلمين المغضوب عليهم هذه الأيام)، استخدم والده الصبر والعلماء وأخيراً الحرب. لم يقدم على مواجهتهم وحسم الصراع معهم باستخدام القوة إلا بعد أكثر من مؤتمر جمعهم فيه مع علماء الدين، في حوار مفتوح بمؤتمر عام، عرض قادة «الإخوان» تحفظاتهم على كبار علماء نجد، والملك العائد من الحجاز بعد ضمه إلى الدولة الناشئة، يجلس مستمعاً كأنه في مجلس قضاء، خطب فيهم مؤكداً تمسكه بالشريعة وأنه لم يغيّر أو يبدل، ولكنه لم يجادلهم وإنما ترك الأمر للعلماء. كانت قضاياهم تشبه قضايا «داعش» اليوم، كانوا ضد العصرنة في صورها المادية والمعنوية، ضد المخترعات الحديثة، وضد التحديث…

أيها الإسرائيلي… أمنك مقابل أمن الفلسطيني

السبت ٠٢ أغسطس ٢٠١٤

عندما نشر رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل مقالته الشهيرة قبل أسابيع، دعا فيها الإسرائيليين وعبر أعرق صحفهم «هآرتس» للقبول بمبادرة السلام العربية كي ينعموا بالسلام وينعم غيرهم به، أثار عاصفة من الانتقادات، ذلك أن توقيته بدا غير مناسب، إذ تصادف مع بدء حرب إسرائيلية أخرى ضد الفلسطينيين، ولكن ما من وقت أفضل من زمن الحرب للحديث عن جدوى السلام. هذا ما يفعله وزير الخارجية الأميركي جون كيري وهو يعدّل ويضيف ويبني مبادرة لوقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل، لا تقوم فقط على مبدأ «وقف إطلاق النار، وبعدها نتكلم» التي رفضتها «حماس»، وإنما مبادرة تقوم على حل جذور المشكلة، وهي في الجانب الفلسطيني «الاحتلال والحصار»، وفي الجانب الإسرائيلي «الأمن»، ولكنه قوبل برفض إسرائيلي وفلسطيني، «حماس» تحديداً (حتى لا نظلم السلطة الوطنية فهي متعاونة)، واللذين يريان أن المعادلة هكذا غير صحيحة. فإسرائيل ترى أن الحصار والاحتلال ضروري لأمنها، بل تريد المزيد منه، تريد إطلاق يدها في تدمير الأنفاق التي تحولت إلى كابوس مخيف لها، فنصف جنودها الـ50 القتلى سقطوا بسبب هذه الأنفاق التي أعطت ميزة المفاجأة للفدائي الفلسطيني وعوّضته عن فقدانه التسليح المتطور الذي يتمتع به الجندي الإسرائيلي، وتعلم أنه إذا ما نجحت «حماس» في بناء شبكة أنفاق هائلة تمتد تحت غزة إلى ما تحت يدها من أراضي فلسطين 1948،…

هل لدينا «حالة داعشية» في السعودية؟

السبت ١٢ يوليو ٢٠١٤

أحب الحياة كأي مسلم معتدل. في بداية شهر رمضان، اصطحبت أسرتي إلى مقهى حلويات تركي بمدينة جدة بعد صلاة العشاء. أمسية رمضانية معتادة، حوار أسري، وكثير من السعرات الحرارية والشاي التركي. في اليوم التالي تسلّمت التغريدة الآتية على حسابي في «تويتر»: «شايفك أمس في مطعم (...)، أنصار الدولة في كل مكان، انتبه على نفسك». هل هذا تهديد أم نصيحة؟ أم أن صاحبها يريد أن يقول لي «نحن هنا»؟ دخلت على حساب «أبو عابد الموحد» مرسل التغريدة، وجدته «داعشياً» ملتزماً منذ أشهر، وليس عابر سبيل يمازحني. نشط بحرفية في توزيع إصداراتها وأخبارها، والدعوة لها، لا يدخل في مناكفات وتبادل سباب وتهديد ووعيد مع شعب «تويتر»، مثلما يفعل كثير من أنصار هذا التيار المتطرف، ما جعلني أعتقد أنه ليس هاوياً أو مشجعاً وإنما هو «عضو عامل ملتزم». بحثت عنه في «ذاكرة المكان» الذي لا علاقة له بـ «داعش» ونظرتها الى الحياة والناس، إلا في غياب الموسيقى المعتادة في مطاعم العالم كله، ولكنها تغيب عن مطاعمنا في رمضان وغير رمضان، بحسب التوجيهات المحلية التي ترى فيها رجساً من عمل الشيطان. عن يسار طاولتنا كان قسم العائلات، ولا أذكر أحداً هناك لديه صفات «داعشية». عن اليمين قسم العزّاب، شبان عاديون يتحدثون عن كأس العالم بحماسة، أحدهم لفت انتباهي أنه أشعل سيجارة ما يخالف النظام…

ما الخطأ الذي أوصلنا إلى هذه الحالة؟

السبت ٠٥ يوليو ٢٠١٤

يروى أن جنكيز خان اعتلى منبر جامع سمرقند الكبير بعدما اجتاحها، وخطب في المسلمين قائلاً: «أنا ذنوبكم حلت عليكم، أنا غضب الله حل عليكم»، القصة نفسها تروى مرة أخرى عن حفيده هولاكو، ولكن من على منبر جامع في بغداد بعدما اجتاحها هو الآخر. صحت الرواية أم لا، فإن انتشارها بين الرواة المسلمين الشعبيين، يُعبر عن حالة لا منطقية وصدمة عاشوها، وهم أهل حاضرة ودين وسياسة يرون همجاً من دون حاضرة أو دين يجتاحون أرضهم، يستبيحون دماءهم، يحرقون مدنهم، يفرضون عليهم شرعة متخلفة، فلم يجدوا سبباً لذلك غير أنها «ذنوبنا وغضب الله علينا»، تحليل مريح، ولكن ليتهم أضافوا «وأخطاءنا السياسية». ربما حان الوقت أن نقول هذا ونصحح خطأ الأسلاف، ونحن نعيش صورة مشابهة. شباب غاضبون، بفكر وفهم متخلف للحياة والشريعة، يلغون تراث قرون، ومكاسب مفترضة لعصرنة لم تكتمل، تحولوا إلى ثوار وأمراء بل وخليفة يجتاحون رقعة واسعة من بلادنا، ومساحة أكبر من عقول أبنائنا، يلغون الحدود، يرفضون كل الأنظمة والتشريعات، يلقون علينا برؤيتهم في السياسة والحكم والحياة والمجتمع والاقتصاد على ورقتين أو ثلاث من مقاس A4، ولا خيار أمامك يا من دخلت ضمن رعايا أمير المؤمنين غير السمع والطاعة، لا مجال للمناقشة، لا يهمهم أن تكون وجيهاً في قومك، مهنياً متعلماً، أستاذاً جامعياً، شيخ قبيلة وعالم دين، سياسياً نشطاً وبرلمانياً، أو…

«داعش» باقية وتتمدد… أم زائلة لا محالة؟

السبت ٢٨ يونيو ٢٠١٤

يراهن الرئيس الأميركي باراك أوباما على عامل الوقت للقضاء على تهديد «داعش»، قال ذلك بوضوح الأحد الماضي في مقابلة تلفزيونية بأن «السكان المحليين في العراق سيرفضون المتطرفين في النهاية بسبب عنفهم وتطرفهم». ما لم تفاجئنا «داعش» بسياسة جديدة ومكر وحكمة، فهي نظرية مقبولة ومحتملة استناداً إلى سوابق التنظيمات السلفية الجهادية المماثلة لـ «داعش» التي أهلكت نفسها بتطرفها وتعجلها واعتدادها بقوتها. إذاً، لا عمل عسكرياً أميركياً ضد «داعش»، بل إنهم سارعوا بنفي خبر بثه التلفزيون العراقي الرسمي زعم أن طائرات أميركية قصفت مواقع لـ «داعش» الأربعاء الماضي بعد دقائق قليلة، ما يؤكد حرصهم على تحاشي المواجهة مع التنظيم -حتى الآن-. إنه تحليل عسكري وسياسي أميركي سليم ومقبول حتى من حلفاء الولايات المتحدة القلقين من توسع «داعش» كالسعودية، فسفيرها لدى لندن الأمير محمد بن نواف دعا بوضوح في مقالة نشرها في «الدايلي تليغراف» اللندنية العالم إلى عدم التدخل، وأن على العراقيين حل أزمتهم وحدهم، بل إنه كان أكثر تحديداً فأعلن رفض الغارات الجوية ضد المتطرفين الذين «تعاديهم المملكة بقوة، ذلك أن هذه الغارات ستكون بمثابة إعلان قتل لعموم المدنيين العراقيين» بحسب تعبيره. إنه توصيف دقيق لواقع الحال. الوحيد الذي يريد من الأميركيين فتح نار جهنم من السماء على «داعش»، بل حيث ألقيت في العراق السني، هو رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يفترض…

أنقذوا سورية … فلقد ضاع العراق

السبت ٢١ يونيو ٢٠١٤

هل اطلعت أخيراً على خريطة سايكس بيكو الأصلية؟ إنها تضم الموصل إلى سورية الكبرى، وهو ما يحصل حالياً، فهل هو إعادة الأمور إلى نصابها وعودة الأصل إلى الفرع والفرع إلى الأصل؟ هل تذكرون من قال ذلك أول مرة؟ لماذا كانت «المسوّدة» الأولى للخريطة هكذا قبل أن تعدل من مراجع السيدين سايكس وبيكو في لندن وباريس، إلى الحدود الحالية بين سورية والعراق؟ نحتاج مؤرخاً كي يجيب على ذلك، ولكن الدارس البسيط للتاريخ يتذكر أنه ما قامت دولة إسلامية في الموصل إلا وامتدت إلى حلب فبقية الشام، حصل هذا مع الدولة الحمدانية، وبعدها دولة آل زنكي، إذاً الموصل هي الامتداد الطبيعي للشام، والعكس صحيح؟ يبدو ذلك تمريناً ممتعاً في حصة تاريخ، ولكنه في عالم سياسة اليوم كابوس للمنطقة، فالدولة التي نتحدث عنها هي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي اتفق على تسميتها «داعش»، وأعتقد أنه حان الوقت أن نعطي القوم الاحترام الذي يليق بهم بعد الانتصارات التي حققوها الأسبوع الماضي وفرضوا أمرهم على الجميع، فنسميهم بما يحبون، «الدولة»، حتى مع الاختلاف الشديد معهم والقلق والتوجس اللازم منهم. «الدولة» تفهم أيضاً في التاريخ، وتحلم بدولة الخلافة وعينها على الشام. يجب ألا تغيب هذه الحقيقة وسط مزاعم بأنها «صنيعة إيرانية» و «متحالفة مع بشار»، فهذه استنتاجات فقط وليست حقائق يجب التسليم بها. نعم، لقد…