خالد النجار
خالد النجار
كاتب وشاعر تونسي

في ذات خريف ’’واشنطنيّ‘‘ مع هشام شرابي

الإثنين ١٦ أكتوبر ٢٠١٧

الآن تعودني تلك الزيارة الأولى إلى واشنطن من خلال ألاعيب الذاكرة مثل "الفلاش باك" تتداعى بحرّية لا أستطيع التحكّم فيها مثل فراشات تطير في غبش قبيل اللّيل… أترك نفسي تمضي مع تلك المَشاهد. كانت المحطّة التي نزلتُ فيها مُقفرة رماديّة بيضاء. كنتُ قادماً من نيويورك بقطار الظهيرة في ذلك اليوم المطير من ذاك الخريف البعيد. نيويورك التي غادرتها في حال قلقة. كنتُ ضائعاً ومرتعباً داخل تلك المدينة الكبيرة التي أزورها أوّل مرّة. نيويورك بجادّاتها الطويلة وسيّارات التاكسي الكبيرة الصفراء وكرنفال يوم كولومبوس الذي تُشارِك فيه شعوب أميركا كلّها، وأنا في الشارع الخامس وسط الحشد أمسك بحديد نافذة البركليس بنك لأتمكّن من رؤية الكرنفال. تمرّ من أمامي دمى عملاقة ووجوه وأقنعة طوطميّة مصبوغة بالألوان البدائية لتلك الأقوام المجهولة من طوائف الهنود الحمر كلّها، من الإيراكوا والأنكا والمايا وغيرها جاؤوا من أقاصي القارّة، من جغرافيّات ما قبل التاريخ في تلك الأراضي الأسطوريّة الملحميّة. كنتُ طيلة الرحلة أفكّر في اللّقاء أخيراً بهشام شرابي. هشام الذي عرفته نصّاً وعاشرته نصّاً وأحببته نصّاً ولا أدري أيّ جاذبيّة شدّتني إليه، وها قد حان الوقت لأن أراه وأتحدّث إليه. كنتُ طيلة السفرة بقطار الأمتراك مفعماً بمشاعر متضاربة؛ فأنا لم أكُن أدري أيّامها أنّ للنصّ أيضاً كينونته كما يقول الشاعر راينر ماريا ريلكة. كنتُ أُطابق بين هويّة النصّ…