مأمون فندي
مأمون فندي
كاتب بصحيفة الشرق الأوسط

المجتمع العميق

الإثنين ٠٥ يوليو ٢٠٢١

انشغل العرب كثيراً بمفهوم الدولة العميقة، وترديد المصطلح كمفهوم تحليلي، ربما دونما إدراك أن المصطلح قادم من تجربة الدولة التركية منذ أواخر أيام الإمبراطورية إلى دولة كمال أتاتورك، التي كان فيها حزبه يمثل دولة داخل الدولة. ثم تطور المفهوم فيما يشبه نظرية المؤامرة عن طبيعة ما يحدث داخل أجهزة الدولة من تفاعلات الأجهزة الأمنية، التي أيضاً كان ينظر إليها على أنها دولة داخل الدولة، ومن هنا بدأ تعميم مفهوم الدولة العميقة الذي نقله الدبلوماسي الكندي بيتر دييل سكوت، الذي أصبح أستاذاً جامعياً فيما بعد، وكتب كتاباً عام 1993 بعنوان «السياسة العميقة ومقتل كيندي» نشرته جامعة كاليفورنيا. ثم بدأ المفهوم يغزو الثقافة الأميركية، وبعدها أسقط المفهوم على العالم الثالث وأصبح مفهوماً تحليلياً، وكأن مجرد ترديد الفكرة في السياق الأميركي يكسبها مشروعية العلم. هنا في هذا المقال أريد أن أطرح مفهوماً مغايراً، وأدعي أنه أكثر عمقاً، وهو مفهوم «المجتمع العميق» أو المجتمعات العميقة. بالمجتمع العميق أعني المجتمعات ذات التاريخ القديم، التي مع الوقت تنصهر ثقافتها لتكون ما يشبه طبقات الأرض الجيولوجية، بعضها فوق بعض، ولديها إحساس بهويتها وعتبة ما هو مقبول، وما هو غير مقبول أخلاقياً واجتماعياً وسياسياً. إذا أردنا أن نضرب أمثلة ليست بالضرورة حصرية لهذا النوع من المجتمعات تكون أقرب الحالات هي المجتمع المصري أو الهندي أو العراقي، أي مجتمعات…

جوهر السياسة الخارجية لبايدن

الإثنين ١٤ ديسمبر ٢٠٢٠

يحاول البعض أن يضرب الودع للتنبؤ بشكل السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي القادم جو بايدن، لكنّ جوهر هذه السياسة واضح في رؤية كتبها الرجل الذي سيتسلم حقيبة الخارجية في عهده. في أول يوم من يناير (كانون الثاني) عام 2019، كتب وزير خارجية جو بايدن المرتقب، أنتوني بلينكن، مقالاً في «واشنطن بوست» عنوانه «أميركا أولاً جعلت العالم أسوأ: وهذه رؤية بديلة»، والذي يطرح فيه بلينكن رؤيته للسياسة الخارجية الأميركية. ورغم أن العنوان يلخص الحال وتتضح منه معارضة بلينكن لرؤية ترمب، فإن العنوان في الغرب هو من حق الصحيفة لا من حق الكاتب، لذا يجب ألا نحاكم بلينكن على العنوان. رؤية بلينكن ومعه رؤية جو بايدن تتلخص في متن المقال. يقول بلينكن في مطلع المقال إن سياسة دونالد ترمب التي تضع أميركا أولاً وتتبنى الانكفاء على الداخل قد تستمر فيما بعد ترمب، وإن الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة يتفقان على هذه السياسة خصوصاً سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان وسوريا، إذ لم يعد هناك تأييد لدور أميركي عالمي متمدد خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومن بعده كارثة أميركا في العراق والأزمة المالية عام 2008. كل هذا يجعل الأميركيين ينكفئون على الداخل ولا يفضلون سياسة خارجية ذات بعد عالمي. هذا التيار الرافض للتمدد يجد دعماً لدى غالبية الأميركيين من خارج حزام العاصمة (outside…

لماذا أقلعت عن السوشيال ميديا؟

الإثنين ١٩ أكتوبر ٢٠٢٠

لكل منا لحظات يراجع فيها نفسه ليغير سلوكاً ما، وأجدني واقفاً في هذا المفترق فيما يخص الشاشات الصغيرة والسوشيال ميديا، وهناك أحداث تكون فارقة في حياتنا تتطلب منا التأمل وبدء رحلة داخل النفس، خصوصاً أن الرحلات خارجها أصبحت قريبة من المحال في زمن الوباء، ومع ذلك فالسفر إلى دواخل النفس هو أمر شخصي لا يهم القارئ كثيراً، المهم في تجربتي ما هو عام أو قد يكون مشتركاً مع أناس مثلي، وبهذا يكون للموقف من السوشيال ميديا معنى أوسع وتبعات أكثر عمومية تحث الآخرين على التأمل والتفكير. السبب الأول، الذي قد يشاركني البعض أهميته، هو أن دراسات كثيرة تشير إلى أن أدوات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما هي نوع جديد من الإدمان. فرغم النشوة الأولى والاحتفاء بأدوات التواصل كفكرة تؤدي إلى دمقرطة المعلومات، فإن نتائج الدراسات الأولية تشير إلى عكس ذلك. فالناس لا يكتب بعضهم إلى بعض من أجل تواصل يوسع من مساحات الإدراك، ولكنهم يكتبون لتلك الآلة أو الكومبيوتر الكبير الذي يكافئنا بلايكات أو ريتويت وأحياناً تريندنغ، وإذا ما حصل أن أحدنا وصل إلى حالة الـ viral (سعة الانتشار للتويت أو البوست) يزيد استخدامه لأدوات السوشيال ميديا بحثاً عن لذة تلك اللحظة التي حدثت مرة واحدة في حياته بالصدفة وقد لا تحدث ثانية. ولكنها حالة الإدمان التي تجعل الناس…

لماذا تخلفنا؟ للمرة الثانية

الإثنين ٢٠ أغسطس ٢٠١٨

عرضت في المقال السابق نظريات كل من هشام شرابي ومايكل هدسون وهرناندو دوستو وطه حسين، ومن قبله شكيب أرسلان عن أسباب تخلفنا عن بقية الأمم، والتخلف ليس عيباً، فالتخلف عن الركب يعني إمكانية اللحاق به، ومن هذا المنطلق أناقش سؤال لماذا تخلفنا، وأدعو إلى جهد جماعي لمناقشة أسباب هذا التخلف، ورصد تجلياته، بهدف الخروج من براثن مأزق التخلف. كانت فكرة طه حسين، الذي كان وزيراً للمعارف المصرية، أن أسباب التخلف تكمن في طبيعة التعليم ومناهجه وطرق التدريس، ورأى في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» أن على المصريين أن يعلموا أبناءهم وبناتهم كما يعلم الأوروبيون والأميركان أبناءهم وبناتهم، إذا كانوا يريدون الانعتاق من ذهنية التخلف والعبودية، وقال: «لا يستقيم للعقل أن ننشد الحرية ونسير إليها سير العبيد»، وطبيعة التعليم والتلقين كانت بالنسبة له العلة الأكبر. ولم يدم طه حسين طويلاً على رأس منظومة التعليم، وكان سكرتيره أيامها سيد قطب الذي أُرسل لأميركا في بعثة لتحديث مناهج الدراسة، وعاد سيد قطب من أميركا بصدمة حضارية، وكتب ما كتب ضد الرأسمالية والغرب، كما ألف كتابه الذي يعتبر كتاباً مقدساً عند المتطرفين وهو «معالم في الطريق»، وقد ذكرت قبل فترة أن الدولة انحازت لكتاب سيد قطب، دون أن تَعْلَم، على حساب طه حسين. الآن تعاني الدولة من تبعات انحيازها للتطرف، ومع ذلك وحتى الآن…

لماذا تخلفنا؟

الإثنين ١٣ أغسطس ٢٠١٨

هناك نظريات كثيرة تحاول تفسير تخلفنا عن الأمم بعضها ثقافي في المقام الأول. وربما كان أهمها نظرية المرحوم هشام شرابي عن المجتمع الأبويpatriarchal society وفِي هذا الكتاب عزا شرابي أسباب التخلف في العالم العربي إلى سيادة القيم الأبوية، التي انعكست على النظام الاجتماعي والسياسي لتصل بِنَا إلى حالة الـpatrimonial society أو مجتمع الكفيل، والمجتمع الذي تكون فيه الدولة أو النظام، الحكم كله كما الأب في المنزل حاكماً ومعطلاً للمبادرات الفردية خالقاً حالة من الانسداد الاجتماعي والسياسي.  وكان هشام شرابي يرى أن ذكوريّة المجتمع العربي هي بنية كامنة ولا بد من تفكيكها لفتح مسار آخر تتحرر فيه المرأة وننتقل إلى المجتمع الحديث. كنت مع هشام شرابي قبل وفاته بعام تقريباً في مطعم في جورج تاون وكنا زملاء في الجامعة ذاتها لمدة ستة أعوام، حينها ولما جلسنا في المطعم نظر حوله ووجد سيدة وبناتها يتناولن طعام الغداء ولا رجل معهن، كما أن أحداً من الرجال في المطعم لم يزعجهن بنظرة أو تعليق رغم أن الأم وبناتها اللاتي كن طالبات بالجامعة على قدرٍ عالٍ من الحسن. نظر إلي شرابي وقال: «تعرف أن العالم العربي بدأ في التحسن عندما ترى امرأة وبناتها يتناولن الغداء في مطعم في القاهرة أو عمان دونما إزعاج ذكوري». كان شرابي من مدرسة ما بعد البنيوية في تحليله للمجتمعات من…

الإعلام الجديد

الإثنين ٠٩ يوليو ٢٠١٨

هل يستطيع الإعلام الجديد أن يشكل وعياً جديداً وبالتبعية مجتمعاً جديداً ومن ثم شرق أوسط جديداً؟ الإجابة القصيرة هي لا. ولكن السؤال الأهم هو: لماذا لا؟ الإعلام الجديد في منطقتنا هو كما يقول المثل الأميركي «نبيذ قديم في زجاجات جديدة». الأدوات الجديدة من آيفون وإنترنت هي حاملة للمحتوى وللغة ذلك المحتوى، ومن ملاحظاتي خلال الأعوام العشرين الماضية من متابعة ظاهرة ما يسمى الإعلام الجديد (small media) أو الإعلام الصغير، لم ألحظ تغييراً واضحاً في اللغة. إذا كان هناك إعلام جديد فبالضرورة تكون اللغة جديدة. وباللغة الجديدة لا أعني المفردات، فاللغة الجديدة ليست مجرد مفردات جديدة أو مرادفات جديدة، بل هي في المقام الأول تكمن في تشكيل علاقات لغوية جديدة يمكن لها أن تنتج وعياً جديداً. فالوعي الجديد لا تنتجه علاقات لغوية قديمة. إذا كان ثمة شيء حدث للغة في الإعلام الجديد فهو تدني هذه اللغة، ولا أعني بهذا الانتقال من فصحى المتعلمين إلى عامية أو خليط بين العامية والفصحى، فربما ينتج هذا الهجين شيئاً مختلفاً بتراكم السنين، ولكن ما أقصده هو أن العلاقات اللغوية التي أنتجت مجتمعاً أبوياً وتسلطية سياسية هي ذات العلاقات سواء كان التعبير عن الفكرة بالعامية أو بالفصحى أو بخليط بينهما. قبل ظهور الإنترنت كانت هناك محاولات جادة لخلق علاقات لغوية جديدة من خلال ما عُرف في…

مستقبل إردوغان

الإثنين ٠٢ يوليو ٢٠١٨

ما مستقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد فوزه بولاية ثانية بنسبة 52 في المائة في مجتمع بدا منقسماً على نفسه؟ وما مستقبل إردوغان في ظل نظام جديد يجعل من رئيس تركيا سلطاناً عثمانياً بصلاحيات لا حدود لها؟ هل هو تعزيز لرئاسته أم أنه يفتح الباب حول إزاحته بالقوة قبل انقضاء فترته الرئاسية؟ هل يتبنى الرئيس التركي نموذج فلاديمير بوتين في روسيا، وما يأتي معه من حصار أوروبي أم يوسّع إردوغان تحالف الحكم ليشمل مَن عارضوه، ويصبح رئيساً لكل الأتراك كما قال في خطابه بعد الفوز؟ أم أن ما نراه في تركيا هي بداية النهاية لحكم الإسلاميين في هذا البلد؟ انتخابات تركيا الرئاسية تطرح المزيد من الأسئلة ولا تقدم إجابات عن استقرار بلد كبير في الشرق الأوسط تكون لأي هزة فيه تبعات إقليمية وربما عالمية مهمة. بدايةً، مشكلة إردوغان تبدو داخلية في المقام الأول. النسبة التي فاز بها رجب طيب إردوغان رئاسياً وبرلمانياً لم تتجاوز الثلاثة والخمسين في المائة، رغم أن خروج الأتراك للانتخابات بلغ أكثر من ثمانين في المائة. ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أننا أمام مجتمع حي ونشط سياسياً، وأن القضايا المطروحة حرّكت الجماهير، وأن الخوف على النظام الجمهوري في تركيا خوف حقيقي. نعم صوّت الأتراك في 2017 للتعديلات الدستورية، ولكن في الحالتين صوّتوا في أجواء غير ديمقراطية…

ماذا بعد الانتخابات المصرية؟

الإثنين ٠٢ أبريل ٢٠١٨

أودّ الكتابة عن الانتخابات الرئاسية المصرية، وذلك لأن الاستقرار السياسي في بلد بأهمية وحجم وعدد سكان مصر، الذي بلغ المائة مليون، هو أمر مهم في نظري، ومع ذلك أتردد كثيراً لأن فكرة التحليل السياسي اليوم لم تعد أمراً يفتح آفاقاً للتفكير في حالة الاستقطاب والتربص التي تسيطر على منطقتنا هذه الأيام، فهل يمكن أن يتناول المرء أمراً عادياً مثل نتيجة الانتخابات الرئاسية، دونما الوقوع في شرك التربص؟ إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية هي أمر مهم بالنسبة لاستقرار مصر، ولكن استقرار الدول لا تصنعه السلطة التنفيذية وحدها بقدر ما هو محصلة لتفاعل السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، وبهذا الترتيب. التحدي الأكبر أمام الرئيس السيسي هو فتح المجال السياسي بما يسمح لبقية السلطات أن تجد نفسها، وتكون قادرة على صنع توازن بين السلطات، يجعل فكرة الاستقرار مسألة مؤسساتية. فاستقرار المؤسسات هو الذي يؤدي إلى استقرار الأوطان. فكرة الدساتير هي تركيب ميكنة تدور، بغض النظر عن من يقود هذه الميكنة من الأفراد، وبهذا لا يكون هناك خوف على دولة ما إذا كان اختفى قائد فيها، لأن المؤسسات هي التي تحكم. الأساس في الحكم هو استمرارية المؤسسات وقدرتها على التعامل مع التحديات وامتصاص الصدمات. دائماً ما كانت الدراسات الغربية التي تتناول منطقتنا، خصوصاً مصر، تركز على شخصية الحاكم، مع تجاهل…

هل هناك قصة كبرى في الشرق الأوسط؟

الإثنين ٢٦ فبراير ٢٠١٨

المجتمعات الصغيرة وكذلك التجمعات الأكبر دائماً ما تربطها قصة كبرى أو سرد كبير (Master Narrative) وهو في الغالب مجموعة أفكار متماسكة تعطي المجتمع والإقليم وربما العالم سبباً للاستمرار والتقدم أو البقاء، وغالباً ما يكون السرد المهيمن دنيوياً يدفع إلى التقدم، أو على الأقل يعكس قصة كفاح الإنسان في التغلب على الطبيعة المحيطة. وفِي غياب السرد الدنيوي الذي يدفع بالمجتمعات إلى عالم الإنجازات والتقدم يلجأ الأفراد والمجتمعات إلى السرد الماورائي والغيبي، وأحياناً الشعوذة لتفسير ظواهر دنيوية تبدو غير مفهومة أو من الصعب التغلب عليها. كانت القصة الكبرى في فترة ما بعد الاستعمار (الخمسينات والستينات من القرن الماضي) هي قصة الوحدة العربية، ودعم حركات التحرر في العالم الثالث. مع هزيمة المشروع الناصري، دخل الشرق الأوسط العربي والإسلامي في التفكير الماورائي، الذي أدى إلى ظهور الحركات الإسلامية السنية وإلى ثورة دينية شيعية في إيران. وساد هذا السرد في فترة التنافس الرأسمالي الشيوعي، وربما كان استمراره إلى استناده إلى هذين العكازين (الرأسمالية والشيوعية) ومع انهيار الشيوعية (العكاز) انهار معها السرد المهيمن للمشروع الإسلامي الذي كان يتوكأ عليه. دخل المشروع الإسلامي من قصة السرد المتماسك إلى حالة من التشظي، وأسلم السرد الإسلامي نفسه إلى الحركات الأصغر مثل الجهادات الصغيرة، كل جهاد صغير في بلده وإلى الحركات الجهادية العابرة للحدود مثل «القاعدة» ومن بعدها «داعش» إلى…

شيء من الجدية في الحديث عن سيناء

الإثنين ٢٧ نوفمبر ٢٠١٧

إذا كانت كلها سيناء، فلماذا تحدث الحوادث الإرهابية المتكررة في شمال سيناء خلال الأعوام الأربعة الفائتة، وبالتحديد في المنطقة الواقعة بين بئر العبد والشيخ زويد وبينهما العريش، والتي كان آخرها حادث مسجد الروضة، الذي راح ضحيته أكثر من مائتي قتيل، وزعم البعض أنها حرب بين متطرفي السنة للقضاء على الصوفية في المنطقة، ولا تحدث هذه العمليات مثلاً في منطقة الجورة التي تتمركز فيها قوات حفظ السلام (MFO) التي هي من المفترض من وجهة نظر تنظيم الدولة مركز تجمع «قوات الكفار» في سيناء؟ لماذا تحدث هذه العمليات بشكل متكرر ومكثف في شمال سيناء وليس جنوبها؟ أو حتى في وسط سيناء عند سانت كاترين التي تُمارس فيها طقوس تبدو ضالة من وجهة نظر المتطرفين؟ الإجابة تبدأ بالبداية الصحيحة، وأولها التخلي عن حالة التهريج والفوضى في التحليل والمعلومات الخاطئة التي تلوث الحوار حول ما يحدث في سيناء؛ بل إن كم المعلومات الخاطئة التي تسكبها كثير من محطات التلفزيونات المصرية على رؤوس الناس تسهم في تضليل يَصُب في صالح جماعات الإرهاب وليس في صالح الدولة. وللأسف اعتمدت الدولة كوادر إعلامية تقوم بهذا الدور(جهل باسم الوطنية). تنقية أجواء الحديث هي البداية الصحيحة.  ورغم أهمية التعازي ورفع الروح المعنوية لمن يواجهون الإرهاب في سيناء، فإن الأهم هو الحديث بجدية تليق بالكوارث المتكررة في هذه المنطقة الصغيرة…

عندما يصبح الوهم أقوى من الحقيقة: غزوة ريو

الإثنين ١٥ أغسطس ٢٠١٦

رفض لاعب الجودو المصري إسلام الشهابي مصافحة اللاعب الإسرائيلي آور ساسون، بعد هزيمته بالنقطة الكاملة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016. لا أدعي فهمًا في الجودو، لكنني أفهم في العلاقات الدولية، وموقف اللاعب المصري الخاسر هو كارثة إعلامية فرضتها نرجسية «أبطال البلاي ستيشن» في عاملنا العربي، الذين يظنون أنهم يخرقون الجبال طولا في عالم وهمي، مقابل فشل ذريع في كل المواجهات الحقيقية على أرض الواقع. ما فعله لاعب الجودو المصري لا يطرح أسئلة رياضية بقدر ما يطرح أسئلة ثقافية عن عقلية يزين لها الجهل، أنها تحسن صنعا وهي تشارك في صناعة الكارثة وكل يوم. أولا، ليست هذه المواجهة الأولى بين لاعب مصري ولاعب إسرائيلي في لعبة الجودو تحديدا، فقد سبقتها مباراة في بطولة العالم 2012، استطاع لاعب الجودو المصري رمضان درويش الفوز على منافسه الإسرائيلي إريك زائيفي. كان من الممكن للعب المصري أن ينسحب من المباراة إذا كان لا يؤمن باتفاق السلام الذي تقيمه الدولة المصرية مع إسرائيل، وبهذا لا يكون السلوك النرجسي في الحلبة للاعب مهزوم يمثل كارثة إعلامية تحتاج إلى ملايين الدولارات لتجاوز تبعاتها، ولكنه العقل النرجسي الذي يسعد بمواقف وهمية لا تغني ولا تسمن. ترى ما الدوافع في المجتمع المصري التي تحاول أن تصنع من هزيمة على الأرض نصرا كلاميا وهميا؟ ولماذا يفضل المصريون التصفيق للوهم على…

خريطة الدم؟

الإثنين ٠٤ يوليو ٢٠١٦

لم أكن أتصور يوما أن أنظر إلى خريطة العالم العربي لأرى حدودنا مرسومة بالدم، من بغداد إلى دمشق إلى طرابلس الغرب والشرق. خيط من الدماء يرسم حدودنا في المكان، ويحدد لونا لنا في هذا الزمان يشكل صورتنا في نفوسنا، وفي عقول العالم من حولنا، ومع ذلك لا أعتقد أن الملاحظة جديرة بالتأمل ذاته الذي تحتاجه منا ظاهرة أخرى مصاحبة، وهي أن الكتابة عن الدم وعن القتل لم تعد مثيرة. هل من العدل أن نسأل من المسؤول عن صناعة خيال القبح هذا، هل هي ثقافتنا؟ أم سياساتنا؟ أم بعض إعلامنا الذي يروج لهذه الصور بشكل يومي لا يراعي حتى ساعات مشاهدة الأطفال للتلفزة؟ ليس لديَّ شك أن من بين نخبنا التي في موقع القرار من يتمنون لأبنائهم وبناتهم حياة سوية نفسيا، بعيدا عن وشم ترسمه على أجسادهم خريطة الدم بواقعها الحقيقي وبصورتها المتلفزة. ولكن ما الذي يفعلونه لتحقيق ذلك؟ على شاشات التلفزيون أصبح منظر جثة هامدة على الرصيف أكثر من عادي، نتابعه في المساء ونحن نأكل عشاءنا. أصبحنا نحتاج إلى أكثر من عشر جثث على الأقل، حتى نسأل: ما القصة؟ من هؤلاء؟ معظم الشاشات اليوم، وكذلك الصحف، إما تملكها حكومات أو أصحاب تجارة يعتمدون في الأساس على الحكومات في مكاسبهم، تراهم في جلسات اجتماعية من ذوي القلوب الرقيقة، الذين يشاركوننا الإحساس…