محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

لماذا نكافئ المتأخرين؟!

الخميس ٢٩ مايو ٢٠١٤

كثيرا ما أتساءل: لماذا نكافئ المتأخرين عن المواعيد بانتظارهم، ألا نعاقب بذلك من حضر باكرا؟! هذه التدوينة التي كتبتها في «تويتر» ولاقت تفاعلا ملحوظا، ذكرتني بمؤتمر نفطي واستثماري شهير حضرته في لندن، حينما وقف أمامنا عريف الحفل الإنجليزي وقال بصوت جهور وواثق: «سوف يدخل عليكم من هذا الباب في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا الأمير تشارلز» راعي الحفل. وشدد بصوته على كلمة «في تمام» (Sharply)، ثم قال: «وإذا دخل أرجو من حضراتكم الوقوف مشكورين». التفتُّ إلى صاحبي مستغربا من ثقة العريف الكبيرة بالدقيقة التي سيدخل فيها عريف القاعة. وبالفعل بعد عشرين دقيقة دخل الأمير حسب الموعد المعلن. وبينما نحن نقف حسب البرتوكول شعرت أنني لا أستجيب للبرتوكول فحسب، بل أقف احتراما لشخص احترم أوقاتنا، وهو ما يعكس الاعتقاد الشائع عن انضباط الإنجليز بمواعيدهم. ومن صور هذا الانضباط الجرس الإنجليزي الشهير الذي يدقه بيده عريف الحفل وهو يقف خارج القاعة إيذانا ببدء جلسة من جلسات منتدى أو مؤتمر. ومن المفارقة أن ذلك ذكرني أيضا براعي مؤتمر عالمي أقيم في بلد عربي، إذ تأخر لمدة ساعتين عن افتتاح المؤتمر الذي كان يحضره كبار رؤساء الشركات في العالم والوزراء وكبار الضيوف ووسائل الإعلام. ولما سألت المنظمين: أخشى أن راعي الحفل قد حدث له مكروه! فضحك وقال: لا هو سيصل بعد ساعة ونصف الساعة…

ما حقيقة لحظة السعادة؟

الخميس ٠١ مايو ٢٠١٤

إن مقولة الفيلسوف أرسطو «السعادة في العمل» هي فكرة وجيهة لأنها منطقية وقد أكدتها دراسة عالمية شهيرة. ذلك أنه يقصد أن الناس في نهاية مطاف أي عمل يؤدونه إنما يبتغون به الشعور بالسعادة. وهذا ما أكدته الدراسة الذائعة الصيت التي كثيرا ما يتطرق إليها في مناهج إدارة الأعمال وعلم النفس، حيث توصل فيها الباحث Mihaly Csikszentmihalyi إلى أنه «رغم أن السعادة أمر ينشده الناس في حد ذاته غير أن كل هدف آخر مثل الصحة والجمال والمال والسلطة هو في الأصل يتم تقييمه على أساس مقدار السعادة الذي يحققه لنا»[1]. ولذا فقد عكف الباحث على محاولة التوصل إلى لحظة الحالة النفسية التي يشعر بها المرء بالسعادة. فأجرى لقاءات مع نحو ألف شخص ليتوصل لاحقا إلى طبيعة تلك اللحظة الجميلة التي تشعرهم بالسعادة فأطلق عليها اسم «Flow»، أي لحظة تدفق أو انسيابية المشاعر السعيدة. وعندما سألهم عن أسباب سعادتهم وجد أن كل إجاباتهم كانت تقوم على خمسة قواسم مشتركة، وهي أن السعادة أو «flow» تحدث حينما ينغمس الفرد في عمل «محدد»، من «اختياره»، ويكون عملا يتطلب «تحديا» أو جهدا كبيرا أو عملا سهلا لا يتطلب جهدا يذكر، شريطة أن يكون العمل عموما واضح الهدف ويحقق صدى أو بالأحرى ردود أفعال فورية. وأرى أن هذه النتائج موضوعية ومنطقية، فهناك بالفعل بعض الأعمال التي…

الدماغ المسترخي يحل مشاكلك

الخميس ٢٧ مارس ٢٠١٤

اكتشف العلماء أن الحلول لمشكلاتنا المستعصية قد تهبط علينا فجأة ونحن ننعم في أوقات الراحة وليس بالضرورة في ذروة انهماكنا بالتفكير بحلول ناجعة. ذلك أن الدماغ البشري فيه مناطق تسمى (Default Mode Network DMN) وهذه المناطق اكتشف العلماء أنها «تكون ساكنة» حينما يحاول الفرد البحث عن حل لمشكلة تواجهه، ولكن ما إن نمنح أنفسنا فترة من الراحة أو الاستجمام فإنها تتحرك فتحرك معها الفكرة أو الحل من حيث لا ندري. وكم من فرد جاءته فكرة خلاقة وهو يستحم تحت رذاذ «الشاور» المريح أو وهو جالس يتأمل خلف مقود السيارة أو في أثناء ممارسته للرياضة أو النزهة. وهذا ما حدث مع مشاهير على مر التاريخ منهم والت ديزني صاحب أشهر مدينة ترفيهية بالعالم الذي جاءته فكرة الشخصية الكرتونية، ميكي ماوس، وهو جالس يتأمل في القطار، فرسم ملامحها بقلمه. وقرأت أن الأمير الملكي طلال بن عبد العزيز قد جاءته فكرة بناء الجامعة العربية المفتوحة وهو يقرأ تقريرا بصحيفة «الشرق الأوسط» عن أهمية التعليم الكمي والنوعي في الوطن العربي. وأذكر أنني سمعت شاعرا شهيرا يقول حينما «يأتيني إلهام الشعر أقف على قارعة الطريق فورا لأكتب أبياته». ولذا نجد أن في هواتفنا خدمة تسجيل الأفكار صوتيا لنستخدمها حينما نكون في موضع يصعب معه اقتناص الفكرة بكتابتها. كما قال ابن القيم: «العلم صيد والكتابة قيده».…

مت فارغا!

الخميس ٣٠ يناير ٢٠١٤

سأل مدير أميركي زملاءه في اجتماع عمل: «ما هي أثمن أرض في العالم؟». فبدأت تأتيه الإجابات فمنهم من قال: «إنها أرض الخليج الغنية بالنفط» ومنهم من قال «أراضي الألماس في أفريقيا». فقال المدير: «إجاباتكم خاطئة. إنها المقبرة!» فبدأ يشرح لهم أن المقابر فيها ملايين الناس ممن قضوا نحبهم وهم ما زالوا يحملون في جعبتهم الكثير من الأفكار الثمينة التي لم تر النور بعد. ولحسن الحظ كان أحد المستمعين بالصدفة المؤلف الأميركي الشاب تود هنري الذي أعجبته الفكرة كثيرا، ثم أطلق كتابه الشهير «مت فارغا» أو Die Empty حيث وضع فيه أفكارا عملية تساعد الفرد على أن يفرغ يوميا ما في جعبته من طاقات وأفكار ومعلومات مفيدة له ولمجتمعه. والمتأمل لهذه الفكرة يجدها واقعية جدا. فكم من شخص ضليع في العلم أو في التجارب الحياتية فخطف الموت زهرة شبابه قبل يكرمنا بمخزونه الوفير لأنه كان يؤجل عمل اليوم إلى الغد. وفي عالم الأعمال والحياة عموما هناك من يطلق عليهم بالمرشدين أو أصحاب الحكمة أو التجارب العملية (Mentor) الذين يعكفون على تنوير الناس بأفكارهم وتجاربهم. فإذا ما تقاعس هذا الفرد عن دوره حرم غيره من خير كبير. والأسوأ إذا كان هذا العالم أو الخبير يحارب من قبل مسؤوليه في العمل إما غيرة أو شعورا بالضعف أمامه! ولا يدرون أنهم يرتكبون جريمة بحق…

نهضتنا ولغتنا

الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠١٣

وأنا أشارك أمس متحدثا في فعالية اليونيسكو بباريس للاحتفال بيوم اللغة العربية تذكرت ذلك الفيديو الذي أفحم فيه أستاذ أكاديمي أجنبي طالبة عربية اتهمت الغرب بأنهم هم السبب في عدم توحد العرب! وبعد أن أنصت إليها بأدب جم قال بصراحة وحرقة ما ملخصه بأنه ليس هناك أحد في العالم يستطيع أن يقسمكم سوى أنفسكم. فطالما أنكم تهدرون أوقاتكم في المقاهي والطرقات وتتنابزون بالألقاب ثم تلقون باللائمة على الغرب فلن يصلح حالكم. أنتم محظوظون لأن عددكم نحو 350 مليون نسمة في 22 دولة تجمعكم لغة عربية واحدة وثقافة متشابهة وإله واحد. نحن الغربيين نتحدث 150 لغة واستطعنا، رغم الاختلاف الشديد، أن نتوحد تحت لواء اتحاد أوروبي. والمنصف المتأمل في كلامه يجد فيه الكثير من الصواب. فما الذي منع أمة عربية تتحدث لغة واحدة من الانصهار في بوتقة واحدة والنهوض بعد تعثر. هناك أمم نهضت من عدم وجمعت من شتات مثل اليهود الذين أسسوا كيانا وأحيوا لغة تخاطب كادت أن تندثر (العبرية). فأضحت اليوم تترجم إلى قرائها أحدث الدراسات والمعلومات والأخبار. وتصدرت جامعاتها قائمة أفضل المنظمات التعليمية في العالم في حين أن أفضل جامعاتنا ما زالت بعيدة عن طليعة دور العلم. تخلفنا ليس بسبب لغتنا، بل لأننا نحن الذين لم نستفد من هذا الإرث العظيم في نقل أفضل العلوم من العالم المتقدم…

حقيقة «إدارة الغضب»

الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠١٣

«في كل دقيقة تغضب فيها، تفقد 60 ثانية من السعادة». هذه المقولة التي قالها الفيلسوف الأميركي «رالف والدو إيمرسون» تصور لنا أن هناك «تكلفة فرصة بديلة» مكلفة حينما «نقرر» الاستسلام لنوبات الغضب. ورغم أن علماء النفس يؤكدون أن الغضب انفعال طبيعي لمثيرات الإحباط التي تعترضنا فنستشيط غضبا في وجه مسبباتها أو مسببيها، فإن الغضب في حقيقته لن يحل المشكلة، بل يفاقم معدل السكر في الدم ويفجر هرمون الأدرينالين الذي يولد ما يشبه الجنون المؤقت. وقد قرأت أن جامعة لندن حاولت أن تقيس في دراسة شهيرة لماذا يغضب الإنسان؟ فتوصلوا إلى أننا نغضب حينما نتعرض لسلسلة من المواقف المثيرة للإحباط (frustration). وقد حضرت قبل أيام ورشة عمل بجامعة الكويت، دعاني إليها مركز كيوب للتدريب، وحاضر فيها الاستشاري النفسي البروفسور طارق الحبيب عن إدارة الغضب فقال إن الإنسان باستطاعته أن يدير نوبات الغضب إذا عرف المراحل الست التي يمر فيها. أولاها مرحلة «التفكير السلبي»، وهي الحديث الداخلي الاستهزائي أو المتعالي الذي يجب أن يوقفه المرء ويتقبل النقد أو الإساءة برحابة صدر، وذلك حتى لا ينتقل إلى مرحلة «بدء الغضب» «واشتداده» (الثانية والثالثة). لأن ذلك كله يقوده إلى أخطر مرحلة وهي «الهجوم» (الرابعة) التي قد تكون هي أصلا المرحلة التي وصل إليها المهاجم الذي صب علينا فيها جام غضبه. وهنا، تحدث المواجهة والملاسنة…

تصدير البيروقراطية

الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠١٣

شرح لي صديق مقيم في دبي شعوره وهو يرى سيارة «ميني فان» تحت الطلب تأتي إلى مقر وجوده لتساعده في إنجاز معاملته الحكومية! كان كل ما عليه أن يدخل إلى السيارة ويطلب من الموظف الشامل المعاملة المطلوب إنجازها. وشوهدت هذه الخدمة التي أطلق عليها اسم «آمر» في المراكز التجارية والأسواق لتساعد الناس على إنجاز معاملاتهم المطلوبة. ليس هذا فحسب، فقد أعلنت الإمارة عن تحولها من فكرة الحكومة الإلكترونية (مواقع الإنترنت) إلى مشروع «الحكومة الذكية» المعتمدة على إنجاز أكبر قدر من المعاملات عبر الهواتف الذكية. وفي البحرين أذكر أنني أسست مع رجال أعمال خليجيين شركة مساهمة عامة في مركز المستثمرين في أشهر مول تجاري، حيث توافرت كل الخدمات المريحة من حولنا عبر كاونترات فيها ممثل لكل وزارة يعملون رهن إشارتك. كل هذه بعض من المشاريع العربية التي تحاول تجاوز ترهل الأجهزة الحكومية التي صدرت إليها البيروقراطية، منذ عقود بعيدة. فالبيروقراطية في الأصل كان غرضها نبيلا، إذ كان يطلق اسمها على «سلطة موظفي المكاتب» والتزامهم بالإجراءات الموجهة إليهم بحذافيرها بهدف إتقان العمل على غرار القوات المسلحة والمستشفيات والمحاكم وغيرها. غير أن هذا المفهوم تحول في العصر الحديث إلى صورة سلبية نصف فيها أسوأ أو أبطأ خدمة يمكن أن تقدم إلينا. وقد سررت حينما قرأت أن تقرير البنك الدولي لعام 2014 يؤكد أن…

جامعة المتقاعدين

الخميس ٠٣ أكتوبر ٢٠١٣

حينما يتقاعد الفرد في اليابان يمكن أن تقبله «جامعة المتقاعدين» شريطة أن يكون قد تجاوز 60 عاما لتقدم له برامج نظرية وتطبيقية مناسبة تؤهله لدراسة ما يحب ثم ينخرط في أي مجال يفيده ويسليه في الحياة ولا يشعر بأنه عالة على أحد، فالدراسة فيها مجانية والسكن المريح، كذلك مع جميع مستلزمات الرعاية الاجتماعية. حتى الألمان لا يفرطون في المتقاعد ويرعونه لأنه يعد في نظرهم مخزونا متراكما من الخبرات التي يمكن أن تنتقل إلى الأجيال التالية، ولذا أنشئت لديهم «هيئة الخبراء المسنين»، وهي مكان جامع لنحو 5000 متقاعد ألماني نجحوا في تقديم خبراتهم واستشاراتهم لمعظم البلدان النامية ويؤدون مهامهم بصفة تطوعية. وفي الولايات المتحدة كنت كثيرا ما أعجب برؤية كبار السن وهم يؤدون مهام اجتماعية مثل تنظيم حركة المرور أمام المدارس، والإشراف على متاجر كبرى، ومساعدة رجال الشرطة حتى علمت لاحقا أن هناك «جمعية المتطوعين المتقاعدين» أنشئت عام 1969 لتساعد كل من بلغ 55 عاما في إيجاد فرص عمل لخدمة المجتمع كل حسب طاقته وميوله. ومن أنشطتها تدريب المتقاعدين ومساعدة كبار السن في حسن تدبير وتخطيط أمورهم المالية، فضلا عن القيام بدور المرشدين والمتطوعين في المستشفيات والمكتبات وحالات الإغاثة والطوارئ وغيرها. بعبارة أخرى، تعد هذه الجمعية ملاذا لكل من ينشد جهود الخبراء المخضرمين في شتى المجالات. وهذا كله إن دل على…

ليتني كنت غزالا!

الجمعة ١٩ يوليو ٢٠١٣

يروى أن كلبا قال لغزال: ما لي لا ألحقك وأنا من تعرف في العَدو والقوة؟ فقال له الغزال: لأنك تعدو لسيدك وأنا أعدو لنفسي. هذه القصة الجميلة التي رواها الشاعر الهندي الشهير أبو الحسن الندوي في كتابه «مختارات من أدب العرب» تلخص لنا حال الكثيرين في زماننا ممن يقضون معظم يومهم لاهثين وراء أعمال تهم الآخرين ولا تعكس بالضرورة قدراتهم الحقيقية. ويصف أبو الحسن هؤلاء بأنهم يتحدثون ويكتبون ويؤدون أعمالا إرضاء لزعيم أو وزير أو صديق أو حبا في الظهور: «وهذه كلها دوافع سطحية لا تمنح أعمالهم القوة والروح ولا تسبغ عليها لباس البقاء والخلود»، بل يعتبر أن الفارق بين هؤلاء ومن يؤدي عملا من أعماق قلبه وبكامل جوارحه بأنه «كالفرق بين الصورة والإنسان وكالفرق بين النائحة والثكلى». وربما هذا ما دفعه إلى أن يصف هؤلاء بأنهم كالممثلين الذين يؤدون دورا لا يعكس بالضرورة شخصياتهم الحقيقية. وحينما يتأمل المرء السلوكيات الشائعة في الأمم المتحضرة يجد أن كثيرا من الناس يختار عملا يعكس شغفه ويتماشى مع قدراته الحقيقية وهذا ما يجعله لا يكل ولا يمل مهما كانت عوارض الطريق. الأمر الذي يدفعنا للقول بأن القيادي الفطن هو من يضع الشخص المناسب في المكان المناسب حتى يفجر الجميع طاقاته بإتقان وتفان ويصبح كالغزال في رشاقة حركته وبلوغه لأهدافه. وكثيرا ما أتألم حينما…

الشباب العربي قادم!

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠١٣

لفتتني مقولة مهمة استشهد بها حاكم قطر الشيخ حمد بن خليفة (61 عاما) في خطابه الشهير أمس وهو يسلم مقاليد الحكم طواعية لابنه تميم (33 عاما) في سابقة فريدة، وكانت المقولة للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حينما قال: «علموا أولادكم خير ما علمتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم». وحينما تأملت هذه العبارة تذكرت أن الأمير كان يتحدث في عصر تشكل فيه «نسبة الشباب العربي دون الـ25 عاما ما يقرب من 70 في المائة من مجمل سكان المنطقة، وهم الأكثر تعليما، ولديهم خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة»، حسب التقرير الإقليمي للأمم المتحدة. ويأتي هذا في وقت يعاني فيه الشباب من مشكلة ثقافية متفشية، وهي عقدة المثل الشعبي: «أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة». وهو أمر غير واقعي؛ فالناظر إلى مؤسسات القطاع الخاص الناجحة يجد أن كثيرا منها يقاد من قبل شباب في الثلاثينات والأربعينات، ويحققون نتائج إدارية ومالية مبهرة، وكل ما في الأمر أنهم وضعوا في المكان المناسب، ويسيرون على هدى خطة عمل واضحة الأهداف جعلتهم يتألقون. مشكلتنا في مؤسسات القطاع العام أننا نئد إبداعات الشباب العربي من دون أن نشعر، حينما نجعل تقدم المبدعين منهم في المسار الوظيفي مرهونا بسنوات الخبرة، في حين أنك تجد شابا صار مؤهلا لقيادة دفة المنظمة أو الإدارة لكنه مضطر لانتظار…

دبي وقائدها

الخميس ١٦ مايو ٢٠١٣

سألت كويتية حاكم دبي ورئيس مجلس وزراء دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد المكتوم عن سبب استعجاله في تنفيذ المشاريع فقالت له: «لماذا تريد كل شيء الآن؟». فكان جوابه ولم لا؟ فليس هناك سبب يدفعنا للانتظار، المستقبل يبدأ اليوم وليس غدا ولو انتظرنا الغد حتى يأتي فسنستمر في تأجيل كل شيء. ثم بدأ يشرح لها كيف خرجت الإمارات «من صحراء قاحلة إلى دولة ذات مكانة عالمية في 40 سنة فقط» على حد قوله. وأنا أقرأ هذه القصة في كتابه الجديد «ومضات من فكر» ممهورا بإهدائه الكريم تذكرت ذلك الإماراتي الصديق حينما سألته «بصراحة، ماذا يتعبك في العمل في حكومة دبي؟» ثم قال: بصراحة الـDeadline أي مواعيد التسليم الصارمة. وحينما تأملت إجابته تذكرت أن كل الحكومات والمؤسسات الناجحة لم تبلغ ما بلغته لولا حس العجلة والجدية في متابعة تطبيق الخطط. والأمر نفسه ينطبق على مجالس إدارات الشركات ففي كل المجالس التي شغلت عضويتها، سواء كانت شركات مدرجة أم غير مدرجة، كنا نلزم الرئيس التنفيذي بخطة عمل وميزانية نتابع تطبيقها كل ربع سنة. ولولا هذا النهج الذي تنتهجه كل مجالس الإدارات في العالم لما تقدمت الشركات بخطى ثابتة نحو الربحية والإنجازات الباهرة. وما يحدث في دبي ليس استعراضا، بل هو نابع من رؤية رقمية واضحة تنتهجها حكومتها لنقلها خلال فترة زمنية محددة…