محمد الرميحي
محمد الرميحي
محمد غانم الرميحي، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة الكويت

تأثير الفوضى في الإقليم على الأمن في الخليج

السبت ٠٩ يوليو ٢٠١٦

الأمر ليس مفاجئًا أن تحدث محاولات أعمال إرهابية في المملكة العربية السعودية، أو محاولات في الكويت، وتفجيرات في البحرين، فهذه المنطقة جزء وقريبة من ساحة الاضطراب الكبرى في كل من سوريا والعراق واليمن، من هنا فإن الموجة الإرهابية قبل يوم واحد من عيد الفطر، لا يجب أن يستغرب أحد لحدوثها أو حتى عندما تتكرر في القادم من الأيام، فالساحة المضطربة القريبة تلقى بإفرازاتها السلبية على مجموع دول الإقليم. يمكن أن نرى أو يرى غيرنا عشرات الأسباب التي تدفع شبابًا من أبناء الخليج إلى ذلك الفعل الشائن، قتل أبرياء دون ذنب ولا حتى هدف، أو حتى قتل أقربائهم، إنما هذا الإرهاب لن يحقق هدفًا، كما أن العلاج ليس في المسكنات، بل هو في معالجة الأصل، وهو الصراع القائم أساسًا في سوريا ومن ثم العراق وبعده اليمن، لقد أصبح أكثر من ثمانين في المائة من السوريين تحت خط الفقر، وأصبح وجودهم في لبنان مقلقًا على أقل تقدير، ووجودهم في أوروبا أحدث زلزالا ليس الأقل فيه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما أصبح التهديد بقدوم المهاجرين ورقة يستخدمها اليمين الأميركي لدفع مرشحه إلى الصدارة، أما روسيا فترى في الساحة السورية إعادة اعتبار للقوة الروسية التي هزمت على شكل الاتحاد السوفياتي بدا من أفغانستان قبل ربع قرن، كما فقد العراق قماشة الدولة بجانب فقده…

إعادة زيارة إلى المشروع الإيراني!

السبت ٢٥ يونيو ٢٠١٦

ثمة أسئلة وجب محاولة الإجابة عنها بشكل واضح تخص العلاقات الإيرانية العربية٬ أكثر الأسئلة إلحاحا هو: ما المشروع الإيراني اتجاه العرب٬ من نهر الفرات إلى نهر النيل؟ إن استطعنا الإجابة عن ذلك السؤال٬ نكون قد كشفنا أكثر من نصف السر وراء هذا الاحتقان الدامي! المشروع الإيراني اتجاه العرب في صلبه إضعاف الشرعية الوطنية في كل تلك البلاد وخلخلتها؛ تمهيدا لجعلنا أولا دولا فاشلة٬ ومن ثم التحكم في أوطاننا لصالح المشروع الإيراني. أي تحويل الدول من أوطان إلى ساحات صراعية بين مكونات هذه الأوطان٬ تحت شعارات زائفة؛ فإيران لم تطعم شعوبها الخبز والحرية٬ ولا هي حررت شبرا من فلسطين! بعض الدول العربية انتبهت إلى خطورة هذا المشروع وتحوطت له من خلال الحفاظ على صحتها الوطنية٬ فاتخذت إجراءات لمنع تداعيات المشروع الإيراني وقلع مسبباته٬ على رأس تلك الدول المملكة العربية السعودية في الشرق٬ والمملكة المغربية في الغرب٬ كل اتخذ إجراءات لحماية شرعيته٬ كثير من الدول العربية الأخرى لسبب أو لآخر٬ إما قدمت حسن النية٬ أو ترى أن مواجهة المشروع الإيراني قد يكلفها ثمنا لا تستطيع دفعه في الوقت الحالي٬ فتأرجحت بين المد والجزر٬ حتى وقع أو كاد بعضها في حبائل المشروع. لقد نصب النظام الإيراني مجموعة من الأفخاخ للعرب٬ وخصوصا من العرب الشيعة (أنا أستخدم المفهوم بدقة٬ فلم أقل الشيعة العرب٬ بل…

«القطبة» المخفية في مشروعات الإصلاح الخليجية!

الأحد ١٩ يونيو ٢٠١٦

على فترات متقاربة في السنوات القليلة الأخيرة٬ أعلنت دول الخليج٬ البحرين٬ والمملكة العربية السعودية٬ والكويت٬ ودولة الإمارات وقطر٬ خطط إصلاح اقتصادي بمنظور مستقبلي؛ من أجل هدف واحد هو (الخروج من عصر الدفء النفطي) الذي أفرز الكثير من الممارسات السلبية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية٬ حتى كادت تصبح قواعد ثابتة وحقوقا دائمة؛ استعدادا لمواجهة التراجع في أسعار النفط إلى مستويات متدنية وطويلة الأجل٬ المرحلة التي سماها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مرحلة (الفطام من النفط). وقد فتحت تلك الخطط والمشروعات على مستويات مختلفة نقاشات واسعة بين المهتمين من أبناء دول مجلس التعاون٬ تدور جلها حول هذه الخطط أو (الرؤى) بين مستبشر بها وبين ناقد لها٬ أو مكمل لأفكارها أو محبط من القدرة على التغيير والوصول إلى الأهداف التي سمتها تلك الخطط٬ حتى ذهب البعض إلى القول «إن تلك الخطط هي لا أكثر من مراهنة على الوقت!». فكرة إيجاد بدائل عن النفط ليست جديدة على المشتغلين بالتفكير من أبناء دول مجلس التعاون. فهناك نخب٬ على الأقل في العقود الأربعة السابقة٬ ظلت تنادي بالنظر الجدي لمرحلة ما بعد (العصر النفطي) التي هي قادمة لا شك٬ وأن الاعتماد على النفط فترة ليست قصيرة من الزمن أقعد المجتمعات عن التطور الطبيعي٬ الذي كان يجب أن تمر به للتحول المرن في اقتصادها الذي اتخذ شكلا…

المظلومية السنية

الأحد ٢٧ سبتمبر ٢٠١٥

حتى لا يسارع البعض بعد قراءة العنوان بإصدار الأحكام الجاهزة بالتصنيف المسبق، أطلب منهم التريث حتى قراءة المقال كاملاً، ثم بعد ذلك ليحكم أي منهم بما يريد، نتيجة خبرته وموقفه من القضية برمتها. أعرف أن الحديث عن «السنة والشيعة» في فضائنا العربي السياسي والثقافي اليوم حديث غير مرحب به في العلن، كما أعرف أن التصدي لنقاش الصدع في العلاقة «السنية - الشيعية» يسارع البعض إلى تصنيفه بـ«الطائفي»، فهو أعمق من الصدع السياسي أو الفكري، الذي يمكن الحديث عنه بسهولة نسبية. ولكن الأمر متداول بكثرة في السر، وحديث السر أو الحجرات المغلقة يكثر فيه الخروج عن الموضوعية باتجاه العزل والتشهير. لهذه الأسباب السابقة وغيرها أرى أن الحديث العلني في الموضوع فيه على وجه ما صحة وشجاعة أيضًا، فالمرض الطائفي لن نبرأ منه قبل أن نعترف بوجوده، ولن نستطيع أن نفهم الإشكال المميت إلا من خلال التشخيص العلني. مهمة الكاتب ليست مهمة السياسي، فالكاتب مطالب بأن يفكك الخطاب الفكري والآيديولوجي الذي يغرق شعبه بالدم، تمهيدًا لردم بؤرة الدم المتجددة، وهو أمر تناوله بشجاعة عدد من الكتّاب الغربيين إبان الصدع الضخم في القرن السادس عشر الميلادي، الذي كلف ما بين 8 إلى 12 مليونًا من البشر، إبان حرب الثلاثين عامًا وما بعدها بين البروتستانت والكاثوليك، هؤلاء الكتّاب تركوا لنا صورة ذلك العنف الدموي…

قراءة في خطاب ظريف!

السبت ٠٨ أغسطس ٢٠١٥

نشر وزير الخارجية الإيراني الأستاذ محمد جواد ظريف مقالة في شكل رسالة لمن يهمه الأمر في الجوار الإيراني، وأحسب أن المقصود العرب، حيث إنها نشرت باللغة العربية وفي وسائل إعلام عربية، وهي في جملتها تقع في إطار الدبلوماسية الشعبية التي تبناها ظريف، فقد كتب للغرب والعرب على حد سواء. لا أعرف إن كانت نفس الرسالة قد نشرت بالفارسية في إيران! أو بالتركية في تركيا!، فهم أيضا الدائرة التي تحيط بإيران، أو قل الدائرة الناشطة! اختار الأستاذ ظريف عنوانا لافتا «الجار ثم الدار» حاولت أن أستقصيه في لسان العرب فلم أجد نصًا بنفس المعنى على كثرة النصوص العربية والإسلامية للتوصية على الجار والعناية بأموره، وربما هي حكمة فارسية ليس لعاقل أن ينفي أهميتها. وحتى لا نذهب بعيدا في التحليل، فإن الخطاب المفتوح يحمل الكثير من الإشارات، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وقبل الدخول في مناقشة نقاطها المهمة، فإن المتابع من هذه الضفة العربية يتساءل هل هذا الخطاب هو ما تعتقد به الإدارة العليا للجمهورية الإسلامية، أو هو فقط من مبادرات مجموعة، دعنا نسميها (المجموعة الإصلاحية) لأن أحد العوائق التي تقف أمام تصديق الخطاب هو التناقض الكبير في التصريحات بين عدد من أعمدة الحكم الإيراني، الذي تفجره المنافسة واختلاف الرؤى، عدا التناقض الواضح في الفعل على الأرض (الذي سوف نناقشه لاحقا)، ومن جهة…

بعد الاتفاق الإيراني ـ الغربي.. مؤشرات المخاطر على أمن الخليج

السبت ١٨ يوليو ٢٠١٥

استخدم الجهاز الإيراني المفاوض في عدد من العواصم الأوروبية كل الحيل من أجل تحقيق هدفين؛ الأول، الوصول إلى اتفاق مع الدول الخمس المفاوضة، على اختلاف أهدافها الوطنية من المفاوضات، قبل انحسار الولاية الأوبامية، فأخرج كل ما في جعبته من جزرٍ وعُصي. والثاني، توجه لاسترضاء القوى المتشددة الداخلية، التي إما لأسباب سياسية أو خاصة، كانت ترغب في تعويق الفريق المفاوض. كان على رأس الاستخدام الاسترضائي، صورة المجموعة المفاوضة في فيينا، وهي تبكي بحرقة (قد تكون ظاهرية) في إحدى المناسبات الدينية التي مرت في العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان. وفي الأيام القليلة الحاسمة نفسها صعدت طهران من لهجتها وعلى لسان المرشد نفسه في الاستعداد لتصعيد الصراع، ربما من أجل دفع الاتفاق إلى نهايته. نحن نعلم الآن أن المفاوضات الماراثونية تركزت على ملف واحد هو (القدرات النووية الإيرانية) ولم تتطرق إلى أي من الملفات الأخرى، وهي الأهم بالنسبة للجانب العربي، ومجملها التدخل السافر في الشؤون العربية من طرف إيران! الآن، السؤال الأهم والأكثر جذرية: هل سوف تذهب إيران، بعد هذا الاتفاق، إلى طريق السلم والتصالح، والانخراط في المسيرة العالمية للحفاظ على الأمن والتعاون في الإقليم وفي العالم، والتخفيف من الضغوط الداخلية على المكونات الإيرانية لتصبح (مجتمعًا عاديًا ومسالمًا) منخرطًا في مسيرة الحضارة، كما تراهن بعض الأوساط في الإدارة الأميركية والأوروبية، وبالتالي حدوث…

فخ الكراهية

السبت ٠٤ يوليو ٢٠١٥

في رمضان عادة يختفي من على شاشات الرادار الكويتي في الشأن العام التشنج السياسي المعتاد، ليحل محله التوافق الاجتماعي، مظهرًا عملية اجتماعية واسعة للتواصل الاجتماعي تنتعش في زيارة الأفراد والجماعات بعضهم بعضا للتبريك بالشهر الفضيل. هذا العام اختلف المشهد من جانبين؛ الأول أن الشأن السياسي حضر بامتياز بقتل عدد كبير من المصلين بلغ عددهم تسعة وعشرين شهيدًا، وجرح أكثر من مائتين من الأبرياء، جراء عمل متعصب من أشخاص يحملون (عرفوا أو لم يعرفوا) أجندة سياسية. المصاب جلل، حتى إن أحد الزملاء شبهه بكارثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة، أخذا بحجم المجتمع الكويتي. والجانب الثاني هو انتهاء الفكرة الشعبية القائلة إنه في رمضان تُقيد الشياطين، التي كان كبارنا يرددونها علينا ونحن صغار، فقد تبين أن الشياطين، على الأقل الإنسية منها، طليقة لم تقيد، بل وتقتل، بدليل ذلك العمل البربري في مسجد الإمام الصادق الجمعة 26 يونيو (حزيران) 2015. تفاعل المجتمع الكويتي كما تعود، فهناك أغلبية كويتية، بسبب الأوضاع الاجتماعية الجامعة، تشجب مثل هذا العمل الإرهابي، إلا أن كثيرين استغرقتهم التفاصيل الجانبية، مثل ما هو بروفايل الجاني نفسه؟ وتفاصيل حياته والمجموعة التي ساعدته على ذلك الفعل الشائن؟ وحجم التفجير؟ وهي تفاصيل تُعنى بالنظر إلى الشجرة وتترك النظر إلى الغابة، وهي فخ الكراهية البشع الذي يتسع بابه ليدخل الجميع…

الحجرة المظلمة

السبت ٢٧ يونيو ٢٠١٥

مع استبعاد قيام حرب عالمية ثالثة بين القوى الكبرى المتصارعة في عالم اليوم، بسبب توازن قوى الرعب فيما بينها، إلا أنه في نفس الوقت يوجد بينها تناقض مصالح وصل إلى حد التوتر العالي. المخرج لتنفيس التوتر هو أن تساعد، إيجابًا أو سلبًا، «حروبًا» موضعية في مناطق العالم القابلة للاشتعال، هذه الحروب يمكن تصنيفها بشكل فضفاض أنها حروب بالوكالة، وهي حروب من أهم صفاتها أن ليس لها قواعد اشتباك معروفة، ولا خروج منها إلا بمظلة دولية، لم تتوفر بعد، وربما أكبر منطقة لديها قابلية أن تبقى ساحة حرب وصراع بالوكالة دون قواعد اشتباك، هي منطقة الشرق الأوسط. بسبب ذلك فنحن الآن في هذه المنطقة في «حجرة مظلمة» لا نعرف من يقوم بضرب الآخر ولا من يتلقى الضرب، وما العلة في الدفاع عن متناقضين في نفس الوقت! ما نعلمه أن هناك ضجيجًا صاخبًا في هذه الحجرة، وفوضى عارمة، وأنين جرحى ونواح ثاكلات، وعمى إعلاميًا منقطعًا نظيره، منطقتنا من أكثر المناطق إنتاجًا للأرامل في هذا العصر، والأكثر عرضة للإعلام المضاد. في هذه الحجرة المظلمة تسمع صدى لتيارين غالبين؛ «الإسلام الجهادي» و«الإسلام الطائفي»، كلاهما عنف مذهبي قبيح، هذه المكربة تشير إلى أن الأمن والاستقرار لن يعود إلى هذه المنطقة لعقود قد تطول، وأن القوى الخارجية، ما دامت في مناكفة، لا ترغب أو لا تقدر…

الحرب على الجبهة الإعلامية شرسة

السبت ٠٩ مايو ٢٠١٥

تصاحب «عاصفة الحزم» وما تبعها من إعادة الأمل عاصفة أخرى هي العاصفة الإعلامية. تدور الحرب الأخيرة (الإعلامية) على عقل وعاطفة المتلقي العربي، وهي في كلياتها تدخل في ملف «الإعلام المضلل»، وهو واحد من الأسلحة التي كثيرا ما تستخدم في الصراعات للتشتيت والخداع، وقد زاد من شراسة الحرب تلك وجود وانتشار وسائل الاتصال الاجتماعي من جهة، وضعف في الوعي لبعض المتلقين من جهة أخرى، أو قلة مناعة بعضهم في تمحيص ما يعرض عليهم من أخبار أو معلومات، وتظهر هذه الحرب الإعلامية على أشكال مختلفة، بعضها مفضوح يجانبه الذكاء والفطنة، والآخر مدمج إلى حد كبير في إطار شبه مقنع على طريقة «لا تقربوا الصلاة». ولعلي هنا أوصّف سبع ظواهر للادعاءات الملتبسة، التي تُظهر غير ما تبطن. أولا: إظهار المجهود الحربي والدبلوماسي والسياسي الحالي تجاه اليمن وكأنه يجري بدفع طائفي، خرافة الدفع الطائفي تقول بها إيران وثلة من محازبيها، والحقيقة أن كل المجهود موجه من أجل إنقاذ اليمن من احتلال إيراني، وهناك شواهد كثيرة على ذلك. الاحتجاج بالدفع الطائفي هو لتقليل أو إطفاء الإرادة العربية من الوقوف أمام تمدد الدولة الإيرانية. ثانيا: تزييف التصريحات المنسوبة إلى المسؤولين القريبين من اتخاذ القرار، أو الذين لهم علاقة مباشرة بالأحداث، والقول إن «فلان» قد صرح بأن هناك «مفاوضات» مع هذا الطرف أو ذاك، أو القول إن…

أجندة افتراضية لاجتماع كامب ديفيد!

السبت ٠٢ مايو ٢٠١٥

السيد الرئيس نشكرك على شعورك الطيب تجاه منطقتنا، ولكنْ في ثقافتنا هناك مثل يقول إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة، كما أن هناك فرقا شاسعا بين «النشاط» و«الإنجاز»، وما تشهده المنطقة منذ سنوات لحقت وصولك إلى الحكم هو نشاط بعيد عن الإنجاز. فالمنطقة جهنم مشتعلة نارها حتى اليوم. بعد ستة أشهر سوف تبدأ عجلة الانتخابات عندكم في التدحرج، ففي يناير (كانون الثاني) المقبل، ومن خلال بدء الانتخابات الأولية في هامبشاير، يبدأ العد التنازلي لعهدكم، وهذا يعني أنكم خلال سنة ونصف السنة من الآن ستكونون في التقاعد، الذي نتمنى أن يكون تقاعدا مريحا لكم. ما تتركونه للتاريخ من أفعال، وليس من أقوال، هو الذي سيبقى عنوان الحقيقة لمدة حكمكم التي امتدت لفترتين. في بداية حكمكم اعترفتم في خطاب القاهرة 2009 بأن هناك «توترا يشوب العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي»، وتتركون المنصب والتوتر أكثر حدة وفي أعلى مستوى، فقد أورثت سياستكم شعوبا تنزف تحت وطأة آلام بشرية غير مسبوقة إلا في عصر الظلمات. لم يحصل رئيس للولايات المتحدة على بطاقة تصرف مجانية كما حصلتم عليها، فأنتم أول رجل أسود يصل إلى أعلى سلطة في هذا البلد، وفقط قبل خمسين عاما كان إخوانكم السود ممنوعين حتى من ركوب الحافلات نفسها، كما أنكم خلال أسابيع من الحكم نلتم أعلى وسام للسلام، وهو…

شكسبير ينتحر في طهران!

السبت ٢٥ أبريل ٢٠١٥

أول ما يجب علينا فعله هو الابتعاد عن التركيز على الذيل إلى التركيز على الرأس. الذيل هنا يمثله المدافعون العرب عن المشروع الإيراني الذين باعوا أنفسهم له، لأنه يحقق لهم شيئا من الزعامة، وشيئا من رغد العيش، ويصيب أوطانهم بخلل بالغ العمق وطويل التأثير. أعجبني كثيرا تعبير من أحد الكتاب اللبنانيين، الذي وصف تلك الزعامات بتعبير لبناني، فهم بالنسبة إليه ليس أكثر من «دُكانجية». مناقشة «الدُكانجية» عبث ما بعده عبث، لأن المهم هو «مُورد البضاعة»، وهو الذي لم يستطع أن يبيعها في الداخل الإيراني لدى الشعوب الإيرانية، فأراد تسويقها من خلال الدُكانجية وهي بضاعة فاسدة انتهت صلاحيتها. إيران اليوم بجميع قومياتها تحت وطأة قيادة أقل ما يمكن توصيفها به أنها فاقدة الإدراك لما يدور حولها أو ما يحدث في العالم. سلمت الشعوب الإيرانية للفقر والحاجة والمخدرات، وأفقدت تلك الشعوب حتى الحد الأدنى من الحريات. قادة المؤسسة الدينية مع قادة المؤسسة العسكرية، مع يساريين سابقين خبروا العيش والعمل أيام الشاه وبعده مع الغرب، وأصبحوا يشكلون اليوم البيروقراطية العليا، يحكمون إيران بالنار والحديد، وتوحش جهاز الأمن للجمهورية الإسلامية يتفوق على سيئ الذكر «السافاك»، وهو الحرس القمعي السابق لرضا بهلوي. هذه المجموعة الحاكمة تصورت أن تحيل بلاد العرب من جيرانها إلى مستعمرات في أفضل الأحوال، أو محميات في أسوأ الأحوال، للتحكم في عشرين…

اليمن والخليج: التحوط الواجب ووهم التأثير!

السبت ٠٧ فبراير ٢٠١٥

الحقيقة هي الضحية الأولى في الصراعات الإنسانية المختلفة، وفي الحروب الأهلية على وجه التحديد، تتسع دائرة الضياع وتختفي الحقائق أمام كوم من الأوهام، وليس أكثر من الأمثلة حولنا التي تتطاير في التحليلات المختلفة دون بصيرة تجاه القضايا الساخنة العربية. يغيب عن كثير منها المنطق وتُغفلها الرغبات، بعضها يوظف في تكوين رأي عام مُضلَّل، وربما سلبي يرمي إلى التخويف من جهة، وإلى لي ذراع الحقائق من جهة أخرى، ويشارك في هذه المعزوفة المضللة عدد من وسائل الإعلام، وخاصة وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة التي تقدم تفسيراتها دون وثوق، والأمثلة كثيرة. أبدأ بما يحدث في اليمن، فهناك يدور صراع منذ أشهر، يشتد ويخفت، ويأخذ معه في كل مرة أرواح اليمنيين، في انقلاب بطيء وممل ومسموم يقوم به الحوثيون مع بقايا النظام القديم، وكانت كلمة عبد الملك الحوثي مساء الثلاثاء 27 يناير (كانون الثاني) الماضي المنتشية قمة في التضليل، وكلما جاءت أخبار سلبية من اليمن، جاء معها سؤال المعلقين المتلهفين: وأين المملكة العربية السعودية؟ وأين دول الخليج مما يحدث؟ يقترن هذا التساؤل بإشارات ظاهرة أو مبطنة إلى أن الأزمة اليمنية لا بد أن تؤثر سلبا، وبشكل مباشر، على دول الخليج، تلك النتيجة التحليلية ليست معطى نهائيا، ولكنها السائدة مع الأسف، وأكاد أقول يجانبها الصواب تماما، وأستعير هنا لتوضيح الفكرة مقولة ساخرة تقول: كلما كان…