محمد يوسف
محمد يوسف
رئيس جمعية الصحفيين الإماراتيين

إبطال الباطل

الإثنين ٠٤ يوليو ٢٠٢٢

عندما حكمت المحكمة العليا الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية بعدم دستورية إباحة الإجهاض ألحقت فقرة في غاية الأهمية، وهي أن المحاكم العليا في كل ولاية من حقها اتخاذ القرار الذي تراه داخل حدودها، ومن ذلك يتبيّن لنا أن المحكمة الاتحادية تملك حق إقرار القوانين أو نقضها إذا رأت أنها مخالفة للدستور، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تجبر الولايات على تنفيذ ما يخالف رأي غالبية مواطنيها، وتركت مسألة حسم قضية الإجهاض بتحليله أو تجريمه في يد السلطات المحلية وقرار المحكمة العليا التي تملك حق تقدير الموقف في كل ولاية على حدة. ذلك يحدث في الدولة التي تصدر للعالم الأفكار الجديدة أو المستحدثة الناسفة للمعتقدات المستقرة، والمعتقدات كما قلنا من قبل إما أنها مستقاة من تعاليم الأديان أو نتاج لعادات توارثتها الأجيال حتى ترسّخت في المجتمعات واستقرت، وكلٌ يحاول أن يدافع عن معتقده الذي يراه الأنسب إليه. ولم نرَ الرئيس «المنفتح جداً» جو بايدن يعارض قرار المحكمة الاتحادية العليا بإبطال الباطل، ولم نسمع «أم كوع» نانسي بيلوسي زعيمة الأغلبية في الكونجرس، صاحبة اللسان الطويل والمنفلت، والتي لم تتحمل وقوف طفلة بالقرب منها لتتصور معها، فأزاحتها بضربة جانبية، أقول لكم، لم نسمعها تحتج وتثير غضب جماهيرها ضد المحكمة العليا وقرارها، ولم يعلق أحد الديمقراطيين أصحاب نظرية «أوبن مايندز»، والتي تعني «العقول المتفتحة»،…

تجارة الموت

الخميس ١٦ يونيو ٢٠٢٢

شيء لا يستوعبه العقل، ويثير تناقضات كثيرة، فالولايات المتحدة الأمريكية تملك أكبر قوة مسلحة في العالم، مخازنها في أراضيها وفي مجموعة من الدول منتقاة بعناية، تتكدس فيها أسلحة تدميرية تكفي لإزالة كل بلدة وقرية على وجه الأرض، وأساطيلها تجوب البحار والمحيطات لحماية المصالح الأمريكية كما يقولون، ولديها قواعد في دول حليفة التزمت بالدفاع عنها، ومع ذلك كله لا تستطيع هذه الدولة العظمى حماية المدارس من هجمات المراهقين اليائسين أو الحشاشين! جرائم قتل وإرهاب تقع كل بضعة أيام، ببنادق توجه إلى الأطفال وهم في صفوفهم المدرسية، يقتلون ومعهم بعض المدرسين والمدرسات، والرئيس يحضر مراسم التأبين حزيناً، ولكنه لا يتخذ أي إجراء ضد السلاح المنتشر. ويستمر الجدل في أروقة مجلس النواب ومجلس الشيوخ حول تقنين بيع الأسلحة، وتقنين تراخيصها وحملها واستخدامها، وهو جدل يدور منذ عقود يتلهى به النواب، ولكنهم لا يحسمونه، والسبب أن الحزب الجمهوري يرفض تغيير القوانين الراسخة منذ عصر «الكاوبوي»، والحزب الآخر المسمى بالديمقراطي يؤيد التغيير والتقنين، ولكنه لا ينجح في تمرير القوانين، تعرقله موازين القوة الداخلية، وتدخلات شركات تصنيع السلاح، فهي من أكبر وأغنى التكتلات، فتموت مشاريع القوانين اختناقاً في الأدراج، ويستمر موت طلاب المدارس ورواد مراكز التسوق، ولا تجد الإدارات المتعاقبة على الحكم بداً من التعايش مع المآسي التي أصبحت ظاهرة منتشرة، ما جعل عدداً من الولايات…

صنعاء تفتح أذرعها

السبت ٠٩ أبريل ٢٠٢٢

خطوات تدعو إلى التفاؤل، فاليمن يستحق أن ينهي عشر سنوات من التيه في دهاليز التحزّبات وتدخل أصحاب الأطماع السياسية والمذهبية في شؤونه. خطوة الشرعية تأخذ الأزمة اليمنية إلى مربع التفاوض المباشر مع الطرف الآخر، والذي يمكن أن نقول إنه الطرف الحوثي ونترك الاستنتاجات لكم، ويمكن أن نكون أكثر وضوحاً ونوجه البوصلة نحو طهران، ونقول لكم وللعالم بأن «هؤلاء هم مشكلة اليمن»، فإن وصلوا إلى قناعة بأنهم لن يحققوا غير الدمار لليمن ولن يصلوا إلى حدود السعودية لأنها محصنة، وأن العبث بمقدّرات الشعوب والمنطقة بأكملها من أجل تحقيق ما يدور في مخيلاتهم سيضرهم قبل أن يضر غيرهم. تشكيل مجلس قيادة رئاسي ليكون مرجعية الشرعية يعني أن اليد وضعت على الجرح، فأزمة بحجم أزمة اليمن لا يمكن أن تدار بمجموعة متنافرة ومتناقضة في رؤيتها للحل، وخيراً فعل الرئيس «المتنحي» عبدربه منصور هادي عندما أصدر قراره بإعفاء نائب الرئيس علي محسن الأحمر من منصبه، فهذا القرار يؤشر إلى أن كل الذين تسندهم الأحزاب المتخاذلة وقت الشدة والباحثة عن نصيبها عند تحقيق الانتصار يجب أن يبعدوا، ويعودوا إلى حجمهم الطبيعي، فهم معرقلون يبحثون عن مصالح ذاتية، ولا ينظرون أبداً إلى المصلحة الوطنية. كل من يحبون اليمن ويريدون له الاستقرار، وخاصة دول مجلس التعاون، يتطلعون إلى «مجلس رئاسي» خالٍ من أصحاب الانتماءات الضيقة، فاليمن أكبر…

لا تتهاونوا

السبت ٢٦ مارس ٢٠٢٢

تخفيف الإجراءات والقيود الاحترازيّة لا يعني أن «كورونا» اختفت وما عادت تشكّل خطراً. هي ما زالت موجودة، وأقصد فيروسات «كوفيد 19»، كما يحلو للبعض أن يطلقوا عليها، موجودة وتتحرك، وتصيب من تصيب، وتسجّل أرقاماً تضاف إلى الحصيلة المجمعة، حيث نتأرجح في دائرة «300» حالة يومية، ووفيات أصبحت شبه معدومة والحمد لله، وذلك كله جاء نتيجة الثقافة العالية التي اكتسبها السكان خلال السنتين الأصعب والأكثر إيلاماً لهذه الجائحة، ثقافة توّلدت من العلاقة التي تربط الناس بالسلطات المعنية، سواء كانت جهات إشراف أو جهات علاج أو مؤسسات إنفاذ القانون، عشنا أجواء الثقة المتبادلة، وهي التي جعلتنا نتعايش بهدوء وثبات مع كل الصدمات، من الخوف، وهو أمر مشروع، خاصة لمن يواجهون شيئاً قد يقتلهم في لحظة تقصير أو استهتار، وكان تغيير السلوك العام صدمة كبرى، ربما لم تستوعب في البداية، ولكنها تحوّلت إلى «طباع» ساعدت الدولة على اجتياز الأزمة والعودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية. وبمناسبة الحديث عن الحياة الطبيعية، أقول لكم، الكل مقبل عليها مع الحذر، وهذا ما نريد أن نؤكد عليه، فالجائحة لم تنتهِ بعد، ونحن اعتدنا على الإجراءات المصاحبة لها، فإذا خففت بقرارات وبروتوكولات جديدة لا يعني أن نتصرّف وكأن شيئاً لم يكن، ولن يضرنا أبداً أن تكون «الكمامة» ملازمة لنا في الأماكن المزدحمة، سواء كانت مغلقة أو مفتوحة، ووسائل التعقيم…

التحضر بريء منهم

الأربعاء ٠٩ مارس ٢٠٢٢

التحضر ليس بدلة وربطة عنق، وليس حقيبة يد بعشرة آلاف دولار، وحذاء بأربعة آلاف، وليس حساباً يثقل صناديق البنوك، وليس المضاربات في أسواق الأسهم، وليس يختاً وطائرة خاصة، وبيتاً يشار إليه بالبنان، ولا يمكن أن يكون في البارات والحريات الشخصية، والمكملة للتفسخ البشري. التحضر سلوك نفسي، وطباع مترسخة، يتعلمها الإنسان من الذين عاش في كنفهم، ودرسوه كيف يكون إنساناً، بعد آلاف السنين، والتنقل من مرحلة إلى أخرى، اختفى ذلك الكائن المتوحش، الذي يمشي على رجلين، والذي لا يزال يعتبر أكثر الكائنات على وجه الأرض قساوة، دعكم من الأسود والنمور والذئاب والضباع، وأسماك القرش أو الأفاعي السامة والعقارب، فكل هذه المسميات، اخترع لها الإنسان مصيدة ومبيداً ورصاصة، وانتصر عليها. التحضر يعني التخلص من حياة الغاب، فهذه الأرض، تبيّن أنها تستوعب الجميع، جميع البشر والكائنات، بأشكالها وأنواعها وأدوارها في إحداث التوازن البيئي، فهي، وإن كانت مؤذية للإنسان في بعض الأحيان، إلا أنها تحقق له منافع كثيرة، وتنوع الدول والبلدان والقرى والمدن، يحقق ذلك أيضاً، فكل مجموعة من الناس في أرض أو جهة من جهات الكون، لها طباعها ولغتها، وتتشكل ملابسها حسب العادات المكتسبة، أو ما تفرضه البيئة المحيطة، وكل فئة أو مجموعة تتفاخر بما لديها، ليس هناك شعب كاره لأرضه وناسه ولغته وعاداته، ومن وجهة نظره، وإن كان يعيش في منطقة منقطعة…

الوطنية قبل الحياد

الخميس ٠٣ مارس ٢٠٢٢

هذه هي الحرب فلا تستغربوا تضارب الأخبار واختلاف الروايات، فكل الأطراف في المواجهات المباشرة لا تقول الحقيقة، وأقصد هنا الحقيقة المحايدة والمجردة من العواطف، ولا يمكن أن تطالب بذلك، لأنها تنطلق من رؤية وطنية لحدث مصيري، حيث يصطف الجميع خلف جيش بلادهم، ويدعمون مواقف قياداتهم، دون أن يناقشوا الخطأ والصواب، فتلك «السفسطات» يحين وقتها بعد أن تعود الأسلحة إلى مخازنها والجنود إلى ثكناتهم. أوروبا تريد من «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» أن تكونا محايدتين في حرب أوكرانيا وألا تنحازا لبلادهما، وهذا طلب يثير الدهشة، فأوروبا هي أول من اخترع فنون استخدام الإعلام في المعركة كما يقولون، وكان الراديو فاعلاً في الحرب العالمية الثانية، منها كان يستقي الناس تطورات الأحداث ومتغيراتها، ويستمعون إلى تطمينات القادة، ويتابعون تراجعات الأعداء وهزائمهم في الجبهات، سواء كان ذلك واقعاً أو من نسج خيال معد التقارير الجالس خلف مكتبه في الإذاعة، وفي المقابل كان «غوبلز» وزير الدعاية النازية وصاحب قواعد التأثير النفسي للإعلام خلال الحرب يواجه بقية أوروبا بإذاعات ناطقة بكل اللغات تستقطب المتعاونين والمتعاطفين حول العالم، ولهذا بدأت أوروبا قراراتها بمقاطعة روسيا بإدراج وسائل إعلامها لمنعها من الوصول إلى الرأي العام الغربي، وقطع بث تلك الوسائل، وفي المقابل قرر بوتين أن يسكت الإعلام الأوكراني، فأنذر ثم نفذ بقصف طال مبنى التلفزيون بقذائف مدمرة يوم الثلاثاء، والمبرر أن…

ضحية الضبابية

الخميس ٢٤ فبراير ٢٠٢٢

«سلاح في يد مرتجفة لا يخيف عدواً». هذه حالة أزمة أوكرانيا، فالذين استند عليهم الرئيس الأوكراني مترددون، يخشون التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، يلوحون بأسلحتهم التي يمكن استخدامها إذا حدث غزو أو احتلال، ويتراجعون في لحظة، يغيرون اللهجة، يخففون من درجة ارتفاعها ووضوحها، ويستبعدون التدخل المباشر، لحماية دولة كانت مستقرة لثلاثين سنة، ولكنهم استخدموها، أرادوها طعماً لاصطياد الدب الروسي، فاصطادهم بوتين. ضبابية الموقف الأمريكي والأوروبي، كانت واضحة من البداية، وأقصى ما توصلوا إليه لو حدث تدخل روسي مباشر في أوكرانيا، العقوبات الاقتصادية، فالرئيس الأمريكي يؤكد، ويؤيده وزير خارجيته ووزير دفاعه «لا تدخل عسكري»، وهذا يعني أن تترك تلك الدولة لمصيرها، وهو مصير محتوم، إذا ما نظرنا إلى حجمها وقوتها، مقابل حجم وقوة خصمها، هي ليست أكثر من لقمة سائغة. و«الناتو»، ذلك الحلف الذي كان «أسداً» على نظام القذافي، أصبح «فأراً» في مواجهة روسيا، يتهرب من وعوده، ويتناسى تحريضاته، وما زال يتساءل عن الذي يحدث في أوكرانيا، هل هو تدخل مباشر أو غير مباشر؟ وهل هو غزو أو تأييد ومساندة سياسية للقوى الانفصالية في الإقليم الشرقي؟ فالرئيس الروسي تركهم واقفين عن الأبواب، يحرسونها، ويراقبون تحركات الجيوش المحتشدة بالقرب منها، وأنجز المهمة عن بعد، في خطوات «دراماتيكية» أدارت الرؤوس، وجعلت الأيدي ترتجف قبل القلوب، قال لهم «قدمت لكم النصائح مجاناً، ولم تستفيدوا…

لن يدمّروا أنفسهم

الخميس ١٧ فبراير ٢٠٢٢

وقف العالم على شفا حفرة من النار طوال الأيام الماضية، كان الجميع يحسبون الساعات والدقائق في انتظار الطلقة الأولى، انقضى موعد «بلومبيرغ» دون أن تظهر «سندريلا» وحذاؤها المرصّع بالألماس، وضحكت عليها «زاخاروفا» المتحدثة الروسية الرسمية، وكان ذلك يوم 14 من الشهر والذي يصادف «يوم الحب» عند المتراصين على حدود أوكرانيا، ثم جاء الموعد الأخطر والذي قالت عنه صحف بريطانيا العظمى إنه مستوحى من تقارير استخبارية رفيعة المستوى، وكان محدداً في الساعات الأولى من يوم 16 المصادف فجر يوم أمس. الكل كان يراقب حدود أوكرانيا والحشود الروسية التي تطوّقها، ويضعون سمّاعات لاقطة ومكبّرة للأصوات، ولم تخرج الطلقة الأولى، ولن تخرج، وقد ذكرت ذلك قبل أسابيع قليلة، قلت بأن دول الغرب والشرق مجتمعة لا تريد أن تصل إلى نقطة اللاعودة، ولا نية لديها لأن تفتح أنهار الدم والدمار لأنها لن تكون قادرة على وقفها إذا جرت سيولها، ومازلت عند موقفي، فهذا الذي نراه ليس إلا استعراضاً للقوة، كل طرف يحاول أن يثبت مقدرته ويرفع أوراقه في وجه الطرف الآخر، هذا يحشد تحت ذريعة المناورات والتدريبات فيثير موجة قلق مستفزّة، وذاك يلوّح بعقوبات لا نظير لها عبر التاريخ، ويرسل شحنات أسلحة قد توجع وتؤلم الطرف الآخر ولكنها لن توقف احتلاله لأوكرانيا، ولم يترك الرئيس الروسي مناسبة دون أن يثبت للعالم كم هو واثق…

لم يحفظوا الدرس

السبت ١٢ فبراير ٢٠٢٢

لا تتحرك الجيوش للتنزه، ولا تدخل بلاداً ليست بلادها لاستكشاف مزاياها وأماكنها السياحية، ولا تشغل بالها مظالم الشعوب الأخرى ومآسيها. هي تصنع المآسي، وتنشر الموت، وتمزق أواصر التراحم بين البشر، هي تشعل حروباً، والحروب ما جلبت في يوم من الأيام غير الموت والدمار، عندما تستخدم لتحقيق أحلام شخص اعتقد بأنه يملك الكون وما فيه، فقط لأنه استطاع أن يعد جيشاً قوياً بعدده وعتاده، وركبه الغرور، ومنح نفسه حق العيش في النعيم، بينما غيره يسلبون، ويخضعون لأوامره، فيرسل جحافله إلى الضعفاء، ويضم الجميع من حوله إلى ملكه. وخذوا الاتحاد السوفييتي مثالاً، ذلك القطب الثنائي للعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى عقد الثمانينيات من القرن الماضي، كان دولة عظمى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يحكم نصف العالم تقريباً، أرض روسيا الشاسعة، وشرق أوروبا، وأغلب بلاد وسط آسيا، مع أتباع في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، وكان نداً قوياً للغرب بقيادة الولايات المتحدة، صنع أسلحة دمار كما يصنعون، ووصل إلى الفضاء عندما كانوا لايزالون يفكرون، ونشر فكره الإلحادي في كل أرجاء المعمورة، ووصل إلى شوارع وجامعات لندن وباريس ونيويورك، وساند حركات انفصالية في إيطاليا واليابان وإسبانيا وألمانيا وفي بلاد العرب والمسلمين، وأسس الأحزاب الشيوعية ومولها، فأهدر ثرواته، وغفل عن اقتصاده، وحول شعوبه المرفهة إلى آلات تنتج ولا تجد ما يكفيها من…

أمننا يتقدم على كل شيء

الأربعاء ٢٦ يناير ٢٠٢٢

كانت الأساطيل الغربية تغمض عيناً وتفتح العين الأخرى، وتكتفي بما تريد أن تراه، وتسمح بمرور ما لا تريد أن تراه. سلاح بهذا الكم الهائل يصل إلى اليمن، ويسلّم إلى مجموعة يفترض أنها خارجة على القانون بحكم نص القرار 2216 الصادر من مجلس الأمن الدولي، ومدرّبون يتقاطرون من لبنان وغيره رغم القيود المفروضة، ومشغّلون أجانب يشرفون على تجهيز وإطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ بتقنياتها المتطورة، ولا يلفت كل ذلك أحداً من المنادين بتخفيف الضغوط على الحوثي. وعندما أراد قادة تلك الأساطيل ودورياتها في خليج عمان وعدن وبحر العرب، أن يرصدوا الممرات المعروفة لديهم، فتحوا العين الأخرى، فالعدوان على أبوظبي لا يسمح لهم بملاعبة الحوثي والذين يقفون خلفه، وفي يوم واحد، تصدر قيادات القوات الأمريكية والبريطانية بيانين منفصلين، فإذا وضعناهما جنباً إلى جنب كانا مكملين لبعضهما البعض، فهذا يحتجز سفينة محملة بمواد تستخدم في التفجيرات، كانت في طريقها إلى اليمن، وذاك، أي الإنجليزي، يحتجز سفينة تحمل مخدرات تقدّر قيمتها بحوالي 20 مليون دولار، والغريب في الأمر أن هذه السفينة كانت قد احتجزت من قبل وهي تحمل أسلحة قبالة السواحل الصومالية، فالذي نعرفه أن الوسيلة المستخدمة في تهريب الممنوعات والمواد المحظورة تصادر حسب كل القوانين، والغريب أكثر أن أحد البيانين يذكر بأنهم شكّوا في السفينة عندما شاهدوها تسلك ممراً يستخدمه المهرّبون! بكل تأكيد سيراودنا…

النزاهة والفساد

الخميس ٠٦ يناير ٢٠٢٢

عندما تتحدث الأرقام، تصمت الأقلام. ذلك قول يضع نقاطاً على جميع الحروف الناقصة، فنكون غير محتاجين إلى تفسير أو توضيح أو «سفسطة» فلاسفة، تبرأت الفلسفة منهم منذ زمن طويل، ولا يمكن لأعمى البصر والبصيرة، أن يناطح حقيقة تؤكدها مؤشرات دولية، وتثبتها نتائج ملموسة. قد نتجادل على شيء بني في الأساس على ادعاءات صادرة عن أشخاص لا يمثلون حتى أنفسهم، وقد نقضي أياماً ونحن نبحث عن حجج تسند كلامنا، فنكتب ونكتب ونكتب، حتى تتعب أيدينا، وتعجز عن حمل القلم، ويكون ذلك في المسائل التي تقبل الجدل، أما إذا جاءت تقارير منظمات وهيئات عالمية، بُنيت على تقييم خاضع لمعايير ثابتة، تصبح الأرقام الواردة، مثل السيف القاطع، نقطة فصل وإثبات لا تقبل النقاش. أقول ذلك، حتى أطرح قضية الفرق الشاسع بين تأثير الأمطار والسيول خلال الأيام الماضية على دولة الإمارات، وبلدان أخرى، وحتى لا يظن بعض الأشقاء أنني أقصد دولهم، أؤكد أن كلامي ينسحب على نتائج الأمطار في أمريكا العظمى وأوروبا، ذات التاريخ الحضاري والرفاهية المفرطة، ومعها أي دولة في أي بقعة من بقاع العالم، لم تحتمل بضع سنتيمترات تساقطت عليها خلال يوم ماطر، فهذا الذي صنع الفارق، يعود إلى مؤشر النزاهة والشفافية المعلن قبل فترة، والذي وضع الإمارات على رأس قائمة الدول الشرق أوسطية في محاربة الفساد، وفي المقدمة بالنسبة لدول العالم،…

سلطان الثقافة

الثلاثاء ٠٩ نوفمبر ٢٠٢١

جاءت إشادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد معبرة رغم كلماتها القليلة، فهي تختصر المسافة الفاصلة ما بين الحاكم والثقافة، والتي جسدها سلطان بن محمد القاسمي وصعد بالدولة والشارقة إلى مرتبة عالية بين الأمم. صاحب السمو حاكم الشارقة غير كثيراً من المفاهيم، ومسح صوراً نمطية كانت راسخة في الأذهان، وحولها إلى مسار آخر، تكاد هذه الأمة أن تكون قد نسته، فمنذ مئات السنين حدث الانفصال التام بين الحكم والثقافة، واختفى الحاكم الدارس والباحث والمثقف والمؤلف، ذلك الذي يضع يداً في مشاريع البناء، ويداً أخرى في نفض الغبار عن تراث كاد أن يندثر. جهود جبارة بذلها الشيخ الدكتور طوال 50 عاماً، ساهم في تثبيت أركان الدولة الاتحادية، ودعم مسيرة زايد، طيب الله ثراه، وجهود راشد، رحمة الله عليه، نحو الحلم الكبير، فكان عضداً، والعمود الثالث لنهضة ما أن قامت حتى لفتت الأنظار، واختط لنفسه مساراً موازياً، فهو المحب للتاريخ، المهتم بالتراث وما خلفه الأجداد، أولئك السابقون الذين خاضوا في بحار العلم 14 قرناً، وأوصلوا الثقافة والتنوير إلى بلاد كانت تعيش في الظلام، ثم أحالوا كل شيء إلى تاريخهم ومنجزاتهم وحضارتهم. خطوة تلو أخرى، كان حفظه الله يخطوها ليجعل من مدينته منارة للثقافة محلياً وعربياً وعالمياً، ولم يستعجل، ولم يخلط الرغبة والهدف بالتسرع، فهو لم يكن يبحث عن تعريف شخصي، إنه «نار…