السلطان والقيصر في حاجة إلى بعضهما البعض

الجمعة ١٢ أغسطس ٢٠١٦

غيّرت معركة حلب موازين المقايضة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، وجعلت السلطان والقيصر في حاجة متساوية الى بعضهما البعض بعدما كان أردوغان ضعيفاً وبوتين مستقوياً. اختلفت استدارة أردوغان في أعقاب تطورات المعركة في حلب، لذلك بدا بوتين أكثر حذراً بعد استقباله أردوغان في سان بيترسبورغ وأكثر رغبة في التدريجية مقارنة مع ضيفه الذي اكتسب فجأة جرأة الإقدام. الغوريللا التي تزن طنّاً الحاضرة الغائبة في لقاء الرجلين كانت الولايات المتحدة. ذلك أن لا بوتين مستعد للتضحية بكامل العلاقة التنسيقية مع الولايات المتحدة في سورية ولا بالتفاهمات الضمنية معها في أكثر من مكان، ولا أردوغان جاهز فعلاً لرمي موقعه المميز لدى الولايات المتحدة جانباً، مهما لعب أوراقه العلنية التصعيدية لتعزيز موقعه داخلياً في أعقاب محاولة الانقلاب عليه. كلاهما في حاجة الى الحفاظ على خصوصية علاقاته مع الولايات المتحدة، وكلاهما في حاجة الى الآخر لإنقاذه من ذلك المستنقع أو تلك الورطة التي تتربص له في سورية أو في تركيا. لدى أردوغان دور كبير في إنقاذ بوتين من مستنقع يتربص به في حلب، وهناك أصوات ترتفع داخل روسيا تطالب بوتين بوقف النزيف الروسي في سورية والتوصل إلى تفاهمات مع تركيا وإيران والسعودية وغيرها لتنسيق الجهود الديبلوماسية من أجل الحل السياسي بدلاً من الاستنزاف العسكري. ولدى بوتين دور ينقذ أردوغان من…

أردوغان جاهز للثأر من أميركا وأوروبا عبر البوابة الروسية

الجمعة ٠٥ أغسطس ٢٠١٦

عندما يلتقي «القيصر» فلاديمير بوتين بـ «السلطان» رجب طيب أردوغان الأسبوع المقبل في موسكو في أول زيارة خارجية له بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، سيختال الرئيس الروسي كالطاووس منتصراً أمام الديك التركي الذي ينتف ريشه بنفسه ثأراً. كلاهما خائف، ضمناً، على سلطته وسلطويته القاطعة وكل منهما يخشى ذلك «المستنقع» الذي يتربص له: أردوغان في التصفيات الانتقامية داخل تركيا وبوتين في مغامراته السورية. حلب ستكون حاضرة حيثما يجتمع بوتين وأردوغان، فمعركتها مفصلية ومستقبلها سيكون مرهوناً – جزئياً – بالصفقة بين العدوّين اللذين تحوّلا إلى صديقي الحاجة الموقتة. إنما مفاعيل معركة حلب الأخرى أيضاً مهمة تشمل إيران وميليشياتها، والنظام في دمشق وأدوات إخماده المعارضة، والعواصم الخليجية وخياراتها بعد استدارة أردوغان نحو روسيا وعلى ضوء استمرار التلكؤ الأميركي في مد المعارضة السورية بالمعونات الضرورية لبقائها – وإلاّ زوالها بعد معركة حلب. فما هي ماهية معركة حلب لكل من اللاعبين فيها، لا سيما أن هذه المدينة العريقة تُعَّد من أهم المدن السنّية وأكبرها؟ إسقاط المدينة واحتلالها ليسا أمرين سهلين، بل قد يكونان الورطة التي توقع بروسيا كما بإيران. ربما الهدف هو تحويل المكاسب الميدانية إلى أوراق تفاوضية، ولعل تحقيق تلك المكاسب العسكرية بات أسهل نتيجة تنازلات أردوغان المرتقبة أمام مطالب بوتين السورية. إلا أن هناك الآن توتراً في العلاقة الأميركية – الروسية ناتجاً من تدخل…

معركة صعبة امام هيلاري ومزاج الاميركيين قد يأتي بترامب

الجمعة ٢٩ يوليو ٢٠١٦

مزاج الأميركيين صعب في زمن القلق على المستقبل والانزعاج من «الآخر»، والقرف من السياسيين التقليديين، والخوف من الإرهاب، والهروب إلى الأمام عندما يتعلق الأمر بتعريف الدولة العظمى ومتطلبات تلك العظَمَة على الساحة الدولية. المزاج العام يعكس اللاثقة بمرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسة، هيلاري كلينتون، التي انصبّ مؤتمر الحزب هذا الأسبوع على محاولة إعادة تسويقها بـ «أنسنة» لعلها تدخل قلوب الأميركيين الذين لا يرتاحون إلى «ميكانيكية» المرأة التي اجتهدت وصمّمت وعكفت على إدخال نفسها التاريخ «حسابياً» غير آبهة بافتقادها الجاذبية التي حرمها الله منها وسكبها في زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون. إنها المرشحة ذات الخبرة المكتسبة والصعود إلى مواقع السلطة تدريجاً بتماسك وبحنكة سياسية قوامها تهذيب العلاقات مع أقطاب «المؤسسة» العسكرية والمدنية Establishment التي تحكم فعلياً في الولايات المتحدة. وهي عكس كل ما يمثله المرشح الجمهوري – رغم أنوف الجمهوريين التقليديين – دونالد ترامب الذي قفز إلى القطار المتوجه الى البيت الأبيض وسط استهزاء الطبقة السياسية، واستهتار المثقفين والمفكرين، وانصباب الإعلاميين على تغطية أخباره لأنها تسويقية ومسلية وعابرة – أو هكذا كانوا يعتقدون. فلقد انقلبت النكتة على الذين ضحكوا مليّاً. هكذا انتفضت الطبقة الغامضة على الطبقة التي صنّفت نفسها نخبوية لتثبت لها أن فوقيتها وتعاضدها مع «الموسسة» ليسا البوصلة الحقيقية. «غامضة» لأن اتباع دونالد ترامب مزيج من الغاضبين والخائفين، والمنزعجين من «الغريب»،…

ابتعاد أردوغان عن الغرب يجعله في حاجة إلى موسكو

الجمعة ٢٢ يوليو ٢٠١٦

لمصلحة من أن يتحوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بطّاش المؤسسات القضائية والتعليمية والجيش، يفرض حال الطوارئ، ويتوعّد بإعدام المنقلبين على نظام الحكم الإسلامي، ويؤسس لنفسه ولحزب «العدالة والتنمية» الحاكم ما تمكن تسميته بـ «الحرس السلطاني» على نسق «الحرس الجمهوري» الذي قام بحماية صدام حسين في العراق و «الحرس الثوري» الذي يحمي نظام الملالي ويتحكم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ مَن يريد أردوغان مذعوراً ويقوم بحملات «تطهير» و «اجتثاث» و «تصفيات» تسحق شفافية المحاكمة ولبَّ الديموقراطية؟ قد يبدو أردوغان منتصراً داخلياً وهو يعزز سيطرته على السلطة ويوسِّع صلاحياته، لكنه يبقى مُطوَّقاً خارجياً وداخلياً. تركيا ما زالت في خضمّ الاختبار وأردوغان يتحكم الآن بدولة اللااستقرار، وهذه شهادة على فشل النهج الذي تبناه في الحكم، بدءاً بانقلابه الممنهج على العلمانية و «الكمالية» المرتبطة بحكم أتاتورك، والتي تتعارض كلياً مع ربط الدين بالدولة الذي يريده أردوغان وحزبه لتركيا. إذلال الجيش النظامي وتحجيمه وتحقيره وسحب الهيبة عنه لا تضيء على رجب طيب أردوغان كقائد دولة، بل العكس، فهو تعمّد حتى قبل المحاولة الانقلابية تقزيم الجيش، فساهم في تفكيك إحدى أهم مؤسسات الدولة الحديثة وعرَّض الأمن القومي للهشاشة حماية للأمن السلطوي، وفسح المجال أمام احتمال أكبر لقيام دولة كردية. مغامرات أردوغان باستثماراته في مصر وتونس لمصلحة «الإخوان المسلمين» دعماً لانقلابات على الأنظمة العلمانية عرّت غاياته الإقليمية…

حرب الذات والآخر

الجمعة ٠٨ يوليو ٢٠١٦

عقلية ونوعية تنظيم «داعش» وإرهابه المتميز بأيديولوجية إسلامية متطرفة تتحدى الإسلام المعتدل الرحب المتطور المتقبل للعلم والتجدد، تتطلب اليوم اختراقاً خارقاً للعادة بأدوات غير مسبوقة تمتد من التعليم الابتدائي إلى السياسات المصيرية للدول، الكبرى منها والصغرى، وفي الإقليم وخارجه. فلا أحد بريئاً من صنع هذه الظاهرة المدمِّرة والآفة النامية، والكل مسؤول عن إيقافها وإيقاف جميع أنواع التطرف العقائدي الأخرى، المسيحية واليهودية والشيعية والعلمانية على السواء. المسؤولية الأولى إسلامية سُنيّة لأن تنظيم «داعش» وشبكة «القاعدة» وأمثالهما هم أبناء تفسير متحجِّر للإسلام. المسؤولية أيضاً عربية لأن معظم المنتمين إلى هذه الحركات الجهادية والتدميرية عرب من المشرق والمغرب والخليج. إنما هناك «الآخر». من هو ذلك الآخر الذي لعب دوراً تأسيسيّاً وبات شريكاً مساهماً في شركة إنتاج «الداعشية» وأمثالها؟ لا أحد بريئاً، والجميع هم «الآخر». صنع الأصولية السنيّة في أفغانستان بشراكة غربية - إسلامية ولّد «القاعدة» وأسفر عن إسقاط الاتحاد السوفياتي، فكانت تلك محطة الانتقام الأميركي من عقدة فيتنام. الأصولية الشيعية وصلت الحكم في طهران بشراكة أوروبية - أميركية وكانت هذه الشراكة قبل عقود صنعت الأصولية اليهودية التي أوصلت إسرائيل اليوم إلى التباهي بإنشاء المستوطنات غير القانونية ورفض إنهاء الاحتلال ومعه رفض حل الدولتين. ومع صدور تقرير رئيس لجنة التحقيق البريطاني في شأن حرب العراق السير جون تشيلكوت، بات واضحاً أن الرئيس الأميركي السابق…

روسيا في حاجة الى شراكة تركيا في الحرب على «داعش»

الجمعة ٠١ يوليو ٢٠١٦

تمر السياسة التركية، المحلية والإقليمية والأوروبية والدولية، في مرحلة لافتة للانتباه، أتى جزء منها مفاجئاً ليعكس تغييراً تكتيكياً في رؤية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واستراتيجيته. فالرجل الذي لا يعترف بالخطأ اعتذر هذا الأسبوع من روسيا وشرب كأس السم وهو يطأطئ الرأس أمام العدو المنافس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اشترط الاعتذار عن إسقاط تركيا الطائرة الروسية قبل بضعة أشهر. والرجل الذي دعم «حماس» وتحدى القيادة الإسرائيلية وتبنى المزايدة على القيادة الفلسطينية، قرر هذا الأسبوع المصالحة مع إسرائيل واستعادة العلاقات الديبلوماسية المتبادلة زاعماً أن إسرائيل لبّت الشروط، فأتت خطوة أردوغان لتثير الحفيظة داخل تركيا وخارجها. سياسته نحو سورية تغيّرت كثيراً ولم يعد الرئيس التركي على رأس الحربة في محاربة نظيره السوري بشار الأسد، ولا في دعم المعارضة السورية المسلحة المعتدلة – فهو يبدو جاهزاً للتسلق هبوطاً من الموقعين. ثم إن حرب «داعش» على تركيا لم تأتِ من فراغ وإنما نتيجة تغيير جذري في تعامل تركيا مع المحاربين والمتطوعين الذين سبق أن فتحت أمامهم الأبواب عبر حدودها مع سورية قبل أن تتحوّل إلى شريك فعلي مع قوات «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة وتفتح أمامها مطاراتها لشن الغارات على «داعش» في سورية والعراق. فالحرب التي يشنها «داعش» على المدن التركية حرب انتقامية ممّا يعتبره التنظيم «خيانة» له من القيادة التركية التي افترض…