رشيد الخيّون
رشيد الخيّون
دكتوراه في الفلسفة الإسلامية من أهم مؤلفاته "الأديان والمذاهب بالعراق"، و"معتزلة البصرة وبغداد"، و"الإسلام السياسي بالعراق" و"بعد إذن الفقيه".

علي الأمين.. ليتَ العمائمَ عمامتُه

الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠١٩

وُلدت في السنة التي رحلت بها عِمامة مرجع الشام المعروف السيد محسن الأمين(1952)، عِمامة أمينية تحمل منهج الأولى، في المواقف الجريئة، تأكيد نقاوة المذهب مع مذاهب الآخرين، وحياة الدين مع أديان بقية البشر. ما زال الحيّ الدّمشقي يحمل اسمه «حي الأمين»، كان ذلك قبل أن تنفجر الطّائفية مِن خارج الحدود، وقبل شعارات «زينب تسبى مرتين»، عندما حُشرت الميليشيات بالشام، والعذر دفاعاً عن مقام السيدة زينب. قبل ذلك، كان المذهب أقرب إلى العقل والحياة بوجود عِمامة الأمين، وعمائم آل كاشف الغطاء، وآل ياسين، وآل المظفر، الأسر العراقية العربية، التي تولت دور المرجعية والأستاذية في أكثر مِن زمن، حتى حل زمن العمائم المسلحة، وهي إشارة رعب وتخويف إلى الأتباع قبل غيرهم، عَمائم فتكت بمراجع عظام في مذهبهم وأمام مقلديهم، والسبب لأنها مِن نسيج عِمامة الأمين وما ذكرنا مِن كبار المذهب. ظل السيد علي الأمين، الذي ولد في عام رحيل محسن الأمين، شوكة بوجه الطائفية، ومحاولات الهيمنة على الطائفة الشيعية اللبنانية، فموقفه الذي أوضحه في فبراير 2008 عن عدم الحق لحزب ما أن يُصادر الطائفة لأجنداته والإيديولوجيا التي ينتهجها حزبه، مما دفع إلى عزل علي الأمين من الإفتاء بمدينة صور، وظلت الحملات تُشن ضده، ولو فكر تفكيرهم الحزبي لكانت له ميليشيا ومصادر أموال، وحمايات قد لا يحظى بها الملوك والرؤساء. قبل أيام عُقد…

الإِمامَة.. مِن عبد الرازق إلى كَدِيْور

الجمعة ٠٦ سبتمبر ٢٠١٩

تُعد مسألة الإمامة أو الخلافة، التي تأتي بحاكمية الله أو بالنَّص منه، حسب اختلاف المذاهب، أساساً لفكرة الحُكم عند الإسلام السِّياسي، لهذا كثر الجدل حولها، فهي السُّلطة بين أن تكون إلهية مقطوعة بتتويج إلهي، كما هو الحال عند الإمامية، وما تفرع عن ذلك مِن فكرة ولاية الفقيه، أو الحُكم باسم الله مثلما هو الحال عند الإسلام السياسي السُّني، أي الحاكمية المنطلقة مِن الآية: «إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ»، وهي لا تعني الخلافة أو الإمامة، إنما تعني قُدرة الله، وقد أتينا عليها بالتفصيل في مقال: «إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ.. ليست سياسة» (الاتحاد في 13 نوفمبر2018).  إنها المسألة التي ناقشها الشَّيخ المصري علي عبد الرَّازق (تـ1966) في كتابه «الإسلام وأُصول الحُكم» (1925)، نافياً أن تكون الخلافة دينية، وما هي إلا آراء فقهية مختلف عليها، بينما الخلافة مسألة كبرى، وكانت النَّتيجة أن عُزل مؤلف الكتاب مِن الأزهر، وتلك قصة مشهورة. جاء كتاب عبد الرَّازق مزلزلاً لمَن كان يريد بعث الخلافة العثمانية، وبالتَّالي ظل ما كتبَ ناقضاً لحاكمية الإسلام السِّياسي. بعد أكثر مِن سبعة عقود ظهر الشَّيخ الإيراني مُحسن كَدِيْور، في محاضراته التي كان يُلقيها في جامعة طهران وحُسينة الرَّشاد، له كتابان جُمعتْ أفكارُه فيهما بخصوص الإمامة وولاية الفقيه: «نظريات الحُكم في الفقه الشِّيعي أو بحوث في ولاية الفقيه» و«القراءة المَنْسية إعادة قِراءة نَظرية الأئمة…

الشَّوك.. صلح للثَّقافة لا السِّياسة

الأربعاء ٢٣ يناير ٢٠١٩

رحل علي الشُّوك(1929-2019) تاركاً مكتبةً ثريةً مِن مؤلفاته، في اللغة والأساطير والموسيقى، فقد ظل عاكفاً على الكتابة، بعد انقطاعه عن السياسة كليةً، إثر اعتقاله وتعذيبه، فقبل ذلك لم يُعد وجوده في الحزب الشيوعي العراقي سياسياً بقدر ما كان ثقافياً، فهو كائن ثقافي لا يصلح للسياسة، وعلى وجه الخصوص ببلد مثل العراق، صاحب النشاط السياسي فيه يعيش على خطرٍ، فالانتماء إلى حزب معارض يحتاج إلى أجساد تتحمل أهوال السجن ولفح السياط، ولا أظن الشّوك وما طُبع عليه بقادر على ذلك، ومَن ظل مجافياً له بسبب ضعفه تحت قسوة التعذيب، لا يرى فيه غير السياسي أو الحزبي المتخاذل، مع أن كل ما في الشّوك يصرخ أنه لم يعد نفسه سل الأظافر والتعليق في السقوف منكس الرأس والجلد بخراطيم مُكربة. كان أسلوبه في الكتابة ساحراً، كأنه يعزف على البيانو الذي تعلم العزف عليه مبكراً، ومَن يبدأ في الكتابة عليه بقراءة كتبه ومقالاته، كي يتعلم طراز الكتابة الأنيقة الخالية من التقعر، أسلوباً وبحثاً، وهذا ما نُصحتُ به عند بداية مشوار الكتابة. لم يتطلع الشّوك إلى الأضواء، على الرَّغم مِن الاعتداد بنفسه، وبعد محاولات معه وافق على الظهور في برنامج «روافد» في قناة «العربية»، وقد قلتُ له: «أنت بيننا كأبي الهذيل العلاف بين المعتزلة»، أعجبته العبارة، وقد هيجت الغرور في نفسه، شعرتُ بذلك من ابتسامته…

هلا تذكَّرتِ يا طهران شكوانا؟

الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٨

ليس حريصاً مَن يريد العداء لإيران، وليس منصفاً مَن ينكر عليها جمال طبيعتها، وعلى شعبها التَّاريخ العريق في الثقافة والأدب والفن. كانت قبلة للسائحين والدَّارسين، لأهل العِراق خصوصاً، فالجوار يمتد لألف ومئتي كيلو متر، مِن أقصى السليمانية إلى أقصى البصرة. فأي عراقي يحب لعراقه الاستقرار والعيش الرَّغيد يريد لهذه المسافة الطويلة، من الحدود، أن تبقى خطوطاً ملتهبةً؟!  حتى بعد الحرب الطَّاحنة بين البلدين، فما إن مالت السِّياسة إلى الاعتدال، تبادلت الدولتان الوفود، وانقلب ما كان يبثه إعلام الدولتين مِن سموم، إلى تقديم المصالح، بعد أن وجد القادة الإيرانيون في إدامة الحرب انتحاراً، وبعد وفاة الخميني(1989)، الذي اعتبر موافقته بإحلال السَّلام جرعة سم، انتهى الحلم بدولة إسلامية ملحقة، بعد أن كان يراها مِن شبابيك الثَّورة قاب قوسين أو أدنى. كنا نأمل مِن إيران، التي مدت يدها للنظام السَّابق، تمد اليد الحُسنى لما بعده، فخيره خير لها. لكن سرعان ما حشدت الحشود وأعلنت من أرض العراق الحرب على العالم. باشرت بالإعداد لمرحلة جديدة، فأرسلت رجالها (من العراقيين) لقيادة ما سموه بالمقاومة، مع أن العراقيين بعد حصار دام ثلاث عشرة سنة، ليسوا بقادرين على مجاراة طموحاتها الثورية. بعد (2003)، أعادت إيران حلم الخميني، فالأحزاب التي شغلت السَّاحة هي أحزابها، وكلما رفعت صورة المرشد بساحات بغداد زاد الغرور غروراً، حينها فتحت البوابة السورية لإدخال…

«الإخوان المسلمون»: لحظة الخروج من الجنة

الأربعاء ١٩ مارس ٢٠١٤

تُعد المملكة العربية السعودية، لأكثر مِن نصف قرن، مأوى لـ«الإخوان المسلمين»، ولولاها ما نجوا من ضربة مصر الناصرية لهم. لذا فإن اعتبارهم، أسوة ببقية الجماعات الإسلامية، جماعة إرهابية، كان قراراً مفاجئاً لهم، ومن يطلع على خفوت لهجة ردهم يشعر أن لديهم أمل بالتراجع عنه. فبعد هذا التاريخ من الصِّلات قد يحصل اختلاف ينتهي باللوم أو القطيعة، ولا يصل إلى اعتبارهم جماعة إرهابية. بدأت الصلة بُعيد تأسيسهم (مارس 1928)، فعقب التأسيس بشهور وصل موفد من السعودية يطلب مدرسين، وجاءت رسالة إلى حسن البنا (اغتيل 1949): «نرجو التفضل بالحضور يوم الخميس المقبل، الساعة 7 مساءً بإدارة الجريدة، وذلك لمقابلة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك ابن سعود، للاتفاق معه على السفر وشروط الخدمة في المعهد السعودي بمكة» (البنا، مذكرات الدعوة والداعية). بيد أن البنا أراد العمل السياسي فاشترط: «ألا أُعتبر موظفاً، يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين..» (المصدر نفسه). يُفهم من هذا أن البنا أراد له ما كان لمحمد بن عبدالوهاب (ت 1792) في الدولة السعودية الأولى! وحسب البنا نفسه فإن وزارة المعارف المصرية رفضت الانتداب، وكان الشرط كما جاء على لسان وهبة (ت 1967) موافقة المعارف. فانتهت تلك الفرصة، ولا نعلم…