رضوان السيد
رضوان السيد
عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي

عشر سنوات على حرب العراق

الجمعة ٢٢ مارس ٢٠١٣

تجددت الجدالات السياسية والاستراتيجية في أوروبا والولايات المتحدة بشأن الحرب الأميركية - البريطانية على نظام صدام حسين والعراق. والمناسبة هي مرور عشر سنوات تماما على بدء الغارات على بغداد في ليل 2003/3/19. وقد كان معلقان سياسيان يتجادلان على إحدى الفضائيات ببريطانيا قبل أيام، فقال أحدهما، وهو معارض لمشاركة توني بلير وحكومته في تلك الحرب: «إن الحرب على العراق غيرت الإقليم»، فأجابه الآخر الذي كان مؤيدا للحرب، وإن لم يعد اليوم كذلك: «لكن إغارة (القاعدة) على الولايات المتحدة غيرت العالم»! هكذا فإن الجدالات الغربية بعد عشر سنوات من حرب العراق لا تربط بين الحربين (على «القاعدة» وعلى العراق) من الناحية العملية فقط؛ بل ومن الناحية الاستراتيجية والسياسية إذا صح التعبير. وقد كان الواضح قبل وقوع الحربين أن إدارة بوش الابن ومحافظيها الجدد كانت تبحث عن أرض لتخوض عليها معركة لتأكيد الهيبة والهيمنة من جهة، واختبار الآثار وردود الفعل على العرب والمسلمين والعالم في ظل الأوحدية القطبية من جهة أخرى. ونعرف الآن أن القوة الأميركية ما كانت وحيدة في هذا التفكير. فأسامة بن لادن كان يريد أيضا تحدي الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق عن طريق الإغارة عليها في عقر دارها. وقد ذكر بوب وورد، في كتابه عن حروب بوش، أن وولفويتز الشهير كان رأيه أن «العراق ساحة مثالية لإرساء المثال والنموذج الذي…

الثورة السورية: المتطوعون والأصوليون والمخاوف الغربية

الجمعة ١٥ مارس ٢٠١٣

أخبرني صحافي لبناني مشهور كان يتردد على دمشق كثيرا أنه مضى إلى العاصمة السورية في خريف عام 2004 على موعد مع أحد القادة الأمنيين هناك. وفي دمشق علم من إدارة الفندق الذي نزل فيه أن صديقه فلانا يتقبل التعازي باستشهاد ابنيه اللذين تطوعا للقتال ضد الأميركيين بالعراق، فذهب وعزاه. وعندما قابل القائد الأمني في اليوم التالي، سأله على توجس وتردد: لماذا ترسلون - وأنتم قوميون بعثيون – شبانا من «السنة» للقتال بالعراق، ولا ترسلون أبدا شبانا من العلويين أو المسيحيين مثلا، ولو في حالات قليلة؟ ويقول الصحافي اللبناني إن اللواء (الذي صار سفيرا للنظام لدى إحدى الدول العربية) ما انزعج ولا تلعثم، بل أجابه: السنة هؤلاء هم الأكثر حماسا، نحن لا ندعوهم بل هم يتطوعون، ولماذا تنزعج أنت؟ عسى أن تقل أعدادهم فهم كثيرون كثرة لا تطاق! ولا أقصد من وراء هذه الواقعة التقليل من شأن الروايات عن كثرة أعداد «الجهاديين» السنة في صفوف الثوار السوريين اليوم. بل ما أقصده أمران: أن شبانا عربا صغارا كانوا يحسون ضرورة الدفاع عن الأمة في وجه مهاجميها بهذه الطريقة؛ أما الانتظام في مجموعات أو أحزاب «جهادية» فقد كان يحدث فيما بعد، أي بعد وصولهم للساحة التي يقصدونها، أو لكي يتمكنوا من الوصول إلى تلك الساحة. ونحن نعلم أن كثرة ساحقة من هؤلاء سقطت…

العيش مع الآخر… أين يتجه المسلمون؟

الأحد ١٠ مارس ٢٠١٣

سبق أن ذكرتُ أن السؤال عن «وجهة الإسلام» كان قد طرحه هاملتون غب، المستشرق البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد شغله وقتها اتجاه المسلمين بشبه القارّة الهندية إلى الانفصال عن الهند، وإقامة كيان خاص بهم رغم مساعي غاندي الحثيثة لإبقائهم في «حزب المؤتمر الهندي». وقد اعتبر «غب» يومَها أن هذا التوجه له دلالات فيما يتعلق برؤى المسلمين المستجدة للعيش مع الآخر. فقد ذهبت «الرابطة الإسلامية» إلى اعتبار الإسلام هويةً دينية وثقافية وسياسية. وبالفعل فإن الدين الإسلامي اعتُبر فيما بعد الدين الرسمي لدولة باكستان الجديدة. وظلت التجربة الباكستانية ملأى بالمصاعب والعقبات عبر تاريخها الحديث والحاضر كله. فبمساعدة الهند في مطلع سبعينيات القرن الماضي، قام البنجاليون، فيما كان يُعرفُ بباكستان الشرقية، بالانفصال عن باكستان الغربية، وأقاموا دولة بنجلاديش. ومع أن الدولتين ظلتا على اضطراب شديد منذ ذلك الحين؛ فإن دولة باكستان (الغربية) هي التي تعاني داخلياً من الأصوليات الدينية المتشددة (حركة «طالبان» باكستان). وهكذا فإن الانفصال الباكستاني عن الهند، ما أنهى حالة الانقسام، بل انتقل للدواخل الباكستانية، ولا يزال معششاً فيها في صورة توترات إثنية ودينية وسياسية. على أن فشل التجربة الباكستانية، باعتبار الإسلام ديناً قومياً جامعاً، ما أفضى لمراجعات بشأن علائق الدين بالقومية والإثنيات، وعلائق الدين بنظام الحكم. فالقومية الكردية في تركيا والعراق وإيران وسوريا لا تزال تسعى لإقامة دولة قومية…

ماذا يريد الإيرانيون؟ وماذا يريد الأميركيون؟

الجمعة ٠٨ مارس ٢٠١٣

كان المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم الثلاثاء الماضي بالرياض، غريبا في وقائعه. فقد بدا الوزير السعودي شديد الوضوح، بينما بدا الوزير الأميركي شديد الغموض، إن لم نقل شديد التردد والحيرة. الفيصل قال إن سياسات التفاوض مع إيران على ملفها النووي سوف تؤدي إلى أن يمتلك الإيرانيون السلاح النووي خلال سنوات قليلة، وإن السياسات تجاه الثورة في سوريا تعني الدمار الكامل للبلاد، وإن الأخلاق (وليس الأمن الدولي وحسب) تقتضي في الحد الأدنى إمداد السوريين الثائرين بوسائل الدفاع عن النفس في مواجهة النظام المصر على إبادة شعبه. ووافق الوزير الأميركي على كلام الفيصل، ثم خالفه في الحالتين.. قال إن الولايات المتحدة مصممة على منع إيران من تملك السلاح النووي، وهي تريد حلا سياسيا تفاوضيا في سوريا. أما وسيلتا تحقيق هذا وذاك فقد بقيتا غامضتين. ماذا يريد الأميركيون حقا في شأن الملف النووي الإيراني؟ وماذا يريدون تحقيقه أو عدم تحقيقه في الملف السوري؟ بعد سنوات طويلة من التفاوض على نووي إيران، وعام ونصف على «التفكير والتقدير» في الملف السوري، يبدو لي أن السؤالين بشأن أميركا والملفين ما عادا صحيحين، بل تقديري أن المسألة تقع في جهة ثالثة، وهي أن أميركيي أوباما ما عادوا مستعدين للدخول في أي نزاع بالشرق الأوسط يقتضي…

رسالة خامنئي إلى مرسي: وجهة الإسلام: دولة المرشدين أم دولة المواطنين؟

الجمعة ٠١ مارس ٢٠١٣

قبل أسبوعين، أوردت وكالات الأنباء أن المرشد علي خامنئي أرسل وسبعة عشر من مستشاريه رسالة إلى الرئيس المصري محمد مرسي، حيا فيها الثورة المصرية، ودعاه إلى السير على نهج الإمام الخميني والثورة الإسلامية وولاية الفقيه. وتابع: «إن نهج الإمام جعل من إيران عزا للإسلام، وأقوى دولة في العالم»! وقد سبقت رسالة خامنئي عشرات الزيارات من مسؤولين إيرانيين إلى مصر بعد وصول الدكتور مرسي للرئاسة. وكانت زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد لمصر بمناسبة انعقاد القمة الإسلامية بالقاهرة، آخر تلك الزيارات. وهي زيارة آلمت أحداثها المحافظين الإيرانيين، ليس لأن أحمدي نجاد ما عاد يمثلهم بعد الانقسام عليه؛ بل لأنه في زيارته لشيخ الأزهر سمع كلاما قاسيا عن التدخل الإيراني في الشؤون العربية والخليجية على الخصوص، والمشاركة في قتل الشعب السوري - وهذا فضلا عن شكاوى من حملات التشييع، ومن ظلم أهل السنة في إيران! لذا، جاءت رسالة خامنئي بمثابة رد على ما نال أحمدي نجاد (وإيران) من إيلام. وتنبيه إلى طليعية الثورة الإسلامية وإيران، مقارنة بما يحدث في مصر وبلدان الثورات العربية. وهكذا، فقد أراد خامنئي مبادلة الجرح بالجرح: فإيران هي التي تستحق التقليد والسير على خطاها فقط؛ بل الأحرى تقليد إسلامها أيضا، من خلال «اقتباس» ولاية الفقيه بالذات! ولا نعلم إن كان مرسي قد رد عليه بعرض لمفهوم «الإخوان» المسلمين للخلافة…

إلى أين يتجه الإسلام؟

الجمعة ٢٢ فبراير ٢٠١٣

«وجهةُ الإسلام» أو «إلى أين يتجه الإسلام؟»، عنوان كتاب صغير للمستشرق البريطاني المعروف هاملتون غب صدر في أواخر الخمسينات من القرن العشرين، وترجم إلى العربية عدة مرات بعناوين مختلفة. وكانت الإشكاليتان اللتان تعرض لهما غب تتعلقان بمدى قدرة المسلمين على التلاؤم مع الأزمنة الحديثة لجهتين: لجهة العيش مع الآخرين في مجتمعات ودول تعددية، ولجهة العمل الفكري والفقهي على «تجديد التقليد» أو العمل على «تسويغ» المسايرة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحديثة. ومنذ كتابات غب عن الإسلام في الهند، فقد كان يساوره تخوفان أو إن شئنا الدقة تخوف ذو شعبتين: كيف يحفظ المسلمون تقليدهم العريق الذي يؤمّن تواصُل «مجتمعات الثقة والعيش»، وفي الوقت نفسه: كيف يخرجون أو هل يستطيعون أن يخرجوا، رغم قسوة ظروف الاستعمار والحداثة معا، إلى مجتمعات مدنية وحديثة؟! وما تغيرت الإشكالية كثيرا في كتابه السالف الذكر؛ لكن المجتمعات الإسلامية الكبرى كانت من وجهة نظره تتخذ منذ الخمسينات من القرن الماضي وجهة انشقاقية إذا صح التعبير: مجتمعات منكفئة على نفسها في الجانب الروحي والثقافي، وفئات عسكرية وثقافية تتشارك في إقامة أنظمة سياسية علمانية ذات توجه رأسمالي أو اشتراكي، فتضبط الداخل للحفاظ على «أهداف الثورة»، وتتحالف مع أحد القطبين لاصطناع توازن في العلاقات الخارجية في الظروف الصعبة والمصيرية. ومنذ ذلك الحين اعتبر غب أن الضغوط الآيديولوجية والسياسية على المجتمعات، ومن الخارج…

البابا المستقيل و«علامات الأزمنة»

الجمعة ١٥ فبراير ٢٠١٣

أجرى الفيلسوف البارز يورغن هابرماس، حوارا مع الكاردينال جوزيف راتسينغر عام 2004 عن الإيمان والعقل. وفي عام 2005 وعلى أثر وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، انتخب مجمع الكرادلة راتسينغر خلفا له فسمّى نفسه: بنديكتوس السادس عشر. وأشهر الذين سُمُّوا بهذا الاسم في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية كاهنان: بنديكتوس مؤسِّس الرهبانية البندكتية في القرن الثاني عشر الميلادي، وهي طائفةٌ شديدة التقشف - وبنديكتوس الخامس عشر، الذي كان بابا روما في الحرب العالمية الأولى، واشتهر بإعطاء كلّ ما تملك الكنيسة لخدمة فقراء ومُصابي تلك الحرب. وقد سأل بيتر سيفالد، كاتب سيرة البابا الجديد وصديقه الفيلسوف هابرماس عن الفروق بين شخصيتي الرجلين: بنديكتوس ويوحنا بولس من وجهة نظره، فقال بعد تردُّد: أمّا راتسينغر فتشغله مسألة الإيمان، واستعادة «روح الكنيسة» من طريق الالتزام بالتقاليد المسيحية العريقة، وأما يوحنا بولس فإنه يريد تغيير العالم! وعلى اختلاف شخصيتيهما؛ فإنّ يوحنا بولس الثاني، عندما أراد الانطلاق لتغيير العالم (من بولندا وحركة التضامُن، وشعار: الإيمان والحرية)، عيّن الكاردينال الألماني راتسينغر رئيسا لمجمع الإيمان، أي أنه ائتمنه على «استقامة العقيدة» في الكنيسة، وانصرف هو لهدم الشيوعية بالاشتراك مع رونالد ريغان والولايات المتحدة والإنجيليات الجديدة. وفعل البابا بنديكتوس عكس ذلك تماما: انكمش على نفسه، وانصرف إلى جمع «الخراف الضالة»، واعتبر أنّ خلاص الكنيسة من الدنيوية الهائلة والمتصاعدة، والعلمانيات، وإنجيليات البروتستانت، وتكاثر…

إيران وإسرائيل والثورة السورية

الجمعة ٠٨ فبراير ٢٠١٣

دخلت إسرائيل على الموضوع السوري مؤخرا من بابين: الإغارة على مواقع عسكرية في سوريا ما تزال تفاصيل أهدافها غامضة فيما بين مركز للأبحاث العسكرية وقافلة صواريخ متطورة إلى حزب الله، والإعلان من جهة أُخرى عن إجراءات على الحدود مع سوريا على مرحلتين: إقامة سور عازل يشبه ذاك الذي أقامته إسرائيل ضمن الضفة الغربية والقدس وعلى تخومهما، والقرار أخيرا بإقامة منطقة عازلة في الجولان السوري بعرض 15 كيلومترا للوقاية من التطورات المحتملة بعد سقوط الأسد ونظامه. أما إيران فقد أرسلت إلى سوريا سعيد جليلي مدير مجلس الأمن القومي، وقد بقي الرجل عدة أيام اجتمع خلالها بالأسد، وأعلن بعدها أنّ إسرائيل ستندم على ما قامت به؛ في حين قال مسؤولون إيرانيون آخرون إنّ الردَّ السوري على الهجوم الإسرائيلي سيكون حاسما، ويوشك أن يُدخل الكيان الصهيوني في حالة غيبوبة! وفي الوقت نفسِه اجتمع وزير الخارجية الإيراني صالحي في ميونيخ بمعاذ الخطيب رئيس الائتلاف للمعارضة والثورة، وقال صالحي بعدها إنّ الاجتماع كان ممتازا لأنّ الخطيب قبل التفاوض مع نظام الأسد بشروط! ماذا يريد الإسرائيليون، وماذا يريد الإيرانيون، وما العلاقة بين التحركين؟ كلا الطرفين الإسرائيلي والإيراني يقف مع نظام الأسد، لكنهما يُعدّان في الوقت نفسِه لصَون مصالحهما إذا سقط النظام. فالإسرائيلي يتخذ إجراءات على الحدود للحماية والوقاية بعد أن ظلَّ ساكنا ومطمئنا منذ عام 1974…

مصر المثيرة للقلق والخوف

الجمعة ٠١ فبراير ٢٠١٣

عندما اجتمع مجلس الدفاع الوطني برئاسة الرئيس مرسي، للنظر في الأوضاع الخطيرة في مدن القناة، والقاهرة، لاستئساد المتظاهرين من الشبان على قوى الأمن والجيش، صدرت عن الاجتماع عدة قرارات قرأها وزير الإعلام، أهمها اثنان: الإعلان عن حظر التجول في المدن المضطربة (والذي وصل بعد يومين إلى إعلان الطوارئ فيها)، والدعوة إلى مؤتمر للحوار والتشاور الوطني لدى جهة مستقلة (يعني ليست من الحكومة أو المعارضة). إنما في كل مرة فإن هذين القرارين لم ينفذا. أما حظر التجول فإن الشبان لم يطيعوه، ولم يحرص الجيش وقوى الأمن على فرضه تجنبا لسقوط المزيد من الضحايا. وأما القرار الآخر الأهم فإنه لم ينفذ لأن الجهة المستقلة التي تحدث عنها وزير الإعلام، وَحَسِبَها المواطنون الجيش أو الأزهر، جرى التراجع عنها، وتحدث الرئيس مرسي بعدها عن اجتماع حواري في القصر برئاسته، ما حضره بالطبع غير حلفائه (وعبد المنعم أبو الفتوح)، والنتائج الضئيلة التي خرج بها ومن ضمنها مطالب من مجلس الشورى بشأن قانون الانتخابات، أعلن مجلس الشورى أنه لا شأن له بها! وقد صارت هذه القرارات المرتبكة، والتي يتراجع عنها الرئيس دائما أو يفعل عكسها، سمة من سمات عهده بشهوره المعدودة، وحكومته الغائبة دائما. لا أحد يعرف بالضبط لماذا تضطرب قرارات الرئيس وتتناقض. أما الخصوم والمعارضون فيذهبون إلى أن قيادة جماعة الإخوان المسلمين هي التي تطلب…

وجه جديد للتأزم المتفاقم في لبنان

الجمعة ١٨ يناير ٢٠١٣

ما عاد وصف المشهد السياسي اللبناني أو المأزق اللبناني بأنه ناجم عن الانقسام بين قوى 14 آذار و8 آذار صحيحا، أو أنه لم يعد كافيا. فمنذ نحو شهر لا شغل للساحتين السياسية والإعلامية بلبنان إلا الحديث عما سمي بقانون أو مقترح: «اللقاء الأرثوذكسي» لقانون الانتخابات التي من المفروض إجراؤها في الشهر الخامس أو السادس من العام الحالي. وأصل الفكرة أو التسمية أن النائب السابق عن منطقة البقاع إيلي الفرزلي، كان قبل عام، قد جمع من حوله عددا من شخصيات طائفة الروم الأرثوذكس، وطلع بهذا «المشروع» لقانون للانتخابات «يؤمن تمثيلا عادلا وصحيحا للمسيحيين بلبنان». وبمقتضى هذا المقترح تنتخب كل طائفة نوابها بمفردها في سائر أنحاء لبنان حيث يكون البلد دائرة انتخابية واحدة، وعلى أساس النسبية. ويومها ما كاد يأبه له أحد لغرابته من جهة، ولأنه يحول لبنان إلى كونفدرالية طوائف، وهذا فضلا عن مناقضته للدستور الذي تقول مقدمته بالعيش المشترك. إنما قبل شهر ونيف، وعندما كثرت المشاريع المتناقضة لقانون الانتخابات البديل، عادت الحياة إلى مشروع اللقاء الأرثوذكسي، لكن هذه المرة، ليس على يد الفرزلي أو أحد من الأرثوذكس؛ بل على يد أو اتفاق الزعماء الرئيسيين للطائفة المارونية. فقد اجتمع كل من الجميل وجعجع وعون وفرنجية في بكركي برئاسة البطريرك الراعي، وتجاهل كل منهم مشروعه الخاص الذي سبق أن تقدم به، وأجمعوا…

ماذا يفعل العرب لدعم التغيير في سوريا؟

الجمعة ١١ يناير ٢٠١٣

قال بشار الأسد إن الربيع العربي فقاعة قريبة الزوال. وليس من همي هنا مجادلة الأسد في تشبيهه، فسيرته مثل سيرة الحيات لا تنتهي، مثلما يقول المثل العربي. لكنْ على هذه «الفقاعة» جاء وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة للتفاوض! فرأي إيران الإسلامية وموقفها أن خطاب الأسد فرصة لا تفوت! وهو رأي أو سياسة لا يشاركها أحد فيها حتى روسيا والصين. بيد أن مصر مدت هذا الحبل لإيران منذ أشهر من خلال اقتراحها للرباعية المكونة من مصر وإيران وتركيا والسعودية، لتنتج مبادرة لحل الأزمة السورية. وجاء السعوديون مرة ثم اعتذروا فصارت اللجنة ثلاثية. ومنذ ذلك الحين جاء صالحي إلى مصر أربع مرات، وتحدث في الكثير والقليل إلا في الأزمة السورية. والأدهى من ذلك أمر خطير عرفناه مؤخرا. فقد نشرت جريدة «القبس» الكويتية في 3/1/2013، وتبعتْها «التايمز» البريطانية في 8/1/2013 أن الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، زار القاهرة في شهر ديسمبر (كانون الأول) بدعوة من «الإخوان»، وليس من الدولة المصرية. وتختلف الصحيفتان في أهداف الزيارة، فتقول إحداهما إنه جاء ليطْلع أمْنيي «الإخوان» على تجربة الحرس الثوري ودوره في حماية الثورة بإيران، لأن «الإخوان» يفكرون بإنشاء جهاز مشابه. وتقول الصحيفة الأخرى: بل إن الزيارة كانت لشرح سياسات إيران تجاه بلدان «الثورات الإسلامية» باعتبار إيران ولاية الفقيه، ينبغي أن تكون نموذجا لها! وأيا تكن…

شريعة المجتمع وشرعية الدولة

الجمعة ٠٤ يناير ٢٠١٣

كان الهدف الأول من الدساتير والقوانين الأساسية في المشرق منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر: الحد من الاستبداد وقدرة الحاكم على التصرف في الإدارة والمال من دون رقابة أو مسؤولية؛ إذ بسبب الإنفاق غير المنضبط بأي قيد رزحت الدولة العثمانية وأقطارها تحت أعباء مديونيات هائلة للحكومات والمؤسسات المالية الأوروبية. وقد أفضى ذلك إلى احتلال مصر وأقطار أخرى، وإلى تقييد قدرة السلطان العثماني على التصرف؛ ولذا فإن القنصل البريطاني Cunning يزعم أن الإقبال على المطالبة بالدساتير من جانب نخب الدولة، تقدم فيها اعتبار صون المال العام على اعتبار تمثيل الإرادة الشعبية. والذي أراه أنه ما كان هناك داع لهذه الفذلكة؛ لأن حق الرقابة على صرف المال العام، لا أساس له غير التمثيل للإرادة الشعبية. وقد كان الإصلاحيون الدستوريون يتداولون المقولة البريطانية: «لا ضرائب من دون تمثيل». من أين أتت فكرة التمثيل أو حق الرقابة على إنفاق المال العام؟ الطهطاوي وخير الدين التونسي وعلي مبارك، كل هؤلاء يقولون إنها أتت من أنظمة الدول الأوروبية الديمقراطية. وبالفعل فإن الباي بتونس والخديوي إسماعيل بمصر، والسلطان عبد الحميد (الذي ألغى دستور عام 1876)، احتجوا لإطلاق سلطاتهم بمواريث السلطة والتقاليد، وتجرأ عبد الحميد الثاني باعتبار الإطلاقية هي مقتضى الإسلام وإمارة المؤمنين. وما كان طلائع الإصلاحيين ديمقراطيين كبارا، لكنهم في احتجاجاتهم على استبدادية السلطان وشاه فارس،…