يحيى الأمير
يحيى الأمير
إعلامي سعودي

العالم لا يتحدث إلا عن السعودية

السبت ١٠ مارس ٢٠١٨

سوف يظل مقال وزير الخارجية البريطاني الذي نشر قبل أسبوع من زيارة ولي العهد السعودي إلى لندن إشارة واضحة إلى أن الغرب بأكمله يتطلع للحظة تاريخية مختلفة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، تلك اللحظة هي التي ستعيد بناء الصورة العامة للمنطقة أمام كل القوى العالمية وتخرجها من كونها المنطقة التي تمثل عبئا على العالم إلى صورة الشريك الحيوي المؤثر والمتجدد. خلاف الحروب والنزاعات والطائفية والتشدد والفساد لا يرى العالم شيئا من هذه المنطقة، لقد تحولت إلى الدائرة الأكثر ازدحاما بالأحداث والملفات التي تزداد تعقيدا كل يوم، ولم يجن العالم منها سوى مزيد من المهاجرين النازحين إضافة إلى تلك الأعمال الإرهابية التي دائما ما تُلصق بهذه المنطقة. لقد لعبت أحداث الفوضى والمظاهرات التي انطلقت في العواصم العربية منذ العام ٢٠١١ دورا خطيرا في ترسيخ الواقع القاتم للمنطقة العربية، لم تلبث أن تحولت تلك المظاهرات إلى كوارث وحروب أهلية في بعض البلدان بينما سلمت بلدان أخرى من مصير قاتم كان بانتظارها، وسمحت تلك الأجواء المشحونة الفوضوية بازدهار الإرهاب والعنف والطائفية. ترسخت تلك الصورة السلبية للمنطقة العبء، لكن الدور الذي لعبته دول الاستقرار هو الذي جعل العالم يدرك أنه أمام مستويين من الكيانات في هذه المنطقة: دول تحمل في داخلها وتركيبتها كل عوامل الصمود والقدرة على تجاوز كل التحديات، إنها كيانات تمثل…

نحو نخبة فقهية جديدة وواقعية

السبت ٠٣ مارس ٢٠١٨

مع الأخذ في الاعتبار كل ذلك التوظيف الاستخباراتي الدولي لـ«داعش» إلا أنه يمكن القول إن «داعش» كانت النموذج الفعلي للدولة الأحادية المتشددة القائمة في بنائها وأحكامها وممارساتها على نموذج فقهي موجود في المدون الفقهي العربي ولو بشكل منعزل؛ عداء مع كل شيء وإحكام القبضة الفقهية الأحادية على المجتمع الذي تحت يديها والإمعان في تنفيذ كل تلك الأحكام الفقهية الجائرة في قضايا خلافية متنوعة. قدمت «داعش» مثالا حيا على أن الدولة المتشددة لا يمكن أن تقوم إلا بالقمع المؤسس على معطيات متشددة تجعل من الالتزام مرجعا تدافع عنه وتستمد شرعيتها منه وذات يوم سيظهر للعالم وللمنطقة كل ما كانت تمارسه تلك الجماعة/‏‏‏ الدولة من بطش غير اعتباطي، إنه بطش مؤسس على مدون فقهي أحكامي موغل في القدم والقسوة. ربما لم يستوعب العالم الغربي كثيرا مما قامت به «داعش»، ذلك أنه لا يمثل إرباكا حضاريا لها، بينما نحن أبناء هذه الثقافة ملزمون بفض الاشتباك بين فقهنا الوسطي وفقه التشدد الذي مثلته «داعش» في أوضح صوره. مثلت «داعش» أبرز دليل على أن الدولة الثيوقراطية لا مكان لها في الواقع المعاصر، وأن التشدد والعنف الفقهي لا يمكن أن يصنع مجتمعا قادرا على الاستمرار. هذا المعنى رسخته «داعش» بكل اقتدار، لقد أسهمت تجربتها في إسقاط أي احتمال أو تعلق بإمكانية نجاح الدولة الثيوقراطية، وما يحدث…

الانهيار المفاجئ لبنية التشدد

السبت ٢٤ فبراير ٢٠١٨

(إبقاء السعودية كيانا متشددا محافظا) كان هذا هدفا فعليا لكل أعداء وخصوم هذه البلاد، التشدد والانغلاق لا يتسقان أبدا مع فكرة الدولة الوطنية الحديثة، ولذا تم التركيز طيلة الأعوام الماضية على هذه البلاد للإبقاء على صورتها المتشددة غير الواقعية والإعلاء من كل الأصوات والمواقف التي تجعل من المملكة بلدا موشوما بتلك الصفات. كان ثمة سند اجتماعي يسير يتمثل في المحافظة بصفتها علامة بارزة في الثقافة السعودية، تم استثمار تلك المحافظة لأقصى الحدود والسعي لجرها نحو التشدد والانغلاق والممانعة تجاه كل جديد. هنا تصبح الدولة هي مركز كل جديد، وهذا واقع الدولة الوطنية الحديثة، كونها معنية بالمستقبل وتطوير الواقع والحفاظ عليه والإعلاء من قيم الوطنية والاعتدال والمدنية. كانت كل خطوة انفتاح في السعودية تمثل قلقا فعليا لخصومها؛ لأنها تفسد عليهم المبرر الأبرز في خططهم وتآمرهم وتغلق ذلك الباب الذي طالما مثل مدخلا لكل الكيد الذي واجهته المملكة. في بلد متكامل من كل جوانبه ومتنوع في كل إرجائه وثري للغاية بكل شيء، وبالتالي لا يمكن مواجهته اقتصاديا ولا عسكريا ولا يمكن إلحاق الضرر به من أي زاوية. الطريق الوحيد الممكن يتمثل في إيجاد حالة من الصراع الداخلي على القيم وإرباك العلاقة بين الناس وبين الدولة ولا يوجد أنسب من المسألة الدينية لتكون نقطة انطلاق تلك المواجهة. أدى ذلك إلى مستويين من الحياة…

وحدة التحول الفكري والثقافي

السبت ١٧ فبراير ٢٠١٨

على غرار وحدة التحول الرقمي ومكتب التخصيص وغيرها من الإجراءات الجديدة الرائدة التي باتت مؤثرا فاعلا وإيجابيا في مختلف برامج التحول، ثمة احتياج حقيقي لإدارة الجانب الأبرز والأهم في عمليات التحول المستقبلية السعودية وهو الجانب الفكري والثقافي الاجتماعي العام. كانت أبرز الإشكالات الاجتماعية في واقعنا السعودي أن كثيرا من الإجراءات والقرارات الجديدة الإيجابية، والتي تحظى بقبول اجتماعي واسع، تظل تبحث عن سند فكري معرفي لها يجعل الناس الذين يقبلون عليها أكثر قوة وإيمانا بما يقومون به. يستطيع أي شاب يافع متحمس أن يجادل أصدقاءه وإخوانه الذين يستعدون للذهاب لحضور حفل غنائي بأن هذا لا يجوز ويستند إلى آراء مجموعة من الأسماء الفقهية المعروفة، قد لا يؤثر هذا في قرارهم لكنه سيظل أكثر تفوقا عليهم في تلك المحاججة، ليس لأنه الأصوب لكن لأنه لا يوجد صوت آخر موثوق، ولا يوجد رواج اجتماعي لفكرة أن ثمة آراء واسعة متنوعة في هذا الجانب وكلها صواب، بالتأكيد أن هذا يرتبط مباشرة بالتكوين الثقافي العام الذي ظل التعليم التقليدي والمنابر الوعظية أبرز عوامل تغذيته بالأحادية وطمس الاختلاف والتنوع. الهدف من كل ذلك لا يعني طمس الآراء الخاصة بالأفراد التي يَرَوْن من خلالها أن الصواب يحتم عليهم تحريم ممارسة كل هذه الأنماط الجديدة في الحياة العامة، هذا شأنهم. الهدف يكمن في إمداد كل المقبلين على هذه…

الخوف الذي لا مكان له في السعودية المتجددة

السبت ١٠ فبراير ٢٠١٨

في كل مجتمع وأمام كل تحول تبرز هذه الشريحة؛ المشغولون بإبداء القلق من كل شيء والتحسر على الأمس وإبداء الخوف من اليوم وغد. هؤلاء سيهدرون الكثير من وقتهم وطاقتهم وحين ينتبهون إلى أن الواقع تجاوزهم سينهضون متثاقلين يحاولون البحث عن لغة تؤهلهم للحاق بالقاطرة السريعة الهادرة بكل عزم وثقة. مرت كل المراحل السعودية بتحديات كان من أبرزها أولئك المناهضون للتغيير، فيما مضى كانوا أكثر قوة، أولا بفعل التركيبة الذهنية الاجتماعية التي كانت تصغي كثيرا لهم، وبفعل مستوى الوعي الأحادي الذي لم يكن يمتلك إدارة خياراته، وثالثا بفعل حالة التماهي التي كانت تقوم بها بعض المؤسسات تجاه ممانعتهم ورفضهم للواقع. نحن اليوم نتغير بشكل جاد وحقيقي ولا مكان معه للتراجع على الإطلاق، ولأن هذا التغير اليوم بات ضرورة واستحقاقا لحماية الكيان واستثمارا لكل مقوماته الداعمة لمزيد من القوة والتي ظلت حبيسة الريعية السابقة وطابع المحافظة المهيمن. ولأن التحولات اليوم تشمل دوائر اجتماعية اقتصادية سياسية وبالتالي تستتبع تحولات ثقافية وفكرية أيضا، فسنجد أننا أمام شريحة من كل دائرة ستظل منشغلة بالخوف والقلق والممانعة. لا بأس أن يفكروا كما يريدون، لكن القلق أن يصنعوا منابر عامة تمتهن التخويف والممانعة، ولأن الدولة لا يعنيها كيف يفكر الأفراد بل كيف يتصرفون، والأداء المنبري العام سواء على منابر الخطب أو على صفحات التواصل الاجتماعي يعد سلوكا،…

آخر أيام التطرف

السبت ٢٧ يناير ٢٠١٨

عدا بعض الحسابات المغمورة وبأسماء وهمية مستعارة هي التي لا تزال تحرك آخر التروس المتهالكة في ماكينة الإنكار والممانعة ضد كل التحولات اليومية التي يشهدها المجتمع السعودي التي تم تفكيكها بمعادلة توازى فيها الأداء القيادي العالي من الدولة والتطلع الشعبي العام لمواجهة التشدد ومظاهر الحياة المعقدة القائمة على المنع وتحييد الحريات والتحكم بخيارات الآخرين وتقليصها إلى حدود دنيا. صمت كبار الممانعين وزعماء الإنكار وتفرق من حولهم المحتشدون الذين يهزون رؤوسهم بالموافقة وعبارات الثناء و«جزاك الله خيرا»، ومع أن الجمهور الذي ظل يستمع لهم بإنصات كان في الغالب لا يلتزم سلوكيا بما يقال له، لكنه يخضع له فكرا واعتقادا، وفي الحقيقة أن هذا ما كان يهم أصحاب الخطابات المتشددة: ضمان التبعية الفكرية بغض النظر عن سلوك التابع، لأن التبعية الفكرية هي القوة الفعلية التي تضمن للمتشدد وجود من يستمع إليه ويشعر بالذنب والانكسار بين يديه ويمكن بعد ذلك استثمار تلك التبعية من قبل أباطرة التطرف في أي اتجاه أرادوا. يتفكك التشدد يوميا بعد أن ظل يتلقى ضربات واسعة بفعل التحولات التقنية والمعرفية والعلمية والاجتماعية والاتصال اليومي بالعالم الذي بتنا نراه سعيدا ملتزما منضبطا بالقوانين والأنظمة وحافلا بالإنجازات والعمل المنتج والنجاحات المتنوعة. لم ينتبه أهل التشدد لتلك التحولات وحتى إن انتبهوا فليست لديهم القدرة على تغيير خطابهم، ولو غيروه لخرجوا أصلا من…

على أن يكون الانفتاح مشروعاً لا خطوات

السبت ٢٠ يناير ٢٠١٨

حتى تلك المصطلحات التي كنا نتحرج من استخدامها ونجتهد في البحث فيها عن بدائل يجب أن تعود الآن بكامل دلالاتها ومضامينها؛ ما يحدث في المملكة هو توجه تصحيح رشيد نحو مزيد من الانفتاح الواعي والترسيخ الفعلي للمزيد من الحريات وتوسيع الخيارات التي تمنح الحياة اليومية قيمتها على مستوى الفرد والجماعة، الإعلاء من شأن التنوع والاختلاف وحرية اختيار النمط السلوكي، الذي يصبح المرجع فيه هو النظام والقانون وتلك هي وظيفة الدولة الحديثة، وذلك هو عامل الاستقرار والنماء الأبرز في كل التجارب الوطنية المستقرة والمزدهرة؛ دعم التنوع وحماية الأنماط الحياتية المختلفة وضبطها بالنظام والقانون. في مثل هذا المناخ يزدهر الاقتصاد الحقيقي، الاقتصاد الجديد والنوعي القادر على التأثير، الجمود السابق أوجد اقتصادا منتفخا غير إبداعي وأموالا ساكنة جامدة تركز على اقتطاع مساحات من الأراضي وتركها تتزايد أو بناء وحدات سكنية وتأجيرها، إضافة لتلك الأنشطة القائمة على التستر، أوجد ذلك الواقع ما يمكن تسميته باقتصاديات الانغلاق، استهلاك مفرط للحلال (كل ما هو جامد وغير خلافي وبالتالي غير تفاعلي ولا منتج) الأراضي، المساكن، السيارات والسفر والأكل والأنماط اليومية المكررة للحياة. أدى الانغلاق لصناعة إيقاع اجتماعي يومي رتيب للغاية ويمكن أن تلاحظ بعض مظاهره في محافظات ومدن الأطراف؛ دعوات عشاء متبادلة نهاية الأسبوع لا مبرر لها، أقصى متعها أن يلعب الرجال البلوت في مجلس الرجال ويلتهم…

في فقه الرياضة الجديد

السبت ١٣ يناير ٢٠١٨

هذا ليس مقالاً في الرياضة؛ إنه في فقه الرياضة، ثقافة الرياضة وكيف يمكن الخروج بها من مشهد اللعبة والحدث الرياضي إلى استثمار كل أبعادها وتحويلها إلى مشروع ثقافي اجتماعي متكامل. (أخطر من التعليم) هكذا وصف أحدهم حجم التأثير الطاغي للرياضة في بناء الوعي والذوق العام. لنتفق على أن ثمة معادلة اسمها العملية التعليمية ولها أطراف تتبادل عمليات التأثير والتأثر وترتبط بكل شرائح المجتمع، وتقوم بها مؤسسة تشرف على كل ذلك وتوجهه بما يثمر تنمية واستقرارا ومدنية. في الرياضة كل أطراف المعادلة قائمة لكن فيما مضى لم تكن المؤسسة الرياضية مؤثرة في بناء الوعي الرياضي ولا في توجيهه بما يثمر كذلك تنمية وتطورا ومدنية. ظلت المؤسسة الرياضية تركز على الجوانب التقنية الفنية كالملاعب وتنظيمات الدوري والتركيز على الألعاب الجماهيرية، والقضايا التي تنتج عن تفاعل الوسط الرياضي ولم تكن تركز على بناء الأطر والتنظيمات التي تدير ذلك التفاعل في الوسط الرياضي وتضبط أداءه، وبالتالي تضبط مخرجاته. هنا كانت تكمن الإشكالية الكبرى؛ الوسط الرياضي يتفاعل دون إدارة من الجهة المعنية، وتفاعله ذلك ينتج قضايا تؤثر في الوعي العام وتجعله أحاديا إقصائيا وليس متعصبا وفق أشكال التعصب الرياضي المطلوبة والمهمة. لقد ظلت مؤسسة الرياضة مشغولة بالكامل بالقضايا الناتجة عن تفاعل الوسط الرياضي دون تركيز على الجمهور (المستهلك) الذي يمثل العنصر الأهم في العملية الرياضية،…

لماذا يجب أن يتغير النظام في إيران ؟

السبت ٠٦ يناير ٢٠١٨

قرابة الأربعين عاما مضت لما يمكن وصفه بآخر الأنظمة ظهورا في المنطقة، وبظهوره شهد الشرق الأوسط أسوأ التحولات والظروف والمتغيرات وعلى مختلف الأصعدة، وطيلة الأربعين عاما لم ينتج هذا النظام للمنطقة وللعالم إلا تراجعا أمنيا وثقافيا وحضاريا كذلك، تحول النظام في إيران إلى أزمة حقيقية للعالم وأزمات يومية متنوعة في المنطقة، ولم يؤسس النظام لنفسه أيا من عوامل البقاء والاستمرار والحيوية، ولم يحقق طيلة أعوامه الماضية أية مكاسب داخلية أو خارجية يمكن أن تجعل من بقائه مطلبا لأي طرف إقليمي أو دولي، بل الواقع على العكس من ذلك تماما. اليوم على الإيرانيين وعلى المنطقة وعلى العالم كله السعي بكل جدية وواقعية للتخلص من هذا النظام، إنه أشبه ما يكون بتلك الأوبئة أو الأخطار الحضارية المدنية التي يتحفز العالم كله لمواجهتها، حفاظا على أمنه واستقراره ودفاعا عن مكتسباته الحضارية والإنسانية، لماذا إذن يجب التخلص من هذا النظام وتغيير الواقع السياسي في إيران ؟ أولا: يمثل النظام آخر نموذج في العالم للدولة الدينية الكهنوتية المتغلبة بقوة الأساطير والغيبيات، والنظام الوحيد الذي يدار دينيا وسلطته الأعلى هي سلطة الدين لا النظام ولا القانون ولا الأعراف ولا حتى المصالح السياسية، وتمثل المسألة الدينية محور النظام والموجه الفعلي لسلوكه وتوجهاته السياسية، وبالتالي فهو لا ينتمي لنا في هذا العالم الذي تحركه مصالح السياسة والأمن والتنمية…

2017 السعودي

السبت ٣٠ ديسمبر ٢٠١٧

العاشرة ليلا بتوقيت الرياض في ليلة شديدة البرودة وعلى نغمات موسيقى هادئة تصدح في أرجاء مطعم آسيوي أنيق التقيت بأصدقاء لم يحدث لنا أن اجتمعنا خارج منازلنا منذ أمد طويل، لم تكن الأماكن العامة مغرية بما فيه الكفاية، لكن روحا جديدة تتخلق الآن في كل شيء، وحالة من الارتياح تسود المكان، تحدثنا كثيرا عن العام 2017، لم نستطع أن نلم بكل شيء لكننا اتفقنا على أن سعودية متجددة قد انطلقت وأنها هي الرهان الوحيد. لم يكن فقط عاما للتغير، بل كان أيضا لترسيخ التغيير والتحول كثقافة جديدة حقيقة في السعودية. كان التغيير بالنسبة لنا أزمة ومواجهة حقيقية وبخاصة في مسارين: المسار الاجتماعي والمسار الاقتصادي، وفي كلا المسارين ثمة أشكال متنوعة للمواجهة؛ اجتماعيا ظلت المواجهة مع تيارات وأصوات الممانعة التي طالما خوفت المؤسسات والشارع من التغيير، حشد مستمر للشارع ليظل خائفا من كل جديد وتخويف للناس على قيمهم وأعرافهم التي يتهددها المستقبل، ثم استثمار لما ينتج عن ذلك التحشيد من استجابة لتخويف المؤسسات من أي خطوة جديدة جريئة. اقتصاديا كان الفساد والبيروقراطية بالمرصاد لكل خطوة، لذلك فالكثير من المشاريع النوعية التي تم إنجازها مرت من خلال توجيهات ملكية مباشرة ولم تمر من خلال أروقة البيروقراطية التي كانت ستلتهم أجزاء منها. الخطأ الأكبر الذي تخلصنا منه هو الفصل بين المسارين، تم دمجهما…

السعودية كما يجب أن تكون

السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧

في ثلاثة أعوام فقط حدث كل شيء، كل شيء كان يجب أن يحدث، وكل شيء لمنعِ ما لا يجب أن يحدث. قبل ثلاثة أعوام بايع السعوديون سلمان بن عبدالعزيز ملكا، لتنطلق مرحلة جديدة في حياة هذه البلاد، كانت المنطقة تتعافى من آثار الفوضى والخراب التي انطلقت منذ العام ٢٠١١ بينما لا تزال النيران تشتعل في بعض جوانبها، وتتأهب حرائق أخرى لتندلع في أي لحظة يغريها في ذلك الفراغات التي خلفتها الإدارة الأمريكية السابقة في المنطقة وإطلاق يد التدخلات الإيرانية الرامية للوصول إلى كل مكان، وبينما كانت طهران تعلن أن عاصمة عربية رابعة باتت تحت سلطتها كنا نعد لعواصف حقيقية في المنطقة تعتمد بالكامل علينا نحن وشركاء الاستقرار في الإقليم. أعدنا لفكرة التحالف حضورا جديدا بعد أن اختفت من القاموس العربي منذ ما يقارب خمسة عقود، وركزنا على كونه تحالفا عربيا لاستعادة الشرعية في اليمن العربي الجار، واستطعنا حماية المعركة من أن يتم تحميلها أي بعد طائفي كما روجت لذلك جماعات الإسلام السياسي السنية والشيعية. من الرياض إلى أبو ظبي كانت الرؤية تتشكل بناء على ما أدى إليه الواقع؛ ليس سوى هاتين العاصمتين الأقدر على فعل شيء للمنطقة ولأمن بلديهما والإقليم، كان التحالف انطلاقا ثنائيا وفق نموذج يمثل إغراء فعليا لكل الباحثين عن تحالفات حقيقية، وكان الاستقرار الذي استطاعت السعودية والإمارات…

الاعتدال والانفتاح.. أقوى أسلحة الدولة الوطنية

السبت ١٦ ديسمبر ٢٠١٧

لا يدرك كثيرون أن حماية التشدد والدفاع عنه وتوسيع رقعته كانت أبرز وأهم أهداف خصوم السعودية، ذلك أن التشدد والانغلاق يمثل أبرز مهدد للدولة الوطنية والأقدر على إرباكها والباعث الأول على الاحتراب الداخلي وتفكيك السلم الاجتماعي. وبقصد وبغير قصد أحيانا ظلت كثير من الأصوات الدينية الوعظية تشتغل طوال السنوات الماضية على الدفع بالمجتمع نحو كل أشكال التشدد والانغلاق ومحاربة التنوع والاختلاف، تم ذلك تحت عناوين واسعة مثل الإنكار والحفاظ على العقيدة ومواجهة التغريب والفساد والانحلال. ظل المجتمع طويلا يصغي لتلك الأصوات وبخاصة أنها تمتلك أداة تأثير كبرى لها سلطتها على الوجدان الشعبي العام وهي سلطة الدين لغةً ومنطلقا واستدلالا. وفِي الواقع فإن طيفا واسعا من الأداء الشرعي العام وخاصة غير المؤسسي يقع معظمه في دائرة تقليدية جدا لا يمتلك معها إلا ترديد مقولات وأحكام فقهية قديمة وخطاب وعظي قائم على التخويف والتحذير من كل شيء، ولأن الشارع في معظمه لا يحمل أدوات معرفية تمكنه من مراجعة تلك الخطابات المتشددة والرد عليها، ولأنه أيضا طبيعي ويبحث عن الحياة الطبيعية فقد وجد نفسه يصغي لتلك الآراء ذهنيا ونفسيا ويخالفها سلوكيا. عملت كل حركات وقوى الإسلام السياسي والحركي على الدفع بأن يكون التشدد مطلبا شعبيا وهو ما سيؤدي إلى مواجهة مع المؤسسة والدولة التي تتمثل وظيفتها الأسمى في التطوير والتحديث والحفاظ على التنوع…