الصحافي نصري عصمت لــ (الهتلان بوست): “السوشيال ميديا” عرفت المتابعين على طبيعة عمل الصحافي وراء الكواليس

مقابلات
  • هناك دور تكاملي بين دور الصحافي والمواطن الصحافي والمقارنة بين أسبقية أحدهما على الآخر في الأهمية “بيزنطية”

  • طالما هنالك رعاية حكومية للصحف المطبوعة في العالم العربي فإن الصحافيين لن يغيروا من ثقافتهم

حوار: بيان السطري

نصري عصمت، صحافي مصري وكاتب وخبير في الإعلام الجديد والاجتماعي. شقّ طريقه المهني إلى الصحافة كمحرر في الصحف الورقية، إلا أن اهتمامه بالإعلام الجديد دفعه لاستكمال دراساته العليا في الصحافة الإلكترونية والإعلام الجديد بجامعة نيويورك. عمل نصري عصمت محرراً في صحيفة الأهرام المصرية ثم انتقل منذ عام 2003 للعمل في المواقع الإخبارية الإلكترونية ويشغل حالياً منصب مدير تحرير النسخة العربية لموقع “ياهو مكتوب” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في هذا الحوار الخاص مع الهتلان بوست، يحدثنا نصري عصمت عن واقع الصحافة والإعلام الجديد والاجتماعي.

يتكرر الحديث عن الإعلام الجديد والاجتماعي في كل منبر ومحور، ما الجوانب التي لا يجيد رواد هذه المواقع الاستفادة منها في العالم العربي؟

أرى أن هنالك أمران أو فائدتان إن صح التعبير لا يستفيد منها مستخدمو هذه الشبكات في العالم العربي بالقدر الكافي. النقطة الأولى تكمن في تسخير هذه المواقع لخدمة مجالات العمل وذلك بمشاركة محتوى يساعد على تنمية وتطوير الذات في مجال العمل، والنقطة الثانية تتعلق بمجال التجارة والخدمات، ففي الغرب، هناك مواقع تعنى بحماية المستهلك وتقيم السلع والخدمات وتصنفها وتستعرض تجارب المستهلكين. العالم العربي بأمس الحاجة إلى وجود مستهلكين فاعلين يتبادلون آراءهم وتجاربهم في الخدمات والسلع من خلال مواقع مختصة يتم ربطها بشبكات التواصل الاجتماعي واستغلال الأعداد الهائلة لرواد هذه المنصات.

استقلت من وظيفتك كمحرر في صحيفة الأهرام وانتقلت للعمل في الصحافة الإلكترونية. لماذا؟

عندما زرت أمريكا قبل 7 سنوات، رأيت طوفاناً من المعلومات، ولاحظت ظهور الإعلام الإلكتروني والاجتماعي كقوة، وأدركت أن ما نقوم به في الصحف الورقية في طريقه إلى زوال. وعندها، قررت ألا أعود للصحافة المطبوعة. ففي الوقت التي تصدر فيه الصحيفة الورقية وتصبح في متناول القرّاء، تستجد تطورات تعجز الصحف الورقية عن إخبار الناس بها، على عكس المواقع الإخبارية الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، الأسرع في نقل المعلومة، والأسهل في قابلية تعديل محتواها. كما أن الصحف المطبوعة في العالم العربي تتعامل مع القارئ وكأنه يعيش في الثمانينات أو التسعينات من القرن الماضي.

كيف يمكن للصحافة المطبوعة أن تستمر؟

الحالة الوحيدة لاستمرارها هي إدراك الصحافيين بأن دور الصحيفة قد تغير، بمعنى أن القارئ أصبح بحاجة لمحتوى يركز أكثر على المقالات، والتحليلات وليس البيانات الصحفية، مع تخصيص مساحة أكبر للصورة وهذا ما وجدته في الصحف العالمية. في العالم العربي، يتجاهل بعض الصحافيين الحاجة لتغيير المحتوى وضرورة الانفتاح على العنصر الرقمي بحجة عدم معرفة القراء بالتكنولوجيا، ولكنهم في الحقيقية يوارون ما لا يريدون قوله وهو عدم رغبتهم الشخصية في التغيير. أعتقد أن الصحافيين لن يستجيبوا للحاجة الملحة للتغيير طواعية وإنما بأمر إجباري من إدارة ترى أنها تخسر من المطبوع، أو أخرى تبحث عن دخل من أماكن جديدة. ولكن، كون الصحف المطبوعة في العالم العربي تعامل برعاية حكومية ولا يوجد لديها مشاكل في التمويل، لن يغير الصحافيون من ثقافتهم.

قلت في بيان صحفي قبل عامين إن مهنة الصحافة أصبحت أصعب بعد دخول المواطن الصحفي إلى المهنة، كيف ترى الوضع اليوم؟ ومن الأهم برأيك في أوقات الأزمات والحروب؟

ما قصدته هو أن دور الصحفي أصبح يختلف اليوم عن السابق. قديماً، كان الصحفي يلعب دور الوسيط بين المصادر والجمهور ومهمته الأساسية نقل الأخبار. اليوم، أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي المجال للعامة للمشاركة في عملية نقل الأخبار من أي مكان وفي أي وقت، وقد يكونوا أسرع في نقل الوقائع والحوادث من الصحافي. لكن بالطبع المواطن الصحفي لن يفرغ نفسه للبحث فيما وراء الخبر والغوص في التفاصيل. لذا، أصبحت مهمة الصحافي أكثر صعوبة، إذ يتوجب علية التحقق من صحة المعلومات التي يشاركها المواطنون وإعطاء صورة أعمق لما وراء الخبر ومن ثم اختيار المواد الأنسب للنشر. أما بالنسبة للأهمية، فاختياري لطرف على الآخر سينم عن قلة فهمي للإعلام الجديد والمقارنة بين أسبقية أحدهما على الآخر في الأهمية “بيزنطية”. أرى أن هنالك دور تكاملي بين الصحافي والمواطن الصحفي وكلاهما يعملان في تواز وعند وقوع الأزمات، فإن المعلومات التي يتناقلها المواطن الصحفي على مواقع التواصل تغذي حاجة الصحافي للمصادر الجديدة. أعتقد أن الصحافي الذي سيختفي هو “مندوب الأخبار”، وهو الذي يتلقى البيانات الصحفية وينشرها كما هي. وهنا أدعو الصحافيين إلى مزاولة المهنة بشكل أكثر احترافية.

 قلت إن استعمال الشباب لمواقع التواصل الاجتماعي للسخرية من الأفكار المتطرفة يعد حلاً مهماً لمواجهة تنظيمات مثل “داعش” ومحاولاتها التأثير على عقول الشباب.” لكن، ألن يترتب على هذه السخرية نوع من الخلط بين الأخبار الحقيقية والمحتوى الساخر؟

بالفعل،إحدى عواقب السخرية هي الخلط بين الأخبار الحقيقية والمحتوى الساخر. إلا أنه ليس بمقدورنا التحكم في تلك الظاهرة، وقد تنتهي السخرية إلى تكوين صورة نمطية وغير عميقة عند البعض. وهنا نرجع للحديث عن دور الصحافي في اقتناص الفرص المناسبة لجعل السخرية وسيلة لنقل رسالة معينة قد تكون أكثر جدوى من النقد الجدي. ويحضرني هنا مثال “تحدي الثلج”. أرى ان الإعلامي الذكي هو الذي “يركب الموجة” ويستفيد منها للوصول إلى القمة من دون أن تجرفه إلى مسار مغاير تصبح فيه السخرية أداة سلبية. وهنا أستحضر كل من الصحافي الأمريكي جون ستيوارت والإعلامي المصري باسم يوسف.

تغريدة لمراسلة “سي إن إن” الأمريكية ديانا ماجني كانت كفيلة لعزلها من تغطية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في غزة إلى موسكو، هل ضيّق الاعلام الاجتماعي الخناق على فئة الصحافيين في التعبير عن رأيهم؟

لا، بالعكس، لم يقيد الاعلام الاجتماعي حرية الصحافي وإنما زاد من مساحتها وأعطاها أشكال مختلفة. بشكل عام، وإسقاطاً على قصة الصحافية ديانا، فإن الصحافي يكتسب شهرته من المؤسسة التي يعمل بها أو من قوته كفرد. لذا ينبغي عليه أن يكون حذراً عند التعبير عن آرائه، خاصة عندما يكون مكلفا بعمل ميداني. تزامنت حادثة ماجني مع حادثة سحب مراسل “إن بي سي نيوز” الصحافي المصري أيمن محيي الدين من الأراضي الفلسطينية. إلا أن الحملة التي شنها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أسفرت عن عدول القناة عن قرارها واستئنافه لتغطية الحرب على غزة. أرى أن “السوشال ميديا” أعطت المستخدمين فرصة للتعرف على طبيعة عمل الصحافي وراء الكواليس. غالبية الصحافيين في العالم العربي لا يستطيعون إدراك أهمية وظيفتهم وخطورتها وأنها تفوق في أهميتها انتماءاتهم الدينية والسياسية وتنوير بصيرة الجموع يجب أن يأتي بالدرجة الأولى لكل صحافي في العالم.

هل يقاس نجاح الإعلاميين أو النجوم على مواقع التواصل الاجتماعي بعدد المتابعين؟ وهل تعد الشهرة التي تخلقها هذه المنصات للإعلامي أو الفنان زائفة؟ 

لو كان النجاح يقاس بعدد المتابعين فيمكننا هنا أن نعتبر المواقع الإباحية مثلا أنجح مواقع في العالم بسبب عدد زوارها، فهناك فارق كبير بين الشهرة والتأثير، فالأهم من أن يكون لك مليون متابع أن يتابعك عشرة فقط من الشخصيات الفاعلة في مجتمعاتها. عدد المتابعين هو في النهاية نجاح إلكتروني لا ينعكس بالضرورة على أرض الواقع (offline)، وقمة النجاح في الإعلام الجديد يعتمد على الأثر الذي يتركه نشاط الأفراد على مواقع التواصل في تغيير حياة الناس للأفضل وهذا ينطبق على من يحاول تحسين حياة الناس على مستوى الصحة والتعليم والعمل وحتى من يكتفي برسم ابتسامة على وجوههم.

استضاف منتدى الإعلام العربي لهذا العام السيدة منى البحيري صاحبة فيديو “شاتب يور ماوس أوباما”. ما تعليقك على وجودها في المنتدى؟

أثار هذا الموضوع كثر من الجدل وبالتحديد في مصر. لكنني شخصياً أعتقد أن استضافة السيدة منى البحيري أمر لطيف ومفيد جداً. ربما حقق الكلام الذي قالته البحيري في المؤتمر نسبة متابعة أكبر من تلك لأي خبير إعلامي شارك في المؤتمر. ويعزو البعض جدلية هذا الموضوع إلى الأسس التي استند عليها منتدى الإعلام العربي لاختيارها للحضور سواء كان ظهورها صدفةً في مقطع تسجيلي حقق ضجة كبيرة في الإعلام العربي وتم تداوله من قبل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل هائل، أو لنصرتها لرسالة سياسية مؤيدة لتيار معين كما يظهر في الفيديو. من جهة أخرى، يرى البعض أن منى البحيري ليست بالممثلة الجيدة للشعب المصري في منتدى الإعلام العربي.

دافعت عن الإعلامي باسم يوسف وبرنامج “البرنامج” في مقال بعنوان ” لماذا يثير باسم يوسف رعبهم إلى هذا الحد؟ ما الرسالة التي ترغب بإيصالها للإعلام المحلي المصري من خلال هذا المقال ؟

الرسالة التي أردت إيصالها هي أن باسم يوسف عرف طريق النجاح عن طريق نشر برنامجه على قناة “يوتيوب”. ولم ينل فرصة الظهور على شاشات الفضائيات المصرية والعربية إلا بعد أن قرر مئات الآلاف من المشاهدين مشاهدته على الإنترنت ونشر برنامجه بل والدعاية المجانية له في تجسيد حقيقي لفكرة أن شبكة الإنترنت منصة ديموقراطية تماماً تنقل بشفافية اهتمامات الجمهور وذوقه، على خلاف حال بعض الإعلاميين الذين ظهروا أولاً على شاشات الفضائيات باختيار ملاك القنوات أو مدراءها ودون أن يشارك الجمهور في عملية الاختيار. الأمر الذي جعل رسائل باسم عبر برنامجه أكثر تأثيراً وقوة من عشرات الإعلاميين المفروضين على المشاهد.

أي مواقع التواصل الاجتماعي تعد الأقوى اليوم (فيسبوك، تويتر، انستغرام، المدونات)؟

إذا كانت القوة في العدد فبالتأكيد يوتيوب هو أقوى منصة للنشر في العالم في الوقت الحالي، ولا يوجد من يهدد عرشه حاليا، تماما مثلما تحتل الشركة المالكه له “غوغل” القمة في مجال البحث على الإنترنت. ومن بعده يأتي فيسبوك، بفضل عدد المشتركين فيه وبسبب تحوله إلى وسيلة اتصال بين المشتركين فيه ولتأثيره في سلوكيات مستخدميه وليس لكونه مجرد منصة لنشر المحتوى.

المحتوى العربي على الإنترنت ضعيف، هل استطاع الاعلام الاجتماعي أن يغير هذا الواقع؟

الإعلام الاجتماعي فتح الباب أمام ملايين الشباب العربي للتعبير عن أنفسهم. ولكن المحتوى نفسه لم يرق بعد لمستوى المحتوى الإنجليزي. ويرجع ذلك لأسباب أخيرة تتشابه تماماً مع أسباب تراجع حركة تأليف الكتب وقراءتها باللغة العربية مقارنة باللغات الأخرى. ببساطة، لا أحد في العالم العربي مهتم بصناعة المحتوى سوى مؤسسات الإعلام لأسباب تتعلق بطبيعتها أو لأسباب تجارية، وأرى أن هذه الحالة ستختلف في المستقبل مع الكم الهائل من المنصات الإلكترونية التي تنطلق في العالم العربي كل يوم.