صاحب «البوكر العربية» : اللغط حول الجائزة اتهام جزافي أو إثارة إعلامية

مقابلات

واثق بنفسه، وهادئ، يعي تماماً ما يكتب وما يرغب في كتابته، رافده في ذلك لغته الشعرية، وطموحه، وسعة اطلاعه، وكاريزما تمنح كل ما يكتب الكثير من الجدل في المشهد المحلي، كما قال عنه «خالد اليوسف». يعتبر من الأصوات الروائية الصاعدة بقوة عربياً. راهن على عوالم الرواية، ورأى فيها الخيار الأمثل والأوسع في التعبير عن فلسفته الوجودية في حفرها بحثاً عن الذات، واكتشافاً لحوافها. حلمه أن يقرأ له الجميع وإن كان هذا الحلم صعباً.

في الحوار التالي نتعرف أكثر إلى صاحب رواية «سقف الكفاية» و«صوفيا»، «طوق الطهارة» و«القندس» إلى جانب روايته الحديثة «موت صغير» التي فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) 2017.

* يقال إنه لا يمكن الحديث عن الجيل الجديد في مشهد الأدب السعودي دون ذكر «محمد حسن علوان»! ليس لأنه ذلك الشاب الذي كتب روايته الأولى بعمر العشرين عاماً، بل لأنه الروائي الشاب الذي يعي تماماً ماذا يريد أن يقدم مع كل عمل جديد. قبل أن ندخل في الحديث عن الأدب والرواية، ماذا أردت من المشاركة في جائزة البوكر 2017؟

** تتمثل أهدافي من المشاركة في أنني أريد الوصول إلى قارئ ما كانت لتصله رواياتي لولا الزخم الإعلامي الذي يرافق الجوائز، ذلك أن الجوائز الأدبية بالنسبة لي هي لوحات إرشادية كبيرة في عالم الثقافة. وسيلة يستطيع القارئ من خلالها أن يتلمس طريقه نحو أعمالٍ تناسب ذائقته القرائية في حين يتناقص الوقت الذي يدخره القارئ للقراءة يوماً بعد يوم.

مزاعم وشكوك

* هناك من يرى أن اختيار القوائم النهائية «لجائزة البوكر» يتم بناء على اعتبارات ودوافع لا تخلو من مآرب منها «التأثير الذي تفرضه دور النشر المعروفة في تزكية هذا الكاتب دون ذاك على لجان التحكيم». وبرأي البعض يتجاوز الأمر عاطفياً إلى حد تصنيع نجوم معينين على حساب تهميش الأعمال الجادة والرصينة، ما هو تعليقك؟

** لا أظن أن هناك جائزة ما في الأدب أو خلافه تخلو من التشكيك. الانحيازات والميول والتأثيرات والأيديولوجيات كلها عوامل نجدها في قفص الاتهام الملحق بأي جائزة ثقافية في العالم، حتى نوبل نفسها. وعندما يتعلق الأمر بالفنون والآداب فإن قفص الاتهام يتسع، لأن التقويم هنا يعتمد على ذائقة انطباعية لبشرٍ لهم آراؤهم الشخصية في ما تعنيه جودة الأدب ومستوى الفن. فيما يتعلق بجائزة البوكر العربية، أعتقد أنها تدار بمهنية عالية من قبل مجلس أمناء مشهود له بالتفوق والإجادة. اللغط الذي يدور حولها إما أنه اتهام جزافي بلا قرائن، أو اختلاف في وجهات النظر المتعلقة بالذائقة الأدبية للجنان التحكيم، أو مجرد مادة صحفية للإثارة وسط صفحات الثقافة التي لا تتمتع بما تتمتع به بقية أبواب الجريدة من إثارة نوعية كالسياسة والاقتصاد. دور النشر العربية أضعف من أن تؤثر في جائزة عالمية ذات تمويل سخيّ ومستقل، ولجان التحكيم تتغير كل سنة، كما أن جميع الأعمال المرشحة للقوائم القصيرة والطويلة تحمل حداً أدنى من الإجادة. ولكن اللغط لن يتوقف.

* ما الحل إذن؟

** الحل في رأيي أن نعيد النظر فيما تهدف إليه الجائزة الأدبية في الأصل. إنها تهدف إلى تنشيط المشهد الثقافي وبعث الحياة فيه وتقليب تربته لينتعش. هذا الهدف سيتحقق غالباً بمجرد إطلاق الجائزة حتى ولو بحدٍ أدنى من المهنية والاحتراف. أن تنتهي الجائزة بحوزة الكاتب (أ) بدلاً من الكاتب (ب) ليس كارثة أدبية إذا اتفقنا أن كليهما يملك أعمالاً جديرة بالقراءة والمنافسة. الغرض ليس تلميع ذلك الكاتب أو ذاك بل منح الرواية العربية دفعة من الطاقة والانتشار كل عام.

* يرى بعض النقاد أن معظم الروائيين يكتبون اليوم لقارئ بسيط صنعته «الميديا»، من هو القارئ الذي يتوجه إليه «محمد حسن علوان» في رواية «موت صغير»؟

** قارئي هو من أستطيع الجلوس معه على حافة الكتابة أياً كانت هويته وتوجهاته وأفكاره وهمومه ومدى ارتباطه بالأدب واهتمامه بالفن. كل شخص أتمكن من إقناعه بأن يقطع معي مشواراً بطول صفحة أو صفحتين هو قارئي الذي سيفوز بامتناني له مدى الحياة بعد ذلك. لم يسبق لي على الإطلاق أن وجهت روايتي لشريحة قرائية معينة بالتحديد. الشريحة التي تقرأ لي تتخلق بشكل تلقائي ولا يد لي في ذلك. أنا أكتب كما أشعر أن روايتي ينبغي لها أن تُكتب. حلمي أن يقرأ لي الجميع ولكن هذا حلمٌ صعب. في آخر المطاف، كل كاتب.. بل كل كتاب.. سيصنع شريحته القرائية حسب عوامل ثقافية وفنية متعددة. لا أظن أن مهمتي ككاتب تتطلب أن أختار الشريحة المستهدفة مسبقاً.

أثر الجائزة

* تجربتك الروائية عمرها اليوم «14»عاما، ليست جديدة على ساحة الجوائز الأدبية بعد فوز النسخة الفرنسية من رواية «القندس» عام 2015 بجائزة معهد العالم العربي في باريس، كأفضل رواية عربية مترجمة، وترشحها ضمن القوائم القصيرة للبوكر عام 2013. كيف ترى أثر جائزة البوكر على مسيرة الفن الروائي من خلال تجربتك؟

** قدمني الترشيح للقائمة القصيرة لبوكر 2013 إلى القارئ الفرنسي بعد أن لفت هذا الترشيح انتباه دار النشر الفرنسية (لي سوي). وبالتأكيد أنها كانت تجربة مثرية كونه العمل الروائي الأول لي الذي يترجم إلى لغة أخرى. التقيت مع حيثيات صدور النسخة الفرنسية بقراء فرنسيين في مهرجانات أدبية في باريس وليون وكان التواصل معهم إضافة هامة لي ككاتب لا أشك أنها ألقت بظلالها على ما كتبته بعد ذلك مثل رواية «موت صغير». كلما التقيت بقارئ مختلف صنعت جسراً جديداً من التواصل تمرّ فوقه أفكار متنوعة ومختلفة. البوكر ساعدتني في بناء جسور عديدة منذ العام 2008 عندما شاركت لأول مرة وحتى اليوم وهي تحتفل بدورتها العاشرة.

نبش ابن عربي

* في روايتك العاطفية الأولى «سقف الكفاية 2002» عرفناك عاشقا مأزوماً، بلغة شعرية /&rlm&rlm&rlm&rlmنثرية /&rlm&rlm&rlm&rlmعاطفية ساحرة، أغوت الكثيرين. واليوم مع رواية «موت صغير» 2016، أنت عاشق كوني بين برزخي «الولادة والوفاة» تنطق بعيون الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، نابشاً في حياته وزمانه وعشقه؟ لماذا هذا التحول إلى ابن عربي؟ مالذي دفعك إلى إيقاظه من التاريخ في سيرة روائية؟

** الحب ثيمة روائية ضخمة وممتعة. وهي أوسع مما يحصره كثير من الناس في إطار رومانسي ضيق. لعل هذا ما تعلمته ببطء شديد خلال هذه السنوات الطويلة بين روايتي الأولى والأخيرة. ولعل نظرية ابن عربي في الحب الكونيّ كانت تناسب قناعاتي المتشكلة حديثاً حول اتساع دائرة الحب وعمق معانيه ووجوده في حياتنا. فوجدت في كتابة سيرته مجالاً لأن أسرد حباً مختلفاً أوسع من كل حبٍ سردته من قبل.

* رواية «موت صغير» أشبه باللعبة الذهنية، فهي ليست سيرة ذاتية تتوخى الواقع والحقائق في مسيرة شيخ المتصوفين وإمامهم الأكبر وليست عملاً تخييلاً محضاً مع دقة تفاصيل الحقب التاريخية، وغزارة الأحداث التي شكّلت بيئة «ابن عربي» وعاصرت فكره على أي جانب تصنف رواية «موت صغير»؟

** أختلف معك في وصفها باللعبة الذهنية. أعتقد أن وصفها بالسيرة المتخيلة يفي تماماً بالغرض. إنها سيرة رجل نعرف عنه القليل واقعاً، فأكملت ما غاب من سيرته خيالاً. وجمعت بين الواقع الثابت تاريخياً والخيال المبرر فنياً في قالب سرديّ رأيته الأنسب لعرض الرواية.

استعادة الإنسان

* لم تكتفِ رواية موت صغير بعرض سيرة ابن عربي بل حملت في المستوى السردي الموازي للسيرة، لقطات مكثّفة لرحلة انتقال مخطوط ابن عربي من أذربيجان عام 610/&rlm&rlm&rlm&rlmهجرية حتى بيروت 2012، في تبادل «متعب» بعض الشيء بين الماضي والحاضر، وكأنك تقول: الماضي لا يمضي أبدا، والتاريخ معاصر أبدا، يحفر خنادقه بالعظام والفؤوس. ما تأويلك الشخصي لذلك؟

** أنا أؤمن بأن سيرة أي إنسان تحمل الكثير مما يمكن التمعن فيه وتأمله طويلاً. لا يوجد إنسان هامشيّ على هذه الحياة ولكن يوجد بشر حكاياتهم أوضح وآخرون تخفيها الظروف ويمحوها الزمن. ابن عربي الإنسان كان من أولئك الذين عرض المؤرخون سيرهم منقوصة لأنها ركزت على الجانب الفكريّ وأهملت كثيراً الجانب الإنساني. وبطبيعة الحال، فإن هذه هي طبيعة التأريخ في تراثنا العربي إذا يفتقر إلى التفاصيل الإنسانية ويركز على الأحداث العامة. حفزني هذا إلى إعادة تركيب سيرة ابن عربي في إطار يسرده كإنسان وليس كمفكر ومتصوف.

* في «موت صغير» يستشعر القارئ مستوى الجهد اللغوي والبحثي المبذولين بإتقان في تقمص روح العصر والبيئات ورسم الأمكنة وإعادة تعمير المدن والطرقات وملامح البشر، إلى الحد الذي يشعر فيه القارئ أن التاريخ حي يأكل، ويتنفس وفق أهوائه وسلوكياته.. على ماذا يعتمد «علوان» في تغذية خياله اللغوي؟

** كتابة رواية تاريخية أمر يتطلب تطويع اللغة بما يناسب تلك المرحلة. ليس فقط على مستوى الألفاظ والمصطلحات، بل إلى أعمق من ذلك وهو مستوى صياغة الجملة وأسلوب الحديث وما هو سائد ومقبول من الكلام في تلك العصور. ولذلك فإن كتابتي للرواية تطلبت بحثاً على مستوى اللغة مثلما تطلبت بطبيعة الحال بحثاً على مستوى التاريخ والجغرافيا. من غير المعقول أن يتحدث ابن عربي مع معاصريه كما يتحدث الناس في زماننا هذا. ومن غير المعقول أن يتحدث الأندلسي مثل البغدادي. وهكذا. المهمة صعبة جداً لاسيما مع قلة المراجع ولكن الخيال دائماً يكمل ما نقص من الحقيقة.

* تناولت الرواية «ابن عربي» الإنسان العادي من لحم ودم، دون أي انشغال في تراثه وفكره من كلمات، وأقوال مأثورة (اقتصر بعضها على أوائل فصول السيرة فحسب) دون عناء في التفسير، خاصة عنوان الرواية، المأخوذ من عبارة لابن عربي، لماذا هذا الحياد المعرفي؟

** لأنها رواية وليست مبحثاً فكرياً ولا نقدياً في فكر ابن عربيّ. يوجد المئات من المراجع التي تناولت ابن عربي وأفكاره تفسيراً وتأويلاً وتحليلاً ونقداً بينما لا يوجد لدينا روايات كافية تعرض سيرته كإنسان له روح بدلاً من هيكل فكريّ جامد. لقد وجدت أن تعمقي في أفكار ابن عربي لن يضيف للرواية أكثر مما سبق وأن طرح في كتب أخرى، ولربما جعل الرواية جافة وثقيلة على قارئ قد لا يكون مهتماً بالتصوف من الأساس.

قصة عشق

* «لابد من تأنيث المكان حتى تكتمل معانيه» قول لابن عربي «يكشف المكانة الكبرى التي أولاها للمرأة في حياته، وقد كانت في الرواية مبشرة ووتدا من أوتاده الأربعة؟ ما المغزى من اقتصار الرواية على قصة عشق»نظام«عين الشمس والبهاء، ابنة الشيخ زاهر، التي ولدت وعاشت في قلب «ابن عربي» ولا تموت قط، ولأجلها كتب «ترجمان الأشواق» مغزى هذا التركيز وقد أفردت صفحات في وصف وجدان العشق، وخلجاته الروحية، والسلوكية؟

** لا يمكن أن تكتب رواية عن ابن عربي دون التعرض لهذه التجربة الكبرى في حياته. هو نفسه أفرد لها مساحات واسعة من كتبه. وكتب من أجلها ديوانه الوحيد ثم ثنّى بكتاب يشرح فيه هذا الديوان ويبيّن فيه أن قصائده في «نظام» كانت كونيّة الطابع رمزيّة المعنى.

* عنوان الراوية «موت صغير» هو قول لابن عربي أسقطت منه عمدا «الحب»، وتركت الغموض يتلبسه، دون أي شرح له حتى في متن النص؟ هل تخشى عباءة ثيمة «الحب» الظاهرة على رواياتك الأربع السابقة؟

** لا أبداً، اختيار العنوان كمبنى تطلب أن يكون هكذا «موتٌ صغير» ليطرح تساؤلاً بلا إجابة. إن عبارة ابن عربي نفسها وهي كاملة غير مفسرة ويختلف في تفسيرها طلابه. ذكرت سابقاً أن الحب أوسع من كل ما كتبت وما زلت أشعر أني لم أكتب عنه ما يكفي.

* برأيك إلى أي حد نجحت رواية «موت صغير» في توسيع مساحة السؤال، وإشعال فضول القارئ في اكتشاف قامة فكرية وروحية، وشعرية مثل ابن عربي؟ أم ترى أن الرواية أدت مهمتها في خلق المتعة الحركية واللغوية، والإيحاء بشكل الظاهرة «أدبياً» غير معنية بما هو أبعد من ذلك؟

** لم أكتب روايتي بغرض تعريف الناس بابن عربي. يوجد عدة كتب تتناول سيرته وتفي بهذا الغرض. سيرة ابن عربي وحياته هي أداة سردية تزفُّ إلى القارئ رواية كاملة أكبر من سيرة وأبعد من تفاصيل. كان من الممكن أن تُكتب روايتي عن شخصية غير حقيقية بنفس تفاصيلها وأحداثها وشخوصها. ولكن سيرة كسيرة ابن عربي هي فرصة جميلة لأنها تجمع في مصبها أكثر من رافد: الرحيل والتصوف والتاريخ والحب. فرصة لم أفوتها كروائي.

حكمة

* في الرواية يتساءل ابن عربي «صوفي أنا؟ أم عاشق؟ أم كلاهما معا؟ عالم أم عارف؟ شيخ أم مريد؟ ولي أم شقي؟ ما هي الخلاصة الفكرية التي توصلت إليها في نهاية الرحلة؟

** أسمى ما يمكن أن نتعلمه من فكر ابن عربي هو ألا نحصر الإنسان في حيز ضيق مثل الألقاب والصفات. هوية ابن عربي تأرجحت حسب أحواله وأذواقه وكذلك البشر جميعاً. كلنا نتصوف بدرجات. نعشق بدرجات. نعلم ونعرف ونشقى ونقترب. ولكن أياً من هذه الأحوال لا تصاحبنا إلى الأبد ولا تصمنا وحدها.

* قال ابن عربي: من ترك السفر سكن، ومن سكن عاد إلى العدم«ما هو رأيك بدور السفر في الرواية، سواء أكان سفر المؤلف، أم سفر الشخصيات الروائية، وأهميته في تنمية شخصية الروائي وتغذية عمله ؟

** السفر هو المحرك السردي للرواية برمتها. محورها الأساس ومولّد كل ما فيها من أحداث وأحوال. إن أول ما شدني إلى سيرة ابن عربي هو ترحاله قبل تصوفه. هذا القلق العارم الذي رافقه طيلة حياته من الأندلس إلى أذربيجان. لا يمكث في بلد حتى يتركه. ماذا رأى؟ ماذا سمع؟ بم تأثر؟ كيف فكّر؟ أين وصل؟ هذه هي الأسئلة التي أشعلت هذه المغامرة الروائية من الأساس.

نقاط تماس

* يقال إننا نتغير ولا نعود ذواتنا بعد قراءة مفكر كبير؟ هل هذا ينطبق عليك؟

** هذا الأمر مشروط بعدد نقاط التماسّ بين فكره وذواتنا. قد نقرأ لعظماء فلاسفة التاريخ ولا نجد لهم أثراً ملموساً في حياتنا، وفي المقابل قد يأخذنا مشهد في فيلم أو مقطع من قصيدة أو عبارة في كتاب إلى انقلاب روحي وذاتي وتغيير جذري في مسارات الحياة.

* من يولد في مدينة محاصرة تولد معه رغبة جامحة في الانطلاق خارج الأسوار. هل تفسر هذه العبارة الافتتاحية لـ «موت صغير» حالة السأم الطاغية على شخصيات أعمالك الروائية السابقة وهروبها دائما إلى آفاق أخرى؟

** ليست سأماً، بل أشبه ما تكون بالقلق الوجودي الذي يولّد طاقة هائلة تدفع باتجاه الرحيل. والرحيل الذي أعنيه ليس المسافة الجغرافية فقط بل ذلك الرحيل الذي باتجاه الذات. أن ترحل بقدميك في محاولة للتحريض على الرحيل الذاتي.

* قال فولكنر: أنا شاعر فاشل، وربما روائي يرغب في البدء بكتابة الشعر، فيكتشف أنه لا يستطيع ذلك، فيلجأ إلى القصة القصيرة، وبعد أن يفشل ينتقل إلى الرواية «هل هذا يتقاطع مع محمد حسن علوان وقد عرفناك شاعرا، قبل التفرغ للرواية وحدها؟

** لكل كاتب علاقته الخاصة بالأجناس الأدبية. شخصياً، أجد الإبداع ممكناً وحاضراً في كل جنس أدبي بالتساوي. ثمة قصيدة رديئة وجيدة مثلما أن هناك رواية رديئة وجيدة.

* كيف تقرأ سمات المشهد الروائي الشبابي في الخليج؟ رأيك كملامح عامة؟

** مشهدٌ واعدٌ وجميل. يكتنفه بعض الاستعجال بسبب سهولة النشر ولكن هذا يحدث في كل مكان. إحدى مشاكل الرواية الخليجية أنها تقفز من الكتابة إلى المطبعة بشكل سريع جداً، ولا توجد تلك المراحل المهنية التي تشترطها صناعة النشر في الدول الغربية مروراً بوكيل النشر والمحرر ولجان التقويم وغيرها. لو تيسّر لنا في عالمنا العربي عامة وليس الخليجي فقط صناعة نشر بهذه المهنية لكانت رواياتنا أجود بكثير ومشهدنا الروائي في قمة ألقه.

اعتقاد خاطئ

* كروائي شاب وبعد خمسة أعمال روائية وكتاب بحثي في مفهوم الرحيل هل أنصفك النقد والنقاد؟ وهل أنت راض عن مكانتك الأدبية والنقدية؟ وعن سير مشوارك؟

** النقاد ليسوا مسؤولين عني وعن تجربتي. للناقد مشروعه الشخصي عندما يمارس النقد. وفي حال أنه وجد في كتابتي ما يخدم مشروعه فسيستفيد منه. لدى كثير من الكتّاب تصوّر خاطئ أن النقّاد وجدوا من أجل أن يخدموا أعمالهم ويساعدوهم على الظهور. وعندما يخيب ظن الكاتب في هذا يدقّ الإسفين بين الكتّاب والنقاد. بالنسبة لي، أنا لا أنتظر من أي ناقد أن يخدم عملاً من أعمالي بنقده. إن نقد، استفدت. وإن لم ينقد، فهذا شأنه.

* يقول آدموند غونكور وقد أعطى اسمه لواحدة من أهم جوائز الرواية «إنها جنس أدبي مستهلك ومستنفذ قال كل ما عنده»؟ ما هي أهمية الرواية لديك؟

** يذكرني قوله هذا بتوصية مكتب الاختراعات الأميركي قبل قرن من الزمان بالتوقف عن منح براءات الاختراع لأنه لم يبق شيء لم يُخترع فعلاً!

لم أختر شريحتي

أكتب كما أشعر أن روايتي ينبغي لها أن تُكتب. حلمي أن يقرأ لي الجميع ولكن هذا حلمٌ صعب. في آخر المطاف، كل كاتب.. بل كل كتاب.. سيصنع شريحته القرائية حسب عوامل ثقافية وفنية متعددة. لا أظن أن مهمتي ككاتب تتطلب أن أختار الشريحة المستهدفة مسبقاً.

استعجال

المشهد الروائي الشبابي في الخليج مشهدٌ واعدٌ وجميل. يكتنفه بعض الاستعجال بسبب سهولة النشر ولكن هذا يحدث في كل مكان. إحدى مشاكل الرواية الخليجية أنها تقفز من الكتابة إلى المطبعة بشكل سريع جداً، ولا توجد تلك المراحل المهنية التي تشترطها صناعة النشر في الدول الغربية مروراً بوكيل النشر والمحرر ولجان التقويم وغيرها. لو تيسّر لنا في عالمنا العربي عامة وليس الخليجي فقط صناعة نشر بهذه المهنية لكانت رواياتنا أجود بكثير ومشهدنا الروائي في قمة ألقه.

ابن عربي الإنسان

ابن عربي الإنسان كان من أولئك الذين عرض المؤرخون سيرهم منقوصة؛ لأنها ركزت على الجانب الفكريّ وأهملت كثيراً الجانب الإنساني. وبطبيعة الحال، فإن هذه هي طبيعة التأريخ في تراثنا العربي، إذ يفتقر إلى التفاصيل الإنسانية، ويركز على الأحداث العامة. حفزني هذا إلى إعادة تركيب سيرة ابن عربي في إطار يسرده كإنسان وليس كمفكر ومتصوف.

النقّاد ليسوا خدماً للكُتّاب

* كروائي شاب وبعد خمسة أعمال روائية وكتاب بحثي في مفهوم الرحيل هل أنصفك النقد والنقاد؟ وهل أنت راض عن مكانتك الأدبية والنقدية؟ وعن سير مشوارك؟

** النقاد ليسوا مسؤولين عني وعن تجربتي. للناقد مشروعه الشخصي عندما يمارس النقد. وفي حال أنه وجد في كتابتي ما يخدم مشروعه فسيستفيد منه. لدى كثير من الكتّاب تصوّر خاطئ أن النقّاد وجدوا من أجل يخدموا أعمالهم ويساعدوهم على الظهور. وعندما يخيب ظن الكاتب في هذا يّدقّ الإسفين بين الكتّاب والنقاد. بالنسبة لي، أنا لا أنتظر من أي ناقد أن يخدم عملاً من أعمالي بنقده. إن نقد، استفدت. وإن لم ينقد، فهذا شأنه.

المصدر: الاتحاد